شرح ألفية السيرة النبوية للحافظ زين الدين العراقي (8)

المقدمة

الحَمدُ للهِ الَّذِي لَا مَانِعَ لِمَا وَهَب، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا سَلَب، طَاعَتُهُ لِلعَامِلِينَ أفْضَلُ مُكْتَسَب، وَتَقْوَاهُ لِلمُتَّقِينَ أَعْلَى نَسَب، هَيَّأَ قُلُوبَ أَوْلِيَائِهِ لِلإِيْمَانِ وَكَتَب، وَسَهَّلَ لَهُم فِي جَانِبِ طَاعَتِهِ كُلَّ نَصَب، أَحمَدُهُ عَلَى مَا مَنَحَنَا مِن فَضْلِهِ وَوَهَب، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هَزَمَ الأَحْزَابَ وَغَلَب، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي اصْطَفَاهُ وَانتَخَب، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكرٍ الفَائِقِ فِي الفَضَائِلِ وَالرُّتَب، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي فَرَّ الشَّيطَانُ مِنهُ وَهَرَب، وَعَلَى عُثْمَانَ ذِي النُّوُرَيَنِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ الحَسَب، وَعَلَى عَلِيٍّ صِهرِهِ وَابنِ عَمِّهِ فِي النَّسَب، وَعَلَى بَقِيَّةِ أَصحَابِهِ الَّذِينَ اكْتَسَوا فِي الدِّيْنِ أَعْلَى فَخْرٍ وَمُكْتَسَب، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ مَا أَشرَقَ النَّجمُ وَغَرَب، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعدُ:

فَفِي سِيَاقِ حَدِيثِنَا عَن نَبِيِّنَا الحَبِيبِ ﷺ وَصَلنَا فِي أَلفِيَّةِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ للعِرَاقِيِّ إِلَى قَولِهِ:

ذِكرُ السّابقِينَ للإسلامِ
خَدِيجَةَ اذْكُرْ أَوَّلَ النِّسْوَانِ *** عَلِيًّا اعْدُدْ أَوَّلَ الصِّبْيَانِ
وَعُمْرُهُ ثَمَانٌ اوْ مُعَشَّرُ *** أَوْ سِتٌّ اوْ خَمْسٌ وَقِيلَ أَكْبَرُ
(خَدِيجَةَ اذْكُرْ أَوَّلَ النِّسْوَانِ): أيِ اذكُر أوَّلَ مَن أسلَمَ مِنَ النِسَاءِ أَنَّهَا خدِيجَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ زَوجَةُ النّبِيِّ ﷺ.

هِيَ الَّتِي صَدَّقَتِ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ، وءَاوَتِ النبيَّ ﷺ حينَ أخرجَهُ الناسُ، وهيَ التِي رُزِقَتِ الولدَ منَ النبيِّ ﷺ رضيَ اللهُ عنها وأرضَاهَا، هي الَّتِي أقرأَهَا جبرِيلُ السلامَ، هِيَ الَّتِي ما زالَ النبيُّ ﷺ يتذَكَّرُهَا ويَحفَظُ فضلَهَا حَتَّى ءاخِرَ عمُرِهِ ﷺ، هيَ الأَمِينَةُ الرَّضِيَّةُ، البَرَّةُ التَّقِيَّةُ، صاحِبةُ سِرِّ رسولِ اللهِ ﷺ، أولُ من ءامَنَ بهِ من رجالٍ ونِسَاءٍ رضي اللهُ عنهَا، ويَكفِيهَا فضلًا قولُهُ ﷺ فيهَا: “مَا عَوَّضَنِي اللهُ خَيرًا مِنهَا“، اللهم اجمَعنَا بِأُمِّ المؤمِنِينَ خدِيجَةَ بنتِ خويلدٍ معَ نبيِّنَا ﷺ فِي الجنَّةِ يا أكرَمَ الأكرَمِينَ.

(عَلِيًّا اعْدُدْ أَوَّلَ الصِّبْيَانِ): أي وَعُدَّ عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ وكرَّمَ وجهَهُ أولَ مَن ءامَنَ بالنبيِّ مِنَ الذكورِ غيرِ البالغِينَ.

وإسلامُهُ صحيحٌ لا يَشُكُّ في ذلكَ مُحِبٌّ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، الذِي قالَ لهُ رسُولُ اللهِ ﷺ: “أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي“، وقَالَ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ: “لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ“، فَبَاتَ النَّاسُ يَنتَظِرُونَ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَعْطَاها عَلِيًّا، فَكَانَ النَّصرُ عَلَى يَدَيهِ رضِيَ اللهُ عنهُ.

واعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللهُ عنه لا يُزاحَمُ فِي قُرْبِ نَسَبِهِ مِن رسولِ اللهِ ﷺ، وَقَدْ أَقَرَّ الْكُلُّ بِعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ، وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، فَتَبِعَهُ، وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ يَكْشِفُ الْكُرُوبَ عَنْ وَجْهِهِ حتَّى قبَضَ اللهُ تعالَى نبيَّهُ، ثُمَّ بقِيَ يَنصُرُ دِينَ اللهِ إلى أنْ ماتَ رضِيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ،

وَكَانَ الْخَلْقُ يَحْتَاجُونَ إِلَى عِلْمِ عَلِيٍّ حَتَّى قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: آهٍ مِنْ مُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ،

وَلَمَّا وَلِيَ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا مَا زَانَتْهُ الْخِلافَةُ، وَلَكِنْ هُوَ زانَهَا، وجَاءَ ابْنُ النَّبَّاحِ إلى عليٍّ رضِيَ اللهُ عنهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، امْتَلأَ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى ابْنِ النَّبَّاحِ حَتَّى قَامَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ:

هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ *** وَكُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ

فَأَعْطَى جَمِيعَ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ للْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا صَفْرَاءُ يَا بَيْضَاءُ غُرِّي غَيْرِي، حَتَّى مَا بَقِيَ فِيهِ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، ثُمَّ أَمَرَ بِنَضْحِهِ وَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ.

روى أبو نعيم الأصفهاني وغيره عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: ((أُدْخِلَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ الْكِنَانِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ: صِفْ عَلِيًّا؟ فَقَالَ: أَوَتَعْفِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: لَا أَعْفِيكَ، قَالَ: إِذْ لَا بُدَّ فَإِنَّهُ كَانَ وَاللَّهِ ‌بَعِيدَ ‌الْمَدَى، ‌شَدِيدَ ‌الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا وَيَحْكُمُ عَدْلًا، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاجِذِهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ، وَكَانَ وَاللَّهِ غَزِيرَ الدَّمْعَةِ طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا قَصُرَ، وَمِنَ الطَّعَامِ مَا خَشُنَ، كَانَ وَاللَّهِ كَأَحَدِنَا يُدْنِينَا إِذَا آذَنَّاهُ، وَيُحَيِّينَا إِذَا سَأَلْنَاهُ، وَكَانَ مَعَ قُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ، فَإِنْ تَبَسَّمَ فِمِنَ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ وَغَارَتْ نُجُومُهُ، قائما فِي مِحْرَابِهِ، قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ الْمِسْكِينِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُهُ الْآنَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَبَّنَا، يَا رَبَّنَا، يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلدُّنْيَا: إِلَيَّ تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، غُرِّي غَيْرِي، لَا حَانَ حِينُكِ، فَقَدْ بِنْتُكِ ثَلَاثًا، فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ، وَعَيْشُكِ حَقِيرٌ، وَخَطَرُكِ كَثِيرٌ، آهٍ آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ السَّفَرِ وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ، قَالَ: فَوَكَفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ عَلَى لِحْيَتِهِ مَا يَمْلِكُهَا، وَجَعَلَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ وَقَدِ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ، فَقَالَ: كَذَا كَانَ أَبُو الْحَسَنِ، فَكَيْفَ وَجْدُكَ (أي حزنك) عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ؟ قَالَ: وَجْدُ مَنْ ذُبِحَ وَاحِدُهَا فِي حِجْرِهَا، وَلَا تَرْقَأُ دَمْعَتُهَا، وَلَا يَسْكُنُ حُزْنُهَا، ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ)).

فسُبْحَانَ مَنْ جُمِعَ لَهُ الْمَنَاقِبُ والفضائِل، بَحْرٌ مِنَ الْبَرَاعَةِ، وَنَجْمٌ مِنَ الشَّجَاعَةِ ثَاقِبٌ، طَالَتْ عليهِ أيَّامُ الحياةِ، وكان يَستَبطِئُ الْقَاتِلَ حُبًّا لِلِقَاءِ رَبِّهِ، فَيَقُولُ: مَتَى يُبْعَثُ أَشْقَاهَا، وَجِيءَ إِلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: خُذْ حِذرَكَ فَإِنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ قَتْلَكَ، فَقَالَ: إِنَّ الأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ قُتِلَ أُلْهِمَ أَنْ يَقُولَ:

اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ *** فَإِنَّ الْمَوْتَ لاقِيكَا

وَلا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ *** إِذَا حَلَّ (مع مد الفتحة للوزن) بِوَادِيكَا

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يومَ ماتَ أبُوهُ رضِيَ اللهُ عنهُمَا: لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ، لَمْ يَسْبِقْهُ الأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ الآخِرُونَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَبْعَثُهُ بِالرَّايَةِ، جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ، فَلا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ اهـ، رضِيَ اللهُ عَن سَيِّدِنَا عليِّ ابنِ عَمِّ رسولِ اللهِ ﷺ وجَمَعَنَا بِهِ في الجَنَّةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

(وَعُمْرُهُ ثَمَانٍ أَوْ مُعَشَّرٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ خَمْسٌ وَقِيلَ أَكْبَرُ): أي كانَ عُمُرُ سيدِنَا عليٍّ رضي اللهُ عنهُ حينَ أسلَمَ ثمانِ سنينَ، وقيلَ عَشَرَةٌ، وقيلَ سِتَّةٌ، وقيلَ خَمسَةٌ، وقيلَ أكبَرُ مِن ذَلِكَ.

مِنَ الْمَوَالِيْ زَيْدٌ ابْنُ حَارِثَةْ *** كَانَ مُجَالِسًا لَهُ مُحَادِثَهْ
(مِنَ الْمَوَالِيْ زَيْدٌ ابْنُ حَارِثَةْ): أي وأَوَّلُ مَن أَسْلَمَ مِنَ الْمَوَالِي، أي العَبِيدِ المَملُوكِينَ، زَيْدٌ بْنُ حَارِثَةَ بنِ شُرَاحِيلَ بنِ عبدِ العُزَّى.

حِبُّ رسول الله ﷺ، أمُّهُ سُعدَى بنتُ ثعلَبَةَ، كانَ قَد سُبِيَ فِي الجاهِلِيّةِ فاشتَراهُ حَكِيمُ بنُ حِزامٍ ووَهَبَهُ لِعَمَّتِه خديجةَ بنتِ خُوَيلِدٍ، فوَهَبَتْهُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ حينَ تزوَّجَ بها، فأَسْلَمَ.

(كَانَ مُجَالِسًا لَهُ مُحَادِثَهْ): أي كانَ كثيرَ المجالَسَةِ للرسُولِ ﷺ وكثِيرَ التحدُّثِ معَهُ.

قال ابنُ حجَرٍ في الإصابةِ: زارَت سُعدَى أمُّ زيدِ بنِ حارثةَ قومَهَا وزَيدٌ معَهَا، فأغَارَت خيلٌ في الجاهِلِيّةِ علَى بَنِي معنٍ، فاحتَمَلُوا زيدًا وهُوَ غلامٌ، فأَتَوا بهِ في سُوقِ عُكَاظٍ فعَرَضُوهُ للبَيعِ، فاشتَرَاهُ حكيمُ بنُ حزامٍ لعمَّتِهِ خديجةَ بأربَعِمِائَةِ درهمٍ، فلمَّا تزوَّجَهَا رسولُ اللهِ ﷺ وهبَتهُ لَهُ، وكانَ أبوهُ حارِثَةُ بنُ شراحِيلَ حينَ فقَدَهُ قال:

بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ *** أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الْأَجَلْ

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَكَ الدَّهْرَ رَجْعَةٌ *** فَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لِي بَجَلْ

وَإِذْ هَبَّتِ الْأَرْوَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ *** فَيَا طُوْلَ أَحْزَانِي عَلَيْهِ وَيَا وَجَلْ

سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا *** وَلَا أَسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ

فَيَأْتِيَ أَوْ تَأْتِيْ عَلَيَّ مَنِيَّتِي *** وَكُلُّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الْأَمَلْ

فحجَّ ناسٌ مِن كلبٍ، فرأَوا زيدًا فعرفَهُم وعرفُوهُ، فانطَلَقُوا فأعلَمُوا أباهُ ووصفُوا لهُ موضِعَهُ، فخرَجَ حارِثَةُ وعم زيد بفدائِهِ، فقدِمَا مكةَ، فسألَا عنِ النّبيِّ ﷺ فقيلَ: هو فِي المسجِدِ، فدخلَا عليهِ، فقالَا: يا ابنَ عبدِ المطّلبِ، يا ابنَ سيِّدِ قومِهِ، أنتُم أهلُ حرَمِ اللَّهِ، تفُكُّونَ العانِي وتطعِمُونَ الأسِيرَ، جئنَاكَ فِي ولَدِنَا عبدِكَ، فامنُن علينَا، وأَحسِن في فدائِهِ، فإِنَّا سنَرفَعُ لكَ، قالَ: “وَمَا ذَاكَ؟” قَالُوا: زيدُ بنُ حارِثَةَ، فقَالَ: “أَوَ غَيرَ ذَلِكَ؟، أُدعُوهُ فَخَيِّرُوهُ، فَإِنِ اختَارَكُم فَهُوَ لَكُم بِغَيرِ فِدَاءٍ، وَإِن اختَارَنِي فَوَ اللَّهِ مَا أَنَا بِالَّذِي أَختَارُ عَلَى مَنِ اختَارَنِي فِدَاءً“، قالُوا: زدتَنَا علَى النَّصَفِ وأَحسَنتَ، فدعَاهُ فقالَ: “هَل تَعرِفُ هَؤُلَاءِ؟” قَالَ: نَعَم، هذَا أَبِي وَهَذَا عَمِّي، قالَ: “فَأَنَا مَن قَد عَلِمتَ، فَاختَرنِي أَوِ اختَرهُمَا“، فقالَ زيدٌ: مَا أنَا بِالَّذِي أختَارُ عليكَ أحدًا، أنتَ مِنِّي بمِكَانِ الأبِ والعَمِّ، فقالَا: وَيحَكَ يا زَيدُ، أَتَختَارُ العُبُودِيَّةَ على الحرِّيَّةِ، وعلَى أَبِيكَ وعمِّكَ وأَهلِ بَيتِكَ؟ قالَ: نَعَم، ما أَنَا بالَّذِي أختَارُ عليهِ أحَدًا، فلمَّا رأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذلكَ أخرَجَهُ إلى الحِجرِ، فقَالَ: “اشهَدُوا أَنَّ زَيدًا ابنِي“، فلمَّا رأَى ذلكَ أَبُوهُ وعمُّهُ طابَت أنفُسُهُمَا، وانصَرَفَا، فَدُعِيَ زيدَ بنَ مُحَمَّدٍ حتَّى نَزَلَ تَحرِيمُ التَّبَنِّي.

عُثْمَـانُ وَالـزُّبَـيْـرُ وَابْـنُ عَوْفِ *** طَلـْحَةُ سَـعْدٌ أَمِنُوا مِـنْ خَـوْفِ
إِذْ ءَامَـنُـوا بِـدَعْـوَةِ الصِّـدِّيـقِ *** كَـذَا ابْنُ مَظْـعُونٍ بِذَا الطَّـرِيقِ
كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مَأْلَفًا لِقَوْمِهِ مُحَبَّبًا سَهْلًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ، وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، وَكَانَ جُلُّ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأَلَفُونَهُ، لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ ﷺ وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَآمَنُوا وَأَصْبَحُوا مُقِرِّينَ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ.

(عُثْمَانُ): أي ثُمَّ أسلَمَ مِنَ الرِّجالِ الأَحرارِ أبو عَمرٍو أو أبُو عبدِ اللهِ أو أبُو ليلَى عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ بنِ أَبِي العاصِ بنِ أُمَيَّة بنِ عبدِ شمسٍ بنِ عبدِ مَنافٍ القُرَشِيُّ الأُمَوِيُّ.

يلتَقِي نسَبُهُ مَعَ نسَبِ النّبِيِّ ﷺ في عَبدِ منافٍ، وأُمُّه أروَى بنتُ كُرَيزٍ بنِ ربيعةَ بن حبيبِ بنِ عبدِ شمسٍ، وجدَّتُه لأُمِّه أمُّ حَكيمٍ البيضاءُ بِنتُ عَبدِ المُطَّلِب عَمّةُ رسولِ اللهِ ﷺ، هُوَ أميرُ المؤمِنِينَ بعدَ أبِي بكرٍ وعمَرَ رضي اللهُ عنهُم، وكانَ إسلامُه بسببِ دَعوةِ أبِي بكرٍ إيّاهُ إلى الإسلامِ، وأسلَمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ دَارَ الأَرْقَمِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَخَذَهُ عَمُّهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ فَأَوْثَقَهُ رِبَاطًا، فَلَمَّا رَأَى صَلابَتَهُ فِي دِينِهِ تَرَكَهُ، وهاجَرَ الهِجرَتَينِ، وتَزَوَّجَ ابْنَتَيْ رَسولِ اللهِ ﷺ، رُقَيَّةَ، ثُمّ بَعدَها أُمُّ كُلثُومٍ، فلُقِّبَ بذِي النُّورَينِ.

وجَاءَ عُثْمَانُ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ ﷺ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلَ النبيُّ ﷺ يُقَلِّبُهَا وَيَقُولُ: “مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا فَعَلَ بَعْدَ هَذَا“،

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَبَّابٍ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَثَّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا: الأحلاس جمع حلس بالكسر وسكون اللام ، وهو كساء رقيق يجعل تحت البرذعة ، والأقتاب : جمع قتب بفتحتين وهو رحل صغير على قدر سنام البعير وهو للجمل كالإكاف لغيره يريد : علي هذه الإبل بجميع أسبابها وأدواتها في سبيلِ اللهِ، ثُمَّ حَثَّنَا عَلَى الْجَيْشِ، فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سبيلِ اللهِ، قالَ: ثُمَّ حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْجَيْشِ، فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: “مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ“،

وقد قُتِل رَضِي الله عنهُ شَهِيدًا بِدَارِه يومَ الجُمُعَةِ سنَةَ خَمسٍ وثلاثِينَ عن نَيِّفٍ وثَمانينَ سَنةً على يدِ جَماعةٍ مِن الخارجِينَ عليهِ ظُلْمًا، حيثُ قَدِمَ جَمعٌ مِن مِصرَ، وكانَ عَدَدُهُم نحوًا مِن ألفٍ، وجمعٌ ءاخَرُ مِنَ الكُوفَةِ، وثالِثٌ مِنَ البَصرَةِ، فحاصَرُوا عُثمَانَ في دارِهِ عشرِينَ يَومًا، ثمَّ تَسَوَّرَ جماعةٌ مِنهُم دارَه فقتلُوهُ، وسالَ دَمُهُ على المُصحَفِ، ويقالُ إنَّ كِنانةَ بنَ بِشْرٍ التُّجِيبِيَّ، هو مَن تَولَّى قَتْلَه، ثمّ طَعَنَه عَمرُو بنُ الحَمِقِ طعَناتٍ، ثُمّ وثَبَ عليهِ عُمَيرُ بنُ ضابِئٍ البُرجُمِيُّ حتَّى كسَرَ ضِلَعًا مِن أضلَاعِهِ، وكانَ قَد رَأَى سيِّدُنَا عثمَانُ رسُولَ اللهِ ﷺ فِي مَنَامِهِ لَيْلَةَ قَتْلِهِ وَهُو يَقُولُ: “أَفْطِرْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ“، فجَاؤُوا وقَتَلُوهُ وقَد كَانَ صَائِمًا.

(وَالزُّبَيْرُ): أي ثُمَّ أسلمَ الزبيرُ بنُ العَوَّامِ القُرَشِيُّ الأَسْدِيُّ رضِيَ اللهُ عَنهُ، حَوَارِيُّ رسولِ اللهِ ﷺ وابنُ عَمَّتِهِ، وكانَ عُمُرُهُ حِينَ أسلَمَ خمسَ عَشْرَة سنَةً، وقيلَ أقلَّ من ذلِكَ.

وسماه الحواري لانه في يوم الخندق اذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا الريح تكاد تقتلع الخيام وتقطع الاشجاروالنبي ينتدب القوم من ياتيني بخبر هؤلاء فيقول الزبير انا يارسول الله ثُمَّ قَالَ: مَنْ ‌يَأْتِينِي ‌بِخَبَرِ الْقَوْمِ. قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ.» أي خاصَّتِي والْمُفَضَّل عِنْدِي وناصِرِي،

هاجَرَ رضِيَ اللهُ عَنهُ الهِجرَتَينِ، وهوَ أوَّلُ مَن شَهَرَ سَيْفًا في سَبيلِ الله، شَهِدَ الْمَشاهِدَ كُلَّهَا، وثَبَتَ مَعَ النّبِيِّ في أُحُدٍ، وهو أحَدُ المبَشَّرِينَ بالجَنّةِ، عَذَّبَهُ عَمُّه بالدُّخانِ خَنْقًا لِيَترُك الإسلامِ، فأبَى أنْ يَترُكَهُ وثَبَتَ رضِيَ اللهُ عَنهُ.

(وَابْنُ عَوْف): أي ومِنَ السَّابقِينَ الأَوَّلِينَ إِلَى الإسلامِ عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ القُرَشِيُّ مِن بَنِي زُهْرَةَ.

ويَلْتَقِي نَسَبُهُ معَ رسولِ اللهِ ﷺ في كِلابِ بنِ مُرَّةَ، وهُو رضيَ اللهُ عَنهُ أحَدُ العَشَرَةِ المبَشَّرَةِ، وأحَدُ السِّتَّةِ أصحَابِ الشُّورَى، وَقَد شَهِدَ المَشَاهِدَ كُلَّهَا.

والحديث المذكور انه يدخل الجنة حبوا موضوع

(طَلْحَةُ): أي ومِمَّن أسلَمَ قدِيمًا طَلْحَةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ بنِ عُثمَانَ التَّيمِيُّ القُرَشيُّ رَضِيَ الله عَنُه.

ويَجتمِعُ نَسَبُهُ مَعَ رسُولِ اللهِ ﷺ في مُرَّةَ بنِ كَعبٍ، وهو أحَدُ العشَرَةِ المبَشَّرةِ والسِّتَّةِ أصحابِ الشُّورَى، تُوفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وهو عنهُ راضٍ، وسَمَّاهُ يومَ أحُدٍ طَلْحةَ الخَيْرِ، وفي غَزوةِ العُشَيرةِ طَلحةَ الفَيَّاضِ، ويومَ حُنَينٍ طَلحةَ الجُودِ لكَثرَةِ جُودِهِ، وهوَ مِنَ الأعلَامِ الشَّامِخِينَ وَالشُّجْعَانِ المَشهُورِينَ، فقَد أَبْلَى يومَ أُحُدٍ بَلاءً عظيمًا، وكان الصِّدِّيقُ إذا ذَكَرَ أُحُدًا قال: ذَلِكَ اليَومُ كُلُّه كان لِطَلْحَةَ، وقد وَقَى طَلْحَةُ رسولَ اللهِ ﷺ بِمُهْجَتِه في أُحُدٍ وشُلَّتْ يَدُه بِسَبَبِه، ونِعمَ ما فَعَل، قُتِلَ رضيَ الله عَنُه يومَ الجَمَلِ سنةَ سِتٍّ وثلاثينَ، وهو ابنُ أربعٍ وسَبعِينَ سنةً،

(سَعْدٌ): أي ومِمَّن أسلَمَ في السَّابِقِينَ بعدَ أربَعةٍ أو سِتَّةٍ سعدُ بنُ أبِي وَقّاصٍ مالِكِ بنِ أُهَيبٍ الزُّهريُّ رضيَ اللهُ عَنُه.

يَلتَقِي نَسبُه معَ رسولِ اللهِ ﷺ في كِلابِ بنِ مرةَ، وأسلَم سَعْدٌ وهو ابنُ تِسعَ عَشْرةَ سَنةً، وهو أحَدُ العَشَرةِ الْمُبَشَّرَةِ والسِتَّةِ أَصحابِ الشُّورَى، وهو أَوَّلُ مَن رَمَى بِسَهمٍ في سَبِيلِ اللهِ، قالَ لهُ النَّبِيُّ ﷺ يومَ أُحُدٍ: “ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وأُمِّي“، هاجَرَ رضيَ اللهُ عَنُه إلى المدينةِ قَبلَ النَّبِيِّ ﷺ، وشَهِدَ المشَاهِدَ كُلَّهَا، وكانَ مُجابَ الدَّعْوةِ، ماتَ رضيَ اللهُ عَنُه بالعَقِيقِ، فحُمِلَ إلى المدينةِ ودُفِنَ بالبَقِيعِ سنةَ خمسٍ وخمسينَ علَى الأَشهَرِ، وذلكَ عن بِضْعٍ وسَبعِينَ سنةً رضيَ الله عَنُه، وهو ءاخِرُ العَشَرَةِ المبَشَّرِينَ مَوْتًا.

(أَمِنُوا مِنْ خَوْفِ): أي هؤلاءِ الَّذِينَ سَبَقَ ذِكرهُم مِنَ السَّباِقِينَ الأَوَّلِينَ إلى الدُّخولِ في الإسلامِ قَد أَمِنُوا مِنْ خَوْفِ العذَابِ في الآخِرة، (إِذْ ءَامَنُوا بِدَعْوَةِ الصِّدِّيقِ): أي إِنَّهُم قد ءامنُوا باللهِ تعالَى ورسولِه ﷺ بِسَبَبِ دَعْوَةِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ لَهُم إلى الإسلامِ، (كَذَا بْنُ مَظْعُونٍ بِذَا الطَّرِيقِ): أي وكذلكَ مِن السَّابِقينَ الأَوَّلِينَ عُثمانُ بْنُ مَظْعُونِ بنِ حبيبٍ الجُمَحِيُّ الكِنانِيُّ المَكِّيُّ رضيَ اللهُ عَنُهُ.

يَجتَمِعُ نَسبُهُ معَ رسُولِ اللهِ ﷺ في كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، أسلَمَ رضِيَ اللهُ عَنُه بعدَ ثلاثةَ عَشَرَ فَردًا، وهَاجَرَ الهِجرَتَينِ، وكانَ إسلامُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ معَ السابقِينَ الأَوَّلِينَ بِسببِ دُعاءِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ لَهُ إلى الإسلامِ أيضًا.

وقد قَبَّلَهُ النَّبِيُّ ﷺ بعدَ مَوتِه ودُموعُهُ تَجرِي على خَدِّهِ، وقَالَ ﷺ يومَ ماتَتِ ابنَتُه رُقَيَّةُ: “الْحَقِيْ بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ“،

ولَمَّا تُوُفِّي إبراهيمُ ابنُ رسولِ اللهِ ﷺ أمرَ ﷺ أن يُدْفَنَ عندَ عُثمانَ بنِ مَظعونٍ، فرَغِبَ النّاسُ في البَقِيعِ وقطَعُوا الشَّجَرَ واختارَتْ كُلُّ قبيلةٍ ناحِيةً، فمِن هُناكَ عَرَفَتْ كلُّ قَبِيلةٍ مَقابِرَها،

وكَفَّنَهُ رَسولُ اللهِ ﷺ ونَزَلَ في قَبْرِهِ ولم يَنْزِل في قَبْرِ أحَدٍ قَطُّ إلا في خَمسةِ قُبورٍ، مِنها قُبورُ ثَلاثِ نِسْوةٍ وَقَبْرا رَجُلَينِ، مِنهَا قَبرٌ بِمَكّةَ وأربَعةٌ بالمَدِينةِ: قبرُ خديجةَ زَوجتِهِ، وقَبرُ عبدِ اللهِ المُزَنِيّ الّذي يقالُ له عبدُ اللهِ ذو البِجَادَين، وقبرُ أُمِّ رُومانَ أُمِّ عائِشةَ بنتِ أبي بَكرٍ، وقبرُ فاطمةَ بنتِ أسَدِ بنِ هاشِمٍ أُمِّ عَلِيٍّ، وقبرُ عثمانَ بنِ مظعونٍ.

ولَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ودُفِنَ، أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَحَسَرَ عَنْ ذِراعَيْهِ وقال: “أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي“، وفِي هذَا دليلٌ على أهمّيَّةِ الاعتِناءِ بمعرفةِ قبورِ الصّالحِينَ لزِيارَتِهم والتبرُّك عِندَهُم.

وَحَاطِـبٌ حَطَّـابٌ ابْنَا الحَارِثِ *** ……………………………………….
(وَحَاطِبٌ حَطَّابٌ ابْنَا الحَارِثِ): أي ومِن السَّابِقِينَ الأوَّلِينَ في الإسلامِ الأَخَوَانِ حَاطِبٌ وحَطَّابٌ ابْنَا الحَارِثِ الجُمَحِيِّ الْمَكِّيِّ.

وقد هاجرَ حاطِبٌ وحَطَّابٌ معَ زوجتَيهِما رضيَ اللهُ عَنهُم إلَى الحبَشةِ الهِجرةَ الثانيةَ، وتُوُفِّيَا هناكَ.

………………………………………. *** أَسْـمَاءُ عَائِـشْ وَهْيَ غَيْرُ طَامِثِ
(أَسْمَاءُ): أي وأسلَمَ مِن السَّابقاتِ بمكّة أيضًا أَسْمَاءُ بِنتُ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما، وهي زَوجةُ الزُّبيرِ، وأُختُ عائشةَ، وأُمُّ عَبدِ اللهِ بن الزُّبَيرِ رضيَ اللهُ عنهُم.

قيل أسلمَت بعدَ سبعةَ عشَرَ مِن السّابقِينَ، وقد سُمِّيَتْ رضِيَ اللهُ عنها ذاتَ النِّطاقَين، لأنَّهَا شَقَّت نِطاقَها ورَبطَت بِهِ زادًا للنّبيِّ ﷺ ولأَبِي بكرٍ حينَ خَرَجَا مُهاجِرَينِ إلى المدِينةِ،

تَزَوَّجَهَا الزُّبيرُ بنُ العَوّامِ ثم طَلَّقَها، فبَقِيَتْ عندَ ابنِهَا إلى أنْ قُتِلَ بأمرِ عبدِ الملِكِ بنِ مَروانَ على يَدِ جيشِ الحَجّاجِ.

قال يَعلَى بنُ حَرْمَلةَ: دَخلتُ مكّةَ بعدَما قُتِلَ عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ بثلاثةِ أيّامٍ فإذَا هو مَصلُوبٌ، فجاءَتْ أُمُّه امرأةٌ عَجوزٌ كبيرةٌ طويلةٌ مكفوفةُ البصَرِ تُقادُ، فقالَت للحَجّاجِ: أمَا ءَانَ لِهذا الراكِبِ أنْ يَنزِلَ؟ فقالَ لها الحَجّاجُ: المُنافِق؟ قالَت: واللهِ ما كانَ منافِقًا، ولكنَّهُ كان صَوَّامًا قَوَّامًا، فقال: انصَرِفي، فإنكِ عَجوزٌ قد خَرِفْتِ، قالت: لا واللهِ ما خَرِفتُ، ولقد سَمِعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: “يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ“، أَمّا الكَذّابُ فقَد رأيناهُ، قيل هو المختار بن أبي عبيد الزاعم أن جبريل يأتيه وأمّا المُبِيرُ فأنتَ المُبِيرُ، أي المُهْلِك للنّاسِ،

ورُوي أنّ عبدَ الله بنَ عُمَر دخَلَ المسجدَ بعد قَتلِ ابنِ الزُّبَيرِ وصَلْبِه فقيلَ له: هذِهِ أسماءُ بِنتُ أبي بَكرٍ في المسجدِ، فمالَ إليهَا وقالَ: اصْبِرِي، فقالت: وما يَمنَعُنِي مِنَ الصَّبْرِ وقد أُهدِيَ رأسُ يَحيَى بنِ زكرِيَّا إلى بَغِيٍّ مِن بَغايَا بَنِي إسرائيلَ.

ولَمّا أُنزِلَ ابنُ الزُّبَيرِ رحمهُ اللهُ دعَت أسمَاءُ بِمَن يُغَسِّلُه، فكانُوا لا يَتناولُونَ منهُ عُضوًا إلا وجَدُوهُ طَرِيًّا، وقيلَ: هي غَّسَلْتهُ وكفَّنَتْهُ وحَنَّطَتْهُ، وعاشَتْ بعدَ ذلكَ ثلاثةَ أيّامٍ رَضِيَ اللهُ عنهَا، ثمَّ ماتَت عن مِائَةِ سَنةٍ ولم يَسقُط لهَا سِنٌّ ولَم يُنكَر لها عَقلٌ، وقد كانَت رضيَ اللهُ عنها مِن أَعْبَرِ النَّاسِ للرُّؤيَا، وهي ءاخِرُ المهاجِراتِ وَفاةً.

(عَائِش وَهْيَ غَيْرُ طَامِثِ): ومِمّن أسلَمَ في السّابِقاتِ عَائِشةُ بنتُ أبي بَكرٍ رضي الله عنهُما الصديقةُ بنتُ الصديقِ، أُمُّ المؤمنِينَ زَوجةُ رسولِ اللهِ ﷺ، فهي رضي الله عنها ابنةُ أبي بَكرٍ مِن أُمِّ رُوْمَانَ بنتِ عامِرٍ.

وكان إسلامُ عائِشةَ على قولِ بعضِ المؤرِّخينِ وَهْيَ صَغِيرةٌ غَيْرُ طَامِثِ أي لم تَحِض بعدُ، يُرِيد أنّها لم تَبْلُغ سِنَّ الحيضِ.

وُلِدَت فِي الإِسلَامِ بمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ قبلَ الهجرَةِ، وتزوَّجَهَا النَّبِيُّ ﷺ في شَوّالٍ قبلَ مُهَاجَرِهِ إلى المدينَةِ بِسَنَةٍ ونِصفٍ أو نحوِهَا وهيَ ابنَةُ سِتِّ سنينَ، وبنَى بها ﷺ وهيَ ابنَةُ تِسعِ سِنينَ بعدَ الهِجرَةِ، وقد رآهَا النبيُّ ﷺ في المنامِ قبلَ زواجِهِ بهَا، ففِي الحديثِ عنها رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: “أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، جَاءنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ؟ فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضهِ“، ومَنامُ النّبيِّ ﷺ بمنزِلَةِ الوَحيِ، وهيَ زوجَتُهُ ﷺ في الدُّنيَا والآخِرَةِ كما ثبتَ فِي الصحيحِ.

كان لهَا رضي اللهُ عنها منزِلَةً خاصَّةً في قلبِ رسولِ اللهِ ﷺ، وقد سئِلَ النبيُّ ﷺ: أيُّ الناسِ أحبُّ إليكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: “عَائِشَةُ“، قال فَمِنَ: الرجالِ؟ قالَ: “أَبُوهَا“، وكانَتِ السيدَةُ عَائِشَةُ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ،

وكانت السيدةُ عائشةُ رضي الله عنها عَالِمَةً مُفَسِّرَةً ومُحَدِّثَةً، تُعَلِّمُ نساءَ المؤمنِينَ، كانَت تتَّصِفُ رضي الله عنها بالعَقلِ النَّيِّرِ، والذَّكَاءِ الحادِّ، والعِلمِ الجَمِّ، وكانَ فِي حياةِ السيِّدَةِ عائشَةَ رضي الله عنها الدَّورُ الفَعَّالُ في خِدمةِ الفكرِ الإسلَامِيِّ مِن خلالِ نقلِهَا لأحَادِيثِ رسولِ اللهِ ﷺ وتفسِيرِهَا لكثِيرٍ مِن جوانِبِ حياةِ الرسولِ ﷺ، فقد قالَ عنها عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ: ما رأيتُ أحَدًا أعلَمَ بالقرءَانِ وَلَا بفرَائِضِهِ ولَا بحلَالٍ ولا بحرَامٍ ولا بشِعرٍ ولا بحدِيثِ عرَبٍ ولا بنَسَبٍ من عائِشَةَ.

قال أبُو موسَى الأشعَرِيِّ: ما أشكَلَ علينَا أصحابَ رسولِ اللهِ ﷺ حديثٌ قطُّ، فسأَلنَا عائِشَةَ إلا وجدنَا عندَهَا منهُ علمًا، وكانَت تُدَرِّسُ النِّسَاءَ وكذَلِكَ الرِّجَالَ لكِن مِن ورَاءِ حِجَابٍ وهذَا يَدُلُّ علَى أَنَّ صوتَ المَرأَةِ ليسَ بعَورَةٍ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ“،

وقالَ الأَحنَفُ بنُ قيسٍ: سمِعتُ خُطبَةَ أبِي بكرٍ الصدِّيقِ وعمَرَ بنِ الخطَّابِ وعُثمَانَ بنِ عفَّانَ وعلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ، فمَا سَمِعتُ الكلَامَ مِن فِي مَخلُوقٍ أَحسَنَ ولَا أفخَمَ مِن فِي عائِشَةَ رحمَةُ اللهِ علَيهِم أجمَعِينَ،

وعَن عائشةَ قالت: أَرسلَ أزواجُ النّبيِّ ﷺ فاطمةَ بنتَ رسولِ اللهِ ﷺ، فاستأذَنَت ورسولُ اللهِ ﷺ معَ عائشةَ فأَذِنَ لها، فدَخلَت، فقالَت: يا رسولَ اللهِ، إنّ أزواجَكَ أَرسَلنَنِي إليكَ يَسأَلنَكَ في عائشَةَ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “أَي بُنَيَّةُ أَليسَ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ“، قَالَت: بلَى يا رسولَ اللهِ، قالَ: “فَأَحِبِّي هَذِهِ لعَائِشَةَ“،

وَلَمَّا ثَقُلَ رسُولُ اللهِ ﷺ في مَرضِهِ الَّذِي تُوفِّيَ فيهِ قال: “أَينَ أنَا غَدًا“، قالوا عندَ فُلانَةَ، قالَ: “أَينَ أنَا بَعدَ غَدٍ“، قالوا عندَ فلانةَ، قال فَعَرفَ أَزواجُهُ أنّهُ يُريدُ عائشَةَ رضي الله عنها، فقُلنَ يا رسولَ اللهِ، قَد وهَبْنَا أيّامَنَا لأُختِنَا عائشةَ.

وقد تُوُفِيَّ عنهَا ﷺ وهي ابنَةُ ثَمانِ عَشْرَةَ، وكانَت رضي الله عنها بِكْرًا حينَ تزَوَّجَهَا رسُولُ اللهِ ﷺ، ولم يَنْكِح رسولُ اللهِ ﷺ بِكْرًا غيرَهَا، ولم تَلِد لَهُ ولَا غيرُها من نسائِهِ الحَرائِرِ سوى خدِيجَةَ بنتَ خُوَيلدٍ.

تُوُفِّيَت رضي اللهُ عنها فِي رمضَانَ ليلَةَ الثُّلَاثَاءِ لسَبعَ عَشْرَةَ ليلَةً مَضَت منهُ سنَةَ ثمَانٍ وخَمسِينَ مِنَ الهِجرَةِ، وقَد صَلَّى عَلَيهَا أبُو هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُمَا، وكَانَ فِي ذلِكَ الوَقتِ نَائبًا لِوالِي المَدِينَةِ مَروانَ بنِ الحَكَمِ، ودُفِنَت بِالبَقِيعِ رَضِيَ اللهُ عَنهَا.

اجتماعُ المُسلمِينَ بدارِ الأرقَم
واتَّـخَــذَ النَّـبِـيُّ دارَ الأرْقَــمِ *** لِلصَّحْبِ مُسْتَخْفِينَ عَنْ قَوْمِهِمِ
(واتَّخَذَ النَّبِيُّ دارَ الأرْقَمِ، للصَّحْبِ مُسْتَخْفِينَ عَنْ قَوْمِهِمِ): أي وكانَ قَدِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ ﷺ في ذلكَ الوَقتِ دارَ الصَّحابِيِّ الأرْقَمِ بنِ أبِي الأَرْقَمِ عبدِ مَنافٍ المَخزومِيِّ مَلْجَأً ومُجتمَعًا لِأَصحَابِهِ لِيَتجَمَّعُوا فِيهَا خُفْيَةً عَنْ قَوْمِهِم مِن المُشركِينَ.

وهيَ الدارُ التِي كانَت معرُوفَةً بدارِ الخيزُرَانِ عندَ الصفَا، وكانُوا يعبُدُونَ اللَّهَ تعالى فيهَا سِرًّا مِن قومِهِم، ودخَلَ مَعَ النبيِّ ﷺ جمَاعَةٌ وكانُوا ثَمَانِيَةً وثلاثِينَ رجُلًا يجتَمِعُونَ فيهَا، فأَلَحَّ أبُو بَكرٍ رضيَ اللَّهُ تعالَى عنهُ علَى رسولِ اللَّهِ ﷺ في الظُّهُورِ، حتَّى ظهَرَ رسولُ اللَّهِ ﷺ وتفرَّقَ المسلمُونَ فِي نواحِي المسجِدِ كلُّ رَجُلٍ فِي عشِيرَتِهِ، ثُمَّ قامَ أبو بكرٍ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، ورسولُ اللهِ ﷺ جالِسٌ، فكانَ أوَّلَ خَطِيبٍ دَعا إلى اللهِ وإلى رَسولِه، فثارَ المُشرِكونَ على أبي بَكرٍ وعلى المُسلمِينَ، فضَرَبُوا مَنْ فِي نواحِي المسجِدِ ضَربًا شدِيدًا، ووُطِئَ أبو بَكرٍ وضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا، ودَنا مِنهُ الفاسِقُ عُتبَةُ بنُ رَبِيعةَ فجَعل يَضرِبُه بنَعْلَين ، حتَّى ما يُعرَفُ وَجهُه مِن أَنْفِه، ثمَّ جاءَتْ بَنُو تَيْمٍ ، فأَجْلَتِ المُشركِينَ عن أبِي بَكرٍ وحَمَلُوهُ في ثَوبٍ حتَّى أدخَلُوه مَنزِلَه ولا يَشُكُّونَ في مَوتِه، ثمّ رَجَعُوا فدَخلُوا المسجِدَ وقالُوا: واللهِ لَئِنْ ماتَ أبُو بَكرٍ لَنَقتُلَنَّ عُتبةَ بنَ رَبِيعةَ، فرَجَعُوا إلى أَبِي بَكرٍ فجَعَلَ أبو قحافَةَ وبَنُو تَيْمٍ يُكَلِّمُونَ أبا بَكرٍ حتَّى أجابَ، فتَكَلَّم في ءاخِرِ النّهارِ فقالَ: ما فَعَلَ رسولُ اللهِ ﷺ؟، فمَسُّوا منهُ بأَلْسِنَتِهِم وعَذَلُوه، وقالوا لأُمِّهِ أُمِّ الخَيرِ: انظُرِي أنْ تُطْعِمِيهِ شيئًا أو تَسْقِيهِ إيّاهُ، فلَمَّا خَلَتْ به أَلَحَّتْ علَيهِ وجَعَلَ يقولُ: ما فعَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ؟، فقالَت: واللهِ ما لِي عِلمٌ بصاحِبِكَ، فقالَ: اذْهَبِي إلى أُمِّ جَمِيلٍ بِنتِ الخَطّابِ فاسْأَلِيهَا عَنهُ، فخرَجَتْ حتى جاءَتْ أُمَّ جَمِيلٍ فقالَتْ: إنَّ أبَا بَكرٍ يَسألُكِ عَن مُحمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، فقالَتْ: إنْ كُنتِ تُحِبِّينَ أنْ أذهَبَ معَكِ إلى ابْنِكِ، فقالَت: نعَم، فمَضَتْ معَهَا حتَّى وَجَدَتْ أبا بَكرٍ صَرِيعًا دَنِفًا، قالَتْ: واللهِ إنَّ قومًا نالُوا هذا مِنكَ لَأَهلُ فِسْقٍ وكُفرٍ، وإِنِّي لأَرجُو أنْ يَنْتَقِمَ اللهُ مِنهُم،

قالَ: فمَا فَعَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ؟، قالتْ: سالِمٌ صالِحٌ، قال: فأينَ هُوَ؟ قالت: في دارِ الأرقَمِ،فلَمّا سَمِعُ أبُو بَكرٍ ذلكَ قالَ: واللهِ لا أذُوقُ طعامًا أو شَرابًا حتَّى ءاتِيَ رسولَ اللهِ ﷺ، فخَرَجَتا بهِ مُتَّكِئًا حتَّى أدخلتَاهُ على رَسولِ اللهِ ﷺ، فأَكَبَّ عليهِ رسولُ الله يُقَبِّلُهُ، وأَكَبَّ علَيهِ المُسلِمُونَ، ورَقَّ لَهُ رسولُ اللهِ ﷺ رِقّةً شَدِيدَةً، فقالَ أبو بَكرٍ: بِأَبِي وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، ليسَ بِي بَأْسٌ إِلَّا مَا نالَ النّاسُ مِن وَجْهِي، وهذِه أُمِّي بَرَّةٌ بوَلَدِها، وأنتَ مُبارَكٌ، فعسَى اللهُ أنْ يَسْتَنْقِذَها بكَ مِن النّارِ، فدَعا لهَا رسولُ اللهِ ﷺ، ودَعاهَا إلى اللهِ فأَسْلَمَتْ، وأسلَمَ في هذا اليومِ حمزةُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ عَمُّ النّبيِّ ﷺ، ثمَّ أسلمَ عُمَرَ بنُ الخطَّابِ رضي اللهُ تعالى عنهُ بعدَهُ بثلَاثَةِ أيَّامٍ، فتكامَلُوا أربَعِينَ رَجُلًا، وكانَ هذَا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ للبِعثَةِ بعدَ ثلَاثِ سِنِينَ مِن دُخُولِهِم دَارَ الأرقَمِ.

ولمَّا أسلَمَ عُمَرُ قال: يا رسولَ اللَّهِ، علَامَ نُخفِي دِينَنَا وَنَحنُ عَلَى الحَقِّ وَيَظهَرُ دِينُهُم وَهُم عَلَى البَاطِلِ؟ فقالَ: “يَا عُمَرُ إِنَّا قَلِيلٌ“، فقَالَ عُمَرُ: فوَ الَّذِي بعَثَكَ بالحَقِّ لا يبقَى مجلِسٌ جلَستُ فِيهِ بِالكُفرِ إِلَّا أظهَرتُ فِيهِ الإيمَانَ.

وَقِـيـلَ كَـانُـوا يَخـْرُجُـونَ تَتْرَى *** إِلَى الشِّــعَـابِ لِلـصَّــلَاةِ سِــرَّا
(وَقِيلَ كَانُوا يَخرُجُونَ تَتْرَى، إِلَى الشِّعَابِ لِلصَّلَاةِ سِرَّا): اجتمَعَ في دارِ الأرقَمِ تِسعةٌ وثلاثونَ رَجُلًا يَتعبَّدونَ فيهَا قَبلَ إسلَامِ حَمزَةَ وَعُمَرَ، وَكَانُوا يَخْرُجُونَ مِنَ الدّارِ أفرَادًا متفرِّقينَ يَتْبَعُ بَعضُهم بَعضًا غيرَ مُتواصِلِينَ، خَوْفًا مِن كُفّارِ مَكَّةَ.

مُتَّجهِينَ إِلَى شِعابِ مَكَّةَ، وكانَ خروجُهُم لأَجلِ أداءِ الصلاةِ سِرًّا، لِئَلَّا يَشعُرَ بِهِمُ المُشرِكونَ، ثُمّ تكامَلُوا أَربَعِينَ نَفْسًا ءاخِرُهُم عُمَرُ بنُ الخطّابِ رضيَ اللهُ عنهُ.

وكانَتِ الصّلاةُ وقتَئذٍ ركعتَينِ غُدُوًّا وركعتَينِ عَشِيًّا كمَا ذَكَرَ بعضُهُم، على ذَلِكَ الحالِ تِسعَ سنِينَ والنّبيُّ ﷺ والمُسلِمُونَ بمكّةَ، حتّى فُرِضَتِ الصَّلواتُ الخمسُ ليلةَ الإسراءِ والمِعراجِ.

حَتَّى مَـضَـتْ ثَـلَاثـةٌ سِـنِـيـنَا *** وَأَظْـهَـرَ الرَّحــمـنُ بَـعْـدُ الـدِّينَا
وَصَـدَعَ النَّـبِـيُّ جَـهْـرًا مُعْلِنَا *** إِذْ نَزلَـتْ ﴿فَاصْدَعْ بِمَا﴾ فَمَا وَنَى
(حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثةٌ سِنِينَا): استَمَرَّ المسلمونَ على ذلكَ يُصَلُّونَ سِرًّا وَيَجتَمِعُونَ في دارِ الأرقَمِ خُفيَةً عن قومِهِم حَتَّى مَضَتْ علَيهِم ثَلَاثُ سنواتٍ.

ومعنَى قولِ الفُقهاءِ وأهلِ السِّيَرِ: (كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ في تِلك السَّنواتِ يَدعُو النّاسَ إلى الإسلامِ سِرًّا)، أي مَا كانَ يَذهَبُ إلى مواسِمِ اجتِماعِ النَّاسِ، فكانَ يَدعُو علَى حسَبِ المصلَحَةِ، وقد تَمَكَّن بهذِهِ الطَّرِيقَةِ مِن أنْ يُدْخِلَ أُنَاسًا كَثِيرينَ في الإسلامِ، وكانَ الذِينَ يُسْلِمُونَ يَكْتُمونَ إسلامَهُم عنِ المشرِكِينَ مَخافةَ أنْ يُقْتَلُوا إنْ أَظْهَرُوا ذلكَ، لكِنْ كانَ أمرُ الإِسلَامِ مَعرُوفًا بَينَهُم.

(وَأَظْهَرَ الرَّحـمنُ بَعْدُ الدِّينَا، وَصَدَعَ النَّبِيُّ جَهْرًا مُعْلِنَا، إِذْ نَزلَتْ ﴿فَاصْدَعْ بِمَا﴾ فَمَا وَنَى): أي وبعدَ تِلكَ المُدّةِ الّتي مَضَت، أظهرَ اللهُ تعالى الإسلامَ وَذلكَ بِسَبَبِ أنَّ النبيَّ ﷺ صَدَعَ بالحَقِّ وأَظْهَرَ الدَّعوةَ إلى الإسلامِ جَهْرًا، بأنْ صارَ يَدعُو النّاسَ إلى دِينِ الإسلامِ علانِيةً في مَواسِم اجتِماعِهِم.

وذلكَ لَمَّا جاءهُ الأمرُ مِن اللهِ إِذْ نَزلَتْ الآيةُ: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾، أي أَظهِرْهُ واجْهَرْ بِه يا محمَّدُ، ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، أي لا تَلْتَفِتْ إلى المُشرِكينَ الّذينَ يُريدُونَ أنْ يَصُدُّوكَ عن ءاياتِ اللهِ، فَبَادَرَ النَّبِيُّ ﷺ إلى دَعوةِ النّاسِ إلى الإسلامِ في مواسِمِ اجتماعِهِم عَلانيةً بِجِدٍّ وعَزْمٍ ومَا وَنَى وما ضَعُفَ وما تَراخَى عَمَّا أُمِرَ به، فدَعا الرسولُ ﷺ النّاسَ كافّةً إلى الإسلامِ وصَدَعَ بالدَّعوةِ كما أُمِرَ.

وَأَنْـذَرَ العَـشَــائِـرَ الَّتِي ذُكِـرْ *** بِجَـمْـعِـهِمْ إِذْ نَــزَلَـتْ ﴿وأنذر﴾
(وَأَنْذَرَ العَشَائِرَ الَّتِي ذُكِرْ، بِجَمْعِهِمْ إِذْ نَزَلَتْ ﴿وَأَنْذِرْ﴾): وَأَنْذَرَ النَّبِيُّ ﷺ العَشَائِرَ الَّتِي ذُكِرَ الأمرُ بِإنذارِها في قولِهِ تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، فكانَ مِنهُ ﷺ الِامتثالُ لِأَمرِ اللهِ تعالَى بإنذارِ جْميعِهِم.

فصَنَعَ النبيُّ ﷺ طَعامًا وجمَعَ بنِي عبدِ الْمُطَّلِبِ حتَّى أنْذَرَهم، ومِن حِينِئذٍ اشتَدَّ الأمرُ بينَهُ وبينَ أَهْلِهِ، فمِنهُم مَنِ اتَّبَعَهُ ومنهُم مَن أعْرَضَ عنهُ واستَهْزَأَ بِه ومِنهُم مَن ءاذاهُ.

روى الشيخَانِ عن أبِي هريرَةَ إنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ لمَّا أُنْزِلَ عليهِ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ قامَ علَى الصّفَا فعلَا أعلَاهَا حَجَرًا ثُمَّ نادَى، فقالُوا مَنْ هذَا؟، وجعلَ الرجُلُ إذَا لمْ يستطِعْ أنْ يخرُجَ يرسِلُ رسولًا لينظُرَ مَا هوَ، فجاءَ أبو لَهَبٍ وقريشٌ فاجتَمَعُوا إليهِ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “إِنْ أَخبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيلًا تَخرُجُ مِنْ سَفحِ هَذَا الجَبَلِ تُرِيدُ أَنْ تُغِيْرَ عَلَيكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟“، قالُوا: مَا جرَّبْنَا عليكَ كَذِبًا، فقالَ: “يَا مَعشَرَ قُرَيشٍ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا بَنِي عَبدِ مَنَافٍ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغنِي عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا بَنِي عَبدِ شَمسٍ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغنِي عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا بَنِي كَعبِ بنِ لُؤَيٍّ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغنِي عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنقِذْ نَفسَكَ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغنِي عَنكَ مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنتَ مُحَمَّدٍ، أَنقِذَا أَنفُسَكُمَا مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَملِكُ لَكُمَا مِنَ اللهِ شَيئًا، إِنِّي لَكُم نَذِيرٌ بَينَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ“، فقالَ أبو لهبٍ: تبًّا لكَ سائرَ اليومِ، ألهذَا جَمَعْتَنَا؟ فنزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ إلَى آخِرِهَا، وفِي روايةٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: “يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ“.

وروَى البيهقِيُّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدًا أَبِي لَهَبٍ، أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ وَلَهَا وَلْوَلَةٌ (صوتٌ مُتَتَابِعٌ بالوَيْلِ والِاستِغَاثَةِ)، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ (الحَجَرُ مِلْءُ الكَفِّ)، وَهِيَ تَقُولُ: مُذَمَّمًا أَبَيْنَا … وَدِينَهُ قَلَيْنَا …. وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا، وَالنَّبِيُّ ﷺ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ، فقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي“، وَقَرَأَ قُرْآنًا فَاعْتَصَمَ بِهِ، وَقَرَأَ: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾، فَوَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ تَرَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، مَا شَأْنُ صَاحِبِكَ يَنْشُدُ فِيَّ الشِّعْرَ؟، فَقَالَ: وَاللهِ مَا صَاحِبِي بِشَاعِرٍ وَمَا يَدْرِي مَا الشِّعْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “قُلْ لَهَا: تَرَيْنَ عِنْدِي أَحَدًا؟، فَإِنَّهَا لَنْ تَرَانِي، جُعِلَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ“، فَسَأَلَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: أَتَهْزَأُ بِي يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، وَاللهِ مَا أَرَى عِنْدَكَ أَحَدًا.

وروَى البيهَقِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ، كَانَ جَاهِلِيًّا فَأَسْلَمَ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ ﷺ بِذِي الْمَجَازِ (وذُو المَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتجَرُ الناسِ فِي الجاهِلِيَّةِ) وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ ظَهْرَانِي النَّاسِ، يَقُولُ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا“، وَإِذَا وَرَاءَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ، قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي وَرَاءَهُ فَقِيلَ لِي: هَذَا أَبُو لَهَبٍ عمُّ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

فإنْ قِيلَ: ما الحِكمةُ مِن الأمرِ بالبَدءِ بإنذارِ الأقرِباءِ قبل غيرِهم؟ فالجوابُ أنَّهُ إذَا بدَأَ بعَشِيرَتِه يكونُ أقرَبَ للقَبولِ عِندَ النّاسِ، لأنَّهُ لو بَدَأَ بِغَيرِهم لقالُوا له: كَلِّمْ عَشِيرَتَك قبلَ أنْ تُكَلِّمَنا.

طريقة ودُعَاء لتفريج الْكَرْبِ بإذن الله ولو كان كربًا عظيما
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْـحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، سُبْحَانَكَ يَا رَحْمَنُ مَا شِئْتَ أَنْ يَكُونَ كَانَ وَمَا لَـمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لَاحَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أَعُوذُ بِالَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْ يَقَعْنَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ مَا بَرَأَ، وَأَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ السَّامَّةِ وَالْهَامَّةِ، وَمِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ ثُمَّ يَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)).

هذه الآية: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} تُقرأ ١١١ مرَّة يوميًّا، على نية تفريج الكرب وإزالة الهم وصرف كيد الأعداء.

دعاء
اللهم إِنِّي أسأَلُكَ بِأَنَّكَ أنتَ اللهُ لَا إلهَ إلا أنت الأحدُ الصمدُ الّذِي لم يَلِد ولَم يولَد ولم يكُن لَهُ كُفُوًا أحدٌ، اللهم إني أسأَلُكَ بأَنَّ لكَ الحَمدَ لَا إله إِلَّا أنتَ الحَنَّانُ المَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَواتِ وَالأرضِ ذُو الجَلَالِ والإِكرَامِ يا حَيُّ يا قَيُّومُ، اللهم إني أسألك أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الرحمنُ الرحيم، الذي له مُلكُ السموات والأرض وهو على كل شيءٍ قدير، وخشعَت له الأصواتُ ووجِلَت له القلوب يا ودودُ يا ودودُ يا ذا العرش المجيدُ يا مبدئُ يا معيدُ يا فعالًا لما يريدُ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، اللَّهُمَّ أعْـتِـقْ رقابنَا مِنَ النّار، ووَسِّعْ لنَا مِنَ الرّزقِ الحلالِ، واصْرِفْ عنَّا فَـسَـقةَ الجِنِّ والإنْسِ اللهم أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنَا، وأصلِح لنَا دنيَانَا التِي فيهَا معاشُنَا، وأصلِح لنَا آخرِتَنَا الَّتِي فيهَا معَادُنَا، واجعَلِ الحياةَ زيادَةً لنا في كلِّ خيرٍ، والمَوتَ راحةً لنا مِن كلِّ شرٍ، أعوذُ باللهِ مِن جَهدِ البلَاءِ، ودركِ الشَّقَاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعدَاءِ.

اللهم يا عليُّ يا عظيم يا حليم يا كريم الطف بالمسلمين في فلسطين اللهم فرج كربهم اللهم ءامن روعاتهم واستر عوراتهم وءامنهم في أوطانهم اللهم اشف مرضاهم وسكن ءالامهم وخفف مصابهم وأنزل السكينة عليهم وأمدهم بأمداد من عندك اللهم أمدهم بجنود لا نراها اللهم اجعلهم من الصابرين الذاكرين الشاكرين اللهم اصرف عنهم بأس الغاصبين ورد الكيد عنهم يا أكرم الأكرمين اللهم عليك باليهود الغاصبين اللهم عليك باليهود الظالمين اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم واجعل دباباتهم وطائراتهم خرابا ووبالا عليهم يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِنَّا علَى الصِّيَامِ والقِيَامِ وتقبَّل منَّا يا ربَّ العالمين، اللهم اجعلنا مِن عتقاءِ هذا الشهرِ الكرِيمِ ومِنَ المقبُولِينَ يا أكرَمَ الأكرَمِينَ، اللهم أعتِقنَا فيهِ مِنَ النِّيرَانِ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، اللهم أرِنَا ليلَةَ القدرِ المبارَكَةِ يا ربَّ العالمين وارزقنا فيهَا دعوةً مجابَةً بجاهِ سيدِ الأولِينَ والآخِرِينَ يا اللهُ،

وصَلَّى اللهُ وسلَّم علَى سيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشرَفِ الأنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ، سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ علَى المُرسَلِينَ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمِين.

 

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …