سُلُوكُ الأوْلادِ معَ الأهل

يقولُ اللهُ تبارك وتعالى في القرءان الكريم: ﴿وقضى ربُّك ألا تعبُدوا إلا إياهُ وبالوالدينِ إحسانا، إما يبلُغَنَّ عندك الكبرُ أحدُهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهَرْهما وقل لهما قولاً كريما واخفِض لهما جناحَ الذلِّ من الرحمة وقل ربِّ ارحمهُما كما ربَّياني صغيرًا﴾.
أخي القارئ إن على المسلمِ أن يتعلَّم كيفَ يعاملُ أمَّه وأباه، فكثيرٌ من الأمهاتِ يأوين إلى الفراشِ باكياتٍ من سوءِ تصرفِ ابنٍ أو ابنة، وكثيرٌ من الآباءِ يعملونَ ليل نهار لكسبِ مزيدٍ من المالِ على حسابِ صحتِه وعافيتِه وكثيرًا ما يتورطُ بالمالِ الحرامِ ليشبعَ شهوةَ أولادِه، ولكن أيها الأحبةُ المؤمنونَ قبل الخوضِ في هذا الموضوعِ أكثرَ فأكثرَ دعونا نقفُ قليلاً على تربيةِ الأولادِ أولاً، فإن الولدَ إن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَه نشأَ عليه وسعِدَ في الدنيا والآخرةِ وشاركه في ثوابِه أبواه، وإن عُوِّدَ الشرَّ وأُهملَ إهمالَ البهائِمِ شقِيَ وهلَكَ وكان الوزرُ في رقبةِ القيِّمِ عليه، وصيانةُ الأولادِ تكون بتأديبِهم وتهذيبِهم وتعليمِهم محاسنَ الأخلاقِ وبحفظِهم من قُرَناءِ السوءِ وما أكثرَهم في هذه الأيام.
فيا أخي المسلم، ازرَعْ أولادَكَ في مجالسِ علم الدين عند أهلِ الحق، ليتعلموا التوحيدَ والتنـزيهَ والأخلاقَ المحمديةَ تحصدْ بعد ذلك بإذنِ اللهِ ربِّ العالمينَ ولدًا بارًّا ولدًا مقبلاً على الخيرِ يقنعُ بالقليل، يشغلُ أوقاتَه بالنافعِ المفيد، محصِّلاً للعلومِ النافعةِ لمجتمع المسلمينَ كالطبِ والهندسةِ وغيرِها، ولدًا لسانُه رطْبٌ بربِّ اغفِر لي ولوالدَيَّ رب ارحَمْهما كما ربَّياني صغيرًا. فالمطلوبُ أن لا يُعوِّدَ الأهلُ أولادَهم على تركِ هذه الخيراتِ التي تلحقُهم بعد موتِهم، بل يُعوِّدوهم على قراءةِ القرءانِ ونحوِها مما ينفعُهم لأنَّه بذلك ينفعُ الأولادُ أنفسَهم وأهاليهم.
وليُعلم أيها الأحبةُ أن من شأنِ الأبوينِ وغيرِهما من الأهالي الذين فارقوا الدنيا أنهم ينتظرونَ ماذا يأتيهم من قِبلِ أولادِهم وأهاليهم منَ الهدايا، بالاستغفارِ وإهداءِ ثوابِ القراءةِ ونحوِ ذلك هم يتشوَّقون لهذا، فإن كانَ الولدُ عُوِّدَ على الالتهاءِ بالتلفزيون ونحوِه يكونُ حرمَ والديه ما يشتاقونَ له، وهذه غفلةٌ شنيعةٌ وخصلةٌ قبيحةٌ.
انتبه أخي المسلم، فقد قالَ رجل لعبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما: حَملتُ أمي على رقبتي من خراسانَ منَ الشمالِ الشرقيِّ لآسيا حتى قضيتُ بها المناسكَ في أرضِ الحجاز أترانِي جزيتُها قالَ: لا ولا بطلْقةٍ من طلقاتِها، إن الأمَّ حينما تلدُ، حينما تضع، حينما تجدُ وتقاسي تلك الآلامَ أين يكونُ الأولاد؟ فلا تطلُبْ من أبويكَ أن يقوما بخدمتِك في البيتِ كما هو حالُ الكثيرِ من شبابِ اليوم، وإن لم يقُمِ الأبُ أو الأمُ بتلبيةِ رغبةِ الولدِ ذكرًا كان أو أنثى يُعجِّلُ بالصراخ وبالتسخُّطِ عليهما وكأنه هو السيدُ وكأنَّ الأمَّ أمةٌ وكأنَّ الأبَ عبدٌ مملوك، عامِلْهما كما لو كنت تعاملُ ملِكا فإذا كنت في حضرةِ ملكٍ هل تقولُ للملِكِ ناوِلْني كأسًا من الماءِ أو هيِّىءْ لي الطعامَ بل أنت تقومُ بخدمتِه هكذا فافعَلْ مع والديكَ فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “رضا الربِّ في رضا الوالد” وقالَ: “الوالدُ بابٌ في الجنة”. فليكن شأنُك مع والدَيكِ البرَّ والإكرامَ لا التعكيرَ، ولا أن تكونَ سببًا في الكآبةِ والمآسِي لا تمتَنِعْ من تنفيذِ شىءٍ طلباه منك مما ليسَ فيهِ معصية.
فيا أخي المؤمن إذا التزَمْتَ بما قالَ رسولُ الله صلى الله عليه: “أعظمُ الناسِ حقًّا على الرجلِ أمُّه وأعظمُ الناسِ حقًّا على المرأةِ زوجُها” حينئذٍ تكونُ على سبيلٍ سوي، فاحرِصْ على حقوقِ الوالدينِ وإياكَ أن تفرِّطَ بأيٍّ من حقوقِهم، لأنَّ اللهَ تبارك وتعالى سائلُكَ يومَ الدينِ عن حقوقِ من لهم عليك حق، وليكن كلُّ واحدٍ منا ميزانُه شرع اللهِ تبارك وتعالى، فمعنى ذلك لا بد من العلمِ، لذلك الإمامُ البخاريُّ رضي الله عنه قالَ في كتابه “بابُ العلمِ قبلَ القولِ والعمل”.
فكم هي جميلةٌ العائلةٌ التي وضعت برنامجًا ينفعُها في الدنيا والآخرة. الأمُّ لا تحبِس نفسَها عن طلبِ العلمِ، والأبُ أنهى عملَه وذهب ليُحصِّلَ الدروسَ في العقيدةِ والفقهِ والمعاملات، ويعلمان أولادهما أحكام الدين الحنيف.
نعم أيها الإخوة كم هي جميلةٌ هذه العائلة التي بُنِيت المعاملةُ بينهم على ما يوافِقُ شرعَ اللهِ تبارك وتعالى.
فنسألُ اللهَ أن يُوفِّقا إلى تحصيلِ العلمِ النافعِ وأن يُوفِّقَنا إلى تطبيقِ ما تعلَّمْنا وأن يُوفِّقَنا إلى نشرِ وتعليمِ ما تعلَّمْنا.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …