المقدمة
الحَمدُ لله القَادِرِ، العَلِيمِ الفَاطِرِ، الحَكِيمِ المُتَّصِفِ بِالعِلمِ الشَّامِلِ، الَّذِي أَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا، لَا يَخفَى عَلَيهِ الشَّاهِدُ وَالغَائِبُ، يَعلَمُ العَلَنَ وَالإِسرَارَ وَالجَهرَ وَالإِضمَارَ، وَالمُشكِلَ وَالجَلِيَّ، وَالبَادِيَ وَالخَفِيَّ، ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، سُبحَانَهُ مِن عَالِمٍ لَا بِفِكرَةٍ وَاجتِهَادٍ، وَلَا بِضَمِيرٍ وَفُؤَادٍ، بَصِيرٌ بِلَا حَدَقَةٍ وَسَوَادٍ، وَعَزِيزٌ بِلَا عُدَّةٍ وَعَتَادٍ، وَمُتَكَلِّمٌ بِلَا لِسَانٍ وَلَهَاةٍ، وَصَانِعٌ بِلَا آلَةٍ وَأَدَاةٍ، ، تَعَالَى عَنِ الأَندَادِ وَالأَشكَالِ، وَالأَشبَاهِ وَالأَمثَالِ، استَأثَرَ بِنُعُوتِ الجَلَالِ، بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِن أَوسَطِهِم نَسَبًا، وَأَشرَفِهِم حَسَبًا، وَأَحسَنِهِم أَدَبًا، وَأَشهَرِهِم أُمًّا وَأَبًا، يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ، وَيُعَارِضُ أَبَاطِيلَهُم بِبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى انكَشَطَت غِشَاوَةُ الشَّكِّ عَن وَجهِ اليَقِينِ، أَنزَلَ عَلَيهِ النُّورَ المُبِينَ، وَالوَحيَ المُستَبِينَ، أَنقَذَ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَهَدَى بِهِ مِن حَيرَةِ الجَهَالَةِ، فَبَهَرَت مُعجِزَتُهُ، وَظَهَرَت دِلَالَتُه، صَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ صَلَاةً تَنمُو أَبَدًا، وَتَتَّصِلُ مَدَدًا، مَا تَنَاوَبَ الصَّبَاحُ وَالمَسَاءُ سَرمَدًا،أَمَّا بَعدُ:
فقد وصلنا في شرحِنا لألفيةِ الحافظِ العراقيِّ رحمه الله إلى قولِه:
ذكر أحداث السنة السابعة من الهجرة
في السَّـبـعِ خَيبرٌ وعُمرَةُ القَضَـا *** وَقَـدِمَـت أمُّ حَـبِـيـبَـةَ الـرِّضَـا
بَـنَـى بِهَا وَبَـعـدَهَـا مَـيـمُـونَـةُ *** كَـذَاكَ فِـيـهَـا قَـبـلَـها صَـفِيَّةُ
وَفِيهِ مَـنـعُ الـحُـمُـرِ الأَهـلِـيَّـةِ *** وَمُـتـعَـةِ النِّسَــاءِ ثُـمَّ حَـلَّـتِ
يَـومَ حُـنَـيـنٍ ثُـمَّ قَـد حَـرَّمَـهَـا *** مُؤَبَّـدًا لَـيـسَ لِـذَلِـكَ انـتِـهَـا
وَفِي العَامِ السَّابِعِ مِنَ الهِجرَةِ كانَت غَزوَةُ خَيبَرَ بعدَ الحُدَيبِيَةِ، وَقَد أَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَعدَ رُجُوعِهِ مِنَ الحُدَيبِيَةِ ذَا الحِجَّة وَبَعضَ المُحَرَّم، ثُمّ خَرَج فِي بَقِيّةٍ مِنهُ غَازِيًا إِلَى خَيبَرَ فنَزَل عَلَى أَهلِهَا لَيلًا، وَخَيبرُ مدِينَةٌ كبِيرَةٌ ذاتُ حُصُونٍ ومَزَارِعَ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنَ المَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ.
وكانَ مِن أَمرِ خُرُوجِهِ ﷺ أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قَد وَعَدَ نَبِيَّه إيّاهَا وَهُو بالحُديَبِيَةِ، فَأَنزَلَ علَيهِ سُورَةَ الفتحَ، وَفِيهَا: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾، وَقَد فُسِّرَ المُعجَّلُ بصُلحِ الحدَيبِيةِ والمغانِمُ الموعودُ بهَا بفَتحِ خَيبرَ.
وغزوةُ خيبَرَ كانَت بَعدَ الحدَيبِيَةِ في سَنةَ سَبعٍ خرَجَ غازِيًا إِلَى خيبَرَ، وخَيبرُ مدِينةٌ كبِيرةٌ ذاتُ حُصونٍ ومزارِعَ على ثَمانيةِ برُدٍ مِن المدينةِ إلى جهةِ الشّام.
وكانَ يهودُ خَيبرَ لا يَظُنُّونَ أنّ النَّبِيَّ ﷺ يَغزُوهُم لِمَنَعَتِهِم وحُصونِهِم وسِلاحِهِم وعدَدِهم، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾، فكَانَ اليَهُودُ يَخرُجُونَ كُلَّ يومٍ في عشَرَةِ ءالَافِ مُقاتِلٍ صُفوفًا ثُمّ يَقولُونَ: محمّدٌ يَغزُونَا، هَيهاتَ هَيهاتَ.
ولمّا أشرَفَ رسولُ اللهِ ﷺ على خَيبرَ قال لأصحابِه: “قِفُوا“، ثُمَّ قالَ قولُوا: “اللهم رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَمَا أَظَلَّت، وَرَبَّ الأَرَضِينَ السَّبعِ وَمَا أَقَلَّت، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَّت، وَرَبَّ الرِّياحِ وَمَا ذَرَينَ، فَإِنَّا نَسأَلُكَ خَيرَ هَذِهِ القَريَةِ وَخَيرَ أَهلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّهَا وشَرِّ أَهلِهَا“.
وحاصَرَ النَّبِيُّ والصّحابةُ حُصونَ اليَهودِ حتَّى سقَطَت في أيدِيهِم وبَقِيَ حِصنُ الكَتِيبَةِ وهو أشدُّها وأكثَرُها مَنَعةً، فأخذَتِ الشَّقيقةُ أي ألَمُ الرَّأسِ رسولَ اللهِ ﷺ فلَم يَخرُجْ مِن شِدَّةِ الأَلَمِ لِيوَمَينِ ولكِن جَعَل يُرسِلُ غيرَهُ علَى الجيشِ لفَتحِ الحِصنِ، فلَمَّا قاتَلُوهُم قِتالًا شدِيدًا ولَم يُفتَحْ قال ﷺ: “لَأُعطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ“، فباتَ النّاسُ لَيلَتَهُم أَيُّهُم يُعطَى، فغَدَوا كُلُّهم يَرجُوهُ، فقالَ ﷺ: “أَينَ عَلِيٌّ؟”، فقِيلَ: يَشتَكِي عَينَيهِ أيِ الرَّمَدَ، فدعَاهُ فلَمَّا أتاهُ بَصَقَ ﷺ في عَينَيهِ ودَعا لَهُ، فبَرَأَ كأَنْ لَم يَكُن بِه وَجَعٌ، فأعطَاهُ ﷺ الرّايَةَ، فقَالَ عليٌّ: أُقاتِلُهم حتّى يَكونُوا مِثلَنا؟ فقالَ ﷺ: “انفُذ عَلَى رِسلِكَ حَتَّى تَنزِلَ بِسَاحَتِهِم، ثُمَّ ادعُهُم إِلَى الإِسلاَمِ وَأَخبِرهُم بِمَا يَجِبُ عَلَيهِم، فَوَاللهِ لَأَن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمرُ النَّعَمِ“.
وخرَج مَرحَبٌ: وكان أحدَ أشهر فرسان يهود خيبر، وكان نقش على سيفه هذا سيف مرحب من يذقه يعطب، فقال:
قد علِمَتْ خيبرُ أنِّي مَرْحَبُ **** شاكي السِّلاحِ بطَلٌ مجرَّبُ **** إذا الحروبُ أقبَلَتْ تَلَهَّبُ
فقال علِيُّ بنُ أبي طالبٍ:
أنا الَّذي سمَّتْني أمِّي حَيْدَرَهْ **** كلَيْثِ غاباتٍ كريهِ المنظَرَهْ **** أُوفِيهمُ بالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ (معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا، والسندرة مكيال واسع)
فضرَبه عليٌّ ففلَق رأسَ مَرْحَبٍ فقتَله وكان الفتحُ على يدَيْ علِيِّ بنِ أبي طالبٍ، ويقال: إن مرحب رأى في المنام في نفس الليلة التي قتله علي فيها أن أسدا يفترسه.
وقُتِلَ مِن المُسلمِين في هذه الغَزوةِ خمسةَ عشَرَ، ومِن اليَهودِ ثَلاثةٌ وتِسعُونَ، وفُتِحَت جميعُ حُصونِ خيبرَ، فأغنَمَ اللهُ النَّبِيَّ والأصحابَ دِيَارَ يَهودَ وأمَوالَهُم، ومضَى مِنهَا بعدَ ذلكَ النّبِيُّ ﷺ إلى وادِي القُرَى وأخَذَها عُنوةً (أي قَهرًا) مِن يهودَ وانصَرَف بَعدَ أن أقامَ فِيهَا أربعةَ أيّامٍ ثُمّ قَدِمَ المَدِينةَ.
وقُسِمَت غَنائِمُ خَيبرَ على أهلِ الحدَيبِيةِ مَن شَهِدَ خَيبرَ ومَن غابَ عنها، ولم يَغِب عنهَا إِلَّا جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، فقسَمَ له رَسولُ اللهِ ﷺ كسَهمِ مَن حَضَرها، وحصَل للمسلمِينَ بسبَبِ مقاسِمِ خَيبرَ سَعةٌ لم يَجِدُوهَا مِن قَبلُ، حتَّى إِنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: مَا شَبِعنا حتَّى فَتَحنَا خَيبرَ.
في السَّـبـعِ خَيبرٌ وعُمرَةُ القَضَـا *** وَقَـدِمَـت أمُّ حَـبِـيـبَـةَ الـرِّضَـا
بَـنَـى بِهَا وَبَـعـدَهَـا مَـيـمُـونَـةُ *** كَـذَاكَ فِـيـهَـا قَـبـلَـها صَـفِيَّةُ
وَفِيهِ مَـنـعُ الـحُـمُـرِ الأَهـلِـيَّـةِ *** وَمُـتـعَـةِ النِّسَــاءِ ثُـمَّ حَـلَّـتِ
يَـومَ حُـنَـيـنٍ ثُـمَّ قَـد حَـرَّمَـهَـا *** مُؤَبَّـدًا لَـيـسَ لِـذَلِـكَ انـتِـهَـا
وفي هذه السنةِ سنةِ خَيبَرَ رجعَ مَن كان بَقِيَ بالحبَشَةِ ممَّن هاجَرَ إليهَا مِنَ المسلِمِينَ ومَنِ انضَمَّ إليهِم من أهلِ اليَمَنِ على رسولِ اللهِ ﷺ وهو مُخَيِّمٌ بخَيبَرَ.
ورُوِيَ أنَّ جعفَرَ بنَ أبِي طالِبٍ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ يومَ فتحِ خيبرَ، فقَبَّلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بينَ عَينَيهِ والتَزَمَهُ، وقالَ: “مَا أَدرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أُسَرُّ، بِفَتحِ خَيبَرَ أَم بِقُدُومِ جَعفَرٍ”.
وبَعدَ خيبَرَ قدَّمَت يهُودِيَّةٌ للنَّبِيِّ ﷺ شاةً مسمُومَةً فلَاكَهَا ولَفَظَهَا وأَكَلَ معهُ بعضُ الصَّحَابَةِ فَمَاتَ مِنهَا، وقَد رُوِيَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا كانَ في مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ قالَ: “ما زِلتُ أَجِدُ مِنَ الأَكلَةِ الَّتِي أَكَلتُ بِخَيبَرَ، فَهَذا أَوَانُ قَطَعَت أَبهَرِي”، أي مَوتِي، وفِي رِوَايَةٍ: “تُعَاوِدُنِي فِي كُلِّ عَامٍ”، أي يراجِعُني الألَمُ فأَجِدُهُ في جَوفِي كُلَّ عامٍ بسَبَبِ أَكلِي مِنَ الطعَامِ المَسمُومِ، وفي ذلِكَ دليلٌ على أنّهُ قد نَالَ ﷺ معَ عُلوِّ درجَتِه الشّهادةَ أيضًا.
وفي العامِ السّابِعِ مِنَ الهِجرةِ حَصَلَت عُمرَةُ القَضَاءِ ويُقالُ لها: غَزوةُ الأَمنِ، وعُمرَةُ القِصَاصِ، وعُمرةَ القَضِيّةِ، لأنَّ النبيَّ ﷺ قَاضَى فيهَا أهلَ مكَّةَ أي أنفَذَ علَيهِم أَمرَهُ كمَا جَاءَ فِي الصُّلحِ أنَّهُم يعمَلُونَ عُمرَةً فِي العامِ المُقبِلِ.
وكانَ مِن خبَرِ هذِهِ الغَزوَةِ أنّ رسولَ الله ﷺ خرَجَ في ذِي القَعدةِ مِنَ السَّنةِ السابِعةِ قاصِدًا مكّةَ للعُمرةِ على ما عاقَد علَيه قُرَيشًا في الحدَيبيةِ مِن أنّه يَدخُلُ مكّةَ في العامِ القابِلِ معَهُ سِلاحُ المُسافِر ولا يُقِيمُ بها أكثرَ مِن ثلاثةِ أيّامٍ.
وخرَج النّبِيُّ ﷺ مُعتمِرًا ومعه المسلِمُون مِمّن كان صُدَّ معَه في عُمرتِه تِلكَ وغيرُهُم فبلَغُوا ألفَينِ، فلَمّا سَمِع به مُشرِكُو مكّةَ خرَجُوا عنهُ، وساقَ معَه ﷺ ستِّين بدَنةً، فخرَجَ رؤساءُ قرَيشٍ مِن مكّةَ إلى رؤُوسِ الجِبالِ غَيظًا وحسَدًا وقالوا: لا نَنظُرُ إليهِ ولَا إِلَى أصحَابِه، وذلك بسَبَبِ ما أشَاعُوهُ مِن أنَّ المسلمِينَ قَد أصابَتهُم الحُمَّى، وقالُوا لقومِهِم: إنّه يَقدَمُ علَيكُم قَومٌ قد وَهَّنَتهُم الحُمَّى ولَقُوا مِنهَا شَرًّا، فأمَر النّبِيُّ ﷺ أصحابَه أن يَرمُلوا الأشواطَ الثّلاثةَ فلَمّا رأَوهُم يرمُلُون قالُوا: هؤلاءِ الّذِينَ ذكَرتُم أنّ الحُمَّى وَهَّنَتهُم، هؤلاءِ أجلَدُ مِنَّا.
وحبَسَ رسولُ الله ﷺ الهديَ بذِي طُوًى ودخَلَ مكّةَ مِن ثَنِيّةِ كَداءٍ- وهي الثّنِيّةُ الّتي تُطِلّ على الحَجُون- ثُمّ رَكِبَ ناقتَه القَصواءَ وحولَه أصحابُه مُتوشِّحُو السُّيوفِ يُلَبُّونَ، وعبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ ءاخِذٌ بزِمَامِ القَصواءِ، ولَم يَزَل ﷺ يُلَبِّي حتَّى استَلَم الرُّكنَ.
ثم انتهَى ﷺ إلى البيتِ الحرامِ وهو على راحِلَتِه فدَنا مِن الرُّكنِ واستلَمه بمِحجَنِه (وهو العصا المنعطفة الرأس) وهو مُضطَبِعٌ بثَوبِه، وهَروَلَ هو والمسلِمُون في الثّلاثةِ الأشواطِ الأُوَلِ، وكانَ ابنُ رَواحةَ يَرتَجِزُ في طَوافِه وهو ءاخِذٌ بزمامِ القَصواءِ، فقال له رسولُ اللهِ ﷺ: “يَا ابنَ رَوَاحَةَ قُل: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ، نَصَرَ عَبدَهُ، وَأَعَزَّ جُندَهُ، وَهَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ”.
وروَى التِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كِلاهُما في «السُّنَنِ» عن أنَسٍ قال: دخَلَ رسولُ اللهِ ﷺ مَكّةَ في عُمرَةِ القَضاءِ وابنُ رَواحةَ بينَ يدَيهِ يقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَن سَبِيلِهِ *** اليَومَ نَضرِبكُم عَلَى تَنزِيلِهِ
ضَربًا يُزِيلُ الهَامَ عَن مَقِيلِهِ *** وَيُذهِلُ الخَلِيلَ عَن خَلِيلِهِ
فقال لهُ عُمَر: يا ابنَ رَواحةَ في حَرَمِ الله وبَينَ يَدَي رَسولِ الله ﷺ تقُول هذا الشِّعرَ! فقال النَّبِيُّ ﷺ: “خَلِّ عَنهُ، فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِه لَكَلَامُهُ أَشَدُّ عَلَيهِم مِن وَقعِ النَّبلِ”.
ولَمّا قضَى النّبِيُّ ﷺ طوافَه خرَجَ إلى الصَّفا فسَعَى على راحِلَتِهِ، ووقَفَ عِند فَراغِه قريبًا مِن المَروةِ والهديُ عِندَها فقال: “هَذَا المَنحَرُ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنحَرٌ”، ونحَرَ عندَ المَروةِ.
وصَعِدَ بلالٌ رضيَ الله عنهُ فوقَ الكعبَةِ فأذَّنَ بالظُّهرِ، فاغتاظَ لذلكَ المُشرِكونَ، حتّى غطَّى سُهيلُ بنُ عَمرٍو ورجالٌ معَه وُجوهَهم تغيُّظًا ممّا يقَعُ.
وأقامَ رسولُ الله ﷺ بمكّةَ ثلاثًا قضَى فيهَا وأصحَابُهُ النُّسُكَ، فلَمّا كانَ ظُهرُ اليومِ الرّابِعِ خرجَ ﷺ مِن مكّةَ ورجَعَ إِلَى المَدِينَةِ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وفِي هذِهِ السنَةِ كانَ إسلَامُ خالِدِ بنِ الوَلِيدِ معَ عمرِو بنِ العَاصِ وعثمَانَ بنَ أبِي طلحَةَ، وَكَانَ بَدءُ الأَمرِ بَعدَ غَزوَةِ الخَندَقِ، قالَ عمرُو بنُ العَاصِ: لمَّا انصَرَفنَا يومَ الأحزَابِ عَنِ الخندَقِ، جمَعتُ رجَالًا مِن قريشٍ كانوا يَرَونَ رأيِي ويسمَعُون منِّي، فقُلت لهُم: تعلَمُون والله أَنِّي أَرَى أَمرَ مُحَمَّدٍ يعلُو الأمُورَ عُلُوًّا ظاهرا، وإنِّي قد رأَيتُ أمرًا، فمَا ترَونَ فيهِ؟ قالُوا: ومَا رأَيتَ؟ قال: رأيتُ أن نلحَقَ بالنَّجَاشِيِّ فنَكُونَ عندَهُ، فإِن ظهَرَ محمَّدٌ على قومِنَا كنَّا عندَ النجاشِيِّ، فإنَّا أن نكُونَ تحتَ يدَيهِ أحبُّ إلينَا من أَن نكونَ تحتَ يدَي محمَّدٍ، وإن ظهَرَ قومُنَا فنحنُ من قَد عرَفُوا، فلن يَأتِيَنَا منهُم إلا خَيرٌ، قالُوا: إنَّ هذَا لَرَأيٌ، قلتُ: فاجمعُوا لنَا مَا نُهدِي لهُ، وكانَ أحَبُّ مَا يُهدِى إِلَيهِ مِن أرضِنَا الأُدمَ، فجمَعنَا لَهُ أدمًا كثيرًا، ثم خَرجنَا حَتَّى قَدِمنَا علَيهِ، فوَالله إِنَّا لَعِندَهُ إِذ جَاءَهُ عَمرُو بنُ أميَّة الضَّمرِيَّ، وكان رسولُ الله ﷺ قَد بَعَثَهُ إِلَيهِ فِي شَأنِ جَعفَرٍ وأصحَابِهِ، قالَ: فدَخَلَ علَيهِ ثمَّ خرَجَ مِن عندِهِ، فقُلتُ لِأَصحَابِي: هذَا عَمرُو بنُ أُمَيَّةَ، لو قَد دخَلتُ على النَّجَاشِيِّ فسأَلتُهُ إياهُ فأعطَانِيهِ فضَرَبتُ عنقَهُ، فإذَا فعَلتُ ذلك رأَت قرَيشٌ أنِّي قد أجزَأتُ عنهَا حينَ قتَلتُ رسُولَ محمَّدٍ، فدخَلتُ علَيهِ فسَجدتُ لهُ كمَا كنتُ أصنَعُ، فقالَ: مرحَبًا بصَدِيقِي، هل أَهدَيتَ لِي من بِلادِكَ شيئًا؟، قلت: نعَم أيُّهَا الملِكُ، قد أَهدَيتُ لكَ أُدمًا كثِيرًا، ثم قرَّبتُهُ إليهِ، فأعجَبَهُ واشتَهَاهُ، ثم قلتُ له: أيُّهَا الملِكُ، إِنِّي قد رأَيتُ رجُلًا خرجَ مِن عندِكَ وهُوَ رسُولُ رجُلٍ عدُوٍّ لنَا، فأعطِنِيهِ لأَقتُلَهُ، فإِنَّه قد أصَابَ من أشرَافِنَا وخِيَارِنَا، قال: فغَضِبَ، ثم مَدَّ يدَهُ فضرَبَ بهَا أنفَه ضربَةً ظنَنتُ أنَّه قد كَسَرَهُ، فلَوِ انشَقَّتِ الأَرضُ لَدَخَلتُ فيهَا خَوفًا مِنهُ، ثُمَّ قلتُ لهُ: أيُّهَا الملِكُ، والله لو ظَنَنتُ أنكَ تَكرَهُ هذَا ما سَأَلتُكَهُ، قال: أَتَسأَلُنِي أَن أُعطِيكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأتِيهِ النَّامُوسُ الأَكبَرُ الَّذِي كانَ يأتِي مُوسَى لِتَقتُلَهُ؟!، قُلتُ: أيُّهَا الملِكُ، أكذَاكَ هُوَ؟ قالَ: ويحَكَ يَا عَمرُو! أطِعنِي واتَّبِعهُ، فإِنَّهُ والله لعَلَى الحَقِّ، وليَظهَرَنَّ علَى مَن خالَفَهُ كمَا ظهَرَ مُوسَى بنُ عِمرَانَ عَلَى فِرعَونَ وَجُنُودِهِ، قلتُ: أفتُبَايِعُنِي لهُ عَلَى الإِسلَامِ؟ قال: نَعَم، فبَسَطَ يدَهُ فبَايَعتُهُ عَلَى الإِسلَامِ، ثمَّ خرَجتُ علَى أصحَابِي وقَد حالَ رأيِي عمَّا كانَ علَيهِ، وكتَمتُ أصحَابِي إِسلَامِي، ثمَّ خرَجتُ عامِدًا إلى رسُولِ الله ﷺ لأُسلِمَ، فَلَقِيتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ، وذلكَ قُبَيلَ الفَتحِ، وَهُوَ مُقبِلٌ مِن مَكَّةَ، فقُلتُ: أينَ أبَا سُلَيمَانَ؟ فقَالَ: والله لقَد استَقَامَ المَنسَمُ، وإِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ، أَذهَبُ وَالله فَأُسلِمَ، فحَتَّى متَى؟، قالَ: قلتُ: وَالله ما جِئتُ إِلَّا لِأُسلِمَ، فقَدِمنَا المدِينَةَ علَى النَّبِيِّ ﷺ، فتَقَدَّمَ خَالدُ بنُ الوَلِيدِ فَأَسلَمَ وبَايَعَ، ثُمَّ دنَوتُ فقُلتُ: يا رَسُولَ الله، إنِّي أبَايِعُكَ علَى أَن يُغفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِي، فقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: “يَا عَمرُو، بَايِع فَإِنَّ الإِسلَامَ يَجِبُ مَا كَانَ قَبلَهُ قالَ: فبَايَعتُهُ ثُمَّ انصرَفتُ. وكانَ إسلَامُهُم بَعدَ الحُدَيبِيَةِ.
قالَ خالِدُ بنُ الوَلِيدِ: لمَّا أرَادَ اللهُ بِي مَا أرَادَ مِنَ الخيرِ قذَفَ فِي قلبِي الإِسلَامَ وحضَرَنِي رُشدِي، فقُلتُ: قَد شهِدتُ هذِهِ المواطِنَ كلهَا علَى مُحَمَّدٍ ﷺ، فلَيسَ في مَوطِنٍ أشهَدُهُ إلَّا أنصَرَفَ وأنَا أرَى في نفسِي أَنَّ مُحَمَّدًا سيَظهَرُ، فلمَّا خرَجَ رسُولُ الله ﷺ إِلَى الحُديبِيَةِ خرَجتُ في خيلٍ منَ المشركِينِ، فلَقِيتُ رسُولَ اللهِ ﷺ في أصحَابِهِ بعُسفَانَ، فقُمتُ بإزائِهِ وتعَرَّضتُ لهُ، فصلَّى بأصحَابِهِ الظهرَ أمامَنَا، فهمَمنَا أن نُغِيرَ عليهِم، ثمَّ لَم يُعزَم لَنَا، فاطَّلَعَ علَى مَا فِي أنفُسِنَا مِنَ الهَمِّ بِهِ، فَصَلَّى بأصحَابِهِ صلَاةَ العَصرِ صلَاةَ الخَوفِ، فوقَعَ ذلِكَ منَّا موقِعًا، وقلتُ: الرَّجُلُ ممنُوعٌ، فلمَّا صالَحَ قرَيشًا بالحدَيبِيَةِ قلتُ في نفسِي: أيُّ شيءٍ بقِيَ؟ أينَ المَذهَبُ؟ إلى النَّجَاشِيِّ؟ فقَدِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا، وأصحَابُهُ عندَهُ آمِنُونَ، فأَخرُجُ إِلَى هِرَقلَ؟ فأخرُجُ من دِينِي إلَى نصرَانِيَّةٍ أو يَهُودِيَّةٍ، فأُقِيمُ في عَجَمٍ تَابِعًا، قال فأقمت في دَارِي فيمَن بقِيَ؟ وبينما أنا على ذلِكَ إذ دخلَ رسُولُ اللهِ ﷺ مكَّةَ في عمرَةِ القضِيَّةِ، فتغَيَّبتُ ولم أشهَد دُخُولَهُ، وكانَ أخِي الوليدُ بنُ الوليدِ قد دخَلَ معَ النَّبِيِّ ﷺ في عمرَةِ القَضِيَّةِ، فطلَبَنِي فلَم يجِدنِي، فكتَبَ إليَّ كتَابًا، فإذَا فيهِ: بسمِ اللهِ الرحمَنِ الرحِيمِ، أما بعدُ، فإِنِّي لم أرَ أعجَبَ مِن ذهَابِ رأيِكَ عَنِ الإسلامِ وعقلِكَ! ومِثلُ الإِسلَامِ جَهِلَهُ أَحَدٌ؟! وقد سَأَلَنِي رسُولُ اللهِ ﷺ عنكَ، وقالَ: “أَينَ خَالِدٌ؟”، فقلتُ: يأتِي اللهُ بهِ، فقالَ: “مَا مِثلُهُ جَهِلَ الإِسلَامَ، فاستَدرِك يا أخِي ما قَد فاتَكَ، فقَد فاتَكَ مواطِنُ صالحَةٌ، فلمَّا جاءنِي كتابُهُ نَشِطتُ للخُرُوجِ، وزادَنِي رغبَةً فِي الإِسلَامِ، وسَرَّنِي سُؤَالُ رسُولِ اللهِ ﷺ عَنِّي، وأَرَى في النَّومِ كأنِّي في بلَادٍ ضيِّقَةٍ مُجدِبَةٍ، فخَرَجتُ إلى بلادٍ خضراءَ واسِعَةٍ، فقلتُ: إنَّ هذِهِ لرُؤيَا، فلَمَّا أنْ قدِمتُ المدينَةَ قلتُ: لَأَذكُرَنَّهَا لأَبِي بكرٍ، فقالَ: مخرَجُكَ الذِى هدَاكَ اللهُ للإِسلَامِ، والضِّيقُ الذي كُنتَ فيهِ مِنَ الشِّركَ.
قالَ: فلمَّا أجمَعتُ الخُرُوجَ إلى رسولِ اللهِ ﷺ قلتُ: من أُصَاحِبُ إلى رسُولِ اللهِ ﷺ؟ فلقِيتُ صفوَانَ بنَ أميَّةَ فقلتُ: يا أَبَا وَهْبٍ، أمَا ترَى مَا نَحنُ فِيهِ، إنِّمَا نحنُ أكَلَةُ رأسٍ، وقَد ظهَرَ محمَّدٌ عَلَى العرَبِ والعَجَمِ، فلَو قدِمنَا على مُحَمَّدٍ واتَّبعنَاهُ، فإنَّ شرَفَ محمَّدٍ لنَا شَرَفٌ، فأَبَى أشدَّ الإِبَاءِ، فقالَ: لو لَم يبقَ غَيرِي مَا اتَّبَعتُهُ أبَدًا، فافتَرَقنَا، وقُلت: هذَا رجلٌ قُتلَ أخُوهُ وأبُوهُ ببدرٍ، فلَقِيتُ عكرِمَةَ بنَ أَبِي جهلٍ، فقلتُ له مثلَ ما قُلتُ لصفوَانَ بنِ أميَّةَ، فقالَ لي مِثلَ مَا قَالَ صفوانُ بنُ أميَّةَ، فخرَجتُ إلى منزِلِي، فأمَرتُ برَاحِلَتِي، فخرَجتُ بهَا إِلَى أن لَقِيتُ عثمَانَ بنَ أبي طلحَةَ، فقلتُ: إنَّ هذَا لي صدِيقٌ، فلَو ذكَرتُ لهُ ما أَرجُو، ثم ذكَرتُ مَن قُتِلَ مِن آبَائِهِ، ثم قلتُ: ومَا علَيَّ وأنَا راحِلٌ مِن ساعَتِي، فذكَرتُ له ما صارَ الأمرُ إليهِ، فقلتُ: إنَّمَا نحنُ بمَنزِلَةِ ثعلَبٍ في جُحرٍ، لَو صُبَّ فيهِ ذَنُوبٌ مِن مَاءٍ لَخَرَجَ، وقُلتُ له نَحوًا ممَّا قُلتُ لصَاحِبَِي، فأسرَعَ الإِجَابَةَ، قَالَ فتَوَاعَدنَا أن نَخرُجَ، فلَمَّا أَدلَجنَا سَحَرًا لَم يَطلُعِ الفَجرُ حَتَّى التَقَينَا فَغَدَونَا حتَّى انتَهَينَا إلى بَعضِ الطَّرِيقِ، فَوَجَدنَا عَمرَو بنَ العاصِ فقَالَ: مرحَبًا بالقَومِ، فقُلنَا: وَبِكَ، فقَالَ: إِلَى أينَ مَسِيرُكُم؟ فقُلنَا: ومَا أخرَجَكَ، فقالَ: وما أخرَجَكُم؟ قلنَا: الدُّخُولُ في الإِسلَاِم واتِّبَاعُ محمَّدٍ ﷺ، قال: وذَاكَ الذِي أقدَمَنِي، فسرنا جمِيعًا حتَّى دخَلنَا المدِينَةَ، فأُخبِرَ بِنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فسُرَّ بنَا، فلَبِستُ مِن صَالِحِ ثِيَابِي، ثمَّ عَمَدتُ إلَى رسُولِ اللهِ ﷺ فلَقِيَنِي أَخِي، فقَالَ: أَسرِع، فإنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قد أُخبِرَ بِكَ فَسُرَّ بقُدُومِكَ، وهُوَ ينتَظِرُكُم، فأَسرَعنَا المَشيَ، فاطَّلَعتُ عَلَيهِ، فمَا زَالَ يتَبَسَّمُ إِلَيَّ حتَّى وقَفتُ عَلَيهِ، فسَلَّمتُ علَيهِ بالنُّبُوَّةِ، فرَدَّ عليَّ السَّلَامَ بوجهٍ طلقٍ، فقُلتُ: إني أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأَنَّكَ رسُولُ اللهِ، فقالَ: “تعَالَ”، ثمَّ قالَ رسُولُ اللهِ ﷺ: “الحَمدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ، قَد كُنتُ أَرَى لَكَ عَقلًا رَجَوتُ أن لَا يُسَلِمَكَ إِلَّا إِلَى خَيرٍ”، قُلتُ: يا رسُولَ اللهِ، قد رَأَيتُ مَا كُنتُ أشهَدُ مِن تِلكَ المَوَاطِنِ علَيكَ مُعَانِدًا لِلحَقِّ، فادعُ اللهَ أن يغفِرَهَا لِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “الإِسلَامُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبلَهُ”، قالَ خالِدٌ: وتقَدَّمَ عُثمَانُ وَعَمرٌو فبَايَعَا رسُولَ اللهِ ﷺ، وكانَ قُدُومُنَا في صَفَرِ سَنَةِ ثَمَانٍ، فَواللهِ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعدِلُ بِي أَحَدًا مِن أَصحَابِهِ فِي شَيءٍ أَهَمَّهُ.
وَفي العامِ السّابِعِ للهجرَةِ قَدِمَت أمُّ حَبِيبَةَ رَملةُ بنتُ أبي سُفيانَ صَخرِ بن حَربِ بنِ أُمَيَّةَ معَ النَّبِيِّ ﷺ المدينةَ، ورَملةُ أُمُّها صَفِيَّةُ بنتُ أبِي العَاصِ، كانت رضي اللهُ عنهَا تحتَ عُبَيدِ اللهِ بن جَحشِ بن رِئَابٍ فتُوُفِّي بأَرضِ الحبَشَةِ بَعدَ أنِ ارتَدَّ، فتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ ﷺ سنةَ سَبعٍ مِنَ الهجرَةِ، وقَد أَصدَقَها النَّجَاشِيُّ أصحَمَةُ عَنِ النَّبيِّ ﷺ مَهرَها أربعَمِائةَ دِينارٍ، ولها يومَ قَدِمَ بها النبيُّ ﷺ المدينةَ بِضعٌ وثلاثونَ سَنَةً فبَنَى بِهَا ﷺ وهي المَرضِيّةُ عِندَ النبيِّ ﷺ، تُوُفِّيَت رَضِيَ اللهُ عنهَا سنَةَ أربَعٍ وأربَعِينَ فِي خلَافَةِ أخِيها مُعاوِيَةَ ودُفِنَت بالبَقيِعِ.
فهذا عُبَيدُ الله بنُ جَحشٍ أَسلَمَ ثُمّ هَاجَرَ مَعَ المُسلِمِينَ إلَى الحَبَشَةِ، وَمَعَهُ امرَأَتُهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنتُ أَبِي سُفيَانَ مُسلِمَةً فَلَمَّا قَدِمَهَا تَنَصَّرَ وَفَارَقَ الإِسلَامَ حَتّى هَلَكَ هُنَالِكَ نَصرَانِيّا، وَخَلّفَ رَسُولُ الله ﷺ بَعدَهُ عَلَى امرَأَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنتَ أَبِي سُفيَانَ بنِ حَربٍ، فقد رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ بَعَثَ فِيهَا إلَى النّجَاشِيِّ عَمرَو بنَ أُمَيّةَ الضَّمرِيَّ، فَخَطَبَهَا عَلَيهِ النّجَاشِيُّ فَزَوّجَهُ إيّاهَا، وَأَصدَقَهَا عَن رَسُولِ الله ﷺ أَربَعَمِائَةِ
وَبَعدَ أُمِّ حبِيبةَ تَزوَّجَ النَّبِيُّ ﷺ ميمونةَ بِنتَ الحارثِ بنِ حَزْنٍ الهِلاليّةَ في نَفسِ العامِ، وأُمُّها هِندٌ بنت عَوفِ بنِ زهَيرٍ، قيلَ كان اسمُها بَرَّةُ فغَيَّرهُ لها النبيُّ ﷺ، كانت رضيَ الله عنها تحتَ مَسعُودِ بنِ عَمرٍو الثَّقَفِيِّ في الجاهليَّةِ وفَارَقهَا، فَتَزَوَّج بها أبو رُهمِ بنُ عبدِ العُزَّى بنِ أبي قَيسٍ وتُوُفِّيَ عنهَا، فتَزَوَّجها النَّبِيُّ ﷺ، وهِيَ رضِيَ اللهُ عنهَا خالَةُ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهُمَا.
وهِيَ ءاخِرُ نِساءٍ النَّبِيِّ ﷺ تَزَوُّجًا، وقيلَ ماتَت قبلَ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا، فَهِيَ زَوجُ النَّبِيِّ ﷺ وَأُختُ أُمِّ الفَضلِ زَوجَةِ العَبَّاسِ، وَخَالَةُ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ (وأمه لبابة بنت الحارث) وَخَالَةُ ابنِ عَبَّاسٍ، تَزَوَّجَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي وَقتِ فَرَاغِهِ مِن عُمرَةِ القَضَاءِ، سَنَةَ سَبعٍ، فِي ذِي القَعدَةِ، وَبَنَى بِهَا بِسَرِفٍ، وَكَانَت مِن سَادَاتِ النِّسَاءِ، ، وَجَعَلَت مَيمُونَةُ أَمرَهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وروِيَ عَن عِكرِمَةَ: أَنَّ مَيمُونَةَ هيَ التِي وَهَبَت نَفسَهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ.
في سورة الأحزاب:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
ورُوِيَ عَن يَزِيدَ بنِ الأَصَمِّ، قَالَ: دَفَنَّا مَيمُونَةَ بِسَرِفٍ، فِي الظُلَّةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيهَا رَسُولُ الله ﷺ.
وَقَالَ أي ابن عباس: ارفُقُوا بِهَا، فَإِنَّهَا أُمُّكُم.
وقيل: تُوُفِّيَت سَنَةَ إِحدَى وَخَمسِينَ رضي الله عنها.
وفي السَّنةِ السَّابعةِ قَبلَ دُخولِهِ ﷺ بمَيمونةَ تزوَّجَ صَفِيَّةِ وبنَى بِها، وصِفيّةُ هي ابنةُ حُيَيِّ بنِ أَخطَبَ مِن نَسلِ هارُونَ النَّبِيِّ ﷺ، وأُمُّها بَرَّةُ بنتُ سَمَوأَلٍ، كانِت صَفِيَّةُ تحتَ سَلَامِ بنِ مِشكَمٍ ثُمّ تَزوَّجَت بكِنانةَ بنِ الرَّبِيعِ بنِ أبِي الحُقَيقِ، فَسَباهَا النَّبِيُّ ﷺ في خَيبرَ وهي عروسٌ وسِنُّها نحوَ سبعَ عشرةَ سَنةً، فأَعتَقَها ثمّ تَزَوَّجها بَعدَ مَرجِعِه مِن خَيبرَ، تُوُفِّيت رضيَ اللهُ عنهَا سنةَ اثنتَينِ وخَمسِينَ مِنَ الهِجرَةِ في خِلَافَةِ مُعاويَةَ بنِ أبِي سُفيانَ، ودُفِنَت بالبَقِيعِ.
هي صَفِيَّةُ بِنتُ حُيَيِّ بنِ أَخطَبَ بنِ سَعيَةَ أُمُّ المُؤمِنِينَ، مِن سِبطِ اللَّاوِي بنِ نَبِيِّ الله إِسرَائِيلَ بنِ إِسحَاقَ بنِ إِبرَاهِيمَ عليهمُ السلامُ ثُمَّ مِن ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ هَارُونَ عليهِ السلامُ، تَزَوَّجَهَا قَبلَ إِسلَامِهَا سَلَامُ بنُ مِشكَم، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيهَا كِنَانَةُ بن أَبِي الحُقَيقِ، وَكَانَا مِن شُعَرَاءِ اليَهُودِ، فَقُتِلَ كِنَانَةُ يَوم خَيبَرَ عَنهَا، وَسُبِيَت ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا طَهُرَت تَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتقَهَا صَدَاقَهَا، وَكَانَت صَفِيَّةُ ذَاتَ حِلمٍ وَوَقَارٍ.
وَفِي العامِ السَّابعِ أيضًا حَصَلَ تَحرِيمُ أكلِ لَحمِ الحُمُرِ الأَهلِيَّةِ لَا الوَحشِيَّةِ.
ونَهَى ﷺ عن أَكلِ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ، وتحريمُ أكلِ الحُمُرِ الأهليّةِ مَذهبُ العُلماءِ كافّةً إلا طائفةً يسيرةً مِنَ السَّلَف، ولعلَّهُم لم يبلُغهُمُ الحديثُ.
وصَحَّ في الحديثِ عَن عبدِ اللهِ بنِ أَبِي أوفَى قالَ: أَصَابَتنَا مَجَاعَةٌ يَومَ خَيبَرَ، وَنَحنُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَد أَصَابَ القَومُ حُمُرًا خَارِجًا مِنَ المَدِينَةِ، فَنَحَرنَاهَا وَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغلِي، إِذ نَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ ﷺ أَنِ اكفَئُوا القُدُورَ وَلَا تَطعَمُوا مِن لُحُومِ الحُمُرِ شَيئًا، فَأَكفَأنَاهَا.
وَفي العامِ السّابِعِ نزلَ تَحريمُ نِكاحِ مُتعَةِ النِّسَاءِ ثُمَّ حَلَّت، وكان تحلِيلُهَا في العَامِ الثّامِنِ يَومَ غَزوَةِ حُنَينٍ، ثُمَّ حَرَّمَهَا ﷺ بوَحيٍ مِنَ الله تعالَى تحريمًا مُؤَبَّدًا باقِيًا دائمًا لَيسَ لِذَلِكَ التّحريمِ انتِهَاءٌ.
روي في البخاري عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ».
وفي البخاري «أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ».
وقال الدمياطي في إعانة الطالبين: وَعَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ إلَّا الْمُتْعَةَ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جَوَازِهَا رَجَعَ عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاَللَّهِ مَا فَارَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَامَ خَطِيبًا يَوْمَ عَرَفَةَ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْمُتْعَةَ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ.
قِيلَ بِهَا أُسَامَةُ بنُ زَيدِ *** قَتَلَ مَن نَطَقَ بِالتَّوحِيدِ
قَالَ لَهُ النَّبِيُّ هَلَّا قَلبَه *** شَقَقتَ عَنهُ هَل تُحِسُّ كِذبَه
وقِيلَ في هذهِ الغَزوةِ قَتَلَ أُسَامَةُ بنُ زَيدِ الرّجُلَ الّذي نَطَقَ بِالتَّوحِيدِ، فقالَ: أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، إنّي مُسلِمٌ، وهو مِرداسُ بنُ نَهِيكٍ أو نَهِيكُ بنُ مِرداسٍ، والحدِيثُ في صحيحِ مسلِمٍ عن أُسَامَةَ بنِ زَيدِ بنِ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ الله ﷺ إِلَى الحُرَقَةِ مِن جُهَينَةَ، فَصَبَّحنَا القَومَ فَهَزَمنَاهُم، وَلَحِقتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِن الأَنصَارِ رَجُلًا مِنهُم، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَكَفَّ عَنهُ الأَنصَارِيُّ وَطَعَنتُهُ بِرُمحِي حَتَّى قَتَلتُهُ، قَالَ فَلَمَّا قَدِمنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ لِي: “يَا أُسَامَةُ أَقَتَلتَهُ بَعدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ“، قُلتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَقَالَ: “أَقَتَلتَهُ بَعدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ“، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنِّي لَم أَكُن أَسلَمتُ قَبلَ ذَلِكَ اليَومِ.اهـ معناه تمنيت ان لو كان حصل هذا قبل ان أكون دخلت في الاسلام وليس معناه انه تمنى ان يكون تأخر اسلامه عن ذلك الوقت
وَلَا يجُوزُ أَن يُظَنَّ بسَيِّدِنَا أسَامَةَ رضي اللهُ عنه أنَّهُ تمَنَّى أن لَو بَقِي على الكُفرِ إلَى ذَلِكَ اليَومِ أَو أنَّهُ لَم يُسلِم إلَّا في ذلِكَ اليومِ، لأَنَّ الرِّضَى بالكُفرِ كُفرٌ كما نَصَّ علَى ذَلِكَ كثِيرٌ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالعُلَمَاءِ وَمِنهُم مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعِيلَ بنِ محمدٍ الرَّشِيدِ الحَنَفِيِّ المتَوَفَّى 768هـ فقَالَ: وَقَد عَثَرنَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حنِيفَةَ أَنَّ الرِّضَى بِكُفرِ الغَيرِ كُفرٌ مِن غَيرِ تَفصِيلٍ، وَقَالَ قبلَ ذلِكَ فُي نَفسِ الصَّحِيفَةِ: وفِي (المُحِيطِ): مَن رَضِيَ بِكُفرِ نَفسِهِ فَقَد كَفَرَ.اهـ
وقالَ الحافِظُ ابنُ حجَرٍ ما نَصُّهُ: ولَم يُرِد أنَّهُ تمَنَّى أن لَا يكُونَ مسلِمًا قبلَ ذلِكَ، قال القرطُبِيُّ: وفيه إشعارٌ بأَنَّهُ كانَ استَصغَرَ ما سبَقَ لهُ قبلَ ذلِكَ من عمَلٍ صالِحٍ في مقابَلَةِ هذِهِ الفِعلَةِ لِمَا سَمِعَ مِنَ الإِنكَارِ الشدِيدِ، وإنمَا أورَدَ ذلِكَ علَى سبِيلِ المبَالَغَةِ،
وفي رواية: “مَن لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَومَ القِيَامَةِ؟“، فقَالَ أُسامَةُ: يا رسولَ اللهِ، إنّما قالَها مَخافةَ السِّلاحِ، أي قالَها غيرَ مُصدِّقٍ بِها، فقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: “فَهَلَّا شَقَقتَ عَن قَلبِهِ حَتَّى تَعلَمَ أَقَالَهَا عَن تَصدِيقٍ أَم لَا، هَل تُحِسُّ كَذِبَهُ“، أي هل تَعلَمُ أنّه صادِقٌ أو كذّابٌ، معناهُ لَستَ تعلَمُ ما في قَلبِه لتحكُمَ عليهِ أنّه لَم يَقُلهَا عَنِ اعتِقَادٍ وتصدِيقٍ.
وَقَد بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَيلًا قِبَلَ نَجدٍ، فَجَاءَت بِرَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسجِدِ.
كمَا فِي البخَارِيِّ، فخرجَ إليهِ النَّبِيُّ ﷺ فقَالَ: “مَا عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟“، قال: عندِي خيرٌ يا محمدُ، إن تَقتُلنِي تقتُلْ ذَا دَمٍ (أي هناكَ مَن يثأَرُ لِي)، وإن تُنعِم تُنعِم عَلَى شَاكِرٍ، وإِن كُنتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَل مِنهُ مَا شِئتَ، فتَرَكَهُ حتى كانَ الغَدُ ثُمَّ قالَ لَهُ: “مَا عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟“، فقال: عندِي ما قُلتُ لَكَ، إن تُنعِم تُنعِم علَى شاكِرٍ، فتَرَكَهُ حتَّى بعدَ الغَدِ فقال: “مَا عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟“، فقال: عندي ما قلت لك، فقال: “أَطلِقُوا ثُمَامَةَ“، فانطلَقَ إلى نَخلٍ قرِيبٍ مِنَ المسجِدِ ثمَّ رجع ودخَلَ المسجِدِ فقَالَ: أشهَدُ أن لَا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، يا محمدُ، واللهِ مَا كانَ علَى وجهِ الأرضِ وجهٌ أبغَضَ إليَّ مِن وجهِكَ، فقَد أصبَحَ وجهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، واللهِ ما كانَ دِينٌ أبغَضَ إليَّ مِن دينِكَ، فأصبحَ دينُكَ أحبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، واللهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبغَضَ إليَّ من بلدِك، فأصبَحَ بلدُك أحبَّ البلادِ إليَّ، وإنَّ خيلَكَ أخذَتنِي وأنَا أُرِيدُ العمرَةَ، فمَاذَا ترَى؟ فبَشَّرَهُ رسُولُ اللهِ ﷺ وأمَرَهُ أن يعتَمِرَ، فلمَّا قدِمَ مكةَ قالَ لهُ قائِلٌ: صبَوتَ؟ قالَ: لَا، ولكِن أسلَمتُ مَعَ محمدٍ ﷺ، ولَا واللهِ لا يأتِيكُم مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنطَةٍ حَتَّى يَأذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ ﷺ.
فائدة
لتقوية الحفظ
من فوائد الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن موسى بن عُجيل رحمه الله تعالى في الحفظ:
يقرأ كل يوم عشر مرات ((فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ، وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا، وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ))، يا حي يا قيوم يا رب موسى وهارون ويا رب إبراهيم، ويا رب محمد عليهم الصلاة والسلام، ألزمني الفهم وارزقني العلم والحكمة والعقل برحمتك يا أرحم الراحمين.
مِنْ خواصِّ اسمِ اللهِ “الْغَفَّارِ”
مَنْ ذَكَرَهُ إِثْرَ صلاةِ الجمعةِ مائةَ مرةٍ ظهرتْ لهُ آثارُ المغفرةِ.
دعاء
اللهم يَا اللهُ يا اللهُ يا حيُّ يا قيومُ إنا لجَئنا إليك بقلوبٍ منكسرةٍ فلا تَرُدَّنَا خائبينَ يا رب فلا ترُدَّنا خائبينَ يا ربِّ فلا تردُّنا خائبينَ، يا رب اجعَلنَا ممن أعتَقتَه مِنَ النارِ في هذا اليومِ العظيمِ، إنا تذَلَّلنا إليك وأنتَ أرحمُ الراحمينَ انشُر علينَا رحمتَكَ وتوفَّنَا وأنتَ راضٍ عنَّا، اللهم يا غنيُّ يا مُغنِي يا مُبدِئُ يَا مُعِيدُ يَا رَحِيمُ يا وَدُودُ أَغنِنَا بِحَلَالِكَ عَن حَرَامِكَ وبِطَاعَتِكَ عَن معصِيتِك وبفضلِك عمن سواكَ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا فتاحُ يا رزاقُ يا عليمُ يا كريمُ اللهم أمدَّنا بمددٍ من عندِك يا اللهُ اللهم أمدَّنا بمددٍ من عندِك يا اللهُ، اللهم أمدَّنا بمددٍ من عندِك يا اللهُ، اللهم ارحم أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم اللهم أدخِلنَا الجنةَ معَ الأولينَ نَجِّنا مِن عذابِ القبرِ وعذابِ النارِ يا عزيزُ يا غفارُ ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النارِ ربَّنا لا تُزِغ قلوبَنا بعد إذ هدَيتَنا وهَبْ لنا مِن لدُنكَ رحمةً إنكَ أنتَ الوهابُ ربَّنا لا تؤاخِذنا إن نسينَا أو أخطَأنا ربَّنا ولا تحمِل علينَا إصرًا كما حمَلتَه على الذينَ مِن قبلِنا ربَّنا ولا تُحَمِّلنا ما لا طاقةَ لنا به واعفُ عنا واعفُ عنا واعفُ عنا واغفِر لنا واغفِر لنا واغفِر لنا وارحَمنا وارحَمنا وارحَمنا أنتَ مولَانا فانصُرنَا على القومِ الكافرينَ.
اللَّهُمَّ الطُفْ بالمسلمينَ وانصرْهُم يا أرحمَ الرَّاحمينَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ عليكَ بأعداءِ الدِّينِ. اللهم مُنزلَ الكتاب، سريعَ الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم. اللهم يا ناصر المستضعفين. اللهم يا مفرج كربات المنكوبين. اللهم يا رب السماوات والأرَضين. اللهم انصرنا على الصهاينة أعدائك أعداء الدين المجرمين. اللهم انصرنا وردّ كيد الكائدين. اللهم انصرنا على الظالمين. اللهم أرنا فيهم ما يثلج صدور الصامدين، يا رب العالمين. يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِنَّا علَى الصيامِ والقِيامِ وتقبَّل منَّا يا رَبَّ العالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عتقَاءِ هذَا الشهرِ الكريمِ ومِنَ المقبُولِينَ يا أكرَمَ الأكرَمِينَ، اللهم أعتِقنَا فِيهِ مِنَ النيرَانِ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، اللهم أرِنَا ليلَةَ القدرِ المبارَكَةِ يا رَبَّ العالمينَ وارزُقنَا فيهَا دعوَةً مجَابَةً بجَاهِ سَيِّدِ الأولِينَ وَالآخِرِينَ يا اللهُ، اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ والأَمرَاضَ عَنِ المسلِمِينَ في مشَارِقِ الأرضِ ومغَارِبِهَا إكرامًا لوِجهِ محمَّدٍ ﷺ يا ربَّ العالمِينَ، اللهم توفَّنَا عَلَى كامِلِ الإيمَانِ وارزُقنَا شهَادَةً في سبيلِكَ ومَوْتًا في بلَدِ نبيِّكَ ﷺ، واحشرنا على نُوقٍ رحَائِلُهَا مِن ذهَبٍ آمنِينَ مطمَئِنِّينَ يا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم ارزقنَا حُسنَ الخِتَامِ والمَوتَ على دِينِكَ دينِ الإسلامِ ورؤيَةَ سيدِ الأنَامِ سيدنَا مُحَمَّدٍ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، احشُرنَا فِي زُمرَتِهِ وأَورِدنَا حوضَهُ الشريفَ يا ربَّ العالمين.
وَصَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ، وَالحَمدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ.