خاتمة شرح ألفية السيرة النبوية” للحافظ زين الدين العراقي (29)

المقدمة

الحَمدُ للهِ خَالِقِ الدُّجَى وَالصَّبَاحِ، وَمُسَبِّبِ الهُدَى وَالصَّلَاحِ، وَمُقَدِّرِ الغُمُومِ وَالأَفرَاحِ، الجَائِدِ بِالفَضلِ الزَّائِدِ وَالسَّمَاحِ، مَالِكِ المُلكِ المُنجِي مِنَ الهَلَكِ وَمُسَيِّرِ الفُلكِ وَالفَلَكِ ومُسَيِّرِ الجَنَاحِ، سُبحَانَهُ أعَزَّ مَن شَاءَ مِن خَلقِهِ فَارتَفَعَ، وَفَرَّقَ وَجَمَعَ، وَوَصَلَ وَقَطَعَ، وَحَرَّمَ وَأَبَاحَ،… مَلَكَ وَقَدَّرَ، وَطَوَى وَنَشَرَ، وَخَلَقَ البَشَرَ والأرواح،… رَفَعَ السَّمَاءَ، وَأَنزَلَ المَاءَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسمَاءَ، وَذَرَى الرِّيَاحَ،… أَعطَى وَمَنَحَ، وَأَنعَمَ وَمَدَحَ، وَعَفَا عَمَّنِ اجتَرَحَ، وَدَاوَى الجِرَاحَ، عَلِمَ مَا كَانَ وَيَكُونُ، وَخَلَقَ الحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ، وَإِلَيهِ الرُّجُوعُ والركون، في الغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ، أَحمَدُهُ وَأَستَعِينُهُ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، وَأَسأَلُهُ التَّوفِيقَ لِعَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَيهِ، وَأَشهَدُ بِوَحدَانِيَّتِهِ عَن أَدِلَّةٍ صِحَاحٍ،… وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ المُقَدَّمُ، وَرَسُولُهُ المُعَظَّمُ، وَحَبِيبُهُ المُكَرَّمُ، تَفدِيهِ الأَروَاحُ،… صّلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى أَبِي بَكرٍ رَفِيقِهِ فِي الغَارِ، وَعَلَى عُمَرَ فَتَّاحِ الأَمصَارِ، وَعَلَى عُثمَانَ شَهِيدِ الدَّارِ، وَعَلَى عَلِيٍّ الَّذِي يَفتِكُ رُعبُهُ قَبلَ لُبسِ السِّلاحِ،… وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَ مَنِ اتَّبَعَ نَهجَ الفَوزِ وَالفَلَاحِ، أَمَّا بَعدُ:

ذكر أحداث السنة التاسعة والعاشرة والحادي عشرة للهجرة
وَمِن جُملَةِ الوُفُودِ الَّتِي قَدِمَت إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَفدُ دَوسٍ.

وجاءَ فِي قصتِهِم أنَّ ‌الطُّفَيلَ بنَ عَمرٍو الدَّوسِيَّ قَدِمَ إِلَى مَكَّةَ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ بهَا قبلَ الهِجرَةِ، فَمَشَى إِلَى الطُّفَيلِ رِجَالٌ مِن قُرَيشٍ، وَكَانَ ‌الطُّفَيلُ رَجُلًا شرِيفًا شَاعِرًا لبِيبًا، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّك قَدِمتَ بِلَادنَا، وَهَذَا الرجُلُ الَّذِي بَينَ أَظهُرِنَا فَرَّقَ جمَاعَتَنَا وَشَتَّتَ أمرَنَا، وإِنَّمَا قَولُهُ كالسِّحرِ يفَرِّقُ بَينَ المَرءِ وَأَبِيهِ وَبَينَ الرجلِ وأخِيهِ وَبَينَ الرجُلِ وَزَوجتِهِ، وَإِنَّا نخشَى عَلَيكَ وعَلى قَومِكَ مَا دخلَ علينَا، فَلَا تكَلِّمْهُ وَلَا تَسمَعَنَّ مِنهُ، قَالَ: فوَاللهِ مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجمَعتُ على أن لَا أسمَعَ مِنهُ شَيئًا وَلَا أكلِّمَهُ، حَتَّى حشَوتُ فِي أذُنِي حِينَ غَدَوتُ إِلَى المَسجِدِ قطنًا، خوفًا مِن أن يَبلُغَنِي شَيءٌ مِن قَولِهِ، فَغَدَوتُ إلَى المَسجِدِ فَإِذا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَائِمٌ يُصَلِّي عِندَ الكَعبَةِ، فَقُمتُ قَرِيبًا مِنهُ فَأَبَى اللهُ إِلَّا أَن يُسمِعَنِي بعضَ قَولِهِ، فَسمِعتُ كلَامًا حسَنًا، فَقُلتُ فِي نَفسِي: إِنِّي لرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يخفَي عَليَّ الحَسَنُ مِنَ القَبِيحِ، فَمَا يَمنَعُنِي مِن أَن أسمَعَ مِن هَذَا الرجُلِ مَا يَقُولُ، فَإِن كَانَ الَّذِي يَأتِي بِهِ حسَنًا قبِلتُ، وَإِن كَانَ قبِيحًا ترَكتُ، فَمَكَثتُ حَتَّى انصَرفَ إِلَى بَيتِهِ، فتبعتُهُ فَقلتُ: إِن قَومَكَ قد قَالُوا لي كَذَا وَكَذَا، فاعرِض عَليَّ أمرَكَ، فَعرضَ عَليَّ الإسلامَ وتلَا عَليَّ القُرآنَ، فَلَا وَاللهِ مَا سَمِعتُ قولًا قطُّ أحسَنَ مِنهُ وَلَا أَمرًا أعدَلَ مِنهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رجُلٌ شَاعِرٌ فاسمَع مَا أقولُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي ﷺ: “هَاتِ“، فأنشَدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “وَأَنَا أَقُولُ فَاسمَع“، ثمَّ قرَأَ: أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾، إِلَى آخرِهَا، ثمَّ قَرَأَ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، فأسلَمَ، وقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي امرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَومِي، وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيهِم فَدَاعِيهِم إِلَى الإِسلَامِ، فَادعُ اللهَ أن يَجعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَونًا عَلَيهِم، فَقَالَ: “اللهم اجعَل لَهُ آيَةً“، فَخرَجتُ إِلَى قومِي فِي لَيلَةٍ مطيرَةٍ ظلمَاءَ فَلَم أُبصِر أَينَ أَسلُكُ فوَقعَ نُورٌ بَينَ عَينَيَّ مثلُ المِصبَاحِ، فَقلتُ: اللهم فِي غَيرِ وَجهِي، إِنِّي أخشَى أَن يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثلَةٌ وقَعَت فِي وَجهِي لِفِرَاقِ دِينِهِم، فتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأسِ سَوطِي كالقِندِيلِ المُعَلَّقِ، فَأتَى النَّاسُ يَأخُذُونَ بِسَوطِي فَيَخرُجُ النُّورُ مِن بَينِ أَصَابِعِهِم، فدَخَلتُ بَيتِيَ، فأَتَانِي أَبِي فقُلتُ لَهُ: إلَيكَ عَنِّي يَا أبَتَاهُ، فَلَستَ مِنِّي ولَستُ مِنكَ، قالَ: ولِمَ يا بُنَيَّ؟ قُلتُ: إنِّي أسلَمتُ واتَّبَعتُ دِينَ مُحَمَّدٍ، قالَ: يا بُنَيَّ دِينِي دِينُكَ، فأَسلَم أبُوه، وكذلكَ فعَلَ الطُّفَيلُ بأُمِّه فأَسلَمَت أيضًا، ثمَّ دَعَوتُ قومِي إِلَى الإسلامِ فأبطأُوا عَليَّ، ولَم يُسلِم معَهُ إِلَّا أبُو هُرَيرَةَ.

ولما دَعاهُم الطُّفَيلُ إلَى الإسلامِ فأبطَأُوا علَيه جاءَ رَسُولَ الله ﷺ فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، قَد غَلَبَتنِي دَوسٌ فادعُ اللهَ عَلَيهِم، فتَوَجَّهَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى القِبلَةِ فَقَالَ النَّاسُ: هَلَكَت دَوسٌ، فقَالَ ﷺ: “اللهم اهدِ دَوسًا وَأتِ بِهَا“، يا حبِيبِي يا رَسُولَ اللهِ مَا أَحلَمَكَ، ثُمّ قالَ له ﷺ: “اخرُج إلَى قَومِكَ فَادعُهُم وَارفُق بِهِم“، فخَرَجَ الطُّفَيلُ إلَيهِم، ولَم يَزَل بِأرضِ دَوسٍ يدعُوهُم حتّى هاجَرَ رَسُولُ الله ﷺ إلَى المَدِينَةِ ومَضَى بَدرٌ وأُحُدٌ والخَندَقُ، فقَدِمَ الطُّفَيلُ مَرّةً أُخرَى علَى رَسُولِ اللهِ ﷺ بِمَن أسلَمَ مِن قَومِه ورَسُولُ اللهِ ﷺ بِخَيبَرَ، فنَزَلَ الطُّفَيلُ المَدِينَةَ بِسَبعِينَ أو ثَمانِينَ مِن دَوسٍ، ثُمّ لَحِقُوا رَسُولَ الله ﷺ بِخَيبَرَ ومكَثَ الطُّفَيلُ مَعَ رَسُولِ الله ﷺ حتّى فتحَ اللهُ عَلَيهِ مَكَّةَ.

ويستفَادُ مِن قِصَّةِ إسلَامِ الطفيلِ رضي اللهُ عنهُ وأرضَاهُ أنَّ الشَّخصَ لَا يَحكُمُ عَلَى النَّاسِ بِمُجَرَّدِ السماعِ، فكَم مِنَ الأشخاصِ يأتُونَنَا فيفتَرُونَ عَلَى أهلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ ويُلصِقُونَ بِهِمُ التُّهَمَ والأَكَاذِيبَ، فَإِذَا استَمَعَ الشَّخصُ لهؤُلَاءِ فإِنَّ ذلِكَ يَكُونُ سبَبًا في إبعَادِهِ عَنِ الحقِّ وأهلِهِ، فلَوِ استَمَعَ الطفيلُ لكلَامِ المُشرِكِينَ لمَا آمَنَ ولَكَانَ بَعِيدًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وكذَلِكَ يُستَفَادُ أَنَّ الشَّخصَ يُحَكِّمُ عَقلَهُ فيمَا يسمَعُ، لَا أَن يُلقِيَ سمعَهُ لأَهوَاءِ البَعضِ وَكَلامِهِم، ونَحنُ يَحصُلُ مَعَنَا مِثلُ هذَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، يَأتِي أشخَاصٌ غُلَاةٌ جُفَاةٌ يحذِّرُونَنَا مِن هذِهِ الجمعِيَّةِ ومِنَ الشَّيخِ عبدِ اللهِ رحمهُ اللهُ ويفتَرُونَ عليهِ ويقُولُونَ هو يُحَلِّلُ الرِّبَا أوِ الزِّنَا أو غيرِ ذلِكَ، لكِن ماذَا نَرَى بأَعيُنِنَا، نرَى العِلمَ الصَّافِي البَعِيدَ عَنِ الغُلُوِّ والتَّكفِيرِ بغيرِ حقٍّ، نرَى الوسَطِيَّةَ وَالِاعتِدَالَ ومنهَجَ الأئمَّةِ الأَربَعَةِ رضوانُ اللهِ علَيهِم، والنَّبِيُّ ﷺ قالَ: ليسَ الخَبَرُ كالمُعَايَنَةِ، فَأنتَ تَسمَعُ شَيئًا تَعَالَ وتَأَكَّد وانظُر بعَينِكَ وأطلُبِ الدلِيلَ، ولَا تُبقِ نفسَكَ بعِيدًا عَنِ الخَيرِ بسَبَبِ مَا تَسمَعُ، فالنَّبِيُّ ﷺ وهُوَ أصدَقُ الناسِ وأعظَمُهُم مكَانَةً افتَرَوا عَلَيهِ ووَصَفُوهُ بالسَّاحِرِ وَالكَذَّابِ والشَّاعِرِ والعِيَاذُ باللهِ، ويُستَفَادُ كذَلِكَ أنَّ الشخصَ يدعُو غيرَهُ إلَى الخَيرِ الَّذِي شاهَدَ وعَايَنَ، فلَا يَكتُمُ الخَيرَاتِ، فإذَا حضَرتَ مجَالِسَ العِلمِ فَاجلِب غيرَكَ لهَا فإِنَّ فِيهَا خَيرًا وبَرَكَةً لَا يعلَمُهُمَا إلَّا اللهُ تعالى، فبِسَبَبِ ذهَابِ هذَا الرَّجُلِ لقَومِهِ ودعوَتِهِ لهُم أسلَمَ أبُو هرَيرَةَ وهُوَ أكثَرُ الصحَابَةِ روايَةً للحَدِيثِ عنِ النَّبِيِّ ﷺ، والنَّبِيُّ ﷺ قالَ: “الدَّالُّ عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِهِ“، فَكَم حصَلَ للطُّفَيلِ مِنَ الخَيرِ بسَبَبِ أبِي هُرَيرَةَ رضيَ اللهُ عنهُمَا.

ومِنَ الوُفُودِ وَفدُ صُدَاءَ وهِيَ قَبِيلَةٌ فِي اليَمَنِ.

وجاءَ في قصَّتِهم أنهُ لمّا انصَرَفَ النّبِيُّ ﷺ مِنَ الجعِرّانَةِ سَنَةَ ثمَانٍ بعَثَ قيسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبادَةَ إلى ناحِيَةِ اليمَنِ وأمرَهُ أن يَطأَ صُدَاءَ، فعَسكَر قَيسٌ بِناحِيَةِ قَناةَ في أربعِمائةٍ مِن المسلمِين، فقَدِمَ رجلٌ مِن صُداءَ، يَسألُ عن ذلكَ البَعثِ فأُخبِرَ في شأنِهم، فخرَج سرِيعًا حتّى ورَد على رَسولِ الله ﷺ، فقال: جِئتُك وافِدًا على مَن وَرائِي، فاردُدِ الجيشَ وأنا لكَ بِقَومِي، فرَدَّهم رسولُ الله ﷺ فقَدِم وَفدُ صُدَاء بَعد ذلك على رسولِ الله ﷺ خَمسةَ عشَرَ رجُلًا، فقال سعدُ بنُ عُبادةَ: يا رسولَ الله دَعهُم يَنزِلُوا علَيَّ، فنَزلُوا علَيه فحَبَاهُم وأكرَمَهُم وكَسَاهُم، ثُمَّ راحَ بهِم إلى رسولِ اللهِ ﷺ فأسلَمُوا وبايَعُوا رَسولَ الله ﷺ علَى مَن وَراءَهُم مِن قَومِهِم، وأمَّر رسولُ الله ﷺ زِيادَ ابنَ الحارثِ الصُّدائيَّ على قَومِه وكَتبَ له في ذلكَ كِتابًا وكِتابًا ءاخَرَ في شأنِ الصَّدَقاتِ.

وقالَ الوَفدُ للنّبيِّ ﷺ: يا رَسولَ اللهِ إنّ لَنا بِئرًا إذَا كانَ الشِّتاءُ وَسِعَنَا ماؤُهَا فاجتَمَعنا علَيها، وإذَا كانَ الصَّيفُ قَلَّ ماؤُهَا فتَفَرَّقنَا على مِياهِ مَن حَولَنا، وإِنَّا لا نَستَطِيعُ اليَومَ أن نَتَفرَّقَ وكُلُّ مَن حَولَنَا عَدُوٌّ، فادعُ اللهَ أن يَسَعَنَا ماؤُهَا، فدَعَا رسولُ اللهِ ﷺ بِسَبعِ حصَياتٍ ففَرَكَهُنَّ بَينَ كَفَّيهِ وقالَ ﷺ: “إِذَا أَتَيتُمُوهَا فَأَلقُوا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاذكُرُوا اسمَ اللهِ“، فَما استَطاعُوا أن يَنظُروا إلى قَعرِها بَعد ذلك، ولَمّا رجَع الوَفدُ إلى بلادِهم فَشا فيهِمُ الإسلامُ، ثُمّ لَمّا كانت حَجّةُ الوداعِ وافَى مائةُ رَجُلٍ مِنهُم النّبِيَّ ﷺ.

وَمِنَ الوُفُودِ وَفدُ بَجِيلةَ، قدِمُوا على رسولِ الله ﷺ سنةَ عَشْرٍ وهُوَ بالمَدِينَةِ، وكانَ فيهِم جَرِيرُ بنُ عَبدِ اللهِ البجَلِيُّ ومَعهُ مائةٌ وخَمسُونَ رَجُلًا مِن قَومِه.

فقالَ رَسُولُ الله ﷺ: “يَطلُعُ عَلَيكُم مِن هَذا الفَجِّ مِن خَيرِ ذِي يَمَنٍ علَى وجهِه مَسحَةُ مَلَكٍ“، فطَلَعَ جَرِيرٌ علَى راحِلَتِهِ ومَعهُ قَومُهُ، فأسلَمُوا وبايَعُوا، فبَسَطَ رَسُولُ الله ﷺ وقالَ: “أُبايِعُكَ علَى أن تَشهَدَ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وأنِّي رَسُولُ اللهِ، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَنصَحَ المُسلِمَ، وتُطِيعَ الوالِيَ وإِن كانَ عَبدًا حَبَشِيًّا“، فقالَ: نَعَم، فبَايَعَهُ ﷺ. وجاء جرير إلى النبي ﷺ وهو في بيت ملئ بالناس إلى حد كبير، فوقف على الباب، فنظر النبي ﷺ يمينًا وشمالًا فلم ير موضعًا فأخذ النبي ﷺ رداءه فلفه ثم رمى به إليه وقال له: “اجلس عليه”، فأخذه جرير فضمه وقبله ثم رده على النبي ﷺ وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني، فقال رسول الله ﷺ: “إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيْمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوْهُ“.

وكان يقول ما حَجَبَنِي النبيُّ ﷺ مُنْذُ أسْلَمْتُ، ولَا رَآنِي إلَّا تَبَسَّمَ في وجْهِي. ولقَدْ شَكَوْتُ إلَيْهِ إنِّي لا أثْبُتُ علَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ بيَدِهِ في صَدْرِي، وقالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ واجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا.

ومِنَ الوفُودِ وَفدُ مُرّةَ، وفَدُوا مرَّتَينِ في العامِ التّاسِعِ والعامِ العاشِرِ.

أمَّا الإيفَادُ الأَوَّلُ فَفِي الخَبَرِ أَنَّ بَنِي مُرّةَ أوفَدَت ثلاثةَ عشَرَ رجُلًا علَى رسولِ الله ﷺ بعد مَرجِعِهِ مِن تَبُوكَ سَنَةَ تِسعٍ وكانَ رأسُهُمُ الحارِثَ بنَ عوفٍ فقالَ: يا رسُولَ الله، إنّا قَومُك وعَشِيرَتُك، ونحنُ قَومٌ مِن بَنِي لُؤَيِّ بنِ غالبٍ، فتَبَسَّمَ رَسولُ الله ﷺ ثُمّ قالَ: “أَينَ تَرَكتَ أَهلَكَ؟“، قال: بسَلَاحَ ومَا وَالَاهَا، قالَ: “وَكَيفَ البِلَادُ؟“، قالَ: واللهِ إنَّا لَمُسنِتُونَ (أصابَنَا القحطُ) فادعُ اللهَ لَنَا، فقالَ رَسولُ الله ﷺ: “اللهم اسقِهِمُ الغَيثَ“، فلَمّا رجَعُوا إلى بِلادِهِم وَجدُوهَا قَد مُطِرَت في اليومِ الّذِي دَعا لَهُم رسُولُ اللهِ ﷺ.

أمَّا الإِيفَادُ الثَّانِي فَكَانَ حِينَ قَدِمَ علَيهِ ﷺ قادِمٌ مِنهُم حِينَ كانَ ﷺ يَتجهَّزُ لِحَجّةِ الوَداعِ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، رجَعنَا إلى بِلادِنَا فوَجَدناهَا مَصبُوبَةً مَطَرًا في ذلكَ اليَومِ الّذي دَعَوتَ لَنا فيهِ، ثُمّ قَلَّدَتنَا السَّماءُ قَلْدًا، أي نصيبا من الماء في كُلِّ خَمسَ عَشرةَ لَيلةٌ، ولقَد رأيتُ الإبِلَ تأكُل وهي بُرَّكٌ، وإنّ غَنَمَنا ما تَوارَى مِن أبياتِنَا فتَرِجعُ فتَقِيلُ في أهلِنَا (أي أن السماءَ صارَت تُمطِرُ كلَّ أسبُوعَينِ فصَارُوا لا يَبحَثُون عَنِ المَرعَى بل تَرعَى أنعامُهُم عندهَم مِن كثرَةِ العُشبِ)، فقالَ رسُولُ اللهِ ﷺ: “الحَمدُ للهِ الَّذِي هُوَ صَنَعَ ذَلِك“.

ومِنَ الوفودِ وَفدُ عَبدِ بنِ عَدِيّ.

فقالوا: يا محمّدُ نحنُ أهلُ الحرَمِ وساكِنُوه وأعَزُّ مَن بِه، ونحنُ لا نُرِيدُ قِتالَك، ولو قاتَلَك غيرُ قُرَيشٍ قاتَلنَا معَكَ، ولكِنّا لا نُقاتِلُ قُرَيشًا، وإنّا لَنُحِبُّكَ ومَن أنتَ مِنهُ، فقال رَجُلانِ مِنهُما: يا رَسولَ الله، إنّ أَسِيدَ بنَ أبي أُناسٍ هو الّذي هرَبَ وتبَرَّأنَا إليكَ مِنه وقَد نالَ مِنكَ، فبَلَغ أَسِيدًا أقوالُهمَا لرَسولِ الله ﷺ فأتَى الطّائِفَ فأقامَ بِه، فلَمّا كانَ عامُ الفَتحِ كانَ أَسِيدٌ فِيمَن أُهدِرَ دَمُه، فأتَى أَسِيدٌ أهلَه فلَبِسَ قَمِيصًا واعتَمَّ ثُمّ أتَى رَسولَ الله ﷺ وقال: يا محمّدُ أَهدَرتَ دَمَ أَسِيدٍ؟ قال: “نَعَم“، قال: أتَقبَلُ مِنهُ إن جاءَ مُؤمِنًا؟ قال: “نَعَم“، فوضَع يدَه في يَدِ رسولِ الله ﷺ وقال: هذِه يَدِي في يَدِكَ، أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وأنّكَ رَسولُ اللهِ، فأمَرَ رَسولُ الله ﷺ رَجُلًا يَصرُخُ أنّ أَسِيدَ بنَ أَبِي أُناسٍ قَد ءامَن وأمَّنَه رَسولُ الله ﷺ، ومسَحَ رسولُ الله ﷺ وَجهَ أَسِيدٍ وألقَى يدَه علَى صَدرِه، فيُقال: إنَّ أَسِيدًا كانَ فِيما بَعدُ إذا دخَل البَيتَ المُظلِمَ أضاءَ البيَتُ.

ومِمَّن أسلَمَ فِي وَفدِ ثَقِيفٍ وحشِيٌّ قاتِلُ حمزَةَ وقَد رَوَى هُوَ قِصَّةَ مَقتَلِهِ لِحَمزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فقَد رَوَى البُخَارِيُّ في صحِيحِه عَن جَعفَرِ بنِ عَمرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمرِيِّ عَن وَحشِيٍّ أنَّهُ قالَ: إِنَّ حَمزَةَ قَتَلَ طُعَيمَةَ بنَ عَدِيِّ بِبَدرٍ، فَقَالَ لِي مَولَايَ جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ: إِن قَتَلتَ حَمزَةَ بِعَمِّي فَأَنتَ حُرٌّ، قَالَ: فَلَمَّا أَن خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَينَينِ، وَعَينَينِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ، بَينَهُ وَبَينَ أُحُدٍ وَادٍ، خَرَجتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى القِتَالِ، فَلَمَّا اصطَفُّوا لِلقِتَالِ، خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ: هَل مِن مُبَارِزٍ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيهِ حَمزَةُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا سِبَاعُ، يَا ابنَ أُمِّ أَنمَارٍ أَتُحَادُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ﷺ؟ قَالَ: ثُمَّ شَدَّ عَلَيهِ، فَكَانَ كَأَمسِ الذَّاهِبِ (كناية عن سرعة قتله، كأن لم يكن موجودًا في ذلك اليوم)، قَالَ: وَكَمَنتُ لِحَمزَةَ تَحتَ صَخرَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيتُهُ بِحَربَتِي، فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ (الثنة من الإنسان ما دون السرة فوق العانة أسفل البطن)، حَتَّى خَرَجَت مِن بَينِ وَرِكَيهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَاكَ العَهدَ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعتُ مَعَهُم، فَأَقَمتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الإِسلَامُ، ثُمَّ خَرَجتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَرسَلُوا إِلَى رَسُولِ الله ﷺ رَسُولًا، قَالَ: فَخَرَجتُ مَعَهُم حَتَّى قَدِمتُ عَلَى رَسُولِ الله ﷺ وأسلمت، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: “أأنتَ وَحشِيٌّ؟“، قُلتُ: نَعَم، قَالَ: “أَنتَ قَتَلتَ حَمزَةَ؟“، قُلتُ: قَد كَانَ مِنَ الأَمرِ مَا بَلَغَكَ، قَالَ: “فَهَل تَستَطِيعُ أَن تُغَيِّبَ وَجهَكَ عَنِّي؟“، لا على الدَّوامِ، ولم يَكُن منه ﷺ لوَحشِيّ إيذاءٌ في الكلامِ ولا غيرِهِ ولا تعنيفٌ، وإنما المعنى: رعاية لخاطر وحشي نفسه، فإنه إذا التقى برسول الله بعد ذلك سيشعر بالحرج منه وقد قتل عمَّه وأخاه في الرضاع، فلذلك النبي قال له: “فَهَل تَستَطِيعُ أَن تُغَيِّبَ وَجهَكَ عَنِّي“، حتى لا يشعر وحشي نفسه بالحرج عندما يلقى رسول الله بعد ذلك)، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فَقَالَ: يَا وَحْشِيُّ، اخْرُجْ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا كُنْتَ تَصُدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَخَرَجتُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ الله ﷺ فَخَرَجَ مُسَيلِمَةُ الكَذَّابُ، قُلتُ: لَأَخرُجَنَّ إِلَى مُسَيلِمَةَ، لَعَلِّي أَقتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمزَةَ، قَالَ: فَخَرَجتُ مَعَ النَّاسِ، قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَورَقُ، ثَائِرُ الرَّأسِ، قَالَ: فَرَمَيتُهُ بِحَربَتِي الَّتِي قَتَلتُ فِيهَا حَمزَةَ، فَأَضَعُهَا بَينَ ثَديَيهِ حَتَّى خَرَجَت مِن بَينِ كَتِفَيهِ، قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيفِ عَلَى هَامَتِهِ، فَإِن كُنتُ قَتَلتُهُ فَقَد قَتَلتُ خَيرَ النَّاسِ أي من خيرهم وَشَرَّ النَّاسِ.

ومِنَ الوُفُودِ وَفدُ تُجِيبَ من نَواحِي اليَمَنِ سنةَ تِسعٍ وهُم ثلاثةَ عشَرَ رجُلًا.

وساقُوا مَعَهُم صَدَقاتِ أموالِهِمُ الّتي فرَضَ اللهُ علَيهِم، فَسُرَّ رَسولُ الله ﷺ بهِم وقالَ: “مَرحَبًا بِكُم“، وأكَرَمَ ﷺ مَنزِلَهُم وحَباهُم وأمَرَ بِلَالًا أن يُحسِنَ ضِيافتَهُم وجَوائِزَهم، وأعطَاهُم أكثَرَ مِمّا كانَ يُجِيزُ بِهِ الوَفدَ، وقالَ لَهُم: “هَل بَقِيَ مِنكُم أَحَدٌ؟“، قالوا: غُلامٌ خَلَّفنَاهُ علَى رِحالِنَا وهو أحدَثُنَا سِنًّا، قال: “أَرسِلُوهُ إِلَينَا“، فأَقبَلَ الغُلامُ إلى رَسولِ الله ﷺ فقالَ: إنّي امرُؤٌ مِن بَنِي أبناءِ الرَّهطِ الّذِين أتَوكَ ءانِفًا فقَضيتَ حَوائِجَهُم فاقضِ حاجَتِي، فقال ﷺ: “وَمَا حَاجَتُكَ؟“، قال: تَسأَلُ الله أَن يَغفِرَ لِي ويَرحمَنِي ويَجعَلَ غِنايَ فِي قَلبِي، فقال ﷺ: “اللهم اغفِر لَهُ وَارحَمهُ وَاجعَل غِنَاهُ فِي قَلبِهِ“.

ثم عادُوا فوافَوا رَسولَ اللهِ ﷺ في مَوسِم الحَجِّ بمِنًى وهُم سِتّةَ عشَرَ، فسألَهُم النّبِيُّ ﷺ عَنِ الغُلامِ فقالوا: ما رأَينا أقنَعَ مِنهُ بِما رَزَقَه اللهُ، فاستُجِيبَت فيه دَعوةُ النّبيّ ﷺ.

وَمِمَّن وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ عَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ.

وَكَانَ قَد أَسَرَ المُسلِمُونَ أُختَهُ سَفَانَةَ بِنتَ حَاتِمٍ، وَقَالَت: يَا مُحَمَّدُ إِن رأَيتَ أن تُخلِّيَ عنَّا ولا تُشَمِّتَ بِيَ أحياءَ العرَبِ فإِنِّي ابنَةُ سَيِّدِ قَومِي، وإنَّ أَبِي كانَ يَحمِي الذِّمَارَ (وهو ما ينبغي حمايتُه، والدفاعُ عنه، كالأهل، والعِرْض) ويَفُكُّ العَانِيَ، ويُشبِعُ الجائعَ، ويكسُو العارِيَ، ويَقرِي الضَّيفَ، ويُطعمُ الطعامَ، ويُفشِي السلامَ، ولا يردُّ طالبَ حاجةٍ قطُّ، أنا ابنةُ حاتمِ طَيِّئٍ، فقالَ النبيُّ ﷺ: “يَا جَارِيَةُ لَو كَانَ أَبُوكِ مُسلِمًا لَتَرَحَّمنَا عَلَيِهِ“، فهَذَا يدلُّ علَى أنَّ الرحمَةَ بعدَ المَوتِ تشمَلُ المُؤمِنِينَ، فقَط ولَا رحمَةَ لكَافِرٍ بعدَ المَوتِ، ثُمَّ أسلَمَت أُختُ عَدِيٍّ بعدَ ذَلِكَ وعَادَت إِلَيهِ وَدَعَتهُ إِلَى الإِسلَامِ.

وخَرَجَ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ الطّائيُّ بعدَ أن كان مُعادِيًا للمُسلمِينَ حَتَّى قَدِمَ علَى رَسُولِ الله ﷺ وهو فِي المَسجِدِ، فقالَ ﷺ: “مَنِ الرَّجُلُ؟“، قالَ: عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ، فانطلَقَ بهِ إلَى بَيتِهِ وألقَى له وِسادةً مَحشُوّةً بِلِيفٍ، وقالَ: “اجلِس عَلَيهَا“، فجَلَسَ رَسُولُ الله ﷺ علَى الأرضِ وأمرَهَ بالإسلامِ فأسلَمَ، وحَسُنَ إِسلَامُهُ بَعدَ ذَلِكَ، واستَعمَلَه رَسُولُ الله ﷺ علَى صَدَقاتِ قَومِهِ.

ومِنَ الوُفُودِ وفدُ نَجرَانَ وَهُم مِنَ النَّصَارَى، وَفَدُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، مِنهَا مَرَّةٌ فِي مَكَّة وَأَسلَمُوا، فَاعتَرَضَهُم أَبُو جَهلٍ فِرعَونُ هذِهِ الأُمَّةِ وَسَبَّهُم وءَاذَاهُم، ومَرَّةً فِي المَدِينَةِ بَعدَ الهِجرَةِ، وَنَاظَرَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي أَمرِ عِيسَى وَإِثبَاتِ أَنَّهُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ للهِ وَلَيسَ ابنًا للهِ.

وَكَانَ قَد قَدِمَ وَفدُ ‌نَجرَانَ مِنهُم عَلَى رَسُولِ الله ﷺ أولَ مرةٍ، فَجَعَلُوا يَذكُرُونَ مَا هُم عَلَيهِ مِنَ التَّثلِيثِ فِي الأَقَانِيمِ، وَيَدَّعُونَ بِزَعمِهِم أَنَّ الله ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَهُم بزعمِهِم الذَّاتُ المُقَدَّسُ وَعِيسَى وَمَريَمُ، والروح القدس عَلَى اختِلَافِ فِرَقِهِم، فَأَنزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ صَدرَ سورَةِ ءالِ عِمرَانَ وبَيَّنَ فِيهَا أَنَّ عِيسَى عَبدٌ مِن عِبَادِ الله، خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فِي الرَّحِمِ كَمَا صَوَّرَ غَيرَهُ مِنَ المَخلُوقَاتِ، وَأَنَّهُ خَلَقَهُ مِن غَيرِ أَبٍ كَمَا خَلَقَ آدَمَ مِن غَيرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ وَقَالَ لَهُ كُن فَكَانَ، وَكَانُ وفدُهُم سِتِّينَ رَاكِبًا، يَرجِعُ أَمرُهُم إِلَى أَربَعَةَ عَشَرَ مِنهُم، وَيَؤُولُ أَمرُ الجَمِيعِ إِلَى ثَلَاثَةٍ، هُم أَشرَافُهُم وَسَادَاتُهُم، وَهُم: العَاقِبُ، وَالسَّيِّدُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بنُ عَلقَمَةَ، فَلما جَعَلُوا يُنَاظِرُونَ فِي أَمرِ المَسِيحِ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ ﷺ بِأَن يُبَاهِلَهُم إِن لَم يَستَجِيبُوا لَهُ وَيَتَّبِعُوهُ فَنَكَصُوا وَامتَنَعُوا عَنِ المُبَاهَلَةِ وَعَدَلُوا إِلَى المُسَالَمَةِ وَالمُوَادَعَةِ.

وَجَاءَ فِي قِصَّةِ المُبَاهَلَةِ أَنَّهُ سَرَدَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ الآيَاتِ وَالقَصَصَ الَّتِي تُبَيِّنُ أَمرَ عِيسَى وَمَريَمَ عَلَيهِمَا السَّلَامُ، وَدَعَاهُم لِلمُبَاهَلَةِ فَأَبَوا خَوفًا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِن أَن تُصِيبَهُم دَعوَةُ النَّبِيِّ ﷺ فَيَهلِكُوا، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾، والمُبَاهَلَة الملاعَنَة، وَهُوَ أَن يَجتمع القَومُ إِذَا اختَلَفوا فِي شَيءٍ فَيَقُولُوا ‌لَعنَة ‌الله ‌عَلَى ‌الظَّالِمِ، فَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: “إِنَّ الله أَمَرَنِي إِن لَم تَقبَلُوا الحُجَّةَ أَن أُبَاهِلَكُم”، فَقَالُوا: يَا أَبَا القَاسِمِ، بَل نَرجِعُ فَنَنظُرُ فِي أَمرِنَا ثُمَّ نَأتِيكَ، فَلَمَّا رَجَعُوا قَالُوا لِلعَاقِبِ (وَكَانَ ذَا رَأيَ فيهم): يَا عَبدَ المَسِيحِ مَا تَرَى، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَد عَرَفتُم يَا مَعشَرَ النَّصَارَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيٌّ مُرسَلٌ، وَلَقَد جَاءَكُم بِالكَلَامِ الحَقِّ فِي أَمرِ صَاحِبِكُم، وَالله مَا بَاهَلَ قَومٌ نَبِيًّا قَطُّ فَعَاشَ كَبِيرُهُم وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُم، وَلَئِن فَعَلتُم لَكَانَ الِاستِئصَالُ، فَإِن أَبَيتُم إِلَّا الإِصرَارَ عَلَى دِينِكُم وَالإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ فَوَادِعُوا الرَّجُلَ وَانصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُم، وَكَانَ رَسُولُ الله ﷺ خَرَجَ وَعَلَيهِ مِرطٌ مِن شَعرٍ أَسوَدَ، وَكَانَ قَدِ احتَضَنَ الحُسَينَ وَأَخَذَ بِيَدِ الحَسَنِ، وَفَاطِمَةُ تَمشِي خَلفَهُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنهُ خَلفَهَا، وَهُوَ يَقُولُ: “إِذَا دَعَوتُ ‌فَأَمِّنُوا”، فَقَالَ أُسقُفُّ نَجرَانَ: يَا مَعشَرَ النَّصَارَى، إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا لَو سَأَلُوا الله أَن يُزِيلَ جَبَلًا مِن مَكَانِهِ لَأَزَالَهُ بِهَا، فَلَا تَبَاهَلُوا فَتَهلِكُوا وَلَا يَبقَى عَلَى وَجهِ الأَرضِ نَصرَانِيٌّ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، ثُمَّ قَالُوا: يَا أَبَا القَاسِمِ، رَأَينَا أَن لَا نُبَاهِلَكَ وَأَن نُقِرَّكَ عَلَى دِينِكَ، فَقَالَ صَلَوَاتُ اللهِ وسَلَامُهُ عَلَيهِ: “فَإِذَا أَبَيتُمُ المُبَاهَلَةَ فَأَسلِمُوا يَكُن لَكُم مَا لِلمُسلِمِينَ وَعَلَيكُم مَا عَلَى المُسلِمِينَ”، فَأَبَوا، فَقَالَ: “فَإِنِّي أُنَاجِزُكُمُ القِتَالَ”، فَقَالُوا مَا لَنَا بِحَربِ العَرَبِ طَاقَةٌ، وَلَكِن نُصَالِحُكَ عَلَى أَن لَا تَغزُوَنَا ونلتزم دفع الجزية فَصَالَحَهُم عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: “وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الهَلَاكَ قَد تَدَلَّى عَلَى أَهلِ نَجرَانَ، وَلَو لَاعَنُوا لَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَلَاضطَرَمَ عَلَيهِمُ الوَادِي نَارًا، وَلَاستَأصَلَ الله نَجرَانَ وَأَهلَهُ حَتَّى الطَّيرَ عَلَى رؤوس الشَّجَرِ، وَلَمَا حَالَ الحَولُ عَلَى النَّصَارَى كُلِّهِم حَتَّى يَهلِكُوا”.

وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيهِ السَّلَامُ لَمَّا خَرَجَ فِي المِرطِ الأَسوَدِ، فَجَاءَ الحَسَنُ رَضِيَ الله عَنهُ فَأَدخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الحُسَينُ رَضِيَ الله عَنهُ فَأَدخَلَهُ ثُمَّ فَاطِمَةُ، ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنهُمَا ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.

ورَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَن ‌حُذَيفَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ العَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجرَانَ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ يُرِيدَانِ أَن يُلَاعِنَاهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفعَل، فَوَالله لَئِن كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّا لَا نُفلِحُ نَحنُ وَلَا عَقِبُنَا مِن بَعدِنَا، قَالَا: إِنَّا نُعطِيكَ مَا سَأَلتَنَا، وَابعَث مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلَا تَبعَث مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا، فَقَالَ ﷺ: “لَأَبعَثَنَّ مَعَكُم رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ”، فَاستَشرَفَ لَهُ أَصحَابُ رَسُولِ الله ﷺ، فَقَالَ: “قُم يَا أَبَا عُبَيدَةَ بنَ الجَرَّاحِ”، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: “هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ”.

وَهُنَا تَنبِيهٌ مُهِمٌّ، لَيسَ مَعنَى المُبَاهَلَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَشُكُّ فِي صِدقِ دَعوَتِهِ أَو أَنَّهُ يُظهِرُ لَهُم أَنَّهُ قَد نَكُونُ نَحنُ الَّذِينَ عَلَى حَقٍّ أَو قَد تَكُونُونَ أَنتُم، لَا، وَالعِيَاذُ بِاللهِ، فَهُوَ يَعلَمُ حَقَّ اليَقِينِ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ وَأَنَّهُم عَلَى بَاطِلٍ، وَإِنَّمَا المَعنَى لِلتَّأكِيدِ لَهُم وَلِيَظهَرَ الأَمرُ جَلِيًّا عِندَهُم، وَهُوَ يَعتَقِدُ صِحَّةَ مَقَالَتِهِ وَلَيسَ شَاكًّا بِنُبُوَّةِ نَفسِهِ، وَهَذِهِ القِصَّةُ مِن عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ ﷺ كمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيرُهُ، وَهُوَ كَقَولِهِ تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، قَالَ القُرطُبِيُّ: هَذَا عَلَى وَجهِ الإِنصَافِ فِي الحُجَّةِ، كَمَا يَقُولُ القَائِلُ: أَحَدُنَا كَاذِبٌ، وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ وَأَنَّ صَاحِبَهُ كَاذِبٌ، وَالمَعنَى: مَا نَحنُ وَأَنتُم عَلَى أَمرٍ وَاحِدٍ، بَل عَلَى أَمرَينِ مُتَضَادَّينِ، وَأَحَدُ الفَرِيقَينِ مُهتَدٍ وَهُوَ نَحنُ وَالآخَرُ ضَالٌّ وَهُوَ أَنتُم، فَكَذَّبَهُم بِأَحسَنَ مِن تَصرِيحِ التَّكذِيبِ، وَالمَعنَى: أَنتُمُ الضَّالُّونَ حِينَ أَشرَكتُم بِالَّذِي يَرزُقُكُم مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ، كَمَا تَقُولُ: أَنَا أَفعَلُ كَذَا وَتَفعَلُ أَنتَ كَذَا وَأَحَدُنَا مُخطِئٌ، وَقَد عَرَفَ أَنَّهُ هُوَ المُخطِئُ.

ويَجِبُ الحَذَرُ مِن قِصّةٍ مكذوبةٍ تَروِيهِا بعضُ كُتُبِ السيرةِ والتاريخِ عَن أحَدِ وُفودِ نَصارَى نَجرانَ، يقولُونَ فيها: إنَّ وَفدًا مِن نَصارَى نَجرانَ قَدِمُوا المدينةَ المنوَّرةَ ودعَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الإِسلَامِ فَلَم يُسلِمُوا ورَضُوا بالجِزيَةِ، ولَمَّا حَانَ وقتُ صلَاةِ أولَئِكَ النَّصارَى قامُوا مُتَّجِهِينَ إِلَى المشرِقِ على زَعمِهِم يُرِيدُونَ الصَّلَاةَ، فعلَى زَعم الراوِي: أرادَ النّاسُ مَنعَهُم فقال النّبِيُّ لأصحابِه: دَعُوهم يؤَدُّون صلَاتَهُم في مَسجِدِي، وهذَا كذِبٌ وافتراءٌ علَى رسُولِ الله محمَّدٍ ﷺ، وكيفَ يَصِحُّ أن يُقِرَّ النّبِيُّ هؤلَاءِ على فعلِهِمُ الذِي فيهِ عِبَادَةٌ لعِيسَى وأُمِّه مَريَمَ علَيهِمَا السَّلَامُ، وقَد أَرسَلَهُ اللهُ تعالَى ءامِرًا بالمعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ ماحِيًا للكُفرِ، وقَد سَمَّى النّبِيُّ ﷺ نَفسَه الماحِي فقالَ: “وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمحُو الله بِيَ الكُفرَ“، وقال تعالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.

فمن قالَ: إنَّ النَّبِيَّ أذِنَ للنّصارَى بإقامَةِ صلَاتِهِم أو أقرَّهُم علَى ذَلِكَ فهَذَا تَكذِيبٌ للدِّينِ، فقَد قَالَ عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾، أيضًا: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، ولا إِثمَ أشَدُّ مِن عبادَةِ غَيرِ اللهِ.

فائدةٌ وقاعدةٌ في الأصولِ مُهِمٌّ بيَانُهَا: الرِّضَا بِالكُفرِ كُفرٌ، سَوَاءٌ كَانَ الكُفرُ صَدَرَ مِنهُ أَو مِن غَيرِهِ، وَقَد فَسَّرَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنهُمَا الآيَةَ: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾، بِقَولِهِ: لِأَنَّ الرَّضَا بِالكُفرِ كُفرٌ، وَكَلَامُهُ مَحمُولٌ عَلَى أَنَّ مَن رَضِيَ بِكُفرِ الَّذِي يَكفُرُ بِآيَاتِ الله وَيَستَهزِئُ بِهَا هُوَ كَافِرٌ كَذَلِكَ، أَمَّا إِن جَلَسَ الشَّخصُ مَعَ مُشَاهَدَةِ الكُفرِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الإِنكَارِ لَكِنَّهُ لَم يَفعَل ذَلِكَ لَيسَ عَن رِضًا بِالكُفرِ فَإِنَّهُ لَا يَكفُرُ لَكِنَّهُ يَأثَمُ.

والثَّابِتُ عَن أَبِي حَنِيفَةَ وَعنِ الحَنَفِيَّةِ أَنَّ الرِّضَا بِالكُفرِ مِنهُ أَو مِن غَيرِهِ كُفرٌ، وقال الرزايُّ: اجتَمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الرِّضَا ‌بِالكُفرِ ‌كُفرٌ، وقالوا أيضا: إنَّ مِنَ القَوَاعِدِ المُتَّفَقِ عَلَيهَا بَينَ جَمِيعِ العُلَمَاءِ أَنَّ الأَمرَ بِالكُفرِ كُفرٌ، فَلَو أَمَرَ شَخصًا غَيرَهُ بِالكُفرِ فَإِنَّهُ يَكفُرُ بِذَلِكَ، نَسأَلُ اللهَ أَن يُجَنِّبَنَا الكُفرَ وَأَهلَهُ.

فضل ختم القرآن
خَتمُ القُرآنِ مِن أَفضَلِ الأَعمَالِ عِندَ اللهِ، وَفِيهِ فَضلٌ عَظِيمٌ، رَوَى الحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي جَمعِ الجَوَامِعِ والحافظ النووي فِي التِّبيَانِ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “خَيرُ الأَعمَالِ الحَلُّ والرُّحلَةُ“، قِيلَ وَمَا هُمَا، قَالَ: “افتِتَاحُ القُرآنِ وَخَتمُهُ“، وَمَعنَى “خَيرُ الأَعمَالِ“: أَي مِن خَيرِهَا وَأَفضَلِهَا عِندَ اللهِ.
لِكُلِّ حَرفٍ يَقرَأُهُ مِنَ القُرآنِ تُضَاعَفُ الحَسَنَاتُ عَشرَ مَرَّاتٍ كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيثِ الثَّابِتِ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعجَمِهِ الكَبِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “‌مَن ‌قَرَأَ ‌القُرآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرفِ آيَةٍ عَشرُ حَسَنَاتٍ، وَلَا أَقُولُ: (الم) عَشرٌ، وَلَكِن أَلِفٌ وَلَامٌ وَمِيمٌ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً “.
وَمِن فَوَائِدِ خَتمِ القُرآنِ العَظِيمَةِ دُخُولُ الجَنَّةِ وَالشَّفَاعَةُ لِأَهلِ بَيتِ القَارِئِ، فَفِي سُنَنِ التِّرمِذِيِّ أَيضًا عَن عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَن ‌قَرَأَ ‌القُرآنَ وَاستَظهَرَهُ، فَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، أَدخَلَهُ اللهُ بِهِ الجَنَّةَ، وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِن أَهلِ بَيتِهِ”، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ يُستَأنَسُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي فَضَائِلِ الأَعمَالِ.
وَمِن فَضلِ خَتمِ القُرآنِ نُزُولُ الرَّحَمَاتِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، فَالْعَامَّةُ كأن تنزل الرحمة على أهل البيت المختوم فيه القرآن أو من يجلسون مجلس ختم القرآن، والخاصة كالتي تنزل على القارئ نفسه، فَقَد كَانَ مُجَاهِدٌ تِلمِيذُ ابنِ عَباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا يَقُولُ: كَانُوا يَجتَمِعُونَ عِندَ خَتمِ القُرآنِ يَقُولُونَ: تَنزِلُ الرَّحمَةُ، وَكَانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَجعَلُ رَجُلًا يُرَاقِبُ آخَرَ مَتَى تَكُونُ خَتمَتُهُ لِيُخبِرَهُ حَتَّى يَشهَدَ الخَتمَةَ بِنَفسِهِ.
وَيَجلِبُ خَتمُ القُرآنِ الرِّفقَ وَيُرَقِّقُ القُلُوبَ وَيَجلِبُ البَرَكَةَ فِي الحَيَاةِ اليَومِيَّةِ.
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعَظِّمُ وَيُشَجِّعُ عَلَى خَتمِ القُرءَانِ، مِمَّا يَجعَلُهُ نَهجًا مُستَمِرًا لِلمُؤمِنِينَ.
استجابة الدعاء عقب ختم القرءان
مِن عِظَمِ بَرَكَةِ خَتمِ القُرآنِ أَنَّ الدُّعَاءَ عَقِبَهُ مُستَجَابٌ، فَقَد رَوَى ابنُ أَبِي دَاودَ بِإسنَادَينِ صَحِيحَينِ عَن قَتَادَةَ التَّابِعِيِّ الجَلِيلِ صَاحِبِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِذَا خُتِمَ القُرآنُ جَمَعَ أَهلَهُ وَدَعَا.

وَرُوِيَ بَالأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنِ الحَكَمِ بنِ عُيَينَةَ التَّابِعِيِّ الجَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: أَرسَلَ إِلَيَّ مُجَاهِدٌ وَعُتبَةُ بنُ لُبَابَةَ فَقَالَا: إِنَّا أَرسَلنَا إِلَيكَ لِأَنَّا أَرَدنَا أَن نَختِمَ القُرآنَ، وَالدُّعَاءُ يُستَجَابُ عِندَ خَتمِ القُرآنِ.

وَرَوَى التِّرمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ عَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَارِئٍ يَقرَأُ، ثُمَّ سَأَلَ فَاستَرجَعَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: “‌مَن ‌قَرَأَ ‌القُرآنَ فَليَسأَلِ اللهَ بِهِ” أَي فَليَطلُب مِنَ اللهِ تَعَالَى بِالقُرآنِ مَا شَاءَ مِن أُمُورِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ.

وَرَوَى الحَاكِمُ أَبُو عَبدِ اللهِ النَّيسَابُورِيُّ صَاحِبُ المُستَدرَكِ بِإِسنَادِهِ أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِذَا خَتَم القُرآنَ كَانَ أَكثَرَ دُعَائِهِ للمُسلِمِينَ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ.

لِذَلِكَ وَلِغَيرِهِ مِنَ الآثَارِ قَالَ العُلَمَاءُ: الدُّعَاءُ مُستَحَبٌّ عَقِيبَ الخَتمِ استِحبَابًا مُتَأَكَّدًا.

وَرَوَى الدَّارِمِيُّ بِإسنَادِهِ عَن حُمَيدٍ الأَعرَجِ قَالَ: مَن قَرَأَ القُرآنَ ثُمَّ دَعَا أَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ أَربَعَةُ آلافِ مَلَكٍ، وَيَنبَغِي أَن يُلِحَّ فِي الدُّعَاءِ وَأَن يَدعُوَ بِالأُمُورِ المُهِمَّةِ وَأَن يُكثِرَ فِي ذَلِكَ فِي صَلَاحِ المُسلِمِينَ.

تنبيه:

إخواني: يقول الله تعالى: ((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ))، وإننا بفضل الله تعالى في هذا المجلس نختم الكلام الذي بين أيدينا عن سيرة حبيب قلوبنا محمد ﷺ، وإنني لم أُنْهِ كل الذي جهزته بسبب ضيق الوقت والكلام في السيرة واسع كبير، ولكن إن شاء الله كل المادة السابقة كلها ارتفعت على الموقع وحتى التي كنت أعددتها ولم أعطِها لختام السيرة الشريفة سترتفع على موقعي إلى نهاية السيرة النبوية مع ذكر وفاة سيدنا رسول الله ﷺ وما تكلم به الصحابة في رثائه عليه الصلاة والسلام.

وموقعي بفضل الله عليه إقبال بعشرات الألوف شهريا وموجود عليه ما يحتاجه الدعاة والمشايخ والمسلمون من مقالات تغطي كل مناسبات العام، ومختلف العناوين الإسلامية والتربوية والاجتماعية، فأحثكم على متابعته والاستفادة منه ونشره بين المسلمين فإنه نافع إن شاء الله.

وأذكركم أننا في هذا المسجد المبارك سنقيم صلاة العيد بإذن الله تعالى.

فائدة
روى السخاوي أن الشيخ الصالح موسى الضرير ركب في البحر فقال: قدمت علينا ريح قلَّ من ينجو منها من الغرق، فرأيت النبي ﷺ في النوم فقال لي: قل لأهل المركب أن يقولوا ألف مرة: اللهم صل على محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا عندك أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات قال فاستيقظت وأخبرت أهل المركب الرؤيا فصلينا نحو ثلاث مائة مرة ففرج الله عنا وأسكن عنا ذلك الريح ببركة الصلاة على النبي ﷺ. وساقها المجد اللغوي بإسناده ونقل عقبها عن الحسن بن علي الأسواني قال ومن قالها في كل مهم ونازلة وبلية ألف مرة فرج الله عنه وأدرك مأموله.

دعاء
الحمدُ للهِ الذي أسبغَ علينَا بنعَمِهِ الظاهرةِ والباطنةِ، ونسأَلُه الشكرَ علَى نعمائِهِ الظاهرةِ والباطنةِ، وأشهدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شريكَ لهُ، ذو العطايَا الغامرةِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُهُ صاحبُ المعجزاتِ الباهرةِ، ﷺ وعلَى ءالهِ وأصحابِهِ أولي الوجوهِ الناضرةِ صلاةً وسلامًا دائمَينِ إلَى يومِ الجمعِ بالساهرةِ….

اللهم إنَّا قدِ اجتَمَعْنَا علَى ذِكْرِ سيرةِ نبيِّكَ المصطفَى ﷺ وتَعَلُّمِ دينِهِ وشرعِهِ فكمَا جمعتَنَا فِي هذهِ الجمعيةِ وهذا المسجد علَى خيرٍ اجمعنَا يومَ القيامةِ تحتَ ظلِّ العرشِ تحتَ لواءِ النبيِّ المصطفَى ﷺ اللهم إنَّا ذكرنَا سيرةَ نبيِّكَ ﷺ تصديقًا لهُ، ومحبةً فيهِ وشوقًا إليهِ، وتعظيمًا لقَدْرِهِ، وكونِهِ أهلًا لذلكَ فَتَقَبَّلْهَا مِنَّا بفَضْلِكَ وإحسانِكَ، وأَزِلْ حجابَ الغفلةِ عنْ قلوبِنَا واجعَلْنَا مِنْ عبادِكَ الصالحينَ. اللهم زِدْهُ شرفًا علَى شَرَفِهِ الذِي أَوْلَيْتَهُ وعزًّا علَى عزِّهِ الذِي أَعْطَيْتَهُ، ونورًا علَى نورِهِ، وأَعْلِ مَقَامَهُ فِي مَقَامَاتِ المرسلينَ، ودرَجَتَهُ فِي درجاتِ النبيينَ، وأَسْأَلُكَ رضاكَ ورضاهُ يَا ربَّ العالمينَ مَعَ العافيةِ الدائمةِ والموتِ علَى الكتابِ والسنةِ والجماعةِ وكلمةِ الشهادةِ علَى حقيقَتِهَا مِنْ غيرِ تبديلٍ ولَا تغييرٍ، واغفرْ لَنَا مَا ارتَكَبْنَاهُ بفَضْلِكَ وجودِكَ وكرَمِكَ يا أرحمَ الراحمينَ. أسألُ اللهَ تعالَى أنْ يجعلَ عمَلَنَا خالصًا لوجهِهِ الكريمِ، ومحبةً فِي نبيِّهِ ﷺ، وأنْ يجعَلَنَا مِنْ خِيَارِ الْمُصَلِّينَ والْمُسَلِّمِيْنَ عليهِ، فإنَّهُ علَى ذلكَ قديرٌ، لَا إلهَ غيرُه وهوَ حسبِي ونِعْمَ الوكيلُ، ولَا حولَ ولَا قوَّةَ إلَّا باللهِ، ولَا ملجَأَ مِنَ اللهِ إلَّا إليهِ.

اللهم بِذِكْرِنَا لسيرةِ ﷺ ارزُقْنَا شفاعةَ النبيِّ المختارِ والاقتداءَ بالملائكةِ الأبرارِ ومخالفةَ المنافقينَ والكفارَ ومحوَ الخطايا والأوزارَ وقضاءَ الحوائجِ والأوطارِ وتنويرَ الظواهرِ والأسرارِ والنجاةِ مِنَ النارِ ودخولَ دارِ القرارِ، وقدْ قيلَ:

هذا النبيُّ محمدٌ خيرُ الورى
ونبيُّهم وبه تشرَّف ءادمُ

هوَ في المدينةِ ثاويًا بضريحِهِ
حقًّا ويسمعُ مَنْ عليهِ يسلّمُ

وإذا توسلَ مستضامٌ باسمِه
زالَ الذِي مِنْ أجلِهِ يَتوهَّمُ

صلَّى عليهِ اللهُ جلَّ جلالُه
مَا راحَ حادٍ باسمِه يترنمُ

اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم اجعل صلواتِك وبركاتِك على محمد وعلى ءال محمد كما جعلتها على إبراهيم وءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على ءال إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على ءال إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم اجعلنا لدعوةِ نبيِّكَ سامعينَ ولأمرِه مطيعينَ ومِنْ أوليائِه المخلصينَ، ومِن رفقائِه المصاحِبينَ. اللهم أبلِغْهُ منَّا السلامَ. اللهم ربَّ الحِلِّ والحرَمِ والبلدِ الحرامِ والركنِ والمقامِ والمَشعَرِ الحرامِ، أبلِغْ محمدًا مني تحيةً وسلامًا. اللهم صل على محمد بعدد مَن صلى عليه مِن خلقِك، وصل عليه بعددِ مَنْ لم يصل عليه مِن خلقِك، وصل على محمد كما تنبغي الصلاةُ عليه، وصل على محمد كما تجبُ الصلاةُ عليه، وصلِّ على محمد كما أمرتَنا بالصلاة عليه. اللهم اجعلْ صلواتِك وبركاتِك ورحمتَك على سيدِ المرسلينَ وإمامِ المتقينَ محمدٍ عبدِك ورسولِك إمامِ الخيرِ وقائدِ الخيرِ ورسولِ الرحمةِ. اللهم ابعثْه مقامًا محمودًا. اللهم ءاتِه في أمتِه وذريتِه ما تـُقِرُ به عينـَه واجزِه عنَّا خيرَ ما جزيتَ نبيًّا عن أمتِه، واجزِ الأنبياءَ كلَّهم خيرًا. اللهم صل على سيدنا محمدٍ الذي شرَّفْتـَه على سائرِ الأنامِ، ورفعتـَه إلى أشرفِ محلٍّ وأعلى مقامٍ، وجعلتـَه هاديًا إلى دينِ الإسلامِ ودليلًا إلى دارِ السلامِ. اللهم فكمَا أمرتَنَا بالصلاةِ عليهِ بلِّغ صلاتَنا إليهِ يا ربَّ العالمين. اللهم احشرنَا في زمرتِه واجعلنَا ممن فازَ بشفاعَتِه وائتَمَرَ بشريعَتِه واهتدَى بسنَّتِه واقتدَى بصحابَتِه. اللهم أورِدْنا حوضَه وأرِنا وجهَه ولا تحرِمْنا شفاعَته واجمعْ بيننَا وبينَه في مستقرِّ الرحمةِ والرضوانِ في دارِ السلامِ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ.

اللهم إني أسألكَ بأنَّك لَا إلهَ إلَّا أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لمْ يلدْ ولم يولد ولم يكنْ لهُ كفوًا أحد، اللهم إني أسألكَ بأنَّ لكَ الحمدَ لا إله إلا أنتَ الحنانُ المنانُ بديعُ السمواتِ والأرضِ ذو الجلالِ والإكرامِ يا حيُّ يا قيومُ، اللهم إني أسألكَ أنكَ أنتَ الله الذي لا إله إلا أنتَ الرحمنُ الرحيمُ، الذِي لهُ مُلكُ السمواتِ والأرضِ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وخشعَتْ له الأصواتُ ووجِلَتْ لهُ القلوبُ يا ودودُ يا ودودُ يا ذا العرشِ المجيدِ يا مبدئُ يا معيدُ يا فعالُ لما يريدُ. { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } اللَّهُمَّ أعْـتِـقْ رقابنا مِنَ النّار، ووَسِّعْ لنا مِنَ الرّزقِ الحلالِ، واصْرِفْ عنَّا فَـسَـقةَ الجِنِّ والإنْسِ اللهم أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلحْ لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً لنا مِن كلِّ شرٍّ. أعوذُ باللهِ مِن جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشقَاءِ، وشماتَةِ الأعداءِ. اللهم إنَّا نعوذُ بكَ مِنَ الْهَمِّ والحَزَنِ، ومِنَ العجزِ والكَسَلِ، ومِنَ الجبنِ والبخلِ، ومِنَ الْمَأثَمِ والْمَغْرَمِ، ومِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهْرِ الرجالِ، ونعوذُ بكَ اللهم مِنَ البَرَصِ والجنونِ والجُذَامِ ومِنْ سيِّئِ الأسقامِ.

اللهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأزْواجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤمنينَ وَذُرِّيَتِهِ وأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلى ءالِ إِبْرَاهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللهم ارزقنا رؤية حبيبِكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وزيارتَه ومجاورَتَه والموتَ في بلدِه وشفاعتَه والحشرَ معهُ وشربَةً مِنْ حوضِهِ وصحبَتَه فِي الفردوسِ الأعلَى اللهم اجمَعْنَا بمحمّدٍ واحشُرْنَا تحتَ لواءِ محمّدٍ وثبِّتنا على عقيدةِ محمّدٍ وعطِّف علينَا قلبَ محمّدٍ اللهمّ صلِّ على محمّدٍ صلاةً تَقضِي بها حاجاتِنا وتُفرِّجُ بها كُرُباتِنا وتكفِيْنا بها شرَّ أعدائِنا إنك يا ربَّنا على كلِ شىءٍ قدير.

اللهم مَنْ كانَ مِنْ إخوانِنَا أوْ أحبَابِنَا أو أصدِقَائِنَا أو أهلِنَا مريضًا نسألكَ لهُ الشفاءَ العاجلَ ببركةِ نبيِّنَا محمدٍ ﷺ ونسألُكَ لِمَنْ كانَ منهم مكروبًا أو مهمومًا أو حزينًا أو مغمومًا أنْ تُفَرِّجَ الكربَ عنهُم وترفعَ عنهُم الحُزْنَ والْهَمَّ والغَمَّ بجاهِ النبيِّ ﷺ. اللَّهُمَّ فَرِّجْ عنْ أهلِنَا وإخوانِنَا فِي غزة وفلسطينَ اللَّهُمَّ انصُرْهُم، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُم، اللَّهُمَّ احفَظْهُم، اللَّهُمَّ أيِّدْهُم بمدَدٍ مِنْ عندِكَ يَا رَبَّ العالمينَ. اللهم اغفرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ والمسلمينَ والمسلماتِ الأحياءِ منهُم والأمواتِ رَبَّنَا ارزقْنَا رضاكَ وشكرَ نِعَمِكَ واختِمْ لنَا بخيرٍ، لكَ الحمدُ يا اللهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم اللهم احفظْ جمعيَّتَنَا ومشايِخَنَا وإخوانَنَا وأحبَابَنَا وانصُرْهم علَى أعداءِ الدينِ..

اللهم ارحمْ شيخَنا الجليلَ رحمَةً واسعةً واغفرْ لهُ واجمَعْنَا بهِ فِي الفردوسِ الأعلَى بصُحْبَةِ النبيِّ ﷺ ربِّ اغفِرْ لِي ولوالديَّ وارْحَمْهُمَا كمَا ربيانِي صغيرًا جَزَى اللهُ محمدًا عنَّا خيرًا.

اللهم اختِمْ شهرَنَا هذَا بالعفوِ والمغفرةِ والرضوانِ والعتقِ مِنَ النيرانِ وتَقَبَّلْ صيامَنَا وقيامَنَا وتلاوَتَنَا للقرآنِ وطاعاتِنَا، واجعَلِ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبِنا وجلاءَ همومنَا ونورَ صدورِنَا يا ربَّ العالمينَ، اللهم أَعِدْ علينَا شهرَ رمضانَ أعوامًا عديدةً وقدْ تحقَّقَ لهذهِ الأمةِ نصرُها وعزُّهَا واجتماعُ كلِمَتِهَا يا أكرمَ الأكرمينَ يا ربَّ العالمينَ يا اللهُ، اللهم اجعَلْنَا في هذا الشهرِ الكريمِ مِنَ المقبولينَ ولا تجعلْنَا مِنَ المطرودينَ اللهم ارزقنَا الحجَّ وزيارةَ الحبيبِ ﷺ واجعلْنا مِن عبادِكَ الطائعينَ الشاكرينَ الصابرينَ الخاشعينَ المجبولينَ على حبِّ طاعتِكَ اللهم آميَن بجاهِ سيدِنَا محمدٍ ﷺ وكلِّ أنبيائكَ والرسلِ منهمْ وكلِّ أوليائِكَ وتقَبَّلْ مِنْ إخوانِنَا المسلمينَ صالحَ أعمالِهِم يا اللهُ.

اللهم انصرْ أهلَ السنةِ والجماعةِ اللهم انصُرْ أهلَ السنةِ والجماعةِ اللهم انصُرْ أهلَ السنةِ والجماعةِ اللهم انصُرْ مَنْ نَصَرَ الدينَ وعليكَ بأعداءِ هذَا الدينِ فإنَّهم لَا يُعْجِزُونَكَ يا قويُّ يَا عزيزُ خذْهُم أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ اللهم أَرِحِ البلادَ والعبادَ مِنْ شرِّ أعداءِ الدينِ يَا اللهُ. اللهم ارحَمْ شيخَنَا واجْزِهِ عنَّا كلَّ خيرٍ اللهم اجْزِهِ عنِ الإسلامِ والمسلمينَ كلَّ خيرٍ يَا ربَّ العالمينَ يا اللهُ اجْزِ مَنْ كانَ سببًا فِي هذَا الخيرِ خيرَ الجزاءِ واجْزِ مشايِخَنَا عنَّا خيرَ الجزاءَ واجْزِ القائمِينَ علَى هذه الجمعيةِ خيرَ الجزاءِ يا اللهُ.

اللهم انصرْ هذهِ الجمعيةَ على مَنْ عادَاهَا وارفَعْ رايةَ أهلِ السنةِ والجماعةِ علَى أيديهَا واجعلْهَا سببًا فِي الخيرِ للعبادِ والبلادِ يَا ربَّ العالمينَ واجعَلْهَا سببًا فِي نَصرِ هذَا الدينِ يَا أرحمَ الراحمينَ. اللهم ثبِّتْنَا علَى الحقِّ وثبِّتِ الحقَّ بنَا اللهم ثبِّتْنَا علَى الحقِّ وثبِّتِ الحقَّ بنَا يَا اللهُ.

اللهم أَدِمْ علينَا نعمةَ الأمنِ والأمانِ واجعَلْنَا آمنينَ فِي بلادِنَا وأوطَانِنَا ومجتَمَعَاتِنِا وبينَ أهلينَا بجاهِ رسولِكَ الكريمِ ﷺ، اللهم أَزِلْ مِنْ بينِ أبناءِ هذَا البلدِ الشحناءَ والبغضاءَ والفُحْشَ وأسبابَ الفُرْقَةِ والخِلَافِ يَا ربَّ العالمينَ واجْعَلْهُم علَى قلبِ رجلٍ واحدٍ، واطْرُدْ مِنْ بينِهِم مَنْ كانَ سببًا فِي الشقاقِ بينَهم يَا اللهُ ولَا تَدَعْ لَهُ سبيلًا إليهِمْ برحمَتِكَ يَا أرحمَ الراحمينَ يَا اللهُ.

اللهم فرِّج عن إخواننا المسلمين المستضعفين في الشام والعراق وفلسطين وبيت المقدس وفي اليمن وفي كل بلد للمسلمين يا رب العالمين يا الله.

اللهم إنا حَضَرْنَا الكلامَ في سيرةِ رسولِكَ ﷺ اللهم بجاهِ نبيِّنَا محمدٍ ﷺ وبجاهِ أبي بكرٍ الصديقِ وبجاهِ عمرَ الفاروقِ وبجاهِ عثمانَ ذي النورينِ وبجاهِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ وبجاهِ بقيةِ العَشَرَةِ المبشرينَ بالجنةِ رضيَ اللهُ عنهُم أجمعينَ وبجاهِ أمهاتِ المؤمنينَ رضيَ اللهُ عنهنَّ أجمعينَ اللهم أَحْسِنْ لنَا الختامَ وأَمِتْنَا عَلَى كاملِ الإيمانِ وارزُقْنَا رؤيةَ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ واحشُرْنَا معَهُ فِي دارِ السلامِ معَ الذينَ لَا خوفٌ عليهِم ولَا هُمْ يحزَنونَ.

وفِي الختامِ أقولُ مَا قالَ الشاعرُ:

يَا مَنْ يُجِيْبُ دُعَا الْمُضْطَرِّ فِي الظُلَمِ
يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ

شَـفِّـعْ نَـبِيَّـكَ فِـي ذُلِّي وَمَسْكَنَتِي
وَاسْـتُرْ فَـإِنَّـكَ ذُوْ فَضْلٍ وَذُوْ كَرَمِ

وَاغْفِـرْ ذُنُـوبِي وَسَـامِحْنِي بِهَا كَـرَمًا
تَفَضُّلًا مِنْكَ يَا ذَا الفَضْلِ وَالنِّعَمِ

وَقَـدْ وَعَـدْتَ بِـأَنْ نَدْعُوَ وَتُجِيْبَ لَنَا
وَقَدْ دَعَوْنَا فَجُدْ بِالعَفْوِ وَالكَرَمِ

اللهم إنا نستودعك فلسطين وأهلها وأرضها وسماءها، رجالها ونساءها وأطفالها، اللهم فاحفظها من كل شر وسوء يا من لا تضيع عنده الودائع، اللهم من أراد بها أو بأهلها السوء فاجعل دائرة السوء تدور عليه يا رب العالمين. اللهُم كُن لأهل غزة عونًا ونصيرًا، وبدّل خوفهم أمنًا. اللهم ارزق إخواننا في فلسطين الصمود والقوة في وجه الطغيان وانصرهم. اللَّهُمَّ أنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ. اللهم انصر ضعفهم ورد إلينا المسجد الأقصى ردًا جميلًا. اللهم احفظ أرواح المجاهدين في فلسطين، وردهم إلى أهلهم مردًّا كريمًا آمنًا.

والحمدُ للهِ أوَّلًا وءاخرًا، وصلاتُه وسلامُهُ علَى سيدِنَا محمدٍ خيرِ خلقِهِ وعلَى سائرِ النبيينَ والمرسلينَ أَجمعينَ، واللهَ نسألُ خاتمَةَ الخيرَ لنَا ولسائرِ أَحبابِنَا، وحسبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ ولَا حولَ ولَا قوةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ. سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عمَّا يصفُونَ وسلامٌ علَى المرسلينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ …..

وَصَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ، وَالحَمدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ.

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …