يقول الله تعالى: ﴿يرفعِ اللهُ الذينَ ءامنوا منكم والذينَ أُوتوا العلمَ درجات﴾. ويقولُ اللهُ تعالى: ﴿قل هل يستوِي الذينَ يعلمونَ والذينَ لا يعلمُون﴾.
إخوةَ الإيمانِ لقد رفعَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى درجةَ العلماءِ العاملينَ، وذلكَ لأنَّ بالعلمِ يُصلِحُ اللهُ فسادًا كثيرًا ويُنجِي بهِ مِنَ المهالِكَ خَلقًا كثيرًا. وبالعلمِ يعرِفُ العبدُ مراتِبَ الأعمالِ. وقد بيَّنَ نبيُّنا عليهِ الصلاةُ والسلامُ فضلَ العلمِ فقالَ فيما رواهُ الترمذِيُّ بإسنادٍ صحيحٍ: “فضلُ العالمِ على العابدِ كفَضْلِي على أدناكُم، وإنَّ اللهَ وملائكتَه حتى الحيتانَ في البحرِ لَيُصَلُّونَ على مُعَلِّمِ النَّاسِ الخير”. وإنَّ هذهِ المُفاضلةَ المذكورةَ في الحديثِ هي بينَ عالمٍ هو حقُّ العالمِ وعابدٍ هو حقُّ العابِد. وقد رُوِيَ أن الفقيهَ المحدِّثَ أبا عمرو بنِ الصلاح وهو من أهلِ القرنِ السادسِ الهجريِّ حُفِرَ قبرُه في دمشقَ منذُ أكثر من ثلاثينَ سنةً من أجلِ التخطيطِ الهندسيِّ فعُثِرَ على جسدِهِ صحيحًا لم يَبْلَ منهُ شىءٌ ولا مِنْ كفنِه وكانَ قد مضى على وفاتِه أكثرُ من ثمانِمائةِ سنة، ثم نُقلَ جسدُه إلى مكانِ ءاخرَ ودُفنَ فيه. لقد نالَ ذلك بالعلمِ والعملِ والولايةِ. ومعلومٌ أنَّ أجسادَ الأنبياءِ والشهداءِ لا تَبْلى وكذلك أجسادُ بعضِ الأولياءِ الذين أخلَصوا النِّيةَ للهِ والتزموا بشرعِه واستقاموا على طاعتِه. فإن أردتَ إطاعةَ اللهِ فعليكَ أن تُطبِّقَ قولَ اللهِ تعالى: ﴿يا أيها الذين ءامنوا قُوا أنفُسَكم وأهليكُم ناراً وَقودُها الناسُ والحجارة﴾ وقد فسَّرَها سيدُنا عليٌّ رضيَ اللهُ عنه بقولِه: “علِّمُوا أنفسَكم وأهليكُم الخيرَ”، أي أنَّ وقايةَ النفسِ والأهلِ من نارِ جهنمَ تكونُ بتعلُّمِ أمورِ الدينِ وتعليمِ الأهلِ ذلك. وأما التابعِيُّ الجليلُ عطاءُ بنُ أبي رباح رضيَ اللهُ عنه فقد فسرَ الآيةَ بقولِه: “أنَّ تتعلَّمَ كيف تُصلِّي وكيفَ تصومُ وكيف تبيعُ وتشتري وكيفَ تنكِحُ وكيف تطلقُ”. وإن أردتَ أن تكونَ محبًّا للرسولِ صلى الله عليه وسلم الحبَّ الكاملَ فالتزِمْ بقولِهِ صلى الله عليه وسلم: “طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ”. ويستوِي في ذلك الرجلُ والمرأةُ. فلا يجوزُ للمرأةِ أن تُهْملَ هذا الأمرَ وذلك حتى تتعلَّمَ كيف تُؤدِّي الواجباتِ وتجتنِبُ المحرَّماتِ وكيفَ تُعامِلُ والِدَيْها وتعاشِرُ زوجَها كما أمرَ اللهُ وكيف تُربِّي أولادَها التربيةَ الصالحةَ، فإِنَّها بهذا تُنقِذُ نفسَها من عذابِ النارِ إذا طبَّقتْ ما تعلَّمَتْ من أداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرَّمات.
وليُعلَمْ إخوةَ الإيمان أنَّ من أرادَ أن يتعلَّمَ العلمَ الشرعِيَّ وأن يكونَ عارِفًا بالفقهِ في الدينِ فما عليهِ إلا أن يسلُكَ طريقًا صحيحًا لطلبِ العلمِ الشرعِيِّ، فلا يَعتَمِدُ على مطالعتِهِ الفرديَّةِ دونَ أن يكونَ قد حصَّلَ من العلمِ الشرعيِّ من أهلِهِ القدرَ الذي يؤهِّلُهُ لأن يكونَ مُمَيِّزًا كي يفرِّقَ بين الباطلِ والصحيحِ، فإن لم يفعلْ ذلك واكتفى بالمُطالعةِ فقط فإنَّهُ لا يأمنُ على نفسِه من الوقوعِ في الفهمِ السيءِ، وإنَّ الاعتمادَ على أسلوبِ المطالعةِ الفرديةِ للكُتُبِ دونَ الرجوعِ إلى عالمٍ ثقةٍ ورِعٍ هو أسلوبٌ لا يجعلُ المرءَ عالِمًا ولا طالبَ علمٍ شرعيٍّ. فالواجبُ على المسلمِ أن يتلقَّى علمَ الدينِ من أهلِه فقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “يا أيُّها الناسُ تعلَّموا فإنمَّا العلمُ بالتعلُّمِ والفقهُ بالتفقهِ فمن يُرِدِ اللهُ بهِ خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدين”. وقد مدحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي يذهبُ إلى أهلِ العلمِ للتَّلقِّي منهم فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: “من سلَكَ طريقًا يلتمِسُ فيه علمًا سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنة” رواه الترمذي. فكُنْ حريصًا على المبادرةِ إلى طلبِ العلمِ بإخلاصٍ وهِمَّةٍ وتذكَّرْ قولَ الإمامِ محمدِ ابنِ سيرين: “إنَّ هذا العلمَ دينٌ فانظُروا عمن تأخذُونَ دينَكم”. رواهُ مسلمٌ