المقدمة
الحَمدُ للهِ المُستَحِقِّ الحَمدِ لِآلَائِهِ، المُتَوَحِّدِ بِعِزِّهِ وَكِبرِيَائِهِ، العَالِمِ بِكَنِينِ مَكنُونِ النَّجوَى، وَالمُطَّلِعِ عَلَى أَفكَارِ السِّرِّ وَأَخفَى، وَمَا اختَبَأَ تَحتَ عَنَاصِرِ الثَّرَى، وَمَا جَالَ فِيهِ خَوَاطِرُ الوَرَى، الَّذِي أَبدَعَ الأَشيَاءَ بِقُدرَتِهِ، وَذَرَأَ الأَنَامَ بِمَشِيئَتِهِ، فَأَحكَمَ لَطِيفَ مَا دَبَّرَ، وَأَتقَنَ جَمِيعَ مَا قَدَّرَ، فَلَهُ الحَمدُ عَلَى قَدَرِهِ وَقَضَائِهِ، وَتَفَضُّلِهِ بِعَطَائِهِ، وَبِرِّهِ وَنَعمَائِهِ، وَمَنِّهِ بِآلَائِهِ،
وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الَّذِي بِهِدَايَتِهِ سَعِدَ مَنِ اهتَدَى، وَبِتَأيِيدِهِ رَشَدَ مَنِ اتَّعَظَ وَارعَوَى، وَبِخِذلَانِهِ ضَلَّ مَن زَلَّ وَغَوَى، وَحَادَ عَنِ الطَّرِيقَةِ المُثلَى، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ المُصطَفَى وَرَسُولُهُ المُرتَضَى، بَعَثَهُ إِلَيهِ دَاعِيًا، وَإِلَى جِنَانِهِ هَادِيًا، فَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ، وَأَزلَفَهُ فِي الحَشرِ لَدَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنِ اقتَفَى أَثَرَهُم إِلَى يَومِ الفَصلِ وَالدِّينِ، أَمَّا بَعدُ:
ذكر أحداث السنة السابعة للهجرة
قِيلَ بِهَا أُسَامَةُ بنُ زَيدِ *** قَتَلَ مَن نَطَقَ بِالتَّوحِيدِ
قَالَ لَهُ النَّبِيُّ هَلَّا قَلبَه *** شَقَقتَ عَنهُ هَل تُحِسُّ كِذبَه
وقِيلَ في هذهِ الغَزوةِ قَتَلَ أُسَامَةُ بنُ زَيدِ الرّجُلَ الّذي نَطَقَ بِالتَّوحِيدِ، فقالَ: أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، إنّي مُسلِمٌ، وهو مِرداسُ بنُ نَهِيكٍ أو نَهِيكُ بنُ مِرداسٍ، والحدِيثُ في صحيحِ مسلِمٍ عن أُسَامَةَ بنِ زَيدِ بنِ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ الله ﷺ إِلَى الحُرَقَةِ مِن جُهَينَةَ، فَصَبَّحنَا القَومَ فَهَزَمنَاهُم، وَلَحِقتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِن الأَنصَارِ رَجُلًا مِنهُم، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَكَفَّ عَنهُ الأَنصَارِيُّ وَطَعَنتُهُ بِرُمحِي حَتَّى قَتَلتُهُ، قَالَ فَلَمَّا قَدِمنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ لِي: “يَا أُسَامَةُ أَقَتَلتَهُ بَعدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ“، قُلتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا (أي خوفًا من سيفي)، فَقَالَ: “أَقَتَلتَهُ بَعدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ“، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنِّي لَم أَكُن أَسلَمتُ قَبلَ ذَلِكَ اليَومِ. اهـ
وَلَا يجُوزُ أَن يُظَنَّ بسَيِّدِنَا أسَامَةَ رضي اللهُ عنه أنَّهُ تمَنَّى أن لَو بَقِي على الكُفرِ إلَى ذَلِكَ اليَومِ أَو أنَّهُ لَم يُسلِم إلَّا في ذلِكَ اليومِ، لأَنَّ الرِّضَى بالكُفرِ كُفرٌ كما نَصَّ علَى ذَلِكَ كثِيرٌ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالعُلَمَاءِ وَمِنهُم مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعِيلَ بنِ محمدٍ الرَّشِيدِ الحَنَفِيِّ المتَوَفَّى 768هـ فقَالَ: وَقَد عَثَرنَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حنِيفَةَ أَنَّ الرِّضَى بِكُفرِ الغَيرِ كُفرٌ مِن غَيرِ تَفصِيلٍ، وَقَالَ قبلَ ذلِكَ فُي نَفسِ الصَّحِيفَةِ: وفِي (المُحِيطِ): مَن رَضِيَ بِكُفرِ نَفسِهِ فَقَد كَفَرَ.اهـ
وقالَ الحافِظُ ابنُ حجَرٍ ما نَصُّهُ: ولَم يُرِد أنَّهُ تمَنَّى أن لَا يكُونَ مسلِمًا قبلَ ذلِكَ.اهـ معناه تمنيت أن لو كان حصل هذا قبل أن أكون دخلت في الإسلام وليس معناه أنه تمنى أن يكون تأخر إسلامه عن ذلك الوقت.
قال القرطُبِيُّ: وفيه إشعارٌ بأَنَّهُ كانَ استَصغَرَ ما سبَقَ لهُ قبلَ ذلِكَ من عمَلٍ صالِحٍ في مقابَلَةِ هذِهِ الفِعلَةِ لِمَا سَمِعَ مِنَ الإِنكَارِ الشدِيدِ، وإنمَا أورَدَ ذلِكَ علَى سبِيلِ المبَالَغَةِ.
وفي رواية فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ! أَوْجَعَ في المُسْلِمِينَ، وقَتلَ فُلانًا وفُلانًا – وسَمَّى لَهُ نَفرًا – وإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلَّا اللَّهُ، قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعمْ، قَالَ: فَكيْفَ تَصْنَعُ بلا إِله إِلَّا اللَّهُ إِذا جاءَت يوْمَ القيامَةِ؟! قَال: يَا رسولَ اللَّه! اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: وكَيف تَصْنَعُ بِلا إِله إِلَّا اللَّهُ إِذا جاءَت يَوْمَ القِيامَةِ؟! فَجَعَلَ لا يَزيدُ عَلى أَنْ يَقُولَ: كيفَ تَصْنَعُ بِلا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ؟!
فقَالَ أُسامَةُ: يا رسولَ اللهِ، إنّما قالَها مَخافةَ السِّلاحِ، أي قالَها غيرَ مُصدِّقٍ بِها، فقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: “فَهَلَّا شَقَقتَ عَن قَلبِهِ حَتَّى تَعلَمَ أَقَالَهَا عَن تَصدِيقٍ أَم لَا، هَل تُحِسُّ كَذِبَهُ“، أي هل تَعلَمُ أنّه صادِقٌ أو كذّابٌ، معناهُ لَستَ تعلَمُ ما في قَلبِه لتحكُمَ عليهِ أنّه لَم يَقُلهَا عَنِ اعتِقَادٍ وتصدِيقٍ.
وَقَد بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَيلًا قِبَلَ نَجدٍ، فَجَاءَت بِرَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسجِدِ.
كمَا فِي البخَارِيِّ، فخرجَ إليهِ النَّبِيُّ ﷺ فقَالَ: “مَا عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟“، قال: عندِي خيرٌ يا محمدُ، إن تَقتُلنِي تقتُلْ ذَا دَمٍ (أي هناكَ مَن يثأَرُ لِي)، وإن تُنعِم تُنعِم عَلَى شَاكِرٍ، وإِن كُنتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَل مِنهُ مَا شِئتَ، فتَرَكَهُ حتى كانَ الغَدُ ثُمَّ قالَ لَهُ: “مَا عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟“، فقال: عندِي ما قُلتُ لَكَ، إن تُنعِم تُنعِم علَى شاكِرٍ، فتَرَكَهُ حتَّى بعدَ الغَدِ فقال: “مَا عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟“، فقال: عندي ما قلت لك، فقال: “أَطلِقُوا ثُمَامَةَ“، فانطلَقَ إلى نَخلٍ قرِيبٍ مِنَ المسجِدِ ثمَّ رجع ودخَلَ المسجِدِ فقَالَ: أشهَدُ أن لَا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، يا رسول الله، واللهِ مَا كانَ علَى وجهِ الأرضِ وجهٌ أبغَضَ إليَّ مِن وجهِكَ، فقَد أصبَحَ وجهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، واللهِ ما كانَ دِينٌ أبغَضَ إليَّ مِن دينِكَ، فأصبحَ دينُكَ أحبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، واللهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبغَضَ إليَّ من بلدِك، فأصبَحَ بلدُك أحبَّ البلادِ إليَّ، وإنَّ خيلَكَ أخذَتنِي وأنَا أُرِيدُ العمرَةَ، فمَاذَا ترَى؟ فبَشَّرَهُ رسُولُ اللهِ ﷺ وأمَرَهُ أن يعتَمِرَ، فلمَّا قدِمَ مكةَ قالَ لهُ قائِلٌ: صبَوتَ؟ قالَ: لَا، ولكِن أسلَمتُ مَعَ محمدٍ ﷺ، ولَا واللهِ لا يأتِيكُم مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنطَةٍ حَتَّى يَأذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ ﷺ.
وَفِي الثَّمَانِ وَقعَةٌ بِمُؤتَةِ *** وَالفَتحُ مَع حُنَينَ فِي ذِي السَّنَةِ
وَفي جُمادَى الأُولَى مِنَ السنَةِ الثامنَةِ للهجرَةِ حصَلَت غَزوةُ مُؤتَةَ، ومُؤتةُ تقعُ اليومَ في محافظَةِ الكَرَكِ بعيدَةً نحوَ (140 كم) جنوبَ العاصِمَةِ الأردنُيَّةِ عَمَّانَ.
وسببُ هذهِ الغَزوةِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ أرسَلَ الحارِثَ بن عُمَيرٍ بكِتابٍ إلى مَلِك بُصرَى فَعَرَض له شُرَحبِيلُ بنُ عمرٍو الغَسَّانِيُّ فقَتَلَه، فأَمَّرَ النَّبِيُّ ﷺ زيدَ بنَ حارِثةَ علَى ثلاثةِ ءالافِ رَجُلٍ إلَيهِ، ولَم يَخرُجِ ﷺ مَعَهُم، وَقَالَ ﷺ: “إِن أُصِيبَ زَيدٌ فَجَعفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّاسِ، فَإِن أُصِيبَ جَعفَرٌ فَعَبدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ“، فَتَجَهّزَ النّاسُ ثُمّ تَهَيّئُوا لِلخُرُوجِ، وَهُم ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجُهُم وَدّعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ الله ﷺ وَسَلّمُوا عَلَيهِم، فقالوا:حفظكم الله، ودفع عنكم، وردكم إلينا سالمين. فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ:
لَكِنَّنِي أسْألُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ∗∗∗ وضَرْبَةً ذاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدا
أوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجْهِزَةً ∗∗∗ بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الأحْشاءَ والكَبِدا
حَتّى يُقالَ إذا مَرُّوا عَلى جَدَثِي ∗∗∗ ارشدك اللَّهُ مِن غازٍ وقَدْ رَشَدا
ثم مَضَوا حَتَّى نَزَلُوا مَعَانَ مِن أَرضِ الشّامِ، فَبَلَغَ النّاسَ أَنّ هِرَقلَ قَد نَزَلَ فِي أَرضِ البَلقَاءِ في مِائَةِ أَلفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانضَمَّ إلَيهِم مِمَّن ناصَرَهُم منَ العربِ مائَةُ أَلفٍ، فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ المُسلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ لَيلَتَينِ يُفَكّرُونَ فِي أَمرِهِم، وَقَالُوا: نَكتُبُ إلَى رَسُولِ الله ﷺ فَنُخبِرُهُ بعددِ عَدُوّنَا، فَإِمّا أَن يُمِدّنَا بِالرّجَالِ، وَإِمّا أَن يَأمُرَنَا بأَمرِهِ فنَمضِيَ لَهُ، فَشَجّعَ النّاسَ عَبدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ، وَقَالَ: يَا قَومِ، وَاللهِ إنّ الّتِي تَكرَهُونَ لَلّتِي خَرَجتُم تَطلُبُونَ، الشّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِعَدَدِ وَلَا قُوّةٍ وَلَا كَثرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُم إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكرَمَنَا اللهُ بِهِ، فَانطَلِقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحدَى الحُسنَيَينِ، إمّا ظُهُورٌ وَإِمّا شَهَادَةٌ، فَقَالَ الناسُ: قَد وَاللهِ صَدَقَ ابنُ رَوَاحَةَ، فَمَضَى النّاسُ، ثمَّ التَقَى النّاسُ وَاقتَتَلُوا، فَقَاتَلَ زَيدُ بنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ الله ﷺ حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ القَومِ ونالَ الشهَادَةَ رضي الله عنه، ثُمّ أَخَذَهَا جَعفَرٌ فَقَاتَلَ بها حَتّى إذَا أَلحَمَهُ القِتَالُ اقتَحَمَ عَن فَرَسٍ لَهُ شَقرَاءَ ثُمّ قَاتَلَ القَومَ حَتّى قُتِلَ ولمَّا أَخَذَ سيدُنَا جعفرٌ اللّوَاءَ بِيَمِينِهِ قُطِعَت، فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَت، فَاحتَضَنَهُ بِعَضُدَيهِ حَتّى قُتِلَ رضي الله عنه وَهُوَ ابنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَأَثَابَهُ الله بِذَلِكَ جَنَاحَينِ فِي الجَنّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيثُ شَاءَ، وَيُقَالُ إنّ رَجُلًا مِن الرّومِ ضَرَبَهُ يَومَئِذٍ ضربَةً، فقطعَهُ نصفَينِ.
وفي البخارِيِّ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “أَخَذَ الرَّايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبدُ الله بنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ“، وَإِنَّ عَينَي رَسُولِ الله ﷺ لَتَذرِفَانِ “ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ مِن غَيرِ إِمرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ“.
استشهد من المسلمين اثنا عشر رجلًا، أما الروم فقتل منهم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون رجل. خالد كسر في هذه المعركة تسعة سيوف.
وَفِي السنَةِ الثامِنَةِ مِنَ الهِجرَةِ حصَلَ فَتحُ مكّةَ في العِشرِينَ مِن رَمضانَ المُبارَكِ بِسَببِ نَقضِ قُريشٍ العَهدَ، ويُسَمَّى هذا الفَتحُ غزوةَ الفتحِ الأعظَمِ وَفَتحَ الفُتوح.
لمَّا عقَدَ رسُولُ اللهِ ﷺ النيَّةَ علَى الجِهَادِ لفَتحِ مَكَّةَ، تجَهَّزَ وأمَرَ النَّاسَ للتَّجَهُّزِ إلى مكةَ وقال: “اللهم خُذِ العُيُونَ وَالأَخبَارَ عَن قُرَيشٍ حَتَّى نَبغَتَهَا فِي بِلَادِهَا“، ومضَى رسولُ الله لسَفَرِهِ واستَخلَفَ علَى المدينَةِ كلثُومَ بنَ حُصَينٍ وخرَجَ لعَشرٍ مِن رمضَانَ، فصَامَ رسُولُ اللهِ ﷺ وصامَ النَّاسُ معَهُ، وكانَ جَيشُ المسلِمِينَ يشتَمِلُ عَلَى الأنصَارِ والمهَاجِرِينَ وكثِيرٍ منَ القبَائِلِ، وعندَمَا وصلَ إلى موضِعِ الظّهرَانِ أمرَ رسُولُ اللهِ ﷺ بأن يُوقِدَ المسلِمُونَ علَى رؤوسِ المُرتَفَعَاتِ المُطِلَّةِ علَى مَكَّةَ، ورَأَت قريشٌ النِّيرَانَ فأسرَعَ أبُو سفيانَ وبعضُ القومِ بالخرُوجِ باتِّجَاهِ مصادِرِ النيرَانِ، وكانَ العَبَّاسُ بنُ عبدِ المطلبِ قد خرجَ ليلًا مِن معَسكَرِ المسلِمِينَ في مُهِمَّةٍ، فالتَقَى بأَبِي سفيانَ وقالَ لهُ: هذَا رَسُولُ اللهِ قدِمَ إليكُم بمَا لا قِبَلَ لكُم بهِ بعشَرَةِ ءالافٍ مِنَ المسلِمِينَ، فقال له أَبُو سفيَانَ فمَا تأمُرُنِي؟ فطلَبَ العباسُ مِن أبِي سفيَانَ أن يَذهَبَ مَعَهُ إلَى رسُولِ اللهِ، فلَمَّا كانَ الصَّبَاحُ جِيءَ بِأَبِي سفيَانَ فلَمَّا رءَاهُ رسُولُ اللهِ ﷺ قالَ له: “وَيحَكَ يَا أَبَا سُفيَانَ أَلَم يَئِن لَكَ أَن تَعلَمَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ وَيحَكَ يَا أَبَا سُفيَانَ أَلَم يَئِن لَكَ أَن تَعلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟” فتَشَهَّدَ أبُو سفيانَ ودخلَ في دينِ الإسلامِ، وقالَ رسُولُ الله ﷺ: من دخَلَ دارَ أبِي سفيَانَ فهُوَ ءامِنٌ، ومَن أغلَقَ بابَهُ فهُوَ ءامِنٌ، ومن دخَلَ المسجِدَ فهُوَ ءامِنٌ، ثُمَّ عَادَ أبُو سفيَانَ إِلَى مكةَ وكانَ كبارُ القومِ في مكَّةَ مجتَمِعِينَ يتَشَاوَرُونَ فِي الأَمرِ وبينَمَا هُم على هَذِهِ الحَالِ إِذا بِصَوتِ أبِي سفيَانَ قائِلًا: يا مَعشَرَ قُرَيشٍ هذَا محمدٌ جاءَكُم فيمَا لَا قِبَلَ لَكُم بِهِ فَمَن دخَلَ دَارَ أبِي سفيانَ فهو ءامِنٌ، ومَن أغلَقَ علَيهِ بابَهُ فهُوَ ءامِنٌ، فتَفَرَّقَ النَّاسُ إلى ديَارِهِم وَإِلَى المسجِدِ.
وقَسمَ رسُولُ اللهِ ﷺ الجُيُوشَ إِلَى عِدَّةِ أقسَامٍ لِدُخُولِ مَكَّةَ، المَيسَرَةُ بقيَادَةِ الزبيرِ بنِ العوامِ، والمَيمَنَةُ بقيادَةِ خالِدِ بنِ الولِيدِ، وقُوَّاتُ الأَنصَارِ بقيادَةِ سعدِ بنِ عبادَةَ، وقواتُ المهاجرينَ بقيادَةِ أبِي عبَيدَةَ بنِ الجراحِ، ودخلَ المسلمُونَ مكةَ مِن جهَاتِهَا الأَربَعِ فلَم يَلقَوا مقَاوَمَةً باستثنَاءِ القِسمِ الذِي كانَ يقُودُهُ خالِدُ بنُ الولِيدِ، فقَد تجمَّعَ بعضُ القُرَشِيِّينَ مَعَ حلَفَائِهِم مِن بَنِي بَكرٍ في مَحَلَّةِ الخَندَمَةِ، فلمَّا وصَلَتهَا قوَّاتُ سيدِنَا خالِدٍ قذَفُوهَا بِوَابِلٍ مِن سهَامِهِم، ولكنَّ المسلِمِينَ حمَلُوا علَيهِم وشَتَّتُوهُم وأَرغَمُوهُم عَلَى الفِرَارِ وهكَذَا تَمَّ فتحُ مَكَّةَ فِي شَهرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ.
ولمَّا دخلَ رسُولُ اللهِ ﷺ مكةَ كانَت علَيهِ عِمامَةٌ سوداءُ فوقَفَ علَى بابِ الكعبَةِ وقالَ: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ صَدَقَ وَعدَهُ وَنَصَرَ عَبدَهُ وَهَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ“، ثم قالَ: “يَا مَعشَرَ قُرَيشٍ مَا تَرَونَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُم“، قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ، قال: “اِذهَبُوا فَأَنتُمُ الطُّلَقَاءُ“.
وطَافَ بِالكَعبَةِ سَبعًا وَدَخَلَهَا وَصَلَّى فِيهَا، وَكَانَ عَلَى الكَعبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا وَكَانَ بِيَدِهِ قَضِيبٌ فَكَانَ يُشِيرُ إِلَى الأَصنَامِ وَهُوَ يَقرَأُ: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾، ثمَّ بايَعَ النَّاسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ولمَّا جاءَ وقتُ الظُّهرِ أَمَرَ بِلَالًا الحَبَشِيَّ رضيَ اللهُ عنهُ أن يُؤَذِّنَ عَلَى ظَهرِ الكَعبَةِ، وهَكَذَا ارتفَعَت رَايَةُ الإِسلَامِ وَعَلَا نِدَاءُ الحَقِّ وَالإِيمَانِ وَجَاءَ نَصرُ اللهِ وَالفَتحُ ودَخَلَ النَّاسُ فِي الدِّينِ الحَقِّ أفوَاجًا، كيفَ لَا وَالإِسلَامُ هوَ الدِّينُ الَّذِي ارتَضَاهُ اللهُ لَنَا وَأَمَرَنَا باتِّبَاعِهِ، فَهُوَ الدِّينُ الَّذِي يُخرِجُ النَّاسَ مِن ظُلُماتِ الكُفرِ وَالضَّلَالِ إِلَى أَنوَارِ الإِيمَانِ وَالهِدَايِةِ.
فلمَّا قضى طوافَه أتى الصَّفا فعَلَا حيثُ ينظُرُ إلى البيتِ فجعَل ﷺ يرفَعُ يدَه وجعَل يحمَدُ اللهَ والأنصارُ تحتَه فقال بعضُهم لبعضٍ أمَّا الرَّجلُ فقد أدرَكتْه رغبةٌ في قريتِه ورأفةٌ بعشيرتِه.
ونزَل الوحيُ على رسولِ اللهِ ﷺ قال أبو هُريرةَ: وكان لا يَخفى علينا إذا نزَل الوحيُ ليس أحدٌ منَّا ينظُرُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ بل يُطرِقُ حتَّى ينقضيَ الوحيُ فلمَّا قُضي الوحيُ قال رسولُ اللهِ ﷺ: (يا معشرَ الأنصارِ قُلْتُم: أمَّا الرَّجلُ فقد أدرَكتُه رغبةٌ في قريتِه ورأفةٌ بعشيرتِه) قالوا: قد قُلْنا ذاك يا رسولَ اللهِ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: (إنِّي عبدُ اللهِ ورسولُه هاجَرْتُ إلى اللهِ وإليكم، المَحْيا محياكم والمَماتُ مماتُكم) فأقبَلوا يبكون ويقولون: واللهِ ما قُلْنا الَّذي قُلْنا إلَّا حُبًّا باللهِ ورسولِه قال: (وإنَّ اللهَ ورسولَه يُصدِّقانِكم ويعذِرانِكم).
أي: لا أَحيا إلَّا عندَكم، ولا أموتُ إلَّا عندكم، فَبيَّنوا عُذرَهم وحلَفوا بِاللهِ أنَّهم ما قالوا هذا إلَّا حبا بما آتاهم اللهُ مِن كَرامةٍ؛ خَشيةَ أنْ تَفوتَهم فَينالَها غيرُهم، وحرصا بِرسولِ اللهِ ﷺ أنْ يَنتقِلَ مِن المدينةِ إلى بلدتِه، حِرصًا منهم على مُساكنَتِه، فَأخبرَهُمُ النَّبيُّ ﷺ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ورسولَه يُصَدِّقَانِهم فيما يَقولون، ويَقْبلانِ ما ذَكَرُوا مِنَ اعتذارِهم فيما قالوا.
وَقَد تَزامَنَ وقوعُ فَتحِ مَكّةَ مَع غَزوةِ حُنَينٍ (هوازِنَ) فِي السَّنَةِ الثّامنةِ اتّفاقًا، إلَّا أنَّ الفتحَ الأعظَمَ كان في رَمضانَ وغزوةَ حنَينٍ بعدَ ذلكَ بأيّامٍ في العاشِر مِن شَوّالٍ.
كانَت غزوةُ حُنينٍ في شوّالٍ سنةَ ثمانٍ للهجرَةِ، وفيهَا نصَرَ اللهُ رسُولَهُ ومَن مَعَهُ مِنَ المؤمِنِينَ علَى المشرِكِينَ أهلِ الشركِ والبَاطِلِ، وقَد كانَ مِن أمرِهَا: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بعدَمَا أقامَ بمكَّةَ عامَ الفتحِ نِصفَ شهرٍ لم يزِد علَى ذلكَ، جاءَت هوازِنُ وثقيفٌ فنزَلُوا في حنينٍ، وهو وادٍ بينَ مكَّةَ والطَّائِفِ، يريدُونَ قتالَ النبيِّ ﷺ وكانَتِ الرِّيَاسَةُ في جميعِ عسكَرِ المشركِينَ لمَالِكِ بنِ عوفٍ النَّصرِيِّ.
فلمَّا سمِعَ بهِم رسُولُ اللهِ ﷺ عزَمَ رسُولُ اللهِ ﷺ علَى قصدِهِم، وخرَجَ في اثنَي عشَرَ ألفًا مِنَ المسلمِينَ حتَّى أَتَى وادِيَ حنينٍ.
وكانَت هوَازِنُ قد كمَنَت في جَنبَتَيِ الوادِي وذَلِكَ في غَبَشِ الصُّبحِ فحَمَلَت علَى المسلِمِينَ حملَةَ رجُلٍ واحدٍ فترَاجَعَ عدَدٌ مِنَ المسلمِينَ وفَرَّ قِسمٌ فرَارًا لم يَكُن بعِيدًا، ولَم يحصُل مِن جميعِهِم، وذَلِكَ بسَبَبِ انصبَابِهِم علَيهِم دفعَةً واحدَةً ورَشْقِهِم بالسِّهَامِ ونَحوِ ذَلِكَ.
ولم يَرِد أنَّ النبيَّ ﷺ فرَّ، وَقَد قالَتِ الصحابَةُ كلُّهُم إنَّهُ ﷺ مَا فرَّ، ولم يَنقُل أحدٌ قطُّ أنهُ فرَّ ﷺ في مَوطِنٍ مِنَ المَوَاطِنِ، وقد نَقَلُوا إجمَاعَ المسلِمِينَ على أنَّهُ لا يَجُوزُ أن يُعتَقَدَ أنهُ هرب جبنا ﷺ ولَا يَجوزُ ذلكَ علَيهِ، فقَد ثبتَ رسُولُ اللهِ ﷺ ومعَهُ نفَرٌ مِنَ المهاجِرِينَ والأَنصَارِ وأهلِ بيتِهِ منهُم أبُو بكرٍ وعُمَرُ وعَلِيٌّ والعَبَّاسُ لَم يَفِرُّوا.
وكانَ عليهِ الصلَاةُ والسَّلَامُ على بغلَتِهِ الشَّهبَاءِ واسمُهَا دُلدُلُ يَقُودُها أبُو سفيانَ بنُ الحارِثِ ابنُ عمِّ النبيِّ ﷺ ويقُودُها العَبَّاسُ عمُّ النَّبِيِّ ﷺ، فصارَ رسُولُ اللهِ ﷺ يقُولُ: “أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا رَسُولُ اللهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ“، وأمرَ العبَّاسَ وكانَ جهيرَ الصوتِ أن ينَادِيَ: “يَا مَعشَرَ الأَنصَارِ، يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ، يَا مَعشَرَ الخَزرَجِ“، فلمَّا سمِعُوا الصوتَ أجابُوا: لبَّيكَ، لبَّيكَ، فلما ذهَبُوا ليَرجِعُوا كان الرجُلُ منهُم لا يستَطِيعُ أن يَنفُذَ ببعِيرِهِ لكثرَة الأعرابِ المنهزِمِينَ فكانَ يأخذُ سيفَهُ ودرعَهُ ويقتحِمُ عن بعيرِهِ ويخلِّي سبيلَهُ ويكِرُّ راجعًا على قدمَيهِ إلى رسُولِ اللهِ، حتَّى إذَا اجتَمَعَ حوالَيهِ ﷺ مائَةُ رجُلٍ أو نحوُهُم استقبَلُوا هوازِنَ بالضَّربِ.
واشتَدَّتِ الحربُ، وكثُرَ الطَّعنُ والجِلَادُ، فقام رسولُ اللهِ ﷺ فنظَرَ إلى مجتَلَدِ القومِ (أي مكانِ جِلَادِهِم وعِراكِهم) فقالَ: “الآنَ حَمِيَ الوَطِيسُ“، ونزَلَ عَن بغلَتِهِ وجعَلَ يقُولُ: “أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ، أَنَا ابنُ عَبدِ المُطَّلِبِ“، فما رُئِيَ مِنَ الناسِ أشدُّ منهُ، وقد غشَاهُ المشرِكُونَ، وهذِهِ نهايَةُ الثَّبَاتِ والشَّجَاعَةِ والصَّبرِ.
وقذَفَ اللهُ عزَّ وجلَّ في قلُوبِ هوازِنَ الرعبَ حينَ وصلُوا إلى رسُولِ اللهِ ﷺ، وذلِكَ أنَّ رسُولَ اللهِ ﷺ إذَا واجهَهُم ووَاجَهُوهُ صاحَ بهِم صيحَةً ورمَى في وجُوهِهِم بالحَصَا وقالَ: “شَاهَتِ الوُجُوهُ، شَاهَتِ الوُجُوهُ“، فلَم تَبقَ عَينٌ إلَّا دخَلَهَا مِن ذلِكَ، فلَم يملِكُوا أنفُسَهُم ووَلَّوا مدبِرِينَ وفِي ذلِكَ يقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ﴾، ويَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ في ذِكرِ غَزوَةِ حُنَينٍ: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾.
ثُمَّ بعدَ ذلِكَ اعتَمَرَ رسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الجِعرَانَةِ.
وفِي هذِهِ العمرَةِ قسَم رسُولُ اللهِ ﷺ شعَرَهُ بينَ الناسِ، ومَعلُومٌ أن الشَّعَرَ لا يؤكَلُ ولَا يُنتَفَعُ بهِ فِي شَيءٍ غيرِ بَرَكَةِ رسُولِ اللهِ ﷺ، وقَدِ احتفَظَ الصَّحَابَةُ رضوانُ اللهِ عليهِم بهذَا الشَّعَرِ الذِي قسمَهُ رسُولُ اللهِ ﷺ بينَهُم، حتَّى إِنَّ بعضَهُم أوصَى بِأَن يدفَنَ هذَا الشعَرُ معَهُ في قبرِهِ، وهذا فيهِ دلِيلٌ عظِيمٌ لأهلِ السُّنَّةِ والجمَاعَةِ على جوازِ التبَرُّكِ بآثَارِ النَّبِيِّ ﷺ مستَمَدٌّ مِن قَسمِ رسُولِ اللهِ ﷺ شعَرَهُ بينَ أصحَابِهِ معَلِّمًا لَهُمُ التَّبَرُّكَ بآثَارِهِ ﷺ.
وَلَمَّا فَرَّت ثَقِيفٌ إِلَى الطائِفِ أغلَقُوا عليهِم أبوابَ مدينَتِهَا وصنَعُوا الصنَائِعَ للقِتَالِ، فتَوَجَّهَ إليهِمُ المُصطفَى فِي شَوَّالِ سنَةِ ثَمَانٍ فحَاصَرَهُم بِضعًا وعِشرِينَ لَيلَةً وتَرَامَوا بالنَّبلِ وقاتَلَهُم قِتَالًا شَدِيدًا وقاتَلَ فيهَا بنَفسِهِ، وقالَ المُصطَفَى لِأَبِي بكرٍ وَهُوَ يُحَاصِرُهُم: “رَأَيتُ أَنِّي أُهدِيَت إِلَيَّ قَصعَةٌ مَملُوءَةٌ ثَرِيدًا، فَنَقَرَهَا دِيكٌ فَأَهرَاقَ مَا فِيهَا“، فقال: ما أظُنُّ أن تُدرِكَ منهُم يومَكَ هذَا ما تُرِيدُ؟ فقالَ المصطَفَى: “وَأَنَا لَا أَرَى ذَلِكَ“، فأَذِنَ بالرَّحِيلِ. وقال لهُ رَجُلٌ يومَ ظَعَنَ عَن ثَقِيفٍ: ادعُ علَيهِم، قالَ: “اللهم اهدِ ثَقِيفًا وَائتِ بِهِم“.
واستشهَدَ مِنَ الصَّحَابَةِ اثنَا عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ انصَرَفَ عَنِ الطَّائِفِ حَتَّى نَزَلَ الجِعرَانَةَ ثُمَّ أتاهُ وفدُ هوَازِنَ بِالجِعرَانَةِ وَقَد أَسلَمُوا وكانَ معَهُم من سَبيِهِم ستَّةُ ءالَافٍ مِنَ الذَّرَارِي والنِّسَاءِ وَمِنَ الإِبِلِ والشَّاءِ مَا لَا يَدرِي مَا عِدَّتُهُ إِلَّا اللهُ تعَالَى، فقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّا أَهلٌ وعَشِيرَةٌ وقَد أَصَابَنَا مِنَ البَلَاءِ مَا لم يَخفَ عَلَيكَ فَآمنُن علينَا، وقالَ رَجُلٌ من سَعدِ بنِ بكرٍ: يا رسُولَ اللهِ، إنَّمَا فِي الحظَائِرِ عمَّاتُكَ وخَالَاتُكَ وحَوَاضِنُكَ اللَّاتِي كُنَّ يكفَلنَكَ وأَنتَ خَيرُ المَكفُولِينَ، فقَالَ المُصطَفَى ﷺ: “أَحَبُّ الحَدِيثِ إِلَيَّ أَصدَقُهُ، وَمَعِي مَن تَرَونَ، فهل أَبنَاؤُكُم وَنِسَاؤُكُم أَحَبُّ إِلَيكُم أَم أَموَالُكُم“، قالُوا: خيَّرتَنَا بينَ أموَالِنَا وأحسَابِنَا، بل تَرُدُّ إلينَا نِسَاءَنَا وأَبنَاءَنَا فَهُوَ أَحَبُّ إلَينَا فقَالَ: “أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُم، وَإِذَا أَنَا صَلَّيتُ الظُّهرَ بِالنَّاسِ فَقُومُوا فَقُولُوا: إِنَّا نَتَشَفَّعُ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى المُسلِمِينَ وَبِالمُسلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ فِي أَبنَائِنَا وَنِسَائِنَا فَسَأُعطِيكُم عِندَ ذَلِكَ“، ففعلُوا فقالَ المُصطَفَى ﷺ: “أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ فَلَكُم“، فقالَ المُهَاجِرُونَ: مَا لَنَا فَهُوَ لرَسُولِ اللهِ، وقالَتِ الأنصَارُ: مَا لَنَا فهُو لرسُولِ اللهِ.
وسأَلهُمُ المصطَفَى ﷺ: “مَا فَعَلَ عَوفُ بنُ مَالِكٍ“، قالُوا: بالطَّائِفِ، قالَ: “أَخبِرُوهُ أَنَّهُ إِن أَتَانِي مُسلِمًا رَدَدتُ إِلَيهِ أَهلَهُ وَمَالَهُ وَأَعطَيتُهُ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ“، فأخبَرُوهُ فأَدرَكَهُ بالجِعرَانَةِ فرَدَّ عليهِ مالَهُ وأهلَهُ وأعطَاهُ مائَةً منَ الإِبلِ وأسلَمَ فحَسُنَ إسلَامُهُ، واستَعمَلَهُ علَى مَن أسلَمَ مِن قومِهِ فكانَ يقاتِلُ بهِم ثقِيفًا لَا يخرُجُ لهُم راعٍ إلا أغَارَ علَيهِ حتَّى ضَيَّقَ علَيهِم.
ثمَّ أعطَى المؤَلَّفَةَ وَكَانُوا أشرَافًا يتَأَلَّفُ بِهِم قومَهُم فأَعطَى أبَا سفيَانَ بنَ حَربٍ وابنَهُ معاوِيَةَ وحَكِيمَ بنَ حِزَامٍ والحَارِثَ بنَ كِلدَةَ والحَارِثَ بنَ هشَامٍ وسُهَيلَ بنَ عمرٍو ومَالِكَ بنَ عَوفٍ وغيرهم كلَّ وَاحِدٍ مِائَةَ بَعِيرٍ، وأَعطَى رِجَالًا دُونَ المِائَةِ.
وَلَمَّا أَعطَى قَبَائِلَ العَرَبِ ولَم يُعطِ الأَنصَارَ شَيئًا وَجَدُوا فِي أَنفُسِهِم حَتَّى كَثُرَت مِنهُمُ القَالَةُ فَدَخَلَ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ عَلَيهِ فَقَالَ: إِنَّ الأَنصَارَ قَد وَجَدُوا في أنفسهم أَعطَيتَ عطَايَا عِظَامًا وَلَم تُعطِهِم فَقَالَ: “أَينَ أَنتَ مِن ذَلِكَ؟” قالَ: ما أَنَا إِلَّا مِن قَومِي، قالَ: “فَاجمَعهُم لِي“، فجَمَعَهُم، فَأَتَاهُمُ المُصطَفَى ﷺ فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ: “يَا مَعشَرَ الأَنصَارِ مَقَالَةٌ بَلَغَتنِي عَنكُم وَجِدَةٌ وجَدتُمُوهَا فِي أَنفُسِكُم، أَلَم تَكُونُوا ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بي وَعَالَةً فَأَغنَاكُمُ اللهُ وَأَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم؟“، قالُوا: بَلَى، للهِ ولِرَسُولِهِ المَنُّ وَالفَضلُ، ثُمَّ قَالَ: “أَلَا تُجِيبُونِي؟“، قالُوا: بمَاذَا نُجِيبُ؟ قالَ: “أَمَا وَاللهِ لَو شِئتُم لَقُلتُم أَتَيتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقنَاكَ وَمَخذُولًا فَنَصَرنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَينَاكَ وَعَائِلًا فَوَاسَينَاكَ، أَوَجَدتُم فِي أَنفُسِكُم فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنيَا تَأَلَّفتُ بِهَا قَومًا لِيُسلِمُوا وَوَكَلتُكُم إِلَى إِسلَامِكُم، أفَلا تَرضَوْنَ يا مَعشَرَ الأنْصارِ، أنْ يَذهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعيرِ، وتَرجِعون برسولِ اللهِ في رِحالِكم؟ فوالَّذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيَدِه، لولا الهِجْرةُ لَكُنتُ امرَأً من الأنْصارِ، ولو سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وسَلَكَتِ الأنْصارُ شِعْبًا، لَسَلَكتُ شِعْبَ الأنْصارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأنْصارَ، وأبْناءَ الأنْصارِ، وأبْناءَ أبْناءِ الأنْصارِ! قال: فبَكى القَومُ، حتى أخْضَلوا لِحاهُم، وقالوا: رَضِينا برسولِ اللهِ قَسْمًا وحَظًّا، ثُمَّ انصَرَفَ رسولُ اللهِ ﷺ، وتَفَرَّقوا.
ورجَعَ ﷺ إِلَى المَدِينَةِ بَعدَ غَيبَتِهِ عنهَا شَهرَينِ وسِتّةَ عَشَرَ يَومًا.
وَفِي طَرِيقِ عَودَتِهِ مِنَ الطَّائِفِ نَزَلَ ﷺ مَعَ أَصحَابِهِ فِي الجِعرَانَةِ، وَهُنَاكَ التَقَى بِأُمِّهِ مِنَ الرّضَاعِ حلِيمَةَ السَّعدِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عنهَا وَأَبِيهِ وَأَخِيهِ، فَعَن أَبِي الطُّفَيلِ رضي الله عنه قالَ: كُنتُ غُلَامًا أَحمِلَ نَضوَ البَعِيرِ ورَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُقِيمُ بِالجِعرَانَةِ وَامرَأَةٌ بَدَوِيَّةٌ، فلَمَّا دنَت مِنَ النَّبِيِّ ﷺ بَسَطَ لهَا رِدَاءَهُ فجَلَسَت علَيهِ، فقُلتُ: مَن هذِهِ؟ فقَالُوا: أمُّهُ الَّتِي أرضَعَتهُ.
وعَن عُمَرَ بنِ السَّائِبِ رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ جالِسًا يَومًا، فَجَاءَ أَبُوهُ مِنَ الرِّضَاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعضَ ثَوبِهِ فَقَعَدَ عَلَيهِ، ثُمَّ أَقبَلَت أُمُّه فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوبِهِ مِن جَانِبِهِ الآخَرِ فَجَلَستُ عَلَيهِ، ثُمَّ جَاءَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وأَجلَسَهُ بَينَ يَدَيهِ.
ذكر أحداث السنة الثامنة للهجرة
وَأَخـذُ جِـزيَـةِ مَجُـوسِ هَـجَـرَا *** وَاتَّـخَـذَ النَّبِيُّ فِـيـهَـا المِـنـبَـرَا
وَفي العامِ الثامِنِ كانَ بدءُ أَخذِ الجِزيَةِ مِن مَجُوسِ هَجَرٍ.
وهَجَرٌ مدينةٌ كانت تُعرَفُ بأنّها قاعدةُ بِلادِ البحرَينِ وليسَت هي هَجَرَ المعروفةَ بقِلالِها المذكورةَ في الحديثِ: “إِذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَينِ بِقِلَالِ هَجَرَ“، فهذهِ بالمدينةِ المنوَّرةِ ولَم يَكُن فيها مَجُوسٌ.
وَكَتَبَ رَسُولُ الله ﷺ إِلَى مَجُوسِ هَجَرٍ يَعرِضُ عَلَيهِمُ الإِسلَامَ، فَمَن أَسلَمَ قُبِلَ مِنهُ، وَمَن أَبَى ضُرِبَت عَلَيهِ الجِزيَةُ، عَلَى أَن لَا تُؤكَلَ لَهُم ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنكَحَ لَهُمُ امرَأَةٌ، رواه البيهقيُّ في «السُّنَنِ الكُبرَى» وقالَ البَيهَقِيُّ: هَذَا مُرسَلٌ، وَإِجمَاعُ أَكثَرِ المُسلِمِينَ عَلَيهِ يُؤَكِّدُهُ، وَلَا يَصِحُّ مَا رُوِيَ عَن حُذَيفَةَ فِي نِكَاحِ مَجُوسِيَّةٍ.
وَفي السنَةِ الثامِنَةِ منَ الهجرَةِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ ﷺ لِنَفسِهِ المِنبَرَ أي أمَرَ بذلِكَ.
فعن أنسٍ رضيَ الله عنهُ أنَّ رسولَ الله ﷺ كَانَ يَقُومُ يَومَ الجُمُعَةِ فَيُسنِدُ ظَهرَهُ إِلَى جِذعٍ مَنصُوبٍ فِي المَسجِدِ فَيَخطُبُ، فَجَاءَ رُومِيٌّ فَقَالَ: أَلَا نَصنَعُ لَكَ شَيئًا تَقعُدُ وَكَأَنَّكَ قَائِمٌ؟، فَصَنَعَ لَهُ مِنبَرًا لَهُ دَرَجَتَانِ وَيَقعُدُ عَلَى الثَّالِثَةِ، فَلَمَّا قَعَدَ نَبِيُّ الله ﷺ عَلَى المِنبَرِ حصلَت معجِزَةُ حنيِن الجذعِ العظيمَةُ وخَارَ الجِذعُ أي حَنَّ كخُوَارَ الثَّورِ، حَتَّى ارتَجَّ المَسجِدُ بِخُوَارِهِ حُزنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَنَزَلَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ المِنبَرِ فَاعتَنَقَهُ وَهُوَ يَخُورُ، فَلَمَّا التَزَمَهُ رَسُولُ الله ﷺ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ ﷺ: “وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو لَم أَلتَزِمهُ مَا زَالَ هَكَذَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ حُزنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ“، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَدُفِنَ.
وفي روايةٍ عِند بُرَيدَةَ أنَّ النبيَّ ﷺ قال للجِذع: “إِن شِئتَ أَرُدُّكَ إِلَى الحَائِطِ (أي البستان) الَّذِي كُنتَ فِيهِ تَنبُتُ لَكَ عُرُوقُكَ وَيَكمُلُ خَلقُكَ وَيُجَدَّدُ لَكَ خُوصٌ وَثَمَرَةٌ، وَإِن شِئتَ أَغَرِسُكَ فِي الجَنَّةِ فَيَأكُلُ أَولِيَاءُ اللهِ مِن ثَمَرِكَ” ثُمَّ أَصغَى لَهُ النَّبِيُّ ﷺ يَستَمِعُ مَا يَقُولُ، فقال: بَل تَغرِسُنِي فِي الجَنَّةِ فَيَأكُلُ مِنِّي أَولِيَاءُ الله وَأَكُونُ فِي مَكَانٍ لَا أَبلَى فِيهِ، فَسَمِعَهُ مَن يَلِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “قَد فَعَلتُ“، وفي ذلكَ قالَ الشاعرُ:
الجِذعُ حَنَّ إِلَى النَّبِيِّ المُصطَفَى *** وَعلَى الحَنِينِ لَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرُ
وَقَالَ ءَاخَرُ:
الجِذعُ حَنَّ إِلَى حَنَانِ مُحَمَّدِ *** وَهُوَ اليَبِيسُ غَدَا بِرَاحَتِهِ نَدِيْ
وَقَالَ ءَاخَرُ:
الجِذعُ حَنَّ إِلَيكَ يَا خَيرَ الوَرَى *** كَيفَ النُّفُوسُ إِلَيكَ لَا تَشتَاقُ
قَالَ البَيهَقِيُّ بَعدَ ذِكرِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ حَنِينِ الجِذعِ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرنَاهَا فِي أَمرِ الحَنَّانَةِ (أَيِ الجِذعِ الَّذِي حَنَّ لِرَسُولِ الله ﷺ) كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَأَمرُ الحَنَّانَةِ مِنَ الأُمُورِ الظَّاهِرَةِ وَالأَعلَامِ النَّيِّرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَالحَمدُ لله عَلَى الإِسلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَبِهِ العِيَاذُ وَالعِصمَةُ.
وَلَقَد أَحسَنَ مَن قَالَ:
وَأَلقَى لَهُ الرَّحمَنُ فِي الجُمدِ حُبَّهُ **** فَكَانَت لِإِهدَاءِ السَّلَامِ لَهُ تُهدَا
وَفَارَقَ جِذعًا كَانَ يَخطُبُ عِندَهُ ***** فَأَنَّ أَنِينَ الأُمِّ إِذ تَجِدُ الفَقدَا
يَحِنُّ إِلَيهِ الجِذعُ يَا قَومُ هَكَذَا ***** وَنَحنُ أَولَى أَن نَحِنَّ لَهُ وَجدَا
فائدة
إذا خفت كيد أحد وشره
إذَا خِفْتَ كَيدَ أَحَدٍ وَشَرَّهُ فَقُلْ: يَا كَبِيرُ يَا عَظِيْمُ يَا سَلَامُ اكْفِنِي شَرَّ مَا أَخَافُ شَرَّهُ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)، ثُمَّ تَقُوْلُ: بَلَىْ.
للوقاية من عذاب القبر وللغنى
جَاءَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ: لا إِلٰهَ إِلا اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ كَانَ لَهُ أَمَانًا مِنَ الْفَقْرِ، وَأُنْسًا مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ، وَاسْتَجْلَبَ الْغِنَىٰ، وَاسْتَقْرَعَ بِهَا بَابَ الْجَنَّةِ).
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ….
دعاء
اللهم اشفِنا واشفِ مرضَانَا اللهم اشفنا واشفِ مرضانا اللهم اجمع لنا بينَ خيرَيِ الدنيَا والآخرةِ اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه اللهم آتِ نفوسَنَا تقوَاها وزكِّها أنتَ خيرُ من زكاها أنتَ وليُّها ومولَاها اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعَه وأرِنا الباطلَ باطِلًا وارزقنَا اجتنابَه ومحاربَتَه اللهم لا سهلَ إلا ما جعلتَهُ سهلًا وأنتَ تجعَلُ الحَزنَ إن شئتَ سهلًا اللهم إنا نعُوذُ بِكَ مِن شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنَا اللهم إنا نعوذُ بك منَ الهمِّ والحَزَن ونعوذُ بك مِنَ العَجزِ والكَسَلِ ونَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبنِ وَالبُخلِ وَنَعُوذُ بكَ مِن غَلَبَةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ اللهم اجعَلنَا مِنَ العلمَاءِ الحُلمَاءِ البَرَرَةِ الأتقياءِ اللهم فقِّهنا في الدينِ واجعلنَا مِنَ الآمِرِينَ بالمعروفِ النَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ اللهم أكرِمنَا بحفظِ القرآنِ العظيمِ وارزقنا تلاوتَه آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ واحفظنا ببركتِه وبركةِ حبيبِك محمدٍ واجعلنا مِن العاملينَ بأحكامِه ومن الوقَّافينَ عندَ حدودِه واجعَلهُ حجَّةً لنَا لا علَينَا واجعَلهُ نُورًا لنَا في الدنيَا والقبرِ والآخرةِ.
اللهم يا عليُّ يا عظيم يا حليم يا كريم الطف بالمسلمين في فلسطين اللهم فرج كربهم اللهم ءامن روعاتهم واستر عوراتهم وءامنهم في أوطانهم اللهم اشف مرضاهم وسكن ءالامهم وخفف مصابهم وأنزل السكينة عليهم وأمدهم بأمداد من عندك اللهم أمدهم بجنود لا نراها اللهم اجعلهم من الصابرين الذاكرين الشاكرين اللهم اصرف عنهم بأس الغاصبين ورد الكيد عنهم يا أكرم الأكرمين اللهم عليك باليهود الغاصبين اللهم عليك باليهود الظالمين اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم واجعل دباباتهم وطائراتهم خرابا ووبالا عليهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفِر لِمَن سبقَنَا مِن إِخوَانِنَا بِالإِيمَانِ اللهم اجمَعنَا بِهِم فِي الفِردَوسِ الأَعلَى اللهم ارحَم شَيخَنَا رَحمَةً واسِعَةً اللهم ارحَم مشايخَنَا اللهم اجمَعنا بِهِم في الفردَوسِ الأَعلَى يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ استَجِب لَنَا بِحَقِّ حبيبِكَ محمَّدٍ ﷺ.
اللهم أعِنَّا علَى الصيامِ والقِيامِ وتقبَّل منَّا يا رَبَّ العالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عتقَاءِ هذَا الشهرِ الكريمِ ومِنَ المقبُولِينَ يا أكرَمَ الأكرَمِينَ، اللهم أعتِقنَا فِيهِ مِنَ النيرَانِ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، اللهم أرِنَا ليلَةَ القدرِ المبارَكَةِ يا رَبَّ العالمينَ وارزُقنَا فيهَا دعوَةً مجَابَةً بجَاهِ سَيِّدِ الأولِينَ وَالآخِرِينَ يا اللهُ، اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ والأَمرَاضَ عَنِ المسلِمِينَ في مشَارِقِ الأرضِ ومغَارِبِهَا إكرامًا لوِجهِ محمَّدٍ ﷺ يا ربَّ العالمِينَ، اللهم توفَّنَا عَلَى كامِلِ الإيمَانِ وارزُقنَا شهَادَةً في سبيلِكَ ومَوتًا في بلَدِ نبيِّكَ ﷺ، واحشرنا على نُوقٍ رحَائِلُهَا مِن ذهَبٍ آمنِينَ مطمَئِنِّينَ يا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم ارزقنَا حُسنَ الخِتَامِ والمَوتَ على دِينِكَ دينِ الإسلامِ ورؤيَةَ سيدِ الأنَامِ سيدنَا مُحَمَّدٍ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، احشُرنَا فِي زُمرَتِهِ وأَورِدنَا حوضَهُ الشريفَ يا ربَّ العالمين.
وَصَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ، وَالحَمدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ.