تعويد الطفل على خشونة الملبس والمطعم عامل إيجابي في تربيته
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.
تشغل التربية البيتية حيزاً هاماً في عملية إعداد الأجيال إعداداً صالحاً لخوض معتركات المستقبل، إذ من خلالها تتبلور شخصية الطفل ليكون عاملاً إيجابياً في مجتمعه، قادراً على الاضطلاع بأمور وطنه وخدمة أفراده.
ومن هذا المنطلق، فإن تربية الطفل ليست بالأمر السهل، وفي الوقت نفسه ليست من الأمور المستحيلة، خاصة إذا اعتمد فيها على فكر سليم ومبدأ صحيح، ولذا نرى أن التربويين في بيئتنا الإسلامية قد وضعوا أسساً للتربية السليمة، فاعتبروا أن الطفل أمانة عند والديه ينبغي توجيهه من قبلهما التوجيه الصحيح المرتكز على قواعد الشريعة الإسلامية التي نص عليها القرءان الكريم وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا الكائن البشري الضعيف (الطفل) يبدو وكأنه جوهرة ينبغي صقلها وتنظيفها من الشوائب وبالتالي فهو كالصحيفة البيضاء التي تستقبل كل ما يدون عليها. لذلك ينبغي الاعتناء باختيار الألفاظ والموضوعات التي يراد تدوينها حتى لا ينقلب المقصود من التدوين إلى عكس المطلوب.
فإن عود الطفل الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة كان عاملاً إيجابياً في رقي مجتمعه وإفادته. أما إذا عود الشر شقي به وهلك.
وصون الأطفال يكون بتأديبهم وتهذيبهم وتعليمهم محاسن الأخلاق، وحفظهم من قرناء السوء، وما أكثرهم في هذه الأيام.
وكما أن تعويد الطفل من قبل أهله على التنعم وأسباب الرفاهية قد ينعكس سلباً على مستقبله فيضيع عمره في طلب التنعم والزينة، وقد لا يراعي في سبيل الوصول إليها حرمة أو ضميراً أو حقاً.
ومع ذلك فإن مراعاة طباع الولد أمر مطلوب من قبل ولي أمره، فإن كان ممن يشعرون بالحياء من شىء ويترك بعض الأعمال بسبب ذلك الحياء، فينبغي أن يستعان على تأديبه عند البلوغ بحيائه فينشأ كامل العقل، صافي القلب، طيب الأخلاق.
وهناك مراحل متعددة يمر بها الطفل منها:
مرحلة الطفولة الأولى الممتدة حتى السنتين. حيث يكون إتقان المشي والكلام فيها من الإنجازات الحاسمة التي يحققها الطفل في هذه السن لكون التنقل الحر يقود إلى تغيرات هامة في النمو الجسدي والنفسي عند الطفل بين السنة الأولى والثالثة.
أما المرحلة الثانية فتبدأ من سن الثانية حتى السابعة وهي من أهم المراحل. فإن أول ما يغلب على الولد بعد السنتين أو الثلاث سنوات شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه كأن يأكل بيمينه وأن يقول بسم الله عند تناوله وأن يأكل مما يليه، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره، وأن لا يحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل، وأن لا يسرع في الأكل، وأن يجيد المضغ، وأن لا يوالي بين اللقم، ولا يلطخ يده وثوبه وأن يعود الخبز والماء في بعض الأحيان حتى لا يصير يرى اللحم حتماً. وينبغي أن يقبح عنده كثرة الأكل بأن يشبه من يكثر من الأكل بالبهائم ويمدح عنده الصبي المتأدب قليل الأكل، ويحبب إليه قلة المبالاة بالطعام والقناعة منه، ويحب إليه من الثياب الأبيض، ويحفظ عن الصبية الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة. وإن الولد الذي يهمل في المرحلة الأولى والثانية يخرج في الأغلب رديء الأخلاق كذاباً حسوداً لحوحاً ذا فضول ومجانة. ويحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب.
أما في مرحلة الطفولة المتأخرة لما يبلغ سن التمييز فينبغي أن يعلم علم الدين، وأول ما يعلم تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين وما يتبع ذلك من الاعتقاديات، ثم أحكام الطهارة والصلاة ويؤمر بها وبالصوم ثم بعد ذلك يعلم ما يحرم على البطن واللسان واليد والرجل والعين والقلب والبدن ويخوف منها والوقوع بها، ولا يقال ما يقوله بعض الجهلة من الناس ما يزال صغيرًا لا يعي ما تعطونه إياه فهؤلاء يقال لهم ما قاله الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين بعد أن ذكر بعض مسائل الاعتقاديات: “واعلم أن ما ذكرناه فينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوئه فيحفظه حفظاً ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئاً فشيئًا”، تمامًا كتلميذ المدرسة يحفظ التاريخ والجغرافيا كثير منها لا يكون يعيها في أول الأمر ثم لما يكبر ويتذكر ما كان قد حفظ يفهم تلك المعاني.
ثم يعلم القرءان وحفظه فإن الإمام الشافعي حفظ القرءان وهو ابن سبع سنين. ويعلم الحديث و حكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين، ثم لما يظهر منه الخلق الجميل والفعل المحمود ينبغي أن يكرم عليه ويجازى بما يفرح به.
فإن خالف مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانية فينبغي أن يعاتب ويقال له إياك أن تعود لمثل هذا ولا تكثر عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة ويسقط وقع الكلام في قلبه، وليكن الأب حافظًا هيبة الكلام والأم تخوفه به.
وينبغي أن يعود الخشونة في المفرش والملبس والمطعم. وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: “من قل مطعمه وضحكه”.
وأما مرحلة الطفولة المتأخرة أو مرحلة العمليات الحسية فإن الولد خلال هذه المرحلة والتي تليها ينمو بكليته نماءً شاملاً وذلك أن النمو الجسدي والنمو النفسي مترابطان ومما هو شديد الاتصال بالنمو العقلي والنمو الجسدي الحواس ونموها، فمساعدة الولد منذ بداية الحياة على تنميتها من أهم الإجراءات التربوية الفعالة.
