الزنا ءافة اجتماعية مؤدية إلى الهلاك

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد النبيين والمرسلين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد.

اعلم أخي المسلم أن الله تعالى شرع للعباد ما فيه مصلحة لهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وإن مما نهى الله عنه في شرعه الحنيف ارتكاب الزنى الذي هو من أفحش الذنوب وأشنعها، والزنى خطره عظيم على المجتمعات، إذ هو سبب رئيس في الانحطاط والتفكك وضياع الأنساب وتفشي الشحناء والبغضاء بين الناس وما يتبع ذلك من الكذب والخداع وقول الزور، وقد ابتلي بذلك خلق كثير فعمّت الفاحشة بينهم بدعوى التنعم بمباهج الدنيا وحلاوتها، وهم غافلون عمّا يكون من العواقب الوخيمة على النفس وعلى المجتمع.

إخوة الإيمان إنّ الحلال بيّن وإن الحرام بيّن، والله تعالى قال في كتابه العزيز: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ وقال أيضًا: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلـهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ فعلم تحريمه قطعًا فمن استحله كفر، وكذلك كلّ ما كان من مقدمات الزنى كالنظرة المحرّمة واللمس الذي لا يحلّ والكلام المحرّم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “العَيْنُ زِنَاؤُهَا النَّظَرُ، وَالأُذُنُ زِنَاؤُهَا السَّمْعُ، وَالْيَدُ زِنَاؤُهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاؤُهَا الْمَشْيُ، واللِّسَانُ زِنَاؤُهُ الْكَلامُ” ففهم من ذلك وجوب الاعتناء بحفظ الجوارح كلها عن الذنوب الصغيرة والكبيرة، ومن تورّع عن فعل الصغائر هان عليه اجتناب الكبائر، فلا يجوز لأحد أن يستهين بمعصية الله تعالى، فإن مرتكب الزنى يستحق العذاب الأليم يوم القيامة إلا من تاب وصلح عمله فإنّ الله توّاب رحيم.

فهؤلاء الذين يتركون الحلال ويتحرّون الحرام لأجل لذّة عارضة يجب أن ينتهوا عن ذلك فلا خير في لذّة من بعدها النّار، وليتذكّروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يَزْني الزَّاني حِينَ يَزْني وَهُوَ مُؤْمِنٌ” أي أنّ المؤمن لا يكون كامل الإيمان حين يزني بل يكون من أراذل الناس وفسقتهم، وإن الله تبارك وتعالى أمرنا بوجوب حفظ الفرج عن الزنى والفواحش فقال: ﴿وَالَّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ فبيّن لنا طريق الحلال ونهى عن تعديه إلى ما حرم الله تعالى، وقد حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم معشر الشباب على الزواج إذ فيه تحصين للدين فقال: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ” فمن وجد في نفسه الحاجة للزواج وكان قادرًا على المهر والنفقة سنّ له أن يتزوّج فيكون له بذلك ثواب إن نوى الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم بنيّة خالصة ليحصّن نفسه ودينه، فقد قال عليه الصلاة والسّلام: “وَفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ” قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ … أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قال: “أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ”، فالعجب لهؤلاء الذين يفوّتون على أنفسهم الخير ويلتفتون إلى الفواحش والرذائل.

ثمّ إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلَّ الْعَرْشِ” فذكر منهم بقوله: “وَشَابٌّ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتَ حُسْنٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ” مما يدلّ على أن المسلم إذا تعرّض للزنا بامرأة لا تحلّ له فاجتنب ذلك خوفًا من الله تعالى حشر يوم القيامة تحت ظلّ العرش، فالشمس يومئذ تدنو من رؤوس الخلائق ولا يسلم من حرّها إلا من كان تحت ظلّ العرش.

ثم إن عقد الزواج له أركان وشروط لا بد من مراعاتها، فمن أركانه وليّ وشاهدين عدلين يسمعان ويفهمان اللغة التي أجري بها العقد وإيجاب وقبول، فينبغي لمن يريد إجراء عقد النكاح أن يتعلم كيف يصح العقد وكيف يبطل، ذلك لأن كثيرًا من الناس يجرون عقد الزواج من غير علم بالأحكام الضرورية فيخلون بشىء من أركانه فيكون عقدًا باطلاً ثم يحصل الزنى بعد ذلك بسبب الجهل بأمور الدين.

ولقد قال العلماء: “يجب على كل مكلف أن لا يدخل في شىء حتى يتعلّم ما أحلّ الله منه وما حرّم”.
وقد قال عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيَّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ وفسّرها التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح فقال: “أن تتعلّم كيف تصلي وكيف تصوم وكيف تبيع وتشتري وكيف تنكح وكيف تطلّق”.
واعلموا أنه لا ينبغي الالتفات إلى عادات سفهاء الناس بدعوى التحرر، فهؤلاء ما عرفوا معنى التحرر إذ هو يكون بمخالفة النفس من قيود الأهواء وإلزامها بموافقة شرع الله تعالى فإنّ ذلك طريق السلامة في الدنيا والآخرة، والاسترسال بالشهوات ليس علامة على الرفعة، فلينظر المرء ماذا يقدّم لآخرته من العمل فإنّ الدنيا مزرعة الآخرة.

شاهد أيضاً

التسوية بين الزوجات

ننتقل الآن للكلام على القَسْم بين الزوجات. والتسويةُ فى القسم بالنسبة للمبيت واجبةٌ بين الزوجات. …