برّ الوالدين وحقّهما على الولد

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم
يقول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حُسنا﴾ وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أعظم الناس حقا على المرأة زوجها وأعظم الناس حقا على الرجل أمه” حديث صحيح صححه الحاكم وغيره.أخي المؤمن الآيات في هذا الباب كثيرة وقد ورد أحاديث صحيحة مشهورة ولو أردنا بسطها لجمعنا مجلدات في ذلك. وفيما ذكرنا يتبين لنا عظم حق الوالدين على أولادهما، وأعظمهما حقا على الولد الأم فإنها أولى الناس بالبر والطاعة. ولا يسقط بر الأم والأب عن الولد لكونهما أساءا إليه في صغره بأن أضاعاه وقطعاه من الإحسان والنفقة فليس للولد حين الكبر أن يقابل هذه الأساءة بالاساءة فيقول هما لم يرحماني صغيرا بل أضاعاني وسلماني للجوع والعطش والعري فأنا اليوم أعاملهما بالمثل فمن فعل ذلك وقع في وزر كبير هو وزر العقوق الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء” رواه البيهقي. أي لا يدخلها مع الأولين.معنى العقوق وعظم ذنبه:ومعنى العقوق أن يؤذي والديه أذى ليس بهين ومع ذلك فإيذاء الوالدين أذى شديدا أو خفيفا حرام. ومنه شتم الأم أو الأب. أو ضرب الأم أو إهانتهما أو أحدهما.ومن جملة العقوق إذا أطاع الولد أمه على ظلم أبيه أو أطاع أباه على ظلم أمه. وليعلم أنّ عذاب عقوق الوالدين المسلمين عند الله تعالى شديد حيث إنّ عاقهما لا يدخل الجنة مع المسلمين الأولين بل يدخلها بعد عذاب شديد مع الآخرين للحديث المذكور آنفا وليس المعنى أنه كافر محروم من الجنة. كذلك حثنا الشرع على بر والدينا فقد قال الله تعالى: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير﴾ وقال تعالى: ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا﴾.أي برا بهما وشفقة وعطفا عليهما، ومعنى قوله ﴿وقل لهما قولا كريما﴾ أي قولا لينا لطيفا فإنّ الله سبحانه وتعالى نهى عن أن يقال لهما أف وأمر سبحانه وتعالى بأن يقال لهما القول الكريم أي اللين لاسيما عند الكبر وأن يخفض لهما الجناح بأن يكلمهما بأدب واحترام.أحاديث في فضل برّ الوالدين:ومما ورد في فضل برّ الوالدين ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول ا لله صلى الله عليه وسلم يقول: “انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى ءاواهم المبيت إلى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم قال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا (أي لا أقدم عليهما في الشرب أهلا ولا مالا كرقيق وخادم) فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي (أي يصيحون من الجوع) فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنّا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه” ودعا الاثنان الآخران بفضل أعمالهما فانفرجت عنهم الصخرة وخرجوا يمشون.قصة دالة على عظيم برّ الأم:ومن القصص التي تدل على عظيم برّ الأم أيضا أنّ رجلا من الصالحين المشهورين يعرف ببلال الخواص قال: كنت في تيه بين إسرائيل (وهي برية قاحلة سميت تيه بني إسرائيل لأن قوم موسى لمّا خالفوه ظلوا أربعين سنة يتيهون فيها) قال فوجدت رجلا يماشيني فألهمت أنه الخضر (وهو على قول بعض العلماء رجل من الصالحين ما زال حيا من أيام موسى يجتمع بالقليل من الناس وهم أولياء الله فينفعهم بما أعطاه الله إياه وعند البعض هو نبي من أنبياء الله بعث قبل موسى وما زال حيا لم يمت بعد) ثم قال فسألته عن مالك بن أنس فقال هو إمام الأئمة، ثم سألته عن الشافعي فقال هو من الأوتاد (وهي طبقة عالية من أولياء الله). قال ثم سألته عن أحمد بن حنبل فقال هو صدّيق، فسألته عن بشر الحافي (وكان زاهدا يمشي بلا حذاء من شدة الزهد فسمي بالحافي) قال ذلك لن يخلف مثله بعده. قال فقلت له أسألك بحق الحق (أي بحق الله) من أنت. فقال: الخضر. ثم قال فقلت له ما هي الوسيلة التي رأيتك لها. قال: ببرك لأمك”. أي أنّ الفضيلة التي جعلته أهلا لرؤية هذا الرجل الصالح الخضر هي كونه بارا أمه. فبعد ما ذكر من فضل برّ الوالدين ووعيد عقوقهم فأي عاقل يعدل عن برهم إلى عقوقهم؟ أخي المسلم، إن وقعت في شتم والديك أو أحدهما أو إيذائهما بقول أو فعل فسارع رحمك الله إلى التوبة بأن تستسمح منهما واعزم بقلبك أن لا تعود لمثل ما صدر منك وأحسن إليهما وقل لهما قولا كريما .

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …