“شرح ألفية السيرة النبوية” للحافظ زين الدين العراقي (28)

المقدمة

الحَمدُ للهِ البَاقِي وَكُلُّ بَنِي آدَمَ يَفنَى، سُبحَانَهُ لَهُ الصِّفَاتُ العُلَى وَالأَسمَاءُ الحُسنَى، قَدَّرَ الأَحوَالَ خَوفًا وَأَمنًا، وَقَد أَحَاطَ عِلمًا بِالكُلِّ الأَقصَى وَالأَدنَى، أَحمَدُهُ وَأَستَعِينُهُ وَحَقٌّ لِعَبدِهِ أَنَّهُ بِمَحَامِدِهِ يُعنَى، وَلَا يُحصَى الثَّنَاءُ وَلَو أَثنَى العَبدُ مَا أَثنَى، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تَرفَعُ قَائِلَهَا إِلَى المَقَامِ الأَسنَى، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ المَبعُوثُ إِلَى الثَّقَلَينِ إِنسًا وَجِنًّا، الَّذِي ارتَقَى إِلَى المَرَاتِبِ العَلِيَّةِ وَدَنَا مِن جِبرِيلَ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَهَجَرُوا وَآوَوا وَنَصَرُوا فَسَبَقَ الآبَاءُ وَتَلَاهُمُ الأَبنَا، صَلَاةً وَسَلَامًا يَتَلَازَمَانِ فَيَلتَزِمَانِ لِمُدِيمِهِمَا بِالحُسنَى، أَمَّا بَعدُ:

ذكر أحداث السنة التاسعة للهجرة
وَفِـيـهِ قَد ءَالَـى مِـنَ النِّسـوَانِ *** شَـهـرًا وَفِـيـهِ قِـصَّـةُ اللِّـعَـانِ
وَفِي العامِ التّاسِعِ ءَالَى رسولُ الله ﷺ مِنَ نِسائِهِ، أي هَجَرَهُنَّ لِمصلحةٍ وحَلَف لا يَقرَبُهُنّ شَهرًا، فائدة: (قال ابن منظور: النِّسْوةُ والنُّسْوة، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، والنِّساء ‌والنِّسْوانُ ‌والنُّسْوان: جَمْعُ المرأَة مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، كَمَا يُقَالُ خلِفةٌ ومَخاضٌ وَذَلِكَ وأُولئك والنِّسُونَ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والنِّسَاء جَمْعُ نِسْوَة إِذَا كَثُرْنَ).

رَوَى الحافِظُ الهَيثمِيُّ في «مَجمَعِ الزَّوَائِدِ» أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ رضِيَ الله عنه أَخبَرَ أنَّهُ كانَ لَهُ أخٌ مِنَ الأنصارِ إذَا حَضَر عُمَرُ وغابَ ذاكَ في بَعضِ ضَيعَتِهِ (أي تدبيرِ أمرِ معِيشَتِهِ) حَدَّثَهُ عُمَرُ بمَا قالَ رسُولُ الله ﷺ، وإذا غابَ عُمَرُ في بَعضِ ضَيعَتِهِ حَدَّثَهُ أخُوهُ مِن الأنصارِ.

قال عُمَرُ: فأتَانِي يَومًا، وَقَد كُنَّا نَتَخَوَّفُ جَبَلَةَ بنَ الأَيهَمِ الغَسَّانِيَّ (ءاخِرَ مُلوكِ الغَساسِنَةِ مِن نَصارىَ العرَبِ في الشَّامِ)، فقالَ: ما دَرَيتَ ما كانَ؟ فقلتُ: ومَا ذاكَ؟ لَعَلَّهُ جَبَلَةُ بنُ الأَيهَمِ الغَسّانيُّ تَذكُرُ؟، قالَ: لَا، إنَّ رَسُولَ الله ﷺ صَلَّى الصُّبحَ فلَم يَجلِس كمَا كانَ يَجلِسُ، ولم يَدخُل علَى أزواجِهِ كمَا كان يَصنَعُ، وقدِ اعتَزَلَ فِي مَشرَبَتِهِ (هي شِبهُ الغُرفةِ المُرتفعَةِ عن وَجهِ الأَرضِ) وقَد تَرَكَ النّاسَ يَمُوجُونَ ولَا يَدرُونَ ما شَأنُهُ، قال عُمرُ: فأتَيتُ والنّاسُ في المسجِدِ يَمُوجُونَ ولا يَدرُونَ، فقالَ: يا أيُّها النّاسُ كمَا أَنتُم، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ الله ﷺ وَهُوَ فِي مَشرَبَتِهِ فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ أَسوَدَ وَكَانَ يَحجُبُهُ (أي حَاجِبًا عِندَه): استَأذِن لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، قَالَ: فَاستَأذَنَ لِي، فَدَخَلتُ وَرَسُولُ الله ﷺ فِي مَشرَبَتِهِ فِيهَا حَصِيرٌ وَقَد أَفضَى لِجَنبِهِ إِلَى الحَصِيرِ فَأَثَّرَ الحَصِيرُ فِي جَنبِهِ، وَتَحتَ رَأسِهِ وِسَادَةٌ مِن أَدَمٍ مَحشُوَّة لِيفًا، فَلَمَّا رَأَيتُهُ بَكَيتُ، فَقَالَ ﷺ: “مَا يُبكِيكَ؟”، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله، فَارِسُ وَالرُّومُ يَضطَجِعُ أَحَدُهُم فِي الدِّيبَاجِ (نوعٌ مِن الحريرِ غلِيظٌ) وَالحَرِيرِ، فَقَالَ: “إِنَّهُم عُجِّلَت لَهُم طَيِّبَاتُهُم وَالآخِرَةُ لَنَا“، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله مَا شَأنُكَ؟ فَإِنِّي تَرَكتُ النَّاسَ يَمُوجُ بَعضُهُم فِي بَعضٍ، فَعَن خَبَرٍ أَتَاكَ؟ فَقَالَ ﷺ: “كَانَ بَينِي وَبَينَ أَزوَاجِي شَىءٌ، فَأَحبَبتُ أَن لَا أَدخُلُ عَلَيهِنَّ شَهرًا“، ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ عَلَى النَّاسِ فقالَ: يَا أيُّها النَّاسُ ارجِعُوا فَإِنَّ رَسُولَ الله ﷺ كَانَ بَينَهُ وَبَينَ أَزوَاجِهِ شَىءٌ فَأَحَبَّ أَن يَعتَزِلَ.

قال عُمرُ: ثُمَّ دَخَلتُ عَلَى حَفصَةَ فَقُلتُ: يَا بُنَيَّةُ، أَتُكَلِّمِينَ رَسُولَ الله ﷺ وَتَغَارِينَ عَلَيهِ؟، فَقَالَت: لَا أُكَلِّمُهُ بَعدُ بِشَىءٍ يَكرَهُهُ، ثُمَّ دَخَلتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَت بينهما قرابة، فَقُلتُ لَهَا كَمَا قُلتُ لِحَفصَةَ، فَقَالَت: عَجَبًا لَكَ يَا عُمَرُ بنَ الخَطَّابِ، كُلُّ شَىءٍ تَكَلَّمتَ فِيهِ حَتَّى تُرِيدَ أَن تَدخُلَ بَينَ رَسُولِ الله ﷺ وَبَينَ أَزوَاجِهِ؟! (ولا تَقصِدُ أَن تُحَقِّرَهُ بِذَلِكَ أَو تَذُمَّهُ)، وَمَا يَمنَعُنَا أَن نَغَارَ عَلَى رَسُولِ الله ﷺ وَأَزوَاجُكُم يَغَرنَ عَلَيكُم؟!، وَأَنزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾، فقالَت عائشةُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله ﷺ بَدَأَ بِي فَقالَ: “يَا عَائِشَةُ إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمرًا فَلَا عَلَيكِ أَن لَا تَعجَلِي فِيهِ حَتَّى تَستَأمِرِي أَبَوَيكِ“، قَالَت: قَد عَلِمَ أبَوايَ، وَالله إِنَّ أَبَوَيَّ لَم يَكُونَا لِيَأمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَت: فَقَرَأَ عَلَيَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾، فَقُلتُ: أَفِي هَذَا أَستَأمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمّ فَعَل أَزواجُهُ ﷺ مِثلَ ما فَعَلَت عائِشةُ رَضِيَ الله عَنهُنَّ.

وَفِي العَامِ التّاسِعِ كانَت قِصَّةُ اللِّعَانِ أي لِعانِ الصّحابِيِّ عُوَيمِرٍ العَجلَانِيِّ.

شَرَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ اللِّعانَ بيْن الزَّوجَيْنِ حينَ تَقَعُ الفاحِشةُ مِن الزَّوجةِ ولا تُوجَدُ البيِّنةُ؛ لحِفْظِ الأنسابِ ودَفْعِ المعَرَّةِ عَنِ الأزْواجِ، ولدَرْءِ حدِّ القَذْفِ.

وفي هذا الحَديثِ يروي سَهلُ بنُ سَعدٍ السَّاعديُّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ عُوَيْمِرًا العَجْلَانِيَّ رَضيَ اللهُ عنه جاء إلى عَاصِمِ بنِ عَدِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه -وكانَ سَيِّدَ قومِه بَنِي عَجْلانَ- وطلب منه أنْ يَسأَلَ رَسولَ اللهِ ﷺ عن حُكم رَجُلٍ وجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أيَقْتُلُهُ غَيرةً وحَمِيَّةً على عِرْضِه، فَتَقْتُلُونَه قِصاصًا، أمْ كيفَ يَصْنَعُ؟ (لَم يُظهِر عُويمِرٌ لعاصِمٍ أنَّ ذلكَ أمرٌ قد وقَعَ وإنَّما أظهَرَ السُّؤالَ على جِهةِ الافتِراضِ) فذَهَب عَاصِمٌ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ ﷺ يَسأَلُه، فلما سأل عاصمٌ رَضِيَ اللهُ عنه الرَّسولَ ﷺ كَرِه المسائِلَ وعَابَها؛ لأنَّها قَضيَّةٌ لم تقَعْ بعدُ ولم يُحتَجْ إليها، وفِي ذلِكَ قالَ الحافظُ النّوويُّ في «شَرحِ مُسلِمٍ»: “المرادُ كراهةُ المَسائلِ الّتي لا يُحتاجُ إليهَا لَا سِيَّما ما كَانَ فيهِ هَتكُ سِترِ مُسلِمٍ أو مُسلِمةٍ أو إِشَاعةُ فاحِشةٍ أو شَناعَةٌ على مُسلِمٍ أو مُسلِمةٍ، قال العُلمَاءُ: أمّا إذَا كانَتِ المَسائلُ مِمّا يُحتاجُ إليهِ في أمورِ الدِّينِ وقَد وقَع فلَا كرَاهَةَ فيهَا، ولَيسَ هُوَ المُرَادَ فِي الحَدِيثِ، وَقَد كَانَ المُسلِمُونَ يسأَلُونَ رسولَ الله ﷺ عنِ الأحكامِ الواقِعَةِ فيُجِيبُهُم ولا يَكرَهُها، وإنَّما كانَ سُؤَالُ عاصِمٍ فِي هَذَا الحَدِيثِ عَن قِصّةٍ لم تَقَع بعدُ ولم يُحتَج إليها”، أي خرَجَ السُّؤالُ مِن عاصِمٍ على تِلكَ الهَيئَةِ).

ولذلك لم يُجِبْه بشَيءٍ، فلمَّا رَجَع عَاصِمٌ إلى عُوَيْمِرٍ رَضيَ اللهُ عنهما سَأَلَه: بماذا أجاب النَّبيُّ ﷺ؟ فأخبره بما كان من رسولِ اللهِ ﷺ، فعَزَم عُوَيْمِرٌ رَضيَ اللهُ عنه على الذَّهابِ إلى النَّبيِّ ﷺ وسُؤالِه، فأَتَى النَّبيَّ ﷺ، وقال له ما قاله لعاصِمٍ؛ عن قَتْلِه للرَّجُلِ الذي وجده مع امرأتِه، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «قد أَنْزَلَ اللهُ القرآنَ فيك وفي صاحبتِك»، أي: زَوجتِك، وهو قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 – 9]، فأَمَرَهما ﷺ فتَلاعَنَا، كما وَرَد في الآيةِ، وسُمِّيَت مُلاعَنةً؛ لقَوْلِ الزَّوْجِ: وعَلَيَّ لعنةُ اللهِ إن كنتُ من الكاذِبينَ، وَقيل: سُمِّيَ لِعانًا من اللَّعْنِ، وهو الطَّرْدُ والإبعادُ؛ لِأَن كلًّا مِنْهُمَا يَبعُدُ عَن صَاحبه وَيحرُمُ النِّكَاحُ بَينهمَا على التَّأْبِيدِ، بِخِلَافِ المطلِّقِ وَغَيرِه.

ثمَّ لَمَّا وقعت بينهما الملاعَنةُ، قال عُوَيْمِرٌ رَضيَ اللهُ عنه: «يا رسولَ الله، إنْ حَبَسْتُها فقد ظَلَمْتُها»، أي: لم أُعَاشِرْها بالمعروفِ ولم أُوفِها حقَّها كزوجةٍ؛ لأنَّ نَفْسِي تَأْنَفُ مِن مُعاشَرَتِها، «فطَلَّقَها، فكانتْ سُنَّةً لِمَن كان بعْدَهما في المُتَلاعِنَيْنِ»، أي: صار التَّفريقُ بيْن المُتلاعِنَيْن حُكمًا شَرْعِيًّا.

وَحَجَّـةُ الصِّـدِّيقِ ثُـمَّ أَرسَـلَا *** لَـهُ عَـلِـيًّا بَـعـدَهُ عَلَى الـوِلَا
أَن لَا يَـحُـجَّ مُشـرِكٌ بَـعـدُ وَلَا *** يَطُـوفَ عُريَانٌ كَفِعلِ الجُـهَـلَا
وَكانَ في العامِ التّاسِع أيضًا حَجَّةُ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه حينَ أمَّرَهُ النّبِيُّ ﷺ عَلَى النّاسِ للحَجِّ.

فخرَجَ أبُو بكرٍ ومَعَهُ ثلاثُمِائَةِ رجُلٍ وعشِرُونَ بدَنةً قلَّدها وأشعَرَها بِيَدِه

وَقد منَع أبو بكرٍ المُشركينَ مِن حَجِّهِم وانتقَضَ العَهدُ في ذلكَ الوقتِ، وفي خبَرِ ذلكَ أنَّ النّبيَّ ﷺ كانَ هَمَّ أن يَحُجَّ فذَكَر ما اعتادَهُ المُشرِكُون مِنَ الجهَالَاتِ في حَجِّهِم مَعَ مَا بَينَهُ وبَينَهُم مِنَ المُعاهَدَةِ، فلَم يَخرُج وأمَّرَ أبَا بَكرٍ على النَّاسِ بِالحَجِّ، وبعَثَ معَهُ بِصَدرِ سُورَةِ براءَةَ إلَى قولِه تعالَى: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ وأوَّلُ براءةَ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ وفيها: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ﴾.

وحَاصِلُ ما كانَ هو التّبرُّؤَ مِن العُهودِ معَ المُشركِينَ والتّأجِيلَ لَهُم أربَعَةَ أشهُرٍ ذَهابًا فِي الأَرضِ أَينَمَا شاؤُوا، وَأَنَّ مَن كانَ لَهُ عَهدٌ إِلَى مُدَّةٍ ولم يَنقُصِ المسلمِينَ شيئًا ولم يُظَاهِروا علَيهم أحدًا فهُوَ إلى مُدَّتِه، ثُمَّ بعثَ لأبِي بَكرٍ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ، بعثه عَقِبَ أبي بكرٍ مُتابِعًا له، وجاءَ عليٌّ على ناقَةِ النَّبِيِّ العَضبَاءِ، فلمّا أدرَكَ عَلِيٌّ أبا بَكرٍ قال أبُو بَكرٍ: أميرٌ أم مأمُورٌ؟ فقال: بل مَأمُورٌ، ثمّ مَضَيَا فكانَ أبُو بَكرٍ أَمِيرَ النّاسِ وعليٌّ يُؤَذِّنُ ببَراءةَ ويُؤَذِّنُ المؤذِّنُونَ بِهَا عَن أَمرِهِ.

وكانَ في إرسالِ عليٍّ رضِيَ الله حِكَمٌ مِنها أنَّه كان في عُرفِ العرَبِ أنّهُم لَا يتَوَلَّى عقدَ العُقودِ ونَقضَهَا إِلَّا سيِّدُ القَومِ أو مَن ينوبُ عنهُ مِن أَهلِ بَيتِهِ، فكَانَ بَعثُ النَّبِيِّ ﷺ عَلِيًّا ابنَ عَمِّهِ رضِيَ الله عنهُ سَدًّا للبَابِ علَيهِم.

روَى الشَّيخانِ وغيرُهما مِن أصحابِ السُّنَنِ أنَّ أبا بكرٍ كانَ قَد بعثَ أبا هُريرَةَ رضيَ الله عنهُمَا في تِلكَ الحَجّةِ – قبلَ مجِيءِ عليٍّ رضِيَ الله عنهُ – مُنادِيًا بمِنًى أَن لَا يَحُجَّ مُشرِكٌ بَعدُ أي بعدَ هذَا العَامِ، وَأن لَا يَطُوفَ بالبيتِ الحَرامِ أحَدٌ وهوَ عُريَانٌ أي كاشفًا عورتَه كَفِعلِ الجاهليِّينَ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبطَالٌ لِمَا كانَتِ الجَاهِلِيَّةُ علَيه مِنَ الطَّوافِ بالبَيتِ عُرَاةً، وكَانَت قُرَيشٌ قَدِ ابتَدعَت قبلَ الفِيلِ أو بعدَهُ أن لَا يَطُوفَ بالبَيتِ أحَدٌ مِمّن يَقدَمُ علَيهِم مِن غَيرِهِم أوَّلَ مَا يَطُوفُ إلَّا فِي ثِيابِ أحَدِهم، فإن لَم يَجِد طَافَ عُريَانًا، فجاءَ الإسلَامُ فهَدَمَ ذَلِك كُلَّه.

وَرَوَى النَّسَائِيُّ وغيرُهُ عنِ المُحرَّرِ بنِ أَبِي هرَيرَةَ عَن أَبِيهِ رضِيَ الله عنهُ قالَ: جِئتُ معَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رسولُ الله ﷺ إلى أهلِ مَكّةَ بِبَراءةَ، قال: ما كُنتُم تُنادُون؟ قالَ: كُنَّا نُنَادِي إِنَّهُ: “لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفسٌ مُؤمِنَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالبَيتِ عُريَانٌ، وَمَن كَانَ بَينَهُ وَبَينَ رَسُولِ الله ﷺ عَهدٌ فَأَجَلُهُ أَو أَمَدُهُ إِلَى أَربَعَةِ أَشهُرٍ، فَإِذَا مَضَتِ الأَربَعَةُ أَشهُرٍ فَإِنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ المُشرِكِينَ وَرَسُولُهُ (أي الله تعالَى بَرِيءٌ مِنَ المشُرِكِينَ فِي كُلِّ حَالٍ، وكَذَلِكَ رسُولُ الله ﷺ بَرِيءٌ مِنَ المشُركِينَ في كُلِّ حَالٍ، لَكِنَّ المَعنَى هَهُنَا أنَّ مُدَّةَ المُعَاهَدَةَ تَنتَهِي بِهَذِهِ المُدَّةِ، كَمَا أَعلَنَ النَّبِيُّ ﷺ ذلكَ)، وَلَا يَحُجُّ بَعدَ العَامِ مُشرِكٌ، فَكُنتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوتِي (أي بُحَّ)“، فقالَ المُشركُونَ عندئذٍ: يا علِيُّ أبلِغِ ابنَ عَمِّكَ أنّا قد نَبَذنَا العهدَ وَراءَ ظُهورِنَا، وأَنَّهُ ليسَ بينَنا وبينَه عَهدٌ إلّا طَعنٌ بالرِّماحِ وضربٌ بالسُّيوفِ.

توضيح: ابتِدَاعُ قُرَيشٍ مَا يُسَمَّى الحُمسَ وعَدَمُ مُوَافَقَةِ النَّبِيِّ ﷺ لهُم فِي ذَلِكَ وَنُزُولُ الحُكمِ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ بِإِلغَاءِ الحُمسِ:

ذَكَرَ ابنُ إِسحَاقَ مَا كَانَت قُرَيشٌ ابتَدَعُوهُ فِي تَسمِيَتِهِمُ الحُمسَ، وَهُوَ الشِّدَّةُ فِي الدِّينِ وَالصَّلَابَةُ بزعمهم، وَذَلِكَ لِأَنَّهُم كمَا يزعُمُونَ عَظَّمُوا الحَرَمَ تَعظِيمًا زَائِدًا بِحَيثُ التَزَمُوا بِسَبَبِهِ أَن لَا يَخرُجُوا مِنهُ لَيلَةَ عَرَفَةَ، كَانُوا يَقُولُونَ: نَحنُ أَبنَاءُ الحَرَمِ وَقُطَّانُ بَيتِ الله، فَكَانُوا لَا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ مَعَ عِلمِهِم أَنَّهَا مِن مَشَاعِرِ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ، حَتَّى لَا يَخرُجُوا عَن نِظَامِ مَا كَانُوا قَرَّرُوهُ مِنَ البِدعَةِ الفَاسِدَةِ، وَكَانُوا لَا يَدَّخِرُونَ مِنَ اللَّبَنِ أَقِطًا وَلَا سَمنًا وَهُم حُرُمٌ، وَلَا يَدخُلُونَ بَيتًا مِن شَعَرٍ، وَلَا يَستَظِلُّونَ إِنِ استَظَلُّوا إِلَّا بِبَيتٍ مِن أَدَمٍ، وَكَانُوا يَمنَعُونَ الحَجِيجَ وَالعُمَّارَ مَا دَامُوا مُحرِمِينَ أَن يَأكُلُوا إِلَّا مِن طَعَامِ قُرَيشٍ، وَلَا يَطُوفُوا إِلَّا فِي ثِيَابِ قُرَيشٍ، فَإِن لَم يَجِد أَحَدٌ مِنهُم ثَوبَ أَحَدٍ مِنَ الحُمسِ – وَهُم قُرَيشٌ وَمَا وَلَدُوا وَمَن دَخَلَ مَعَهُم مِن كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ – طَافَ عُريَانًا، وَلَو كَانَتِ امرَأَةً، فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ الله مُحَمَّدًا ﷺ وَأَنزَلَ عَلَيهِ القُرآنَ رَدًّا عَلَيهِم فِيمَا ابتَدَعُوهُ، فَقَالَ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ يعني قريشا ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ أَي جُمهُورُ العَرَبِ مِن عَرَفَاتٍ.

وَأَنزَلَ الله عَلَيهِ رَدًّا عَلَيهِم فِيمَا كَانُوا حَرَّمُوا مِنَ اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ عَلَى النَّاسِ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.

وَسُـمِّـيَـت بِـسَـنَـةِ الـوُفُـودِ *** لِـكَـثـرَةِ الـقَـادِمِ مِـن وُفُـودِ
وَسُمِّيَت السَّنةُ التاسِعَةُ للهجرَةِ بِسَنَةِ الوُفُودِ، لِكَثرَةِ القَادِمِ على رسُولِ الله ﷺ مِن وُفُودٍ مِن قبائِلِ العرَبِ، وقد كَانَ قَبلَ ذلكَ ءاحَادُ الوافِدِينَ وأفذَاذُ الوُفودِ مِن العرَبِ يَغدُونَ على رسُولِ الله ﷺ مُنذُ أظهَرَ الله دِينَه وقهَرَ أعداءَهُ، ولكِنَّ انبِعَاثَ جَماهِيرِهِم إلى القُدومِ على رسُولِ الله ﷺ والدُّخولِ في دِينِ الإِسلَامِ إنَّما كان بعدَ فتحِ مكّةَ، لذلك سُمِّيَ فتحُ مكةَ المُبَارَكُ بفَتحِ الفتُوحِ وبِالفتحِ الأَعظَمِ، ومُعظمُ الوفُودِ كانَ في هذِهِ السَّنةِ سَنَةِ تِسعٍ.

وكانَ مِنَ الوفُودِ التِي أتَت إِلَى النَّبِيِّ ﷺ في السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنَ الهِجرَةِ وَفدُ عَبدِ القَيسِ.

وقد جاءَ فِي قِصَّتِهِم أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ أخبَرَ بعضَ أصحابِه أنّ رَكبًا يَطلُعُونَ علَيهِم مِن ناحِيةِ كذَا وأنّهُم مِن أَهلِ المَشرِقِ، فَخرَجَ عُمرَ رضيَ الله عنهُ إِلَى تِلكَ النَّاحِيَةِ فلَقِيَ ثلَاثَةَ عشَرَ راكِبًا، فرَحَّبَ وقَرَّبَ وقال: مَنِ القَومُ؟ قالوا: نفَرٌ مِن عَبدِ القَيسِ، قالَ: فمَا أَقدَمَكُم هَذِهِ البَلَادَ؟، التِّجارَةَ؟ قالوا: لَا، قَالَ: فتَبِيعُونَ سُيُوفَكُم هَذِهِ؟ قالُوا: لَا، فمشَى يُحَدِّثُهُم حتَّى وَصَلَ بهِم إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وقَالَ: هذَا صَاحِبُكُم الَّذِي تَطلُبُونَ، فَرَمَى القَومُ بأَنفُسِهِم عَن رِحَالِهِم، فمِنهُم مَن سَعَى ومِنهُم مَن هَروَلَ ومِنهُم مَن مَشَى حتَّى أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فأخَذُوا بِيَدِه فقَبَّلُوها وقعَدُوا إِلَيهِ، وبَقِيَ الأشَجُّ وهو أصغَرُ القَومِ فأَناخَ الإِبِلَ وعَقَلَهَا وجَمَع مَتاعَ القَومِ، ثُمَّ أقبَلَ يَمشِي علَى تُؤَدةٍ حتّى أتَى النَّبِيَّ ﷺ فأخَذَ بِيَدِه فقَبَّلَهَا، فقالَ لهُ النَّبِيُّ ﷺ: “فِيكَ خَصلَتَانِ يُحِبُّهُمَا الله وَرَسُولُهُ“، قال: مَا هُمَا يَا نَبِيَّ الله؟ قال: “الأَنَاةُ وَالتُّؤَدَةُ“، فقالَ: يا نَبِيَّ الله، أَجَبلٌ جُبِلتُ علَيه أو تَخَلُّقٌ مِنِّي؟ فقالَ ﷺ: “بَل جَبلٌ جُبِلتَ عَلَيهِ“، فقالَ: الحمدُ لله الَّذِي جَبَلَنِي علَى ما يُحِبُّ الله ورَسُولُهُ.

وفي البخاري: قَالَ ابنُ عباسٍ: ‌إِنَّ ‌وَفدَ ‌عَبدِ ‌القَيسِ لَمَّا أَتَوا النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “مَنِ القَومُ؟“، قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ: “مَرحَبًا بِالقَومِ غَيرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى“، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا لَا نَستَطِيعُ أَن نَأتَيِكَ إِلَّا فِي شهرِ الحَرَامِ، وَبَينَنَا وَبَينَكَ هَذَا الحَيُّ مِن كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرنَا بِأَمرٍ فَصلٍ نُخبِر بِهِ مَن وَرَاءَنَا وَنَدخُل بِهِ الجَنَّةَ، وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشرِبَةِ: فَأَمَرَهُم بِأَربَعٍ، وَنَهَاهُم عَن أَربَعٍ، أَمَرَهُم: بِالإِيمَانِ بِالله وَحدَهُ، قَالَ: “أَتَدرُونَ مَا الإِيمَانُ بِالله وَحدَهُ“، قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعلَمُ (ليسَ أنَّهُم لَا يعرِفُونَ التَّوحِيدَ، بَل هُم كَانُوا مُسلِمِينَ يَعرِفُونَ العَقِيدَةَ، لَكِن لَعَلَّ المُرَادَ لَا نعلَمُ مَا تُرِيدُ أَن تُخبِرَنَا عَنهُ مِنَ الأَشيَاءِ المَخصُوصَةِ، قال ملا علي القاري: تَأَدُّبًا وَطَلَبًا لِلسَّمَاعِ مِنْهُ ﷺ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ)، قَالَ: “شَهَادَةُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَن تُعطُوا مِنَ المَغنَمِ الخُمُسَ“، وَنَهَاهُم عَن أَربَعٍ: عَنِ الحَنتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ، وَقَالَ: “احفَظُوهُنَّ وَأَخبِرُوا بِهِنَّ مَن وَرَاءَكُم“. والمراد بهذه الأشياء أوعية كانوا يجعلون فيها التمر أو الزبيب مع الماء حتى يحلو ثم يشربونه وقد يتخمر. وسبب النهي سرعة تخمر ما وضع بها، وقد نسخ النهي عن الانتباذ فيها مع منع كل ما كان مسكرا.

ثم إن هذا النهى كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا. رواه مسلم في الصحيح.

وقدِمَ على رسولِ الله ﷺ وَفدُ بَنِي حَنِيفَةَ وهم بِضعةَ عشَر رجُلًا، فيهِم رَحّالُ بنُ عُنفُوةَ وسَلمَى بنُ حَنظلةَ السَّحِيمِيَّ وغيرُهم.

فنَزلُوا دارَ رَملَةَ بنتِ الحارِثِ، وأُجرِيَت علَيهِم ضِيافَةٌ، فكَانُوا يُؤتَونَ بغَداءٍ وعَشاءٍ مَرّةً خُبزًا ولَحمًا ومَرّةً خُبزًا ولبَنًا ومرّةً خُبزًا وسَمنًا ومرّةً تَمرًا، فأتَوا رَسولَ الله ﷺ في المَسجِدِ فسَلَّمُوا علَيهِ وشَهِدُوا شهادةَ الحَقِّ، وخَلَّفُوا مُسَيلِمةَ الحَنَفِيَّ الذِي ادَّعَى النبُوَّةَ بعدَ ذَلِكَ فِي رَحلِهِم، وأقامُوا أيَّامًا يذهَبُونَ ويَأتُونَ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ، وكانَ رَحّالُ بنُ عُنفُوةَ يَتعلَّمُ القُرءانَ مِن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رضي الله عنه، فلَمّا أرادُوا الرُّجوعَ إلى بِلادِهم أمَرَ لَهُم رَسولُ الله ﷺ بِجَوائِزَ خَمسِ أوَاقٍ لِكُلّ رَجُلٍ، فقالُوا: يا رسولَ الله، إِنَّ خَلفَنَا صاحِبًا لَنا في رِحالِنا يُبصِرُها لَنا وفي رِكابِنا يَحفَظُها علَينَا، فأمَرَ له رَسولُ الله ﷺ بمِثلِ ما أمَرَ بِه لأصحَابِه وقالَ: “لَيسَ بِشَرِّكُم مَكَانًا لِحِفظِهِ رِكَابَكُم وَرِحَالَكُم“، فقِيلَ ذلكَ لمُسَيلِمةَ، فقال: عرَفَ أنَّ الأَمرَ إِلَيَّ مِن بَعدِه، ورجَعُوا إلى اليَمامةِ.

وقد أعطاهُم رَسولُ الله ﷺ أيضًا إِداوةً مِن ماءٍ فِيها فَضلُ طَهُورٍ، وأمرَهُم ﷺ بأن يُزِيلُوا بِيعَتَهُم ويَنضَحُوا مَكانَها بِهذَا المَاءِ ويَتَّخِذُوا مكانَهَا مَسجِدًا، ففَعَلُوا، وكانَتِ الإِدَاوَةُ تُتَدَاوَلُ بَينَهُم نُوَبًا طَلَبًا للبَرَكةِ مِن رسولِ الله ﷺ حتَّى صارَتِ عِندَ الأقعَسِ بنِ مَسلَمةَ، وما لَبِثَ مُسَيلِمةُ لعَنَهُ الله أَنِ ادَّعَى النُّبُوّةَ، وضَلَّ رَحّالُ بنُ عُنفُوةَ فَشَهِدَ زُورًا لمُسَلِيمةَ بأنّ رَسولَ الله ﷺ أشرَكَهُ في أَمرِ النُّبُوّةِ، فافتُتِنَ النّاسُ بِه.

وقد ورد عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ في أمرِ مسَيلِمَةَ: قَدِمَ مُسَيلِمَةُ الكَذَّابُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ الله ﷺ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِن جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ مِن بَعدِهِ تَبِعتُهُ، وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِن قَومِهِ، فَأَقبَلَ إِلَيهِ رَسُولُ الله ﷺ وَمَعَهُ ثَابِتُ بنُ قَيسِ بنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ الله ﷺ قِطعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيلِمَةَ فِي أَصحَابِهِ، فَقَالَ: “لَو سَأَلتَنِي هَذِهِ القِطعَةَ مَا أَعطَيتُكَهَا، وَلَن تَعدُوَ أَمرَ الله فِيكَ، وَلَئِن أَدبَرتَ لَيَعقِرَنَّكَ الله، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي، ثُمَّ انصَرَفَ عَنهُ“، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلتُ عَن قَولِ رَسُولِ الله ﷺ: “وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيتُ“، فَأَخبَرَنِي أَبُو هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: “بَينَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَينِ مِن ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي المَنَامِ أَنِ انفُخهُمَا، فَنَفَختُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلتُهُمَا كَذَّابَينِ يَخرُجَانِ بَعدِي أَحَدُهُمَا العَنسِيُّ وَالآخَرُ مُسَيلِمَةُ“.

ومنها وَفدُ الأشعَرِيِّين وهُم جماعةُ أبي مُوسَى الأشعريِّ رضي الله عنه، بَنُو الأشعَرِ نَبتِ بنِ أُدَدِ بنِ زَيدِ بنِ يَشجُبَ.

وكانَ القومُ الّذين قَدِمُوا على رسولِ الله ﷺ خَمسِينَ، ركِبَ الأشعريُّونَ الخَمسونَ سفينَةً فجَنحَتِ الرِّيحُ بسفِينَتِهم بعِيدًا، فلَمّا أنجاهُمُ الله عزّ وجلّ نَزَلُوا المَدِينةَ وافدِينَ على رسولِ الله ﷺ.

ورَويَ أنَّ النّبِيَّ ﷺ كانَ جالِسًا فِي أصحابِهِ يَومًا فقالَ: “اللهم أَنجِ أَصحَابَ السَّفِينَةِ“، ثُمّ مَكَثَ ساعةً فقالَ: “قَدِ استَمَرَّت“، فلَمّا دَنَوا مِن المَدِينَةِ قالَ: “قَد جاؤُوا ويَقُودُهُم رَجُلٌ صالِحٌ“، وكان الّذِينَ جاؤُوا فِي السّفِينَةِ الأشعَرِيُّونَ وقادَهُم عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيُّ، فقالَ النَّبِيُّ ﷺ: “مِن أَينَ جِئتُم؟“، قالُوا: مِن زَبِيدٍ، قالَ النّبِيُّ ﷺ: “بارَكَ الله فِي زَبِيدٍ“، قالُوا: وفِي رِمَعٍ؟ قالَ: “بارَكَ الله فِي زَبِيدٍ“، قالُوا: وفِي رِمَعٍ يا رَسُولَ الله؟ فقالَ فِي الثّالِثَةِ: “وَفِي رِمَعٍ“.

ورَوي أنّ النّبِيَّ ﷺ قال: “يَقدَمُ عَلَيكُم أَقوَامٌ هُم أَرَقُّ مِنكُم قُلُوبًا“، فقَدِمَ الأشعرِيُّونَ مِنهُم أبُو موسَى، فلَمّا دَنَوا مِن المدِينة جعَلُوا يَرتَجِزُون: غَدًا نَلقَى الأَحِبَّة، مُحمَّدًا وحِزبَه.

وَجَاءَ ذِكرُ الأَشعَرِيِّينَ فِي القُرءَانِ الكَريمِ، فقد قالَ الله تعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، فإنّه لَمَّا نزَلَت هذِهِ الآيَةُ الكرِيمَةُ أشارَ النَّبِيُّ ﷺ إلى الصّحابِيِّ الجلِيلِ أبِي موسَى الأشعرِيِّ رضي الله عنه وقالَ: “هُم قَومُ هَذَا“، قال أبُو القاسِم القُشَيرِيُّ: فأَتبَاعُ أبي الحسَنِ الأشعَرِيِّ مِن قَومِهِ لِأَنّ كُلَّ مَوضِعٍ أُضِيفَ فيهِ قَومٌ إلى نَبِيٍّ أُرِيدَ بِه الأَتبَاعُ، وقَالَ الحَافِظُ البَيهَقِيُّ: وذَلِكَ لِمَا وُجِدَ فِيهِ مِنَ الفَضِيلةِ الجَلِيلةِ والمَرتَبةِ الشّرِيفةِ للإِمَامِ أبي الحسَنِ الأشعرِيِّ رضِيَ الله عنه، فهُوَ مِن قَومِ أبِي مُوسَى وأولَادِهِ الّذِينَ أُوتُوا العِلمَ ورُزِقُوا الفَهمَ، مَخصُوصًا مِن بَينِهم بِتَقوِيةِ السُّنّةِ وقَمعِ البِدعَةِ بإظهارِ الحُجّةِ ورَدِّ الشُّبهَةِ.

وفي البخَارِيِّ عن عمرَانَ بنِ حُصينٍ رضي الله عنهما قالَ: دخَلتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وعقَلتُ نَاقَتِي بِالبَابِ، فأَتَاهُ نَاسٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، فقَالَ: “اقبَلُوا البُشرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ” (أي عِندِي عِلمٌ اقبَلُوهُ مِنِّي)، قالَ الأَقرَعُ بنُ حابِسٍ وكَانَ رَأسَ بَنِي تَمِيمٍ وكانَ فَظًّا: قَد بَشَّرتَنَا فَأَعطِنَا، قَالَهَا مَرَّتَينِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيهِ نَاسٌ مِن أَهلِ اليَمَنِ (هُمُ الأَشعَرِيُّونَ) فقَالَ: “اقبَلُوا البُشرَى يَا أَهلَ اليَمَنِ إِن لَم يَقبَلهَا بَنُو تَمِيمٍ“، قَالُوا: قد قَبِلنَا يا رسُولَ الله، قالُوا:

جِئنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسأَلَكَ عَن بَدءِ هَذَا الأَمرِ مَا كَانَ، فأَجَابَهُم وَأَفَادَهُم رَسُولُ الله ﷺ بِأَهَمَّ مِمَّا سَأَلُوا عَنهُ، فَقَال: “كَانَ الله“، أَي فِي الأَزَلِ، “وَلَم يَكُن شَىءٌ غَيرُهُ“، أَي أَنَّهُ لا أَزَلِيَّ سِوَاهُ، لِأَنَّهُ فِي الأَزَلِ لَم يَكُن مَاءٌ وَلا هَوَاءٌ وَلا نُورٌ وَلا مَكَانٌ وَلا ظَلامٌ وَلا لَيلٌ وَلا نَهَارٌ، وَقال: “وَكَانَ عَرشُهُ عَلَى المَاءِ“، أَي وُجِدَ عَرشُهُ عَلَى المَاءِ، أي أَنَّ المَاءَ خُلِقَ قَبلَ العَرشِ ثُمَّ خُلِقَ العَرشُ، وَبِوُجُودِ المَاءِ وُجِدَ الزَّمَانُ وَالمَكَانُ، أَمَّا قَبلَ ذَلِكَ لَم يَكُن زَمَانٌ وَلا مَكَانٌ.

فَيُعلَمُ مِن هَذَا أَنَّ المَاءَ وَالعَرشَ هُمَا أَوَّلُ المَخلُوقَاتِ مِنَ الأَشيَاءِ المَحسُوسَةِ، أَمَّا مِن غَيرِ المَحسُوسَةِ فالزَّمَانُ والمَكَانُ وُجِدَا بِوُجُودِ المَاءِ، وَالعَرشُ سَرِيرٌ كَبِيرٌ لَهُ أَربَعَةُ قَوَائِمَ لَيسَ كَسَرِيرِنَا يَحمِلُهُ أَربَعَةٌ مِنَ المَلائِكَةِ.

فَكَانَ الأُولَى فِي الحَدِيثِ لِلأَزَلِيَّةِ، أَمَّا كَانَ الثَّانِيَةُ فِي قَولِهِ: “وَكَانَ عَرشُهُ عَلَى المَاءِ“، فَهِيَ لِلحُدُوثِ.

فَمِن هُنَا يُعلَمُ فَسَادُ قَولِ مَن يَقُولُ إِنَّ نُورَ مُحَمَّدٍ خُلِقَ قَبلَ كُلِّ شَىءٍ،

ثُمَّ إِنَّهُ لَيسَ الفَضلُ فِي تَقَدُّمِ الوُجُودِ أَي وُجُودِ الخَلقِ بَعضِهِ عَلَى بَعضٍ، بَلِ الفَضلُ بِتَفضِيلِ الله، فَالمَاءُ مَعَ ثُبُوتِ أَوَّلِيَّتِهِ لا يُقَالُ إِنَّهُ أَفضَلُ المَخلُوقَاتِ، وَأَمَّا الرَّسُولُ عَلَيهِ السَّلامُ فَهُوَ أَفضَلُ المَخلُوقَاتِ مِن غَيرِ أَن يَكُونَ أَوَّلَ المَخلُوقَاتِ فَالأَمرُ كَمَا قَالَ البُوصِيرِيُّ:

فَمَبلَغُ العِلمِ فِيهِ أَنَّهُ بَشَرٌ *** وَأَنَّهُ خَيرُ خَلقِ اللهِ كُلِّهِمِ

ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: “وَكَتَبَ فِي الذِّكرِ كُلَّ شَىءٍ“، أَي أَمَرَ الله القَلَمَ الأَعلَى بِأَن يَكُتبَ عَلَى اللَّوحِ المَحفُوظِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، وَالقَلَمُ وَاللَّوحُ جِرمَانِ عَظِيمَانِ عُلوِيَّانِ لَيسَا كَأَقلامِنَا وَأَلوَاحِنَا، وَقَد وَرَدَ أَنَّ القَلَمَ الأَعلَى مِن نُورٍ لَكِن لَيسَ ثَابِتًا وَمَعنَاهُ يُشبِهُ النُّورَ، لِأَنَّ النُّورَ لَم يُخلَق فِي ذَلِكَ الوَقتِ وَلا الظَّلامَ، وَاللَّوحُ وَرَدَ فِي وَصفِهِ أَنَّهُ مِن دُرَّةٍ بَيضَاءَ حَافَتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمرَاءُ وَمِسَاحَتُهُ مَسِيرَةُ خَمسِمِائَةِ عَامٍ.

وَقَولُهُ: “ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ“، مَعنَاهُ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ خُلِقَت بَعدَ هَذِهِ الأَشيَاءِ الأَربَعَةِ، وَذَلِكَ بَعدَ خَمسِينَ أَلفَ سَنَةٍ، وَالسَّمَوَاتُ وَهِيَ سَبعٌ، وَالأَرَضُونَ وهي سَبعٌ، وَكُلُّ سَمَاءٍ مُنفَصِلَةٌ عَنِ الأُخرَى بِفَرَاغٍ وَاسِعٍ، وَكُلُّ أَرضٍ مُنفَصِلَةٌ عَنِ الأُخرَى بِفَرَاغٍ وَاسِعٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ فَوقَ الأُخرَى، كلُّها خُلِقَت فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَكُلُّ يَومٍ مِن هَذِهِ الأَيَّامِ قَدرُ أَلفِ سَنَةٍ بِتَقدِيرِ أَيَّامِنَا هَذِهِ، فَلا يَقُل قَائِلٌ خَلَقَ الله العَالَمَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، إِنَّمَا يُقَالُ خَلَقَ الله السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ كَمَا جَاءَ فِي القُرءَانِ.

فَإِن قِيلَ: لِمَ خَلَقَ الله السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَلَم يَخلُقهَا فِي أَقَلَّ مِن ذَلِكَ؟، فَالجَوَابُ أَن يُقَالَ: لِيُعَلِّمَنَا التَّأَنِيَ فِي الأُمُورِ.

فائدة
ماذا يفعل من كان عليه ديون؟
لمن عليه ديون أرشده الشيخ رحمه الله تعالى أن يقول هذا الدعاء: (اللهم كاشفَ الغم مجيبَ دعوة المضطرين، رحمنَ الدنيا والآخرة ورحيمَهما اقض عنا الدين وأغننا من الفقر). يكرر هذا الدعاء صباحا ومساء دون عدد معين.

من خواص اسم الله السميع
مِنْ خواصِّ اسمِ اللهِ “السميعِ”: أَنَّ مَنْ قَرَأَهُ يومَ الخميسِ بعدَ صلاةِ الضحىْ خمسَمِائَةِ مرةٍ كانَ مجابَ الدعاءِ.

وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ المُرسَلِينَ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحبِهِ الطَّيِّبِيَن الطَّاهِرِينَ.

دعاء
اللهم اجعل لأهل غزة وفلسطين النصرة والعزة والغلبة والقوة والهيبة. اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم رد إلينا فلسطين والمسجد الأقصى ردًّا جميلًا، اللهم انصر ضعفهم فإنهم ليس لهم سواك. اللهم إني أستودعك غزة وبيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين. اللهم ارفع الحصار عن غزة وانصر أهلها على الظلم والعدوان. اللهم منزّل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم زلزل أقدامهم ونكس أعلامهم وأذهب ريحهم اللهم آمين. اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا.

‏اللهم اجعَلنَا مِمَّن تُدرِكُهُمُ الرَّحمَةُ، وَمِنَ العُتَقَاءِ السُّعَدَاءِ يا ربُّ، اللهم إِنِّي أسأَلُكَ العَفوَ وَالعَافِيَةَ، ربَّنَا أَمسَينَا لَكَ شَاكِرِينَ، ذَاكِرِينَ، حامِدِينَ، رَاضِينَ، وعَلَيكَ مُتَوَكِّلِينَ لَكَ الحَمدُ رَبَّنَا فَأَتمِم عَلَينَا نِعمَتَكَ وعَافِيَتَكَ وسِترَك وأَسعِدنَا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ياكريمُ، ربِّ أسأَلُكَ مِن فضلِكَ العَظِيمِ فإنَّكَ تقدِرُ وَلَا أقدِرُ وأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ‏اللهم إني أسأَلُكَ قَبولَ الصِّيَامِ وحُسنَ الخِتَامِ ولَا تجعَلنا منَ الخاسرين في رمضانَ، اللهم إنَّك قلتَ في كتابك الكريم: ﴿ادعُونِي أَستَجِب لَكُم﴾ هذا الدُّعَاءُ وَمِنكَ الإِجَابَةُ فيَا ربِّ اكرِمنَا بما نَتَمَنَّى وأَقِرَّ أعيَنَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ، أسأَلُ الله أن يشملنا جميعًا بالرَّحمَةِ والمَغفِرَةِ ويُصلِحُ نِيَّاتِنَا ويُؤَلِّفُ بَينَ قُلُوبِنَا ويَستُرُ عُيُوبَنَا ويَغفِرُ ذنُوبَنَا ويُفَرِّجُ هُمُومَنَا ويَشفِي مَرضَانَا ويَرحَمَ موتَانَا وَأَسأَلُ الله أَن يُعطِيَنِي وَيُعطِيَكُم فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ مِن رِزقِهِ وَتَوفِيقِهِ وَرَحمَتِهِ وَمَغفِرَتِهِ وَرِضوَانِهِ وَجَنَّتِهِ وصُحبَةِ نَبِيِّهِ ﷺ ‏اللهم إنَّا نَسأَلُكَ رَحمَةً لِكُلِّ مَيِتٍّ وتَفرِيجًا لِكُلِّ هَمٍّ وإستِجَابَةً لِكُلِّ دُعَاءٍ وشفَاءً لكلِّ مرِيضٍ وغُفرَانًا لكلِّ ذنبٍ ورِزقًا لكلِّ محتاجٍ اللهم إجعل ما تبقي من أيَّامِ رمضَانَ جابِرَةً للقُلُوبِ، ساتِرَةً للعُيُوبِ، مَاحِيَةً للذنوب ومَفرَجَةً للكُرُوبِ، وبَلِّغنَا لَيلَةَ القَدرِ ربنّا آتنا في الدُّنيا حسنةً وفي الاخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النارِ. اللهم لك الحمدُ في اليُسرِ والعُسرِ اللهم لك الحمدُ على نِعَمِكَ الَّتِي لَا تُعَدُّ ولَا تُحصَى اللهم لك الحمدُ حمدًا لا ينبغي إلَّا لك اللهم فَرِّج هَمَّ المَهمُومِينَ ونَفِّس كَربَ المَكرُوبِينَ واقضِ الدَّينَ عَنِ المَدِينِينَ وَاشفِ مَرضَانَا واغفِر لِمَوتَانَا وأحفَظ غَائِبَنَا وأهدِنَا ويَسِّرِ الهُدَى لَنَا ‏اللهم إنِّي أسأَلُك من فضلِكَ ورحمَتِكَ ‏اللهم لا تَدَع لنَا حُزنًا فِي قُلُوبِنَا إِلَّا بدَّلتَهُ فَرَحًا ربَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وإِن لَم تَغفِر لَنَا وتَرحَمَنَا لنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ‏اللهم ارزقنا حلوَ الحياةِ، وخيرَ العطاءِ، وسَعَةَ الرِّزقِ ورَاحَةَ البَالِ، ولِبَاسَ العَافِيَةِ، وحُسنَ الخَاتِمَةِ، اللهم نسأَلُكَ أن تَكتُبَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ مِمَّن عَتَقَ رِقَابُهُم وتنزَّلَت علَيهِم رحمَتِكَ وتَقَبَّلتَ صِيَامَهُم وقِيَامَهُم وصَالِحَ أعمَالِهِم وأَن تَكتُبَنَا عِندَكَ مِمَّن أَسعَدتَهُم طِيلَةَ حيَاتِهِم، وبَلِّغنَا ليلَةَ القدرِ يا كرِيمُ.

اللهم اختِم شهرَنَا هذَا بالعفوِ والمغفرةِ والرضوانِ والعتقِ مِنَ النيرانِ وتَقَبَّل صيامَنَا وقيامَنَا وتلاوَتَنَا للقرآنِ وطاعاتِنَا، واجعَلِ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبِنا وجلاءَ همومنَا ونورَ صدورِنَا يا ربَّ العالمينَ، اللهم أَعِد علينَا شهرَ رمضانَ أعوامًا عديدةً، وقد تحقَّقَ لهذهِ الأمةِ نصرُها وعزُّهَا واجتماعُ كلِمَتِهَا يا أكرمَ الأكرمينَ يا ربَّ العالمينَ يا اللهُ، اللهم اجعَلنَا في هذا الشهرِ الكريمِ مِنَ المقبولينَ ولا تجعلنَا مِنَ المطرودينَ اللهم ارزقنَا الحجَّ وزيارةَ الحبيبِ ﷺ واجعلنا مِن عبادِكَ الطائعينَ الشاكرينَ الصابرينَ الخاشعينَ المجبولينَ على حبِّ طاعتِكَ اللهم آميَن بجاهِ سيدِنَا محمدٍ ﷺ وكلِّ أنبيائكَ والرسلِ منهم وكلِّ أوليائِكَ وتقَبَّل مِن إخوانِنَا المسلمينَ صالحَ أعمالِهِم يا اللهُ.

وَصَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ، وَالحَمدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ.

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …