المقدمة
الحَمدُ للهِ مُعطِي الجَزِيلَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَرَجَاه، شَدِيدِ العِقَابِ لِمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِهِ وَعَصَاه، اجْتَبَى مَن شَاءَ بِفَضلِهِ فَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاه، وَأَبْعَدَ مَنْ شَاءَ بِعَدْلِهِ فَوَلَّاهُ مَا تَوَلَّاه، أَنْزَلَ القُرآنَ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ وَمَنَارًا لِلسَّالِكِينَ فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ نَالَ مَا تَمَنَّاه، وَمَنْ تَعَدَّى حُدُودَهُ وَأَضَاعَ حُقُوقَهُ خَسِرَ دِينَهُ وَدُنيَاه، أَحْمَدُهُ عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنَ الإِحسَانِ وَأَعطَاه، وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنيَوِيَّةِ وَمَا أَجْدَرَ الشَّاكِرَ بِالمَزِيدِ وَأَوْلَاه، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الكَامِلُ فِي صِفَاتِهِ المُتَعَالِي عَنِ النُّظَرَاءِ وَالأَشْبَاه، وَأَشهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي اختَارَهُ عَلَى البَشَرِ وَاصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحسَانٍ مَا انْشَقَّ الصُّبحُ وَأَشْرَقَ ضِيَاه، وَسَلَّم تَسلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعدُ:
كُنَّا قَد وَصَلنَا فِي شَرحِ أَلفِيَّةِ العِرَاقِيِّ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ إِلَى قَولِهِ رَحِمَهُ اللهُ:
اجتماعُ المُسلمِينَ بدارِ الأرقَم
واتَّـخَــذَ النَّـبِـيُّ دارَ الأرْقَــمِ *** لِلصَّحْبِ مُسْتَخْفِينَ عَنْ قَوْمِهِمِ
(واتَّخَذَ النَّبِيُّ دارَ الأرْقَمِ، للصَّحْبِ مُسْتَخْفِينَ عَنْ قَوْمِهِمِ): أي وكانَ قَدِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ ﷺ في ذلكَ الوَقتِ دارَ الصَّحابِيِّ الأرْقَمِ بنِ أبِي الأَرْقَمِ عبدِ مَنافٍ المَخزومِيِّ مَلْجَأً ومُجتمَعًا لِأَصحَابِهِ لِيَتجَمَّعُوا فِيهَا خُفْيَةً عَنْ قَوْمِهِم مِن المُشركِينَ.
وهيَ الدارُ التِي كانَت معرُوفَةً بدارِ الخيزُرَانِ عندَ الصفَا، وكانُوا يعبُدُونَ اللَّهَ تعالى فيهَا سِرًّا مِن قومِهِم، ودخَلَ مَعَ النبيِّ ﷺ جمَاعَةٌ وكانُوا ثَمَانِيَةً وثلاثِينَ رجُلًا يجتَمِعُونَ فيهَا، فأَلَحَّ أبُو بَكرٍ رضيَ اللَّهُ تعالَى عنهُ علَى رسولِ اللَّهِ ﷺ في الظُّهُورِ، حتَّى ظهَرَ رسولُ اللَّهِ ﷺ وتفرَّقَ المسلمُونَ فِي نواحِي المسجِدِ كلُّ رَجُلٍ فِي عشِيرَتِهِ، ثُمَّ قامَ أبو بكرٍ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، ورسولُ اللهِ ﷺ جالِسٌ، فكانَ أوَّلَ خَطِيبٍ دَعا إلى اللهِ وإلى رَسولِه،
فثارَ المُشرِكونَ على أبي بَكرٍ وعلى المُسلمِينَ، فضَرَبُوا مَنْ فِي نواحِي المسجِدِ ضَربًا شدِيدًا، ووُطِئَ أبو بَكرٍ وضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا، ودَنا مِنهُ الفاسِقُ عُتبَةُ بنُ رَبِيعةَ فجَعل يَضرِبُه بنَعْلَين، حتَّى ما يُعرَفُ وَجهُه مِن أَنْفِه، ثمَّ جاءَتْ بَنُو تَيْمٍ ، فأَجْلَتِ المُشركِينَ عن أبِي بَكرٍ وحَمَلُوهُ في ثَوبٍ حتَّى أدخَلُوه مَنزِلَه ولا يَشُكُّونَ في مَوتِه، ثمّ رَجَعُوا فدَخلُوا المسجِدَ وقالُوا: واللهِ لَئِنْ ماتَ أبُو بَكرٍ لَنَقتُلَنَّ عُتبةَ بنَ رَبِيعةَ، فرَجَعُوا إلى أَبِي بَكرٍ فجَعَلَ أبو قحافَةَ وبَنُو تَيْمٍ يُكَلِّمُونَ أبا بَكرٍ حتَّى أجابَ، فتَكَلَّم في ءاخِرِ النّهارِ فقالَ: ما فَعَلَ رسولُ اللهِ ﷺ؟، فمَسُّوا منهُ بأَلْسِنَتِهِم وعَذَلُوه، وقالوا لأُمِّهِ أُمِّ الخَيرِ: انظُرِي أنْ تُطْعِمِيهِ شيئًا أو تَسْقِيهِ إيّاهُ،
فلَمَّا خَلَتْ به أَلَحَّتْ علَيهِ وجَعَلَ يقولُ: ما فعَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ؟، فقالَت: واللهِ ما لِي عِلمٌ بصاحِبِكَ، فقالَ: اذْهَبِي إلى أُمِّ جَمِيلٍ بِنتِ الخَطّابِ فاطمة وهي أخت سيدنا عمر وزوجة سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة فاسْأَلِيهَا عَنهُ، فخرَجَتْ حتى جاءَتْ أُمَّ جَمِيلٍ فقالَتْ: إنَّ أبَا بَكرٍ يَسألُكِ عَن مُحمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، فقالَتْ: إنْ كُنتِ تُحِبِّينَ أنْ أذهَبَ معَكِ إلى ابْنِكِ، فقالَت: نعَم، فمَضَتْ معَهَا حتَّى وَجَدَتْ أبا بَكرٍ صَرِيعًا، قالَتْ: واللهِ إنَّ قومًا نالُوا هذا مِنكَ لَأَهلُ فِسْقٍ وكُفرٍ، وإِنِّي لأَرجُو أنْ يَنْتَقِمَ اللهُ مِنهُم، قالَ: فمَا فَعَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ؟، قالتْ: سالِمٌ صالِحٌ، قال: فأينَ هُوَ؟ قالت: في دارِ الأرقَمِ،فلَمّا سَمِعُ أبُو بَكرٍ ذلكَ قالَ: واللهِ لا أذُوقُ طعامًا أو شَرابًا حتَّى ءاتِيَ رسولَ اللهِ ﷺ، فخَرَجَتا بهِ مُتَّكِئًا حتَّى أدخلتَاهُ على رَسولِ اللهِ ﷺ، فأَكَبَّ عليهِ رسولُ الله يُقَبِّلُهُ، وأَكَبَّ علَيهِ المُسلِمُونَ، ورَقَّ لَهُ رسولُ اللهِ ﷺ رِقّةً شَدِيدَةً، فقالَ أبو بَكرٍ: بِأَبِي وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، ليسَ بِي بَأْسٌ إِلَّا مَا نالَ النّاسُ مِن وَجْهِي، وهذِه أُمِّي بَرَّةٌ بوَلَدِها، وأنتَ مُبارَكٌ، فعسَى اللهُ أنْ يَسْتَنْقِذَها بكَ مِن النّارِ، فدَعا لهَا رسولُ اللهِ ﷺ، ودَعاهَا إلى اللهِ فأَسْلَمَتْ، وأسلَمَ في هذا اليومِ حمزةُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ عَمُّ النّبيِّ ﷺ، ثمَّ أسلمَ عُمَرَ بنُ الخطَّابِ رضي اللهُ تعالى عنهُ بعدَهُ بثلَاثَةِ أيَّامٍ، فتكامَلُوا أربَعِينَ رَجُلًا، وكانَ هذَا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ للبِعثَةِ بعدَ ثلَاثِ سِنِينَ مِن دُخُولِهِم دَارَ الأرقَمِ.
قصة إسلام حمزة رضي الله عنه: إن أبا جهل مر برسول اللَّه ﷺ عند الصّفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلّمه رسول اللَّه ﷺ ومولاة لعبد اللَّه بن جُدعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشّحا قوسه راجعا من قنص له (أي صيد له) فكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمرّ على نادي قريش إلا وقف وسلّم وتحدث معهم، وكان أعزّ فتى في قريش وأشدّه شكيمة (يقال فلان شديد الشكيمة إذا كان عزيز النفس أبيّا قويا وأصله من شكيمة اللجام وهي الحديدة المعترضة في فم الفرس) فلمّا مرّ بالمولاة وقد رجع رسول اللَّه ﷺ إلى بيته قالت له: يا أبا عمارة: لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم ابن هشام، وجده هنا جالسا فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلّمه محمد. فاحتمل حمزة الغضبُ لِمَا أراد اللَّه تعالى به من كرامته، فخرج يسعى لم يقف على أحد معدّا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجّه (أي أثر في رأسه أثرا وجرحه) بها شجة منكرة وقال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فَرُدَّ علىَّ ذلك إن استطعت. فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني واللَّه قد سببت ابن أخيه سبّا قبيحا. وقيل إنه بعدما حصل له ما حصل مع أبي جهل أصبح فغدا على رسول اللَّه ﷺ فقال: يا ابن أخي حدّثني حديثا فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدّثني. فأقبل رسول اللَّه ﷺ فذكّره ووعظه وخوّفه وبشّره، فألقى اللَّه تعالى في قلبه الإيمان بما قال رسول اللَّه ﷺ فأسلم وقال: أشهد إنّك لصادق فأظهر يا ابن أخي دينك فو اللَّه ما أحب أن لي ما أظلّته السماء وأني على ديني الأول… وقال حمزة حين أسلم:
حَمِدْت اللهَ حِينَ هَدَى فُؤَادِي … إلَى الْإِسْلَامِ وَالدّينِ الْحَنِيفِ
الدّينُ جَاءَ مِنْ رَبٍّ عَزِيزٍ … خَبِيرٍ بِالْعِبَادِ بِهِمْ لَطِيفِ
إذَا تُلِيَتْ رَسَائِلُهُ عَلَيْنَا … تَحَدّرَ دَمْعُ ذِي اللُّبِّ الْحَصِيفِ (أي المحْكَم العَقْل)
رَسَائِلُ جَاءَ أَحْمَدُ مِنْ هُدَاهَا … بِآيَاتٍ مُبَيّنَةِ الْحُرُوفِ
وَأَحْمَدُ مُصْطَفًى فِينَا مُطَاعٌ … فَلَا تَغْشَوْهُ بِالْقَوْلِ الْعَنِيفِ
فَلَا وَاَللهِ نُسْلِمُهُ لِقَوْمٍ … وَلَمّا نَقْضِ فِيهِمْ بِالسّيُوفِ
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال أبو نعيم: بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام. وكان عمره ستا وعشرين سنة، واختلف في سبب إسلامه أيضًا. قال أَسْلَمُ مولاهُ عنهُ: أتحبون أن أعلمكم بإسلامي؟ قلنا: نعم قال: كنت أشد الناس على رسول الله ﷺ، «كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي جَهْلٍ وَشَيْبَةَ بنِ رَبيعَةَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ شَتَمَ آلِهَتِكُمْ وَسَفَّهَ أَحْلاَمَكُمْ وَمَنْ قَتَلَ مُحَمَّدًا فَلَهُ عَلَيَّ مَائَةُ نَاقَةٍ حَمْرَاءَ وَسَوْدَاءَ وَأَلْفُ أُوقِيَّةٍ مِنْ فِضَّةٍ فَخَرَجْتُ مُتَقَلدًا السَّيْفَ مُتَنَكبًا كِنَانَتِي أُرِيدُ النَّبِيَّ ﷺ فَمَرَرْتُ عَلى عِجْلٍ يَذْبَحُونَهُ فَقُمْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ، مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ، يَا جَلِيْح (جَلِيح اسْم رجُل قَدْ نَاداه)، يَصِيح، بِلِسَانٍ فَصِيحٍ، يَدْعُو إِلى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قالَ عمرُ: فقلتُ فِي نفسِي إنَّ هذَا لأمرٌ مَا يُرَادُ بهِ إلَّا أَنَا. قالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِغَنَمٍ فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ يَقُولُ:
أَمَا تَرَوْنَ مَا أَرَى أَمَامِي … مِنْ سَاطِعٍ يَجْلُو دُجَى الظَّلاَمِ
قَدْ لاَحَ لِلنَّاظِرِ مِنْ تهامِ … أَكْرِمْ بِهِ لِلَّهِ مِنْ إِمَامِ
قَدْ جَاءَ بَعْدَ الْكُفْرِ بِالإِسْلاَمِ … وَالْبِر وَالصِّلَاتِ لِلأَرْحَامِ
وَيَزْجُرُ النَّاسَ عَنِ الآثَامِ … فَبَادِرُوْا سَبْقًا إِلَى الإِسْلَامِ
بِلَا فُتُوْرٍ وَبِلَا إِحْجَامِ
قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أُرَاهُ إِلاَّ أَرَادَنِي، ثُمَّ مَرَرْتُ بِالضمَارِ (اسمُ وثنٍ كانوا يعبدونَه) فَإِذَا هَاتِفٌ مِنْ جَوْفِهِ:
تُرِكَ الضمَارُ وَكَانَ يُعْبَدُ وَحْدَهُ … بَعْدَ الصَّلَاةِ مَعَ النَّبِي مُحَمَّدِ
إِنَّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالهُدَى … بَعْدَ ابنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِ
سَيَقُولُ مَنْ عَبَدَ الضمَارَ وَمِثْلَهُ … لَيْتَ الضمَارَ وَمِثْلَهُ لَمْ يُعْبَدِ
فَاصْبِرْ أَبَا حَفْصٍ فَإِنَّكَ آمِنٌ … يَأْتِيكَ عِزٌّ غَيْرُ عِز بَنِي عَدِي
لاَ تَعْجَلَنَّ فَأَنْتَ نَاصِرُ دَينِهِ … حَقًّا يَقِينًا بِاللسَانِ وَبِالْيَدِ
قالَ عمرُ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَرَادَنِي، فَلَقِيَنِي رجلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أريدُ محمدًا هذَا الصابىء، الّذِي فَرّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ، وَسَفّهُ أَحْلَامَهَا، وَعَابَ دِينَهَا، وَسَبّ آلِهَتَهَا، فَأَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: وَاَللهِ لَقَدْ غَرّتْك نَفْسُك مِنْ نَفْسِك يَا عُمَرُ، أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا! أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى أَهْلِ بَيْتِك؟ قَالَ: وَأَيّ أَهْلِ بَيْتِي؟ قَالَ: خَتَنُك وَابْنُ عَمّك سَعِيدُ ابن زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُخْتُك: فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ، فَقَدْ وَاَللهِ أَسْلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمّدًا عَلَى دِينِهِ، فرجعَ عمرُ عامدًا إلى أختِه وختنِه فقرعَ عمرُ عليهِم البابَ وعندَهم خبّابُ بنُ الأرتِّ معهُ صحيفةٌ فيها طه يُقْرِئُهُمَا إياهَا فلمَّا سمعُوا حسَّ عمرُ تغيُّبَ خبّابٍ فِي مخدَعٍ لهم وأخذتْ فاطمةُ بنتُ الخطابِ الصحيفةَ وقد سمعَ عمرُ حينَ دنَا مِن البيتِ قراءةَ خبّابٍ عليهِمَا، فلما دخلَ قالَ: ما هذهِ الْهَيْنَمَةُ (الهينمة: صوتٌ وكلامٌ لا يُفْهَمُ) التِي سمعتُ؟ قالَا لهُ: ما سمعتَ شيئًا. قالَ: بلَى واللهِ لقدْ أُخْبِرْتُ أنكمَا تابعْتُمَا محمدًا علَى دينِهِ. وبطَشَ بِخَتَنِهِ سعيدِ بنِ زيدٍ فقامَتْ إليهِ أختُهُ بنتُ الخطابِ لتكفَّهُ عنْ زوجِهَا، فضَرَبَهَا فشجَّهَا فلمَّا فعلَ ذلكَ قالتْ لهُ أختُهُ وختَنُهُ: نعمْ قدْ أسلَمْنَا وآمَنَّا باللهِ ورسولِهِ فاصنَعْ مَا بدَا لكَ. فلمَّا رأَى عمرُ ما نزلَ بأختِهِ مِنَ الدَّمِ ندِمَ علَى مَا صَنَعَ فرجع وقالَ لأختِهِ أعطينِي هذهِ الصحيفةَ التِي سمعتُكُم تقرأونَ آنفًا أنظرْ مَا هذَا الذِي جاءَ بهِ محمدٌ. وكانَ عمرُ كاتبًا فلمَّا قالَ ذلكَ قالتْ لهُ أختُهُ: إنَّا نخشاكَ عليهَا. قالَ: لَا تخافِي. وحَلَفَ لَهَا ليردَّنَّهَا إذَا قرأَهَا إليهَا. فلمَّا قالَ ذلكَ طمِعَتْ فِي إسلامِهِ فأَعطَتْهُ الصحيفةَ وفيهَا طه فقَرَأَهَا فلمَّا قرأَ صدرًا منهَا فقالَ مَا أحسنَ هذَا الكلامَ وأكرَمَهُ. وفِي روايةٍ أنَّهُ وجدَ فِي الصحيفةِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ثُمَّ رجعَ إلَى نفسِهِ فقرَأَ سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ حتى بلغ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فقالَ: أشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ. انتهَى. فلمَّا سمِعَ ذلكَ خبَّابٌ خرجَ إليهِ فقالَ له يا عمر واللَّه إني لأرجو أن يكون اللَّه تعالى قد خصّك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول: اللهم أيّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فاللَّه اللَّه يا عمر. فذكر الحديث. فقال له عمر عند ذلك: دلّني يا خبّاب على محمد حتى آتيه فأسلم. فقال خبّاب: هو في بيته عند الصفا معه نفر من أصحابه. فأخذ عمر سيفه متوشحه ثم عمد إلى رسول اللَّه ﷺ وأصحابه فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول اللَّه ﷺ فنظر من خلل الباب فرجع وهو فزع فقال: يا رسول اللَّه هذا عمر بن الخطاب متوشّحا السيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له فإن كان يريد خيرا بذلناه له وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه. فقال رسول اللَّه ﷺ: ائذن له فإن يرد اللَّه به خيرا يهده فأذن له الرجل وفتحوا له، حتى دنا من رسول اللَّه ﷺ فنهض إليه رسول اللَّه ﷺ حتى أخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة (أي مدّه إلى نفسه) وقال: أما آن لك يا ابن الخطاب أن تسلم. فقال: يا رسول اللَّه جئت لأومن باللَّه وبرسوله وبما جاء من عند اللَّه. فكبّر رسول اللَّه ﷺ، وكبّروا تكبيرة سمعت بطرق مكة وتفرّقوا من مكانهم وقد عزّوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهما سيمنعان رسول اللَّه ﷺ وقال عمر حين أسلم:
الْحَمْدُ لِلّهِ ذِي الْمَنّ الّذِي وَجَبَتْ … لَهُ عَلَيْنَا أَيَادٍ مَالَهَا غِيَرُ
وَقَدْ بَدَأْنَا فَكَذّبْنَا، فَقَالَ لَنَا … صَدَقَ الحَدِيْثَ نبىٌّ عندَهُ الْخَبَرُ
وَقَدْ ظَلَمْتُ ابْنَةَ الْخَطَّابِ ثُمَّ هَدَى … رَبِّي عَشِيَّةَ قَالُوا: قَدْ صَبَا عُمَرُ
وَقَدْ نَدِمْت عَلَى مَا كَانَ مِنْ زَلَلٍ … بِظُلْمِهَا حِيْنَ تُتْلَى عِنْدَهَا السُّوَرُ
لَمَّا دَعَتْ رَبَّهَا ذَا الْعَرْشِ جَاهِدَةً … وَالدَّمْعُ مِنْ عَيْنِهَا عَجْلَانُ يَبْتَدِرُ
فَقُلْت: أَشْهَدُ أَنّ اللهَ خَالِقُنَا … وَأَنّ أَحْمَدَ فِينَا الْيَوْمَ مُشْتَهِرُ
نَبِيُّ صِدْقٍ أَتَى بِالحَقِّ مِنْ ثِقَةٍ … وَافَى (أدَّى) الْأَمَانَةَ مَا فِي عُودِهِ خَوَرُ (الخَوَرُ الضَّعْفُ والانكِسَارُ)
قال عمر لمّا أسلمت تلك الليلة تذكّرت أي أهل مكة أشد لرسول اللَّه ﷺ عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت. قال: فقلت: أبو جهل. فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه فخرج أبو جهل فقال: مرحبا وأهلا يا بن أختي ما جاء بك؟ قلت: جئت لأخبرك أني قد آمنت باللَّه ورسوله وصدّقت بما جاء به. فضرب الباب في وجهي وقال: قبحّك اللَّه وقبح ما جئت به.
وعن ابن عمر قال: لما أسلم عمر قال: أيّ قريش أنقل للحديث؟ قيل له: جميل بن معمر الجمحي. قال: فغدا عليه. قال عبد الله: وغدوت معه أتبع أثره وأنظر ماذا يفعل حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد؟ قال: فو اللَّه ما راجعه حتى قام يجرّ رداءه وتبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش- وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن ابن الخطاب قد صبأ. قال: يقول عمر من خلفه: كذب ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله. وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم فبينا هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة وقميص موشّى حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر. قال: فمه، رجل اختار لنفسه أمرا فما تريدون منه؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبكم؟ هكذا خلّوا عن الرجل قال: فو اللَّه فكأنما كانوا ثوبا كشط عنه. فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبي من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟ قال: ذاك أي بنيّ العاصي بن وائل السهمي. ومات مشركا.
وروى عنه قال: واللَّه ما استطعنا أن نصلي عند الكعبة ظاهرين حتى أسلم عمر. وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال: لما أسلم عمر نزل جبريل فقال: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان عن ابن عمر إن رسول اللَّه ﷺ قال: «اللهم أعز الإسلام بأحبّ هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب. وكان أحبّهما إليه عمر.
ولمَّا أسلَمَ عُمَرُ قال: يا رسولَ اللَّهِ، علَامَ نُخفِي دِينَنَا وَنَحنُ عَلَى الحَقِّ وَيَظهَرُ دِينُهُم وَهُم عَلَى البَاطِلِ؟ فقالَ: “يَا عُمَرُ إِنَّا قَلِيلٌ“، فقَالَ عُمَرُ: فوَ الَّذِي بعَثَكَ بالحَقِّ لا يبقَى مجلِسٌ جلَستُ فِيهِ بِالكُفرِ إِلَّا أظهَرتُ فِيهِ الإيمَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِذَا شِئْتُمْ أَنْ يَطِيبَ الْمَجْلِسُ فَعَلَيْكُمْ بِذِكْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.اهـ
وَقِـيـلَ كَـانُـوا يَخـْرُجُـونَ تَتْرَى *** إِلَى الشِّــعَـابِ لِلـصَّــلَاةِ سِــرَّا
(وَقِيلَ كَانُوا يَخرُجُونَ تَتْرَى، إِلَى الشِّعَابِ لِلصَّلَاةِ سِرَّا): اجتمَعَ في دارِ الأرقَمِ تِسعةٌ وثلاثونَ رَجُلًا يَتعبَّدونَ فيهَا قَبلَ إسلَامِ حَمزَةَ وَعُمَرَ، وَكَانُوا يَخْرُجُونَ مِنَ الدّارِ أفرَادًا متفرِّقينَ يَتْبَعُ بَعضُهم بَعضًا غيرَ مُتواصِلِينَ، خَوْفًا مِن كُفّارِ مَكَّةَ.
مُتَّجهِينَ إِلَى شِعابِ مَكَّةَ، وكانَ خروجُهُم لأَجلِ أداءِ الصلاةِ سِرًّا، لِئَلَّا يَشعُرَ بِهِمُ المُشرِكونَ، وكانَتِ الصّلاةُ وقتَئذٍ ركعتَينِ غُدُوًّا وركعتَينِ عَشِيًّا كمَا ذَكَرَ بعضُهُم، على ذَلِكَ الحالِ تِسعَ سنِينَ والنّبيُّ ﷺ والمُسلِمُونَ بمكّةَ، حتّى فُرِضَتِ الصَّلواتُ الخمسُ ليلةَ الإسراءِ والمِعراجِ.
حَتَّى مَـضَـتْ ثَـلَاثـةٌ سِـنِـيـنَا *** وَأَظْـهَـرَ الرَّحــمـنُ بَـعْـدُ الـدِّينَا
وَصَـدَعَ النَّـبِـيُّ جَـهْـرًا مُعْلِنَا *** إِذْ نَزلَـتْ ﴿فَاصْدَعْ بِمَا﴾ فَمَا وَنَى
(حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثةٌ سِنِينَا): استَمَرَّ المسلمونَ على ذلكَ يُصَلُّونَ سِرًّا وَيَجتَمِعُونَ في دارِ الأرقَمِ خُفيَةً عن قومِهِم حَتَّى مَضَتْ علَيهِم ثَلَاثُ سنواتٍ.
ومعنَى قولِ الفُقهاءِ وأهلِ السِّيَرِ: (كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ في تِلك السَّنواتِ يَدعُو النّاسَ إلى الإسلامِ سِرًّا)، أي مَا كانَ يَذهَبُ إلى مواسِمِ اجتِماعِ النَّاسِ، فكانَ يَدعُو علَى حسَبِ المصلَحَةِ، وقد تَمَكَّن بهذِهِ الطَّرِيقَةِ مِن أنْ يُدْخِلَ أُنَاسًا كَثِيرينَ في الإسلامِ، وكانَ الذِينَ يُسْلِمُونَ يَكْتُمونَ إسلامَهُم عنِ المشرِكِينَ مَخافةَ أنْ يُقْتَلُوا إنْ أَظْهَرُوا ذلكَ، لكِنْ كانَ أمرُ الإِسلَامِ مَعرُوفًا بَينَهُم.
(وَأَظْهَرَ الرَّحـمنُ بَعْدُ الدِّينَا، وَصَدَعَ النَّبِيُّ جَهْرًا مُعْلِنَا، إِذْ نَزلَتْ ﴿فَاصْدَعْ بِمَا﴾ فَمَا وَنَى): أي وبعدَ تِلكَ المُدّةِ الّتي مَضَت، أظهرَ اللهُ تعالى الإسلامَ وَذلكَ بِسَبَبِ أنَّ النبيَّ ﷺ صَدَعَ بالحَقِّ وأَظْهَرَ الدَّعوةَ إلى الإسلامِ جَهْرًا، بأنْ صارَ يَدعُو النّاسَ إلى دِينِ الإسلامِ علانِيةً في مَواسِم اجتِماعِهِم.
وذلكَ لَمَّا جاءهُ الأمرُ مِن اللهِ إِذْ نَزلَتْ الآيةُ: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾، أي أَظهِرْهُ واجْهَرْ بِه يا محمَّدُ، ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، أي لا تَلْتَفِتْ إلى المُشرِكينَ الّذينَ يُريدُونَ أنْ يَصُدُّوكَ عن ءاياتِ اللهِ، فَبَادَرَ النَّبِيُّ ﷺ إلى دَعوةِ النّاسِ إلى الإسلامِ في مواسِمِ اجتماعِهِم عَلانيةً بِجِدٍّ وعَزْمٍ ومَا وَنَى وما ضَعُفَ وما تَراخَى عَمَّا أُمِرَ به، فدَعا الرسولُ ﷺ النّاسَ كافّةً إلى الإسلامِ وصَدَعَ بالدَّعوةِ كما أُمِرَ.
وَأَنْـذَرَ العَـشَــائِـرَ الَّتِي ذُكِـرْ *** بِجَـمْـعِـهِمْ إِذْ نَــزَلَـتْ ﴿وأنذر﴾
(وَأَنْذَرَ العَشَائِرَ الَّتِي ذُكِرْ، بِجَمْعِهِمْ إِذْ نَزَلَتْ ﴿وَأَنْذِرْ﴾): وَأَنْذَرَ النَّبِيُّ ﷺ العَشَائِرَ الَّتِي ذُكِرَ الأمرُ بِإنذارِها في قولِهِ تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، فكانَ مِنهُ ﷺ الِامتثالُ لِأَمرِ اللهِ تعالَى بإنذارِ جْميعِهِم.
فصَنَعَ النبيُّ ﷺ طَعامًا وجمَعَ بنِي عبدِ الْمُطَّلِبِ حتَّى أنْذَرَهم، ومِن حِينِئذٍ اشتَدَّ الأمرُ بينَهُ وبينَ أَهْلِهِ، فمِنهُم مَنِ اتَّبَعَهُ ومنهُم مَن أعْرَضَ عنهُ واستَهْزَأَ بِه ومِنهُم مَن ءاذاهُ.
روى الشيخَانِ عن أبِي هريرَةَ إنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ لمَّا أُنْزِلَ عليهِ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ قامَ علَى الصّفَا فعلَا أعلَاهَا حَجَرًا ثُمَّ نادَى، فقالُوا مَنْ هذَا؟، وجعلَ الرجُلُ إذَا لمْ يستطِعْ أنْ يخرُجَ يرسِلُ رسولًا لينظُرَ مَا هوَ، فجاءَ أبو لَهَبٍ وقريشٌ فاجتَمَعُوا إليهِ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “إِنْ أَخبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيلًا تَخرُجُ مِنْ سَفحِ هَذَا الجَبَلِ تُرِيدُ أَنْ تُغِيْرَ عَلَيكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟“، قالُوا: مَا جرَّبْنَا عليكَ كَذِبًا، فقالَ: “يَا مَعشَرَ قُرَيشٍ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا بَنِي عَبدِ مَنَافٍ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغنِي عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا بَنِي عَبدِ شَمسٍ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغنِي عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا بَنِي كَعبِ بنِ لُؤَيٍّ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغنِي عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنقِذْ نَفسَكَ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أُغنِي عَنكَ مِنَ اللهِ شَيئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنتَ مُحَمَّدٍ، أَنقِذَا أَنفُسَكُمَا مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَملِكُ لَكُمَا مِنَ اللهِ شَيئًا، إِنِّي لَكُم نَذِيرٌ بَينَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ“،
فقالَ أبو لهبٍ: تبًّا لكَ سائرَ اليومِ، ألهذَا جَمَعْتَنَا؟ فنزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ إلَى آخِرِهَا، وفِي روايةٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: “يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ“.
وروَى البيهقِيُّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدًا أَبِي لَهَبٍ، أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ أروى بِنْتُ حَرْبٍ بن أمية بن عبد شمس وَلَهَا وَلْوَلَةٌ (صوتٌ مُتَتَابِعٌ بالوَيْلِ والِاستِغَاثَةِ)، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ (الحَجَرُ مِلْءُ الكَفِّ)، وَهِيَ تَقُولُ: مُذَمَّمًا أَبَيْنَا … وَدِينَهُ قَلَيْنَا …. وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا، وَالنَّبِيُّ ﷺ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ، فقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي“، وَقَرَأَ: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾، فَوَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ تَرَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، مَا شَأْنُ صَاحِبِكَ يَنْشُدُ فِيَّ الشِّعْرَ؟، فَقَالَ: وَاللهِ مَا صَاحِبِي بِشَاعِرٍ وَمَا يَدْرِي مَا الشِّعْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “قُلْ لَهَا: تَرَيْنَ عِنْدِي أَحَدًا؟، فَإِنَّهَا لَنْ تَرَانِي، جُعِلَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ“، فَسَأَلَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: أَتَهْزَأُ بِي يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، وَاللهِ مَا أَرَى عِنْدَكَ أَحَدًا.
وروَى البيهَقِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ، كَانَ جَاهِلِيًّا فَأَسْلَمَ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ ﷺ بِذِي الْمَجَازِ (وذُو المَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتجَرُ الناسِ فِي الجاهِلِيَّةِ) وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ ظَهْرَانِي النَّاسِ، يَقُولُ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا“، وَإِذَا وَرَاءَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ، قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي وَرَاءَهُ فَقِيلَ لِي: هَذَا أَبُو لَهَبٍ عمُّ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
فإنْ قِيلَ: ما الحِكمةُ مِن الأمرِ بالبَدءِ بإنذارِ الأقرِباءِ قبل غيرِهم؟ فالجوابُ أنَّهُ إذَا بدَأَ بعَشِيرَتِه يكونُ أقرَبَ للقَبولِ عِندَ النّاسِ، لأنَّهُ لو بَدَأَ بِغَيرِهم لقالُوا له: كَلِّمْ عَشِيرَتَك قبلَ أنْ تُكَلِّمَنا.
ذِكرُ تأيِيدِه ﷺ بمُعجِزة القُرءان
وَجَــعَــلَ اللهُ لَــهُ القُــرْءَانَــا *** ءَايَـةَ حَـقٍّ أَعْـجَـزَتْ بُـرْهَـانَـا
أَقَـامَ فِيهِمْ فَوْقَ عَشْــرٍ يَطْـلُبُ *** إِتْـيَـانَـهُـمْ بِـمِـثْـلِـهِ فَـغُـلِـبُـوا
ثُـمَّ بِـعَـشْــرِ سُـــوَرٍ بِسُـــوْرَةِ *** فَـلَـمْ يُـطِـيقُـوهَا وَلَـوْ قَصِـيـرَةِ
وَهُمْ لَعَمْرِيْ الفُصَـحَاءُ اللُّسْـنُ *** فَانْقَلَبُوا وَهُـمْ حَـيَـارَى لُـكْـنُ
(وَجَعَلَ اللهُ لَهُ القرْءَانَا، ءَايَةَ حَقٍّ أَعْجَزَتْ بُرْهَانَا): أي أنَّ اللهَ تعالَى أَيَّدَ نَبِيَّهُ محمَّدًا ﷺ ونصَرَه بالمُعجِزاتِ الباهِراتِ وَمِن ذلكَ أنْ جَعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ لَهُ ﷺ القُرْءَانَ الكَرِيمَ المُنزَّلَ عليهِ أعظَمَ مُعجِزاتِه ﷺ.
فكانَ القُرءانُ علامةَ حَقٍّ وشاهِدًا على صِدْقِ نَبِيِّهِ ﷺ، حتّى أَعْجَزَتْ هذه الْمُعجِزةُ فُصحاءَ العَرَبِ بِبُرهانِيَّةِ المُنزَلِ وقُوَّةِ بَلاغَتِهِ، حيثُ لَم يَستطِعِ الفُصحَاءُ مُضاهاتَهُ.
(أَقَامَ فِيهِمْ فَوْقَ عَشْرٍ يَطْلُبُ إِتْيَانَهُمْ بِمِثْلِهِ فَغُلِبُوا): أي أَقَامَ النّبِيُّ ﷺ فِي قَومِه بِمَكَّةَ المكرَّمةِ أكثَرَ مِن عَشْرِ سِنِينَ، يُنْذِرُهم ويُحادُّهم ويَتْلُو عليهِمُ القُرءانَ المُنزَّلَ عليهِ، وهُم يُكَذِّبُونَهُ ويَجْحَدُونَه.
فكانَ في بعضِ الأحيانِ يَطْلُبُ مِنْهُم علَى وَجْهِ التَّحَدِّي والتَّعْجِيزِ إِتْيَانَهُمْ بِمِثْلِ اللَّفظِ المُنزَّلِ كُلِّهِ، وهُم أهلُ الفصاحةِ والبلاغةِ، فكانُوا يَعجِزُونَ ولا يَستَطِيعُون ذلك، فَبسَبَبِ عَجزِهِم وعدَمِ إطاقَتِهم على الإتيانِ بمِثلِه غُلِبُوا وأصبَحُوا في حَيرةٍ تائهِينَ صاغرِينَ.
(ثمَّ بِعَشْرِ سُوَرٍ): أي لَمَّا عَجَزَ الكُفّارُ عَنِ الإتيانِ بمِثلِ القرءانِ كُلِّهِ، تَحَدَّاهُم النَّبِيُّ ﷺ بأمرٍ مِن اللهِ تعالَى بأنْ يأتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثلِ القُرءانِ فِي الفَصاحَةِ والبَلاغَةِ، فعَجَزُوا عَنِ الإتيَانِ بشَىءٍ مِن ذلكَ، وغُلِبُوا مرّةً ثانِيةً وانقلَبوا صاغرِينَ. (بِسُوْرَة، فَلَمْ يُطِيقُوهَا وَلَوْ قَصِيرَة): أي ولَمَّا عَجَزَ الكُفّارُ عَنِ الإتيانِ بعَشرِ سُوَرٍ مِثلِ سُوَرِ القرءانِ، تَحَدَّى النَّبِيُّ ﷺ المُشركِينَ مرة ثالِثةً بأَمْرِ اللهِ تعالَى بأنْ يأتُوا بِسُوْرَةٍ واحِدةٍ مِثلِ سُورةٍ من سُوَرِ القُرءانِ فِي الفَصاحةِ والبَلاغةِ، فَعَجَزُوا عن الإتيانِ بمِثلِ سُورةٍ مِن سُوَرِ القُرءانِ وَلَوْ سورةٍ قَصِيرَةٍ جِدًّا، كسُورةِ الكوثَرِ وغيرِها، فعَجَزُوا مرةً ثالِثةً.
(وَهُمْ لَعَمْرِيْ الفُصَحَاءُ اللُّسْنُ، فَانْقَلَبُوا وَهُمْ حَيَارَى لُكْنُ): أي وكانَ تعجِيزُهُم بذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ معَ أنّهُمْ مَعرُوفُونَ بأنّهُمُ الفُصَحَاءُ البُلَغاءُ، فَانْقَلَبُوا ورجَعَوا بعدَ ذلكَ صاغرِينَ مُحتارِينَ بأمرِهِم، مَبهوتِينَ مِمّا حصَلَ لَهُم، عاجِزِينَ عَنِ الكلامِ، كأَنَّ في ألسِنتِهِم عِيٌّ وثِقَلٌ.
كانُوا يتبَاهُون بالفصاحةِ، ويتباهُون في تَحبِيرِ الشّعرِ والبلاغةِ، وكانوا أفصحَ الفصحاءِ، ومصاقِعَ الخطبَاءِ أي في البلاغة، فأنزلَ اللهُ تعالَى على نبيِّهِ ﷺ قرآنًا عربِيًّا مبينًا، فتَلَا علَيهِم كلَامًا مُتَشَابِهَ الرَّصفِ أي المتانة أي قوي لا يرد، متجانِسَ الوصفِ، سهلَ الموضوعِ، عَذبَ المسمُوعِ، خارِجًا عن مَوضُوعِ الشِّعرِ، مستعذَبًا للأفهَامِ والأسمَاعِ، فلَمَّا سمِعُوهُ قالُوا فيهِ مِنَ الذمِّ ما قالُوا، فتحدَّاهُم أن يَأتُوا بمِثلِهِ فعَجَزُوا، ثمَّ تحدَّاهُم بعَشرِ سُوَرٍ من مثلِهِ فعَجَزُوا، ثمَّ تحدَّاهُم بسُورَةٍ من مثلِهِ فعجَزُوا، فآلُوا عندَ العجزِ إلى القَتلِ والقِتَالِ، وسبَقُوا العصُورَ إلَى الجُحُودِ والجِدَالِ، وكانَ الإعجَازُ بادِيًا ظاهِرًا، وعَجزُهُم عن مُعَارَضَتِهِ وانتِحَالِهِ معلُومٌ، حتَّى إِنَّهُم اعتَرَفُوا بذَلِكَ،
والقُرآنُ أفضَلُ المُعجِزَاتِ، لبَقَائِهِ بعدَ وفاةِ النبيِّ ﷺ، ولَم يبقَ معجِزةٌ غيرُه بعدَ وفاةِ نبيِّهَا، فالقُرآنِ بَحرٌ لا تَفنَى عجَائِبُهُ، ولا تَنقَضِي غرائِبُهُ، ولوِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ على أن يَأتُوا بمِثلِ هذَا القرآنِ لا يأتُونَ بمِثلِهِ ولو كانَ بعضُهُم لبَعضٍ ظهِيرًا، وحُفِظَ مِنَ التَّبدِيلِ والتَّحرِيفِ على مَرِّ الدُّهُورِ، وقارِئُهُ لا يَمَلُّهُ، وسَامِعُهُ لا يَمَجُّهُ، بل لَا يزالُ مَعَ تَكرِيرِهِ وتَردِيدِهِ غَضًّا طَرِيًّا، تَتَزَايَدُ حلاوَتُهُ، وتتعِاظِمُ محبَّتُهُ، كُلَّمَا أُعِيدَ
يُؤنَسُ بِهِ فِي الخَلَوَاتِ، ويُستَرَاحُ بتِلَاوَتِهِ مِن شَدَائِدِ الأَزَمَاتِ، وَاشتَمَلَ علَى جميعِ ما اشتَمَلَت علَيهِ جَمِيعُ الكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ وزِيَادَةٍ.
رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ يومًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، الآيَةَ، ثُمَّ وقَفَ فقَالَ: إنَّ اللهَ جَمَعَ لكُمُ الخيرَ كُلَّهُ والشَّرَّ كلَّهُ في آيَةٍ واحِدَةٍ.
وحكى أبُو عُبَيدٍ: أنَّ أعرَابِيًّا سمِعَ رجلًا يقولُ: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ فَضَحِكَ وقالَ: سجَدتُ لفَصَاحَةِ هذَا الكلَامِ.
وَجَرَى بَينَ الأَصمَعِيِّ وجارِيَةٍ صغِيرَةٍ منَ العربِ محادَثَةٌ، فأُعجِبَ بفصَاحَتِهَا وقالَ لها: مَا أفصَحَكِ، فقالَت: أَوَيُعَدُّ هذا فصَاحةً بعدَ قولِهِ تعالَى ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، فجَمَعَ في آيةٍ واحدَةٍ بينَ أمرَينِ ونهيَينِ، وخبَرَينِ وبشَارَتَينِ، فالأمرَانِ: أن أرضِعِيهِ وألقِيهِ، والنهيَانِ: ولا تخَافِي ولا تحزَنيِ، والخبرَانِ: وأوحَينَا وفَإِذَا خِفتِ. وأمَّا مُسَيلِمَةُ، فمَن شَاهَدَهُ مِن ذَوِي البَصَائِرِ عَلِمَ أَمرَهُ لَا محَالَةَ، بِأَقوَالِهِ الرَّكِيكَةِ الَّتِي ليسَت فصِيحَةً، وأفعَالِهِ غيرِ الحسَنَةِ بلِ القبيحَةِ، وكلامِهِ الذِي يُخَلَّدُ بِهِ في النَّارِ يومَ الحسرَةِ والفضيحَةِ، وكَم مِن فَرقٍ بينَ قولِهِ تعالَى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾، إِلى آخرِهَا، وبينَ قولِ مسيلمَةَ قبَّحَهُ اللهُ ولعَنَهُ: (يا ضِفدَعُ بنتَ الضِّفدَعَينِ، نُقِّي كمَا تَنُقِّينَ، لَا المَاءَ تُكَدِّرِينَ، وَلَا الشَّارِبَ تَمنَعِينَ)، وقولِهِ قبَّحَهُ اللهُ: (لَقَد أَنعَمَ اللهُ عَلَى الحُبلَى، إِذ أخرَجَ منهَا نَسَمَةً تَسعَى، مِن بَينِ صِفَاقٍ وحَشَى)، وقولِهِ خَلَّدَهُ اللهُ في نَارِ جَهَنَّمَ: (الفِيلُ ومَا أدرَاكَ مَا الفِيلُ، لَهُ خُرطُومٌ طَوِيلٌ)، وقولِهِ أبعدَهُ اللهُ عَن رَحمَتِهِ: (والعَاجِنَاتِ عَجنًا، وَالخَابِزَاتِ خَبزًا، واللَّاقِمَاتِ لَقمًا، إِهالَةً وسَمنًا، إِنَّ قُرَيشًا قَومٌ يَعتَدُونَ)، إلى غيرِ ذلِكَ مِنَ الخُرَافَاتِ والهَذَيَانَاتِ التِي يَأنَفُ الصِّبيَانُ أن يتَلَفَّظُوا بهَا إِلَّا عَلَى وَجهِ السُّخرِيَةِ والِاستِهزَاءِ، ولهذَا أَرغَمَ اللهُ أنفَهُ، ومزَّقَ شملَهُ، ولعَنَهُ صحبُهُ وأهلُهُ وقَدِمُوا علَى الصِّدِّيقِ تَائِبِينَ، وجاؤُوا فِي دِينِ اللهِ رَاغِبِينَ، فسَأَلَهُمُ الصدِّيقُ خليفَةُ الرسولِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ ورضِيَ عنهُ أن يقرَؤُوا عليهِ شيئًا مِن كلامِ مسيلِمَةَ لعنَهُ اللهُ، فسأَلُوهُ أن يعفِيَهُم من ذلكَ، فأَبَى عليهِم إلَّا أن يَقرَأُوا شيئًا مِنهُ ليِسمَعَهُ مَن لَم يَسمَعهُ مِنَ النَّاسِ، فيَعرِفُوا فَضلَ مَا هُم علَيهِ منَ الهُدَى والعِلمِ، فقَرَؤُوا عليهِ من هذَا الذِي ذكرنَاهُ وأشبَاهَهُ، فلمَّا فرغُوا قالَ لهمُ الصدِّيقُ رضي اللهُ عنه: وَيحَكُم أينَ كانَ يَذهَبُ بِعُقُولِكُم؟،
وذَكَرُوا أنَّ عَمرَو بنَ العَاصِ وَفَدَ عَلى مُسَيلِمَةَ وكانَ صدِيقًا له في الجاهليةِ، فقالَ لهُ مسيلِمَةُ: ويحَكَ يا عَمرُو، ماذَا أُنزِلَ على صاحِبِكُم، يعنِي رسُولَ اللهِ ﷺ في هذِهِ المُدَّةِ؟، فقالَ: لَقَد سمِعتُ سُورَةً عظِيمَةً قَصِيرَةً، فقالَ: ومَا هِيَ؟ فقالَ: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾، إِلى آخرِ السورَةِ، ففكَّرَ مسيلمَةُ ساعَةً ثمَّ قالَ: وأَنَا قَد أُنزِلَ عليَّ مثلُهُ فقالَ: يَا وَبرُ، يَا وَبرُ، إِنَّمَا أَنتَ أُذَنَانِ وصَدرُ، وسَائِرُكَ حَفرٌ نَقرٌ، كَيفَ تَرَى يَاعَمرُو؟، فقالَ لَهُ عمرٌو: (واللهِ إِنَّكَ لَتَعلَمُ أَنِّي أَعلَمُ أَنَّكَ تَكذِبُ)، لأَنَّ هذَا الكلَامَ لا طعمَ لَهُ، ولَا حلَاوَةَ فيهِ، خَالٍ مِنَ المَعنَى، يَمَجُّهُ كُلُّ ذَوقٍ، وَلَا يَتَمَالَكُ سَامِعُهُ مِنَ الضَّحِكِ.
دعاء للشفاء
قيل لشخص أنت ميؤوس منك ان تمشي فقال له أحد الأولياء وهو سيدنا أحمد الحارون ستشفى بإذن الله على يدي رسول الله ﷺ.. لازم هذا الورد.. فلازم الورد فرأى النبي ﷺ في المنام قال له قم فقام يمشي وعافاه الله تبارك وتعالى وشفاه ببركة هذا الورد
هذه الحادثة حصلت في دمشق في سنة 1379 هجري
هذا الورد هو أن تقول
يا غني .. ألف مرة
ثم تقول أغنني عن التداوي ببركة سيدنا محمد ﷺ مرة واحدة
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
دعاء
اللهم إنا نعوذُ بك من الهمِّ والحزَنِ، ومِنَ العجزِ والكسَلِ، ومِنَ الجُبنِ والبُخلِ، ومِنَ المَأثَمِ والمَغرَمِ، ومِن غلبَةِ الدَّينِ وقَهرِ الرجالِ، ونعوذُ بكَ اللهم مِنَ البَرَصِ والجُنُونِ والجُذَامِ وَمِن سَيِّئِ الأَسقَامِ.
اللهم صلِّ على سيدِنَا محمدٍ الذي شرّفتَه على سائرِ الأنامِ، ورفعتَه إلى أشرفِ محلٍّ وأعلَى مقامٍ، وجعلتَهُ هادِيًا إلى دينِ الإسلامِ ودلِيلًا إلى دارِ السلَامِ، اللهم فكمَا أمرتَنَا بالصلاةِ عليهِ بَلِّغ صلاتَنَا إليه يا رب العالمين. اللهم احشُرنا في زمرَتِهِ واجعَلنَا مِمَّن فازَ بشَفَاعَتِهِ وائتَمَر بشرِيعَتِهِ واهتَدَى بسُنَّتِهِ واقتَدَى بصحَابَتِهِ. اللهم أورِدنَا حوضَه وأرِنا وجهَه ولا تحرِمنَا شفاعَتَه واجمَع بينَنَا وبينَهُ في مُستَقَرِّ الرحمَةِ والرضوانِ في دارِ السلامِ، برحمَتِكَ يا أرحَمَ الراحِمِينَ يا ذَا الجَلَالِ والإِكرَامِ.
اللهم أعِنَّا علَى الصِّيَامِ والقِيَامِ وتقبَّل منَّا يا ربَّ العالمين، اللهم اجعلنا مِن عتقاءِ هذا الشهرِ الكرِيمِ ومِنَ المقبُولِينَ يا أكرَمَ الأكرَمِينَ، اللهم أعتِقنَا فيهِ مِنَ النِّيرَانِ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، اللهم أرِنَا ليلَةَ القدرِ المبارَكَةِ يا ربَّ العالمين وارزقنا فيهَا دعوةً مجابَةً بجاهِ سيدِ الأولِينَ والآخِرِينَ يا اللهُ، اللهم ارفَعِ البلَاءَ والوبَاءَ والأَمراضَ عنِ المسلمِينَ في مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِهَا إكرَامًا لوَجهِ محمَّدٍ ﷺ يا رَبَّ العالَمِين، اللهم توفَّنَا على كامِلِ الإيمَانِ وارزُقنَا شهادَةً في سبِيلِكَ وموتًا في بَلَدِ نبيِّكَ ﷺ، واحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رحائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمنِينَ مطمئِنِّينَ يا ربَّ العالمين، اللهم ارزُقنَا حُسنَ الختَامِ والمَوتَ على دينِكَ دينِ الإسلامِ ورؤيَةَ سيدِ الأنامِ سيدِنَا محمدٍ ﷺ، احشُرنَا في زمرَتِهِ وأورِدنَا حوضَهُ الشريفَ يا ربَّ العالمين.
اللهم اضرب الكافرين بالكافرين وأخرج المسلمين من بين أيديهم سالمين اللهم يسر لنا فرجا قريبا اللهم أرنا الأقصى محررا اللهم اشف صدور قوم مؤمنين اللهم ارحم أموات المسلمين اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك مقبلين غير مدبرين اللهم اجعلنا لدينك ناصرين واجعلنا لأهل فلسطين معينين اللهم أعنا على نصرتهم يا رؤوف يا رحيم اللهم وحد كلمة المسلمين اللهم اجمعهم على كلمة الحق والدين اللهم ألف بين قلوبهم واجعلهم سندا لأهل فلسطين.
وصَلَّى اللهُ وسلَّم علَى سيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشرَفِ الأنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ، سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ علَى المُرسَلِينَ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمِين.