المقدمة
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، الحَبِيبِ المَحبُوبِ، العَظِيمِ الجَاهِ، العَالِي القَدرِ طَهَ الأَمِينِ، وَإِمَامِ المُرسَلِينَ وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ وَأَهلِ بَيتِهِ المَيَامِينِ المُكَرَّمِينَ، وَعَلَى زَوجَاتِهِ أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ البَارَّاتِ التَّقِيَّاتِ النَّقِيَّاتِ الطَّاهِرَاتِ الصَّفِيَّاتِ، وَصَحَابَتِهِ الطَيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، تَقَدَّسَ عَن كُلِّ صِفَاتِ المَخلُوقِينَ وَسِمَاتِ المُحدَثِينَ، لَا يَمَسُّ وَلَا يُمَسُّ وَلَا يُحَسُّ وَلَا يُجَسُّ، لَا يُعرَفُ بِالحَوَّاسِّ وَلَا يُقاسُ بِالنَّاسِ، نُوَحِّدُهُ وَلَا نُبَعِّضُهُ، لَيسَ جِسمًا وَلَا يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ الأَجسَامِ، وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعيُنِنَا وَغَوثَنَا وَوَسِيلَتَنَا وَمُعَلِّمَنَا وَهَادِيَنَا وَمُرشِدَنَا وَشَفِيعَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، مَن أَرسَلَهُ اللهُ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، جَاءَنَا بِدِينِ الإِسلَامِ كَكُلِّ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، وَرَضِيَ اللهُ عَن سَادَاتِنَا وَأَئِمَّتِنَا وَقُدوَتِنَا وَمَلَاذِنَا أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَائِرِ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ، الأَتقِيَاءِ البَرَرَةِ وَعَن أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ، زَوجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ الطَّاهِرَاتِ النَّقِيَّاتِ وَعَن أَهلِ البَيتِ الأَصفِيَاءِ الأَجِلَّاءِ وَعَن سَائِرِ الأَولِيَاءِ وَعِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَمَّا بَعدُ:
وَصَلنَا فِي أَلفِيَّةِ الحَافِظِ العِرَاقِيِّ إِلَى قَولِهِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
بَدْءُ الوَحْيِ
حَـتَّـى إِذَا مَـا بَـلَـغَ الرَّسُـولُ *** الأَرْبَـعِـيـنَ جَـاءَهُ جِـبْـرِيـلُ
وَهْـوَ بِـغَـارِ بِـحِـرَاءٍ مُـخْـتَلِيْ *** فَجَاءَهُ بِالوَحْيِ مِنْ عِنْدِ العَلِيْ
بَلَغَ رسُولُ الله ﷺ الأربَعِينَ مِن عُمُرِهِ الشريفِ فأرسَلَ الله لَهُ سيِّدَ الملائِكَةِ ورُوحَ القُدُسِ جبريلَ عليهِ السلامُ وهُوَ مُخْتَلٍ عَنِ النَّاسِ معتزَلٌ للفَسَادِ الذِي أطبَقَ علَى وَجهِ الأرضِ فِي ذلكَ الزمانِ، نزلَ عليهِ جبريلُ بدِينِ الحقِّ كما نزَلَ علَى الأنبِيَاءِ قبلَهُ، نزَلَ إليهِ جبريلُ بتفَاصِيلِ الإيمانِ وتفاصِيلِ الشريعَةِ وأوامِرِ الله عزَّ وَجَلَّ، فأخذَهَا ﷺ وبلَّغَهَا، لَم يُقَصِّر وَلَم يَألُ جُهدًا فِي تبلِيغِ هذِهِ الرِّسَالَةِ للنَّاسِ، فأَسعَدَ الله أنَاسًا اتَّبَعُوهُ وأَشقَى آخَرِينَ رَأَوهُ وَكَانَ حَظُّهُم مِن هَذِهِ الرُّؤيَةِ التَّكذِيبَ وَالصُّدُودَ عَنِ الحَقِّ، وَلَكِنَّ الله يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَيَفعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ.
قالَت عائِشَةُ رضي اللهُ تعالَى عنهَا: أولُ ما بُدِئَ بهِ رسولُ اللهِ ﷺ منَ الوحيِ الرؤيَا الصادقة، فكانَ لَا يَرَى رؤيَا إِلَّا جاءَت مِثلَ فَلَقِ الصُّبحِ، هَذَا غَيرُ مَا رَآهُ مِن دلائِلِ نبوَّتِهِ مِن غيرِ وَحيٍ، وأوَّلُ ذلِكَ مطلَقًا ما سمِعَهُ من بَحِيرَا الراهِبِ، قال ابن سعد: لَمَّا خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ معه رسول الله ﷺ فِي الْمَرَّةِ الأُولَى. وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً. فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى مِنَ الشَّامِ. وَبِهَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ بَحِيرَا فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ.. فَلَمَّا نَزَلُوا بَحِيرَا وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَمُرُّونَ بِهِ لا يُكَلِّمُهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ. وَنَزَلُوا مَنْزِلا قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ قَدْ كَانُوا يَنْزِلُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ كُلَّمَا مَرُّوا. فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ثُمَّ دَعَاهُمْ. وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى دُعَائِهِمْ أَنَّهُ رَآهُمْ حِينَ طَلَعُوا وَغَمَامَةً تُظِلُّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ من بين القوم حَتَّى نَزَلُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى تِلْكَ الْغَمَامَةِ أَظَلَّتْ تِلْكَ الشَّجَرَةَ وَاخْضَلَّتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ حِينَ اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا. فَلَمَّا رَأَى بَحِيرَا ذَلِكَ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَأُتِيَ بِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وقال: هذا سيد العالمين هذا يبعثه اللَّه رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: وما علمك؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يمر بشجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في كتفه مثل التفاحة.
ثم رجع وأمر بطعام كثير فصنع ثم أرسل إليهم. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَحْضَرُوهُ كُلُّكُمْ. وَلا تُخَلِّفُوا مِنْكُمْ صَغِيرًا وَلا كَبِيرًا. حُرًّا وَلا عَبْدًا. فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ تُكْرِمُونِي بِهِ. فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ لَكَ لَشَأْنًا يَا بَحِيرَا. مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِنَا هذا. فما شأنك اليوم؟ قال: فإنني أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ. لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَصْغَرُ مِنْهُ فِي رِحَالِهِمْ. تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَا إِلَى الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُهَا عِنْدَهُ. وَجَعَلَ يَنْظُرُ وَلا يَرَى الْغَمَامَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ. ويراها متخلفة على رأس رسول الله ﷺ، قَالَ بَحِيرَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لا يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَنْ طَعَامِي. قَالُوا: مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إِلا غُلامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا فِي رِحَالِهِمْ. فَقَالَ: ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرْ طَعَامِي فَمَا أَقْبَحَ أَنْ تَحْضُرُوا وَيَتَخَلَّفَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنِّي أُرَاهُ مِنْ أَنْفَسِكُمْ. فَقَالَ الْقَوْمُ: هُوَ وَاللَّهِ أَوْسَطُنَا نَسَبًا وَهُوَ ابْنُ أَخِي هَذَا الرَّجُلِ. يَعْنُونَ أَبَا طَالِبٍ. وَهُوَ مِنْ وَلَدِ عبد المطلب. فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ بِنَا لَلُؤْمٌ أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَيْنِنَا. ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ وَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ عَلَى الطَّعَامِ. وَالْغَمَامَةُ تَسِيرُ عَلَى رَأْسِهِ. وَجَعَلَ بَحِيرَا يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا. وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ فِي جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ. فَلَمَّا تَفَرَّقُوا عَنْ طَعَامِهِمْ قَامَ إِلَيْهِ الرَّاهِبُ فَقَالَ: يَا غُلامُ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللاتِ وَالْعُزَّى أَلا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ. فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: لا تسألني باللات والعزى فو الله مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا بُغْضَهُمَا! قَالَ: فَبِاللَّهِ أَلا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ. قَالَ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ. فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ حَتَّى نَوْمِهِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُخْبِرُهُ فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَهُ. ثُمَّ جَعَلَ يَنْظُرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِ الصِّفَةِ الَّتِي عِنْدَهُ. قَالَ: فَقَبَّلَ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ. وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّ لِمُحَمَّدٍ عِنْدَ هَذَا الرَّاهِبِ لَقَدْرًا. وَجَعَلَ أَبُو طَالِبٍ. لِمَا يَرَى مِنَ الرَّاهِبِ. يَخَافُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ. فَقَالَ الرَّاهِبُ لأَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا الْغُلامُ مِنْكَ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: ابْنِي. قَالَ: مَا هُوَ بِابْنِكَ. وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا. قَالَ: فَابْنُ أَخِي. قَالَ: فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: هَلَكَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ. قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ أُمُّهُ؟ قَالَ: تُوُفِّيَتْ قَرِيبًا. قَالَ: صَدَقْتَ. ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إلى بلده واحذر عليه اليهود. فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا أَعْرِفُ لَيَْقتلوه. فَإِنَّهُ كَائِنٌ لابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ عَظِيمٌ نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا وَمَا رُوِّينَا عَنْ آبَائِنَا. وَأَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَدَّيْتُ إِلَيْكَ النَّصِيحَةَ.
وكان مما قاله الراهب بحيرا لأبي طالب: لا تَخْرُجَنَّ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى هَهُنَا فَإِنَّ الْيَهُودَ أَهْلُ عَدَاوَةٍ. وَهَذَا نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ. وَهُوَ مِنَ الْعَرَبِ. وَالْيَهُودُ تَحْسُدُهُ تُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَاحْذَرْ عَلَى ابْنِ أَخِيكَ. فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تِجَارَاتِهِمْ خَرَجَ بِهِ سَرِيعًا.
وكذلِكَ تسلِيمُ الحجرِ وَالشجرِ عليهِ، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِنَّ بِمَكَّةَ حَجَرًا كانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الآنَ“، وذكرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ رَسُولَ الله ﷺ ما كان يَمُرّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إلّا قَالَ: السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَيَلْتَفِتُ رَسُولُ اللهِ ﷺ حولَهُ، وعن يمِينِهِ وشِمَالِهِ وخلفَهُ، فلا يرَى إلَّا الشجَرَ والحجَارَةَ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ كَذَلِكَ يَرَى وَيَسْمَعُ مَا شَاءَ الله أَنْ يَمْكُثَ، ثُمّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِمَا جَاءَهُ مِنْ كَرَامَةِ اللهِ وَهُوَ بِحِرَاءٍ فِي شهرِ رمضانَ، وكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يمكُثُ فِي حِرَاءٍ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا. وإِنَّمَا ابتُدِئَ رسولُ اللهِ ﷺ بالرؤيَا لئَلَّا يفجَأَهُ الملكُ ويأتِيَهُ بصرِيحِ النُّبُوَّةِ بغتَةً، فبُدِئَ بأوائِلِ خِصَالِ النُّبُوَّةِ وتبَاشِيرِ الكرَامَةِ حتَّى استَشعَرَ عظِيمَ ما يُرَادُ بهِ واستَعَدَّ لِمَا ينتَظِرُهُ فلَم يَأتِهِ الملَكُ إلَّا بأَمرٍ عندَهُ مقدمَاتُهُ.
(حَتَّى إِذَا مَا بَلَغَ الرَّسُولُ الأَرْبَعِين): أي ولمَّا بلغَ الرسولُ ﷺ الأربعينَ سنةً تَحدِيدًا لَا تَقريبًا، وهو الوقتُ الذي أرادَ اللهُ اختصاصَهُ فيهِ بالرِّسَالَةِ، (جَاءَهُ جِبْرِيلُ): في هذا الوقتِ جاءَهُ جبريلُ الملكُ الكريمُ أمِينُ الوحيِ ورئيسُ الملائكَةِ علَيهِ السَّلامُ، (وَهوَ بِغَارٍ بحِرَاءٍ مُخْتَلِي): أي وكانَ النَّبِيُّ ﷺ وَحْدَهُ في غارٍ يسَمَّى غارَ حراءٍ في أعلَى قمةِ جَبلِ النُّورِ، يَبعُدُ عن مَكّةَ نحوَ ثلاثةِ أميالٍ، ويَقَعُ علَى يَسارِ الذّاهِبِ مِن مَكّةَ إلى مِنًى، وكان النَّبِيُّ ﷺ حِينَ جاءَهُ جِبريلُ عليهِ السّلامُ مُنفَرِدًا في خَلْوةٍ يَتَفَكَّرُ في مخلوقَاتِ الخالِقِ عزَّ وجَلَّ، (فَجَاءَهُ بِالوَحْيِ): أي فجاءَهُ سيدُنَا جبريلُ بالوحيِ مِنَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، (مِنْ عِنْدِ العَلِيّ): أي أنَّ الوحْيَ الَّذِي نَزَلَ بِه جِبريلُ عليه السَّلامُ على النّبيِّ محمّدٍ ﷺ كانَ من عندِ اللهِ العَلِيِّ، أي بأَمرٍ مِنَ اللهِ تعالَى، فاللهُ عَزَّ وَجَلَّ هو العلِيُّ أيِ الذِي يَعْلُو على خَلْقِهِ بِقَهْرِهِ وقُدْرَتِهِ، لَا بالمَكَانِ والجِهَةِ، فيَستَحِيلُ وصفُ اللهِ تعالَى بالمكانِ المرتَفِعِ أوِ المنخَفِضِ أو غيرِ ذلكَ مِن صِفاتِ المتَحَيِّزَاتِ، لِأَنَّهُ سُبحانَه هو خالِقُ المكانِ وهو مُنَزَّهٌ عنِ المكانِ فلا يَحتاجُ إليهِ، ولَا يَتَشَرَّفُ تعالَى بجِهَة العُلُّو ولا بِغَيرِهَا مِن المخلوقَاتِ.
قَـالَ لَـهُ اقْـرَأْ وَهْـوَ فِـي الْمِرَارِ *** يُـجِـيـبُ نُطْـقًا مَـا أَنَـا بِقَارِيْ
(قَالَ لَهُ اقْرَأْ): أي ولَمَّا ظَهَرَ لَهُ جِبريلُ عليهِ السّلامُ وَكَلَّمَهُ، قالَ لهُ اقرَأْ، أي انتَبِه واستَعِدَّ لِمَا يُلقَى إليكَ، ورَدِّدْهُ بعدَ قراءَتِي. (وَهوَ فِي الْمِرَارِ، يُجِيبُ نُطْقًا مَا أَنَا بِقَارِيْ): أي وكَرَّرَ جبريلُ على النّبِيِّ ﷺ قولَهُ اقرَأْ، وفِي كُلِّ مرَّةٍ كانَ النَّبِيُّ ﷺ يجيبُهُ ويقولُ: “مَا أَنَا بِقَارِئٍ“، أي لَا أُحْسِنُ القِراءَةَ.
ولَم يَكُن طلَبُ جِبريلَ عليهِ السّلامُ مِن النّبيِّ ﷺ أنْ يَقْرأَ المكتوبَ مِن ورَقةٍ أو قِرطاسٍ، فهُوَ ﷺ لا يَكتُبُ ولا يَقرَأُ المكتوبَ، كذلِكَ كانَ في ذلكَ الوقتِ، وعلَيهِ خَرَجَ مِن الدنيَا وتُوُفِّيَ ﷺ.
فَـغَـطَّـهُ ثَـلَاثَـةً حَـتَّـى بَـلَـغْ *** الجَـهْـدَ فَاشْـتَدَّ لِذَاكَ وَانْصَبَغْ
أَقْـرَأَهُ جِـبْـرِيـلُ أَوَّلَ العَـلَـقْ *** قَـرَأَهُ كَـمَـا لَـهُ بِـهِ نَـطَــقْ
وَكَـوْنُ ذَا الأَوَّلَ فَهْوَ الأَشْـهَـرُ *** وَقِـيـلَ، بَـلْ يَـا أَيُّـهَـا الْمُـدَّثِّـرُ
وَقِـيـلَ، بَـلْ فَاتِـحَـةُ الكِـتَـابِ *** وَالأَوَّلُ الأَقْـرَبُ لِلصَّــوَابِ
(فَغَطَّهُ ثَلَاثَةً حَتَّى بَلَغ، الجَهْدَ فاشْتَدَّ لِذَاكَ وَانْصَبَغ): كانَ سيدُنَا جَبريلُ عليهِ السّلَامُ في كُلّ مَرّةٍ يقولُ فيها للنّبيِّ ﷺ أنْ يَقرَأْ والنّبيُّ يُجِيبُه أنّه لَا يُحْسِنُ القِراءةَ يَضُمُّه جِبرِيلُ عليه السّلامُ ضَمًّا شَدِيدًا مِن غيرِ أنْ يُؤذِيَهُ ثُم يَترُكُه ويقولُ لهُ: اقْرَأْ، ثَلاثَ مَرًّاتٍ، فاشتَدَّ الضَّمُّ مِن النَّبِيِّ فبَلَغَ غايةَ الوُسْعِ والتَحَمُّلِ، لكن لَمْ يُصِبهُ ﷺ أدنَى ضَرَرٍ، بل تَحَمَّل جِسمُه تِلكَ الضَّمَّات وقَوِيَ وصَلُبَ جِسْمُه علَى الحَركَةِ وتَحَمُّلِ أثَرِ نُزُولِ الوَحْيِ عَليهِ ﷺ، فاكتَسَى بسبب ذلك قُوّةً على مُخالَطةِ الرُّوْحانِيّاتِ، (أَقْرَأَهُ جِبْرِيلُ أَوَّلَ العَلَقْ): أي أقرَأَهُ أولَ خمسِ ءاياتٍ من سُورَةِ العلقِ، وهُوَ أوَّلُ ما نَزَلَ مِنَ القُرءانِ الكريمِ على النّبِيِّ محمَّدٍ ﷺ، قَالَ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
وَمِمَّا اشتَمَلَت عليهِ هذهِ الآياتُ الأمرَ بالقراءَةِ والبَداءَةِ فيهَا باسمِ اللهِ، وفيهَا ما يتَعَلَّقُ بتوحِيدِ اللهِ وإثباتِ ذاتِهِ وصفاتِهِ مِن صِفَاتِ ذاتٍ وصِفاتِ فعلٍ، والإشارةُ إلى أنَّ اللهَ هو الخالقُ ولا ربَّ سواهُ، وفي هذَا إشارَةٌ إِلَى أصولِ الدِّينِ.
والمتأمل لهذِهِ الآياتِ لا شَكَّ سيُدرِكُ أنّ فيهَا إشارَةً إلى فضلِ العلمِ وعِظَمِ شأنِهِ، فإنّ مِن أعظمِ وأوَّلِ مَا أمرَ اللهُ بهِ نبيَّهُ الازدِيَادَ مِنَ العلمِ، ولَم يُؤمَر فِي القرءَانِ بطلَبِ الازدِيَادِ من شيءٍ إلَّا مِنَ العلمِ.
(قَرَأَهُ كَمَا لَهُ بِهِ نَطَق): أي ثُمَّ قرأَ النبيُّ ﷺ قِراءةً صَحِيحةً ورَدَّدَ خلَفَ جبريلَ عليه السّلامُ ما تلَاهُ عليهِ مِنَ القرءَانِ، (وَكَوْنُ ذَا الأَوَّلَ فَهْوَ الأَشْهَرُ): أي والقولُ بأنَّ أولَ ما نزلَ مِنَ القرءَانِ علَى النبيِّ ﷺ هو أوّلُ خَمسِ ءاياتٍ مِن سُورَةِ العَلَقِ هُوَ القولُ الأشهَرُ الَّذِي علَيه الأكثَرُ، (وَقِيلَ بَلْ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾): أي وقيلَ إِنَّ أولَ مَا نزَلَ مِنَ القرءَانِ هو سُورَةُ المدَّثِرِ، (وَقِيلَ بَلْ فَاتِحَةُ الكِتَابِ): أي وقيلَ إنَّ أولَ ما نَزَلَ مِنَ القرءَانِ هُوَ سُورَةُ الفاتِحَةِ، وَذَلِكَ لِأَحَادِيثَ ورَدَت فِي كُلِّ قولٍ، (وَالأَوَّلُ الأَقْرَبُ لِلصَّوَابِ): أي والقولُ الأولُ وهو أنَّ أولَ ما نزلَ مِنَ القرءانِ على النبيِّ ﷺ هُوَ أوّلُ خَمسُ ءَاياتٍ مِن سُورِةِ العَلَقِ هُو القولُ الأقرَبُ للصوابِ.
وَفِي إرسالِ اللهِ عزَّ وجَلَّ جبريلَ عليهِ السّلامُ مُعلِّمًا للنبيِّ محمّدٍ ﷺ فيهِ بيانٌ مِنَ اللهِ تعالَى للعبَادِ لأهمّيَّةِ تَلَقِّي العِلمِ بالتعلُّمِ مِن أفواهِ العُلَمَاءِ، قال عزَّ وجلَّ: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ﴾، أي عَلَّمَ جبريلُ عليهِ السَّلامُ رسولَ اللهِ محمَّدًا ﷺ، فينبغِي لطالِبِ العِلمِ أنْ يتأسَّى بذلِكَ المِنهاجِ القويمِ فيتلقَّى العِلمَ مِن أفواهِ أهلِ العِلمِ الثِّقاتِ ولا يعتَمِدُ علَى مُجَرَّدِ المطالَعَةِ، فإِنَّ مَنِ اعتمَدَ علَى المطَالَعَةِ وحدَهَا فهُوَ في خَطَرٍ عظيمٍ، كَم مِنَ الناسِ اعتَمَدَ علَى مجرَّدِ المطالعَةِ فهلَكَ، كم مِنَ النَّاسِ اعتَمَدَ علَى مجرَّدِ القراءَةِ فوقَعَ في الكُفرِ والعياذُ باللهِ تعالَى، لأَنَّ الكُتُبَ ولَو كانَت لِشَخصٍ ثِقَةٍ أو عَالِمٍ كَبِيرٍ لكِنَّهَا يدخُلُهَا التصحِيفُ والخطَأُ مِنَ النسَّاخِ والدَّسُّ والسَّقَطَاتُ وغيرُ ذلكَ، فينبَغِي الحذَرُ من هذَا، بل وأحيَانًا تَكُونُ العبَارَةُ صحِيحَةً لكنَّهَا غيرُ واضِحَةٍ أو تَحتَاجُ إلى شَرحِ شيخٍ مثلًا، لذلِكَ لا ينبَغِي أن يعتَمِدَ الشَّخصُ عَلَى القِرَاءَةِ وَحدَهَا،
لو كانَ العِلمُ يؤخَذُ بالمُطَالَعَةِ لِمَ أرسَلَ الرَّسُولُ ﷺ بَعضَ الصَّحَابَةِ ليُعَلِّمُوا مَن دَخَلَ جَدِيدًا فِي الإِسلَامِ فِي البِلَادِ، لِمَ لَم يَكتَفِ بإِرسَالِ كُتُبٍ لَهُم وَتَكُونُ الكُلفَةُ أَقَلَّ، بل أَرسَلَ أَشخَاصًا وَفَرَزَهُم لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ، هَذَا هُوَ المَنهَجُ الذِي علَّمَنَا إِيَّاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَكَمَا قَالَ سَيِّدُ الخلقِ ﷺ: “إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ“.
مَنْ يَأخُذِ العِلمَ عَن شَيخٍ مُشَافَهَةً *** يَكُن عَنِ الزَّيغِ وَالتَّصحِيفِ فِي حَرَمِ
وَمَن يَكُن ءَاخِذًا لِلعِلمِ مِن صُحُفٍ *** فَعِلمُهُ عِندَ أَهلِ العِلمِ كَالعَدَمِ
جَـاءَ إِلَى خَـدِيـجَـةَ الأَمِينَةْ *** يَشْـكُو لَـهَا مَـا قَـدْ رَءَاهُ حِينَهْ
فَـثَـبَّـتَـتْـهُ إِنَّـهـا مُــوَفَّـقَـةْ *** أَوَّلُ مَا قَـدْ ءَامَـنَـتْ مُصَـدِّقَةْ
(جَاءَ إِلَى خَدِيجَةَ الأَمِينَة يَشْكُو لَهَا مَا قَدْ رَءَاهُ حِينَه): لَمَّا أقرَأَ جبريلُ النّبيَّ ﷺ جاءَ إلى زوجَتِهِ خديجَةَ بنتِ خُوَيلِدٍ الزوجةِ الصالحةِ الصادِقَةِ البَرَّةِ الأمينَةِ على أَمْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فكانَتْ صاحِبةَ سِرِّ النبيِّ ﷺ لأمانَتِها وصِدْقِها، يخبِرُهَا ما رآهُ مِن نزولِ الملَكِ عليهِ وَضَمِّهِ إيّاهُ بِشِدَّةٍ ومَا قَالَهُ لَهُ، (فَثَبَّتَتْهُ) أي ثَبَّتَتهُ خدِيجَةُ وقوَّتهُ وقَالَت لَهُ كلَامًا يُسَاعِدُهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَمَّا دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، قَالَ: “زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي“، أي غَطُّونِي بثِيَابِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ أي الفزَعُ، ثُمَّ أَخْبَرَ خديجةَ الْخَبَرَ: فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا، أَي لَا خَشيَةَ علَيكَ. أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ،
(إِنَّها مُوَفَّقَة،. لأنها وافقت القران والآيةَ هي كلا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَوَّلُ مَا قَدْ ءَامَنَتْ مُصَدِّقَة): أي وإنَّهَا رضي اللهُ عَنها موفَّقَةٌ بِتَوفيقِ اللهِ تعالى إذْ هِيَ أولُ مَن ءَامَنَ بِاللهِ ورسُولِه بَعدَ البِعثَةِ مُصَدِّقَةً لَلنّبِيِّ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُطلَقًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
ثُــمَّ أَتَـتْ بِــهِ تَـؤُمُّ وَرَقَـــةْ *** قَـصَّ عَـلَـيْـهِ مَا رَأَى فَصَدَّقَهْ
فَـهْـوَ الّـذِي ءَامَـنَ بَعْـدُ ثَانِيَا *** وَكَـانَ بَــرًّا صَــادِقًـا مُـوَاتِيَا
وَالصَّــادِقُ الْمَصْـدُوقُ قَالَ إِنَّهْ *** رَأَى لَهُ تَخَضْـخُضًـا فِي الجَـنَّـهْ
(ثُمَّ أَتَتْ بِهِ تَؤُمُّ وَرَقَة، قَصَّ عَلَيْهِ مَا رَأَى فَصَدَّقَه): أي ثُمَّ ذهبَتِ السيِّدَةُ خديجَةُ رضِيَ اللهُ عنها بالنَّبِيِّ ﷺ تِقصِدُ ورقةَ بنَ نَوفَلٍ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى، ابنَ عَمِّها.
قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: ” يَا بْنَ عَمِّ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا بْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ، أي جبرِيلُ، الَّذِي كَانَ نُزِّلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، كأنَّهُ تمنَّى عندَ ظهورِ الإسلامِ أن يكونَ شابًّا ليَكُونَ أمكَنَ لنُصرَتِهِ ﷺ، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ“، تعجُّبًا منهُ عليه السلامُ لكونِهِ أشرفَهُم وأفضَلَهُم، وهُم يحتَرِمُونَهُ ويعتَرِفُونَ لَهُ بالفَضلِ والسُّؤدَدِ، حتَّى إنَّ اسمَهُ عندَهُم كانَ الصَّادِقَ الأَمِينَ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ إِذَا جاءَهُم بالحَقِّ والنُّورِ يُخرِجُونَهُ، فوقَعَ مِنهُ عليهِ السلامُ التَّعَجُّبُ علَى ما يقتَضِيهِ العقلُ والنَّظَرُ والقِيَاسُ، وهوَ أنَّ مَن كَانَ رَفِيعًا وأَتَى بزِيَادَةٍ في تَرفِيعِهِ يُزَادُ فِي التَّرفِيعِ والحُرمَةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ.
الرَّسُولُ ﷺ تَوَقَّعَ أَن يَقبَلُوا مِنهُ هَذَا الخَيرَ وَهَذَا الحَقَّ لِأَنَّهُم يُصَدِّقُونَهُ كَمَا جَرَتِ العَادَةُ بَينَهُم، فَهُم يَجعَلُونَهُ يَقضِي بَينَ أُمُورِهِم، وَيُعَظِّمُونَ رَأيَهُ وَيَأخُذُونَ بِهِ، لَكِنَّ وَرَقَةَ أَخبَرَهُ أَنَّه لَم يَأتِ رَجُلٌ بمِثلِ مَا أَتَيتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وأَنَّ هَذَا الدِّينَ مُحَارَبٌ وَلَو كَانَ أَهلُهُ مِن أَحسَنِ النَّاسِ أَخلَاقًا، وقالَ ورَقَةُ في ذَلِكَ أشعَارًا منهَا قَولُهُ:
يَا لِلرِّجَالِ وَصَرْفِ الدَّهْرِ وَالْقَدَرِ *** وَمَا لِشَيْءٍ قَضَاهُ اللهُ مِنْ غِيَرِ
حَتَّى خَدِيجَةُ تَدْعُونِي لِأُخْبِرَهَا *** وَمَا لَهَا بِخَفِيِّ الْغَيْبِ مِنْ خَبَرِ
جَاءَتْ لِتَسْأَلَنِي عَنْهُ لِأُخْبِرَهَا *** أَمْرًا أُرَاهُ سَيَأْتِي النَّاسَ مِنْ أُخَرِ
فَخَبَّرَتْنِي بِأَمْرٍ قَدْ سَمِعْتُ بِهِ *** فِيمَا مَضَى مِنْ قَدِيمِ الدَّهْرِ وَالْعُصُرِ
بِأَنَّ أَحْمَدَ يَأْتِيهِ فَيُخْبِرُهُ *** جِبْرِيلُ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْبَشَرِ
فَقُلْتُ عَلَّ الَّذِي تَرْجِينَ يُنْجِزُهُ *** لَكِ الْإِلَهُ فَرَجِّي الْخَيْرَ وَانْتَظِرِي
وَسَوْفَ أُبْلِيكَ إِنْ أَعْلَنْتَ دَعْوَتَهُمْ *** مِنَ الْجِهَادِ بِلَا مَنٍّ وَلَا كَدَرِ
(فَهْوَ الّذِي ءَامَنَ بَعْدُ ثَانِيًا، كَانَ بَرًّا صَادِقًا مُوَاتِيًا): قَد اختُلِفَ في إسلامِ وَرَقةَ، ولكِنَّ الذِي ذَهَبَ إلَيهِ النّاظِمُ أنَّهُ أسلَمَ فقالَ: (فَهُوَ الّذِي ءَامَنَ بَعْدُ): أي ءَامَنَ بَعدَ خَدِيجةَ فكَانَ الثَّانِيَ فِي التَّرتِيبِ، وَكَانَ طَائِعًا للهِ، مُصَدِّقًا لِما أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ بِه مِن أمرِ الوَحْيِ والرِّسالةِ، مُتَرَفِّقًا مُتَلَطِّفًا به، (وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ إِنَّه، رَأَى لَهُ تَخَضْخُضًا فِي الجَنَّة): استدَلَّ النّاظِمُ لما قالَهُ بِحَديثٍ ضعيفٍ عَنِ النبيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “أَبْصَرْتُهُ فِي بُطْنَانِ أي وسط الْجَنَّةِ عَلَيْهِ سُنْدُسٌ“، يعنِي أنَّ النبيَّ ﷺ كُشِفَ له حالُ وَرَقةَ فرآهُ يَتَنعَّمُ فِي الجنَّةِ، إذ يَكُونُ مِن أَهْلِهَا، وبِهذَا ومِثْلِه يَستدَلِّ مَن يقولُ بإيمانِ ورقَةَ بنِ نَوْفَلٍ، وكُلُّه ضَعِيفٌ، واللهُ أعلَمُ إنْ كانَ أسلَمَ قبلَ مَوتِهِ أو لَا، فَلَا حاجَةَ إلى الخوضِ في ذَلِكَ ما لم يَثبُت.
ذِكرُ السّابقِينَ للإسلامِ
لَيسَ تَرتِيبُ أَسمَاءِ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ الوَارِدِ فِي النَّظمِ مُوَافِقًا لِتَرتِيبِ الأَسبَقِ فالأَسبَقِ مِنهُم فِي الواقِعِ، لكِن أكثَرُ مَا فِي النَّظمِ جاءَ عَلَى التَّرتِيبِ، وَإِلَّا فَأَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ رضِيَ اللهُ عنه المذكُورُ في النَّظمِ مِن بَينِ أَوَاخِرِ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ هُوَ رَابِعُ أَربَعَةٍ مِمَّن أَسلَمُوا وعَلَيهِ جَرَى النَّاظِمُ أَيضًا.
مِـنَ الـرِّجــالِ ابْـنُ أَبِي قُـحَافَـةِ *** قَـالَ بِـهِ حَسَّـانُ فِي القَصِـيدَةِ
وَعِـدَّةٌ مِـنَ الصَّـحَـابَـةِ الأُلَى *** وَفَّـوْا وَتَـابِـعُـوهُـمُ مِمَّـنْ تَـلَا
(مِنَ الرِّجالِ بْنُ أَبِي قُحَافَة): أي أنَّ أولَ مَن أسلَمَ مِنَ الرِّجالِ البالِغينَ الأَحرارِ أبو بكرٍ عبدُ اللهِ بنُ أبي قُحافةَ عثمانَ بنِ عامرٍ التَّيمِيُّ القُرَشيُّ الصِّدِّيقُ، ويلتَقِي نسبُهُ معَ رسولِ الله ﷺ في مُرَّةَ بنِ كعبٍ، وأمُّهُ أُمُّ الخَيرِ سَلْمَى بنتُ صَخرِ بنِ عامرٍ التَّيمِيَّةُ القُرَشيَّةُ.
وكان إسلامُ أبِي بكرٍ الصديقِ رضي اللهُ تعالى عنهُ سبَبُهُ وَحيٌ مِنَ السماءِ، وذلِكَ أنَّهُ رضي اللهُ عنه كانَ تاجرًا بالشَّامِ فرَأَى رُؤيَا فقصَّهَا علَى بَحِيرَى الراهِبِ فقالَ له: مِن أينَ أنتَ؟ قالَ: مِن مَكَّةَ، قالَ: مِن أيِّهَا؟ قالَ: مِن قرَيشٍ، قالَ: فأيُّ شيءٍ أنتَ؟ قال: تاجِرٌ، قال: صَدَّقَ اللهُ تعالى رُؤيَاكَ، فإنَّهُ يُبعَثُ نبيٌّ مِن قَومِكَ تَكُونُ وزيرَهُ في حياتِهِ وخليفَتَهُ بعد موتِهِ، فأسرَّهَا أبو بكرٍ حتَّى بُعِثَ النبيُّ ﷺ فقالَ: يا مُحَمَّدُ مَا الدَّلِيلُ على ما تَدَّعِي؟ قالَ: “الرَّؤيَا الَّتِي رَأَيتَ بِالشَّامِ“، فعانَقَهُ وقَبَّلَ بينَ عينَيهِ وقالَ: أشهَدُ أنَّكَ رسولُ اللهِ.
وروَى البيهَقِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ عَنْهُ كَبْوَةٌ (يعنِي تَأَخُّرٌ وقِلَّةُ إجابَةٍ) وَتَرَدُّدًا وَنَظَرًا إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، مَا عَكَمَ (أي أجَابَ بِسُرعَةٍ) مِنْهُ حِينَ دَعَوتُهُ وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ“.
(قَالَ بِهِ حَسَّانُ فِي القَصِيدَة): أي قالَ بأوّلِيّةِ إسلامِ أبي بكرٍ شاعرُ رسولِ اللهِ ﷺ الصّحابيُّ الجليلُ حسانُ بنُ ثابتٍ الأنصارِيُّ.
الَّتِي كانَ مَطْلَعُها:
إذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِيْ ثِقَةٍ *** فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا
خَيْرَ البَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا *** بَعْدَ النَّبِيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلَا
قال السُّهيليُّ: (وفي مَدْحِ حسّانَ أبَا بكرٍ بما ذُكِرَ وسَمِعَهُ النّبِيُّ ﷺ ولم يُنكِرْهُ دليلٌ على أنهُ أوّلُ مَن أسلَمَ مِن الرِّجالِ).
(وَعِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ): أي وتَتَابعَ الناسُ في الدُّخولِ في الإسلامِ أَرْسالًا، فأَسْلَمَ بَعدَ أبِي بَكْرٍ رضِيَ الله عَنهُ عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ الأكَابِرِ، (الأُلَى، وَفَّوْا وتَابِعُوهُمُ مِمَّنْ تَلَا): أيِ وهؤلاءِ الصحابَةُ همُ الَّذِينَ عَمِلُوا بمَا دَعاهُمُ إِلَيهِ أَبُو بَكرٍ مِنَ الإيمَانِ باللهِ ورَسُولِه وَأَسْلَمَ بإِسلامِهِم أَتباعُهم.
لكنَّ إسلامَ أبي بَكرٍ رضِيَ الله عَنهُ كانَ أَعظَمَهُم غَنَاءً ونَفْعًا للإِسلامِ، فإنَّهُ كانَ صَدْرًا، رئيسًا في قُريشٍ، ذا مالٍ، سَخِيًّا، يَبْذُلُ مالَهُ في نُصرَةِ الدِّينِ، دَاعِيًا إليهِ مَن قَدَرَ علَيه، فجَزاهُ اللهُ عَنِ المسلِمِينَ خَيرًا كَثِيرًا.
قال الحافظُ النوويُّ: لا يُعرَفُ أربعةٌ مُتناسِلُونَ بعضُهُم مِن بَعضٍ صَحِبُوا رسولَ اللهِ ﷺ إلَّا ءالُ أَبِي بكرٍ الصدِّيقِ، وهم عبدُ اللهِ بنُ أسماءَ بنتِ أَبِي بكرِ بنِ أبِي قحافَةَ، فهؤلاءِ الأَربَعَةُ صحَابَةٌ مُتنَاسِلُون، وأيضًا أبو عَتِيقٍ محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكرِ ابنِ أبِي قُحافَةَ رضِيَ اللهُ عنهُم اهـ.
كانَ رضِيَ اللهُ عنهُ أوَّلَ خليفةٍ للمُسلمِينَ بعدَ رسولِ اللهِ ﷺ، وهو أفضَلُ النّاسِ بعدَ الأنبياءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾، الْمَعْنَى فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ أَحَدَ اثْنَيْنِ، أَيْ نَصَرَهُ مُنْفَرِدًا ليسَ معَهُ أحَدٌ إِلَّا أَبو بَكْرٍ.
فائدة
الأحرف النورانية هي الأحرف التي في أوائل سور القرءان الكريم وعددها أربعة عشر حرفًا من غير المكرر وهي: أ ح ر ط ك ل م ن س ع ق ص هـ ي.
وهذه الأحرف فيها من الأسرار والخواص ما لا يحيط بها إلا الله، والله سبحانه وتعالى يكشف لمن شاء من عباده عن بعض خواصها وأسرارها. فمن خواص هذه الحروف أنها تقرأ أو تكتب وتحمل أو توضع في البيت أو المكان الذي تريد للحفظ وحفظ الأموال، والوقاية عند الشدائد والمخاوف، وزيادة الرزق، وللحفظ في البرّ والبحر، وإذا قرأت على المصروع أفاق واحترق العارض إن شاء الله، وإذا قرأها صباحًا ومساءً حفظ وعياله وماله.
خاصيةُ اسمِ اللهِ “الرحيمِ”: أَنَّ مَنْ دَاوَمَهُ كُلَّ يَومٍ مِائةَ مَرةٍ كَانَ لَـهُ رِقَّةُ القُلُوبِ وَرَحْمَةُ الخَلْقِ فَمَنْ خَافَ الوُقُوعَ في مَكْرُوْهٍ ذَكَرَهُ مَعَ مَا قَبْلَـهُ أَيِ “الرحمنِ”.
دعاء
اللهم رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حسَنَةً وقِنَا عذَابَ النَّارِ وَأَدخِلنَا الجَنَّةَ مَعَ الأَبرَارِ برَحمَتِكَ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ، يا رَبَّ العَالَمِينَ يَا اللهُ تَقَبَّل مِنَّا وَاقبَلنَا وتَجَاوَز عَن سَيِّئَاتِنَا وَاطرُدِ الشَّيطَانَ مِن بَينِنَا يَا ربَّ العَالَمِينَ، نَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَةِ مِن غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَمِن شَرِّ عِبَادِهِ وَمِن هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَن يَحضُرُونِ وَالحَمدُ للهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَاةً تَكتُبُنَا بِهَا مِنَ الأَبرَارِ.
اللهم أَدِم عَلَينَا نِعمَةَ الأَمنِ وَالأَمَانِ وَاجعَلنَا آمِنِينَ فِي بِلَادِنَا وَأَوطَانِنَا وَمُجتَمَعَاتِنَا وَبَينَ أَهلِينَا بِجَاهِ رَسُولِكَ الكَرِيمِ ﷺ، اللهم أَزِل مِن بَينِ أَبنَاءِ هَذَا البَلَدِ الشَّحنَاءَ وَالبَغضَاءَ وَالفُحشَ وَأَسبَابَ الفُرقَةِ وَالخِلَافِ يَا رَبَّ العالَمِينَ واجعَلهُم عَلَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، واطرُد مَن كَانَ سَبَبًا فِي الشِّقَاقِ بَينَهُم يَا اللهُ وَلَا تَدَع لَهُ سَبِيلًا إِلَيهِم بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا اللهُ.
اللهم فرِّج عَن إِخوَانِنَا المُسلِمِينَ المُستَضعَفِينَ فِي الشَّامِ وَالعِرَاقِ وَفِلَسطِينَ وَبَيتِ المَقدِسِ وفي غزة وَفِي اليَمَنِ وَفِي كُلِّ بَلَدٍ لِلمُسلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ يَا اللهُ.
اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِيَن وَالآخِرِينَ يا اللهُ، اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، واحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ والمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ ورُؤيَةَ سيِّدِ الأَنَامِ سيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، احشُرنَا فِي زُمرَتِهِ وأَورِدنَا حَوضَهُ الشَّرِيفَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.