الحج والعمرة

ولهذِهِ الأركانِ فروضٌ وشروطٌ لا بد من مراعَاتِهَا.

الشرح: أن كل ركنٍ من هذه الأركان له شروطٌ لصحتِهِ لا بد أن يُرَاعِيَها الحاجُّ حتى يكونَ أداؤه للركنِ صحيحاً مُجْزِئًا.

شروط وفروض الحج:

ولأركانِ الحج فروضٌ وشروطٌ لا بد من مراعَاتِهَا.

الشرح: أن كل ركنٍ من هذه الأركان له شروطٌ لصحتِهِ لا بد أن يُرَاعِيَها الحاجُّ حتى يكونَ أداؤه للركنِ صحيحاً مُجْزِئًا. ومَثَّل العلماء لذلك بما يلي:

ويُشتَرَطُ للطوافِ قطعُ مسافَةٍ من الحجرِ الأسودِ إلى الحجرِ الأسودِ سبْعَ مراتٍ. ومن شروطِه سترُ العورةِ والطهارةُ، وأن يجعلَ الكعبةَ عن يسارِهِ لا يستقبِلُهَا ولا يستدبِرُهَا.

ما يحرم على المحرم :

يحرم على المحرم ما يلي:

(1) طِيبٌ.

الشرح: أن المؤلفَ رحمه الله شَرَعَ فى ذكرِ ما يَحْرُمُ على المحرم بدخوله فى الإحرامِ وهى ثمانية أمور. فذَكَرَ رحمه اللهُ الطّـِيبَ وهو أولُ الثمانية. فيحرُمُ على المحرم بالحجِ والعمرةِ التطيُّبُ فى اللباسِ والبَدَنِ فى أثناء النسك ولو كان أَخْشَم أى لو كان فاقداً لحاسة الشم. أما التَطَيُّبُ قبلَ الإحرام لأجلِ أنه يريدُ أن يُحْرِم فإنَّهُ سُنَّةٌ. وقال الشافعىُّ هو سُنَّـةٌ للرَجُلِ والمرأةِ كليهما، لأن عائشةَ رضي الله عنها كانت تقول: كُنَّا نساءَ النبىِّ r نَتَطَيبُ للإحرامِ فيَسِيلُ المسكُ على وجوهِنَا فيرى رسولُ الله r ذلك فلا ينهانا. رواه أبو داود. ويؤْخَذُ من هذا الحديثِ أنه لا يَحْرُمُ على المرأةِ الخروجُ متطيبةً إن كانت لا تَقْصِدُ بذلك فتنةَ الرجال الأجانب. أما إنْ قصدَت ذلك فهو حرام. فإن لم تقصِد ذلك فهو مكروهٌ إلا للإحرامِ فيكونُ سُنـَّـةً.

(2) ودَهْنُ رأسٍ ولِحْيَةٍ بِزَيْتٍ أو شَحْمٍ أو شَمْعِ عَسَلٍ ذَائِبَينِ.

الشرح: أن الأمر الثانِىَ من محرماتِ الإحرام دهنُ الرأسِ أو اللحية بأى شىء يُسمَّى دُهناً ولو لَم يكن مُطَـيَّباً. ويَشمَلُ ذلك الزيتَ وشمعَ العسل الذائب والشحمَ الذائب وما شابه. ويجوزُ للمُحرِمِ دَهْنُ شَعْرِ جسدِهِ بالزيتِ، وإنما الحرامُ دهنُ شعرِ الرأسِ وشعرِ اللحيةِ. فلو كان فاقدَ الشعر فى رأسِه جازَ له أن يدهنَ رأسَهُ بالزيتِ ونحوِهِ، وكذا لو كان أَمْرَدَ لا شَعْرَ لَهُ فى وجْهِهِ جَازَ له دَهْنُ اللَّحْيَينِ بالدُّهْنِ.

(3) وإزالَةُ ظُفْرٍ وشَعَرٍ.

الشرح: أن الأمرَ الثالثَ من محرماتِ الإحرامِ إزالةُ الظفرِ أو إزالةُ الشعر بقصٍ أو نَتْفٍ أو حَلْقٍ أو غيرِ ذلك. لكن لو انْكَسَرَ بعضُ ظُفْرِهِ وكان يتضرَّر ببقاءِ الباقِى فلهُ إزالَتُهُ، أى لو بَقِىَ كما هو من غير أن يقُصَّهُ يتضرر، فيجوز له قَصُّهُ ولا إثمَ عليه فى هذه الحال ولا فدية. وكذا لا فدية عليه ولا إثم أيضاً إن انْتَتـَفَ شعرُهُ بغيرِ فعلٍ منه.

(4) وجِمَاعٌ ومٌقَدِّمَاتُهُ.

الشرح: أن الأمر الرابع من محرمات الإحرامِ هو الجماعُ ومقدِماتُ الجماعِ. فيحرُمُ على الزوجةِ غيرِ المحرِمَةِ تمكينُ زوجِهَا المحرِمِ من جماعِهَا أو من مقدماتِ الجماعِ (ولو كانت هى غيرَ مُحْرِمَة). ومقدماتُ الجماعِ مثلُ القُبْلَةِ بشهوة، والنظرِ بشهوة، واللمسِ بشهوة. فهى محرَّمَةٌ على المحرمِ يأثَمُ فاعِلُهَا وعليه دَمٌ إلا النظرَ فلا دَمَ فيه.

(5) وعقدُ النّكاح.

الشرح: أن عقد النكاح هو الخامس من محرمات الإحرام، فلا يجوزُ ولا يصحُّ أن يعقِدَ النكاح بنفسه أو بتوكيلِ وكيلٍ عنه. وسواء فى ذلك أَكانَ المُحْرِمُ هو الخاطب أو كان المحرم ولياً للمرأة فإنه لا يصحُ.

(6) وصيدُ مأكولٍ بَرِىٍّ وحشىٍّ.

الشرح: أن السادس من محرمات الإحرام صيدُ مأكولٍ برىٍّ وحشىٍّ، كغزالٍ ونَعَامَةٍ ونحوِ ذلك. وأما الحيوانُ المؤذِى بطبعِهِ فيجوزُ للمحرِمِ قتلُهُ، بل يُنْدَبُ ذلك، مثلُ الفأرَة والحيّة وما شابه. ولا يَحرُمُ على المُحرِمِ اصطيادُ ما لا يجوزُ أكلُهُ ولو كان وَحْشِيَاً إلا ما يَحْرُمُ قتله شَرْعاً. فقد رُوِىَ أنَّ رسولَ الله r نهانا عن قتلِ أربعةِ أشياء: النملةِ والنحلةِ والهُدْهُدِ والصُّرَدِ. والصرد طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير. والمرادُ بالنملِ النملُ السُلْيمَانِىُّ الأحمر الكبير، فهذا حرامٌ قتلُهُ.

وكما يَحرُمُ التعرُضُ للحيوان المأكول البرىّ الوحشىّ يحرُمُ التعرُضُ لبيضِهِ، وكذا لَبَـنُهُ وسائِرُ أجزائِهِ كريشِهِ وشعَرِهِ. فلو أتلفَ المُحْرِمُ بالحجِ حيواناً مأكولاً برياً وحشياً فعليهِ أن يدفَعَ المِثْل، أى عليه أن يدفعَ لفقراء الحَرَم-أى للفقراء الذين هم موجودون فى حرم مكة-من الأنعامِ الثلاثة الإبل أو البقر أو الغنم ما هو أشبه بالحيوان الذى قَتَلَهُ. فالفدية فيمن قتلَ نَعَامَةً إبلٌ، وفيمن قتلَ ضَبُعَاً شاةٌ، وهكذا.

(7) وعلى الرجلِ سترُ رأسِهِ ولُبْسُ مُحِيطٍ بخياطَةٍ أو لَبْدٍ أو نَحْوِهِ.

الشرح: أن السابع من محرمات الإحرام أن يسترَ الرجلُ رأسَهُ بِقَلَنْسُوَةٍ أو نحوِهَا (ولو ستر جُزءاً من رأسِهِ حَرُمَ كذلك) بكُلِّ ما يُعَدُّ ساتراً فى العُرْفِ، فلا يَحْرُمُ أن يَضَعَ يَدَهُ على رأسِهِ، ولا أن يَضَعَ خيطاً دقيقاً. ويحرُمُ كذلك على الرجلِ أن يَلْبَسَ ما يُحيطُ ببدَنِهِ بخياطَةٍ (كقميص) أو بلَبْدٍ، وإنما يَسْتُرُ بَدَنَهُ بإزارٍ غير مَخِيطٍ وما شابه ذلك. واللَّبْدُ هوَ أن يُؤخَذَ الصوفُ أو القطن فيُجمع ثم يُكبَس فيصيرُ متماسكاً بسبب الكبس لا بسببِ حَبْكٍ. فلو لَبِسَ قميصاً مُحِيطَاً بالبَدَنِ لا بخياطَة إنما بسبب لَبْدِهِ على هذه الطريقة لم يَجُزْ له ذلك.

(8) وعلَى المُحْرِمَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا وَقُفَّازٌ.

الشرح: أن المرأةَ المحرمةَ حرامٌ عليها أن تستُرَ وجْهَهَا بغطاءٍ يلامِسُ الوجه. أما لو وضعت شيئاً يمنعُ أن يلامِسَ الغطاءُ وجهَهَا ثم سَدَلَت الغطاءَ جاز ذلك كما كانت تفعلُ نساءُ الرسول r . وكذا يَحْرُمُ على المرأةِ لُبْسُ القُفَّازِ وهى محرمة، ولا يحرُمُ عليها أن تستُرَ كفيهَا بِكُمٍّ طويل. وهذا الأمر أى حُرمَةُ سترِ الوجهِ على المرأةِ المحرِمة يُسْتَدَلُّ به على أن وجهَ المرأةِ ليس عورةً. وقد صَحَّ أن امرأَةً وَضِيئةَ الوجه-أى جميلة الوجه-جاءت إلى رسولِ الله r تسأَلـُهُ عن شىءٍ فى الحج وكانت شابةً ولم تكن ساترةً لوجهِهَا، فصارَ الفضلُ بنُ العباس ابنُ عمِّ الرسول r ينظرُ إليها وجعلت هى تنظرُ إليه فَصَرَفَ رسولُ اللهِ r وجهَ ابنِ عمّهِ إلى الناحيةِ الأخرى، ولَم يَقُلْ لها غَطّـِى وجهك، وهذا الحديثُ صحيحٌ رواه البخارى. فلو كان وجهُ المرأةِ عورةً كما يزعُمُ بعضُ الناس، أو لو كان يَجبُ على المرأةِ الجميلة أن تغطِىَ وجهَهَا لكان رسول الله r أمرَ تلك المرأةَ بذلك، لكنه عليه الصلاة والسلام ما فعل ذلك. فتَشُدُّدُ بعضُ الناسِ فى هذه المسألة بتحريمهم على المرأةِ الجميلةِ الخروجَ كاشفةً لوجهِهَا أو بزعمِهم أنَّ وجهَ المرأةِ عورة هو تشدُدٌ فى غيرِ مَحَلّـِـهِ، فإنّ هؤلاء يفرِضُونَ ما لَم يفرِضْهُ اللهُ عزّ وجلّ. وقول بعضهم: “هذا كان قبلَ نزول ءاية الحجاب” غيرُ صحيحٍ بالمرة لأن هذا الأمر حصلَ فى حِجَةِ الوداع وهى ءاخر حِجَة حَجَّهَا رسول الله r ، وهذا بعدَ نزولِ ءايةِ الحجاب بنحوِ خمسِ سنوات. وكذا قول بعضِهِم: “هذا شىءٌ خاصٌ بالحج، لأن المرأةَ فى الحجِ حرامٌ عليها أن تُغَطِىَ وجهَهَا” غير صحيح أيضاً فإنه يقال لهم: لو كان الأمرُ كما تزعُمون لكان رسول الله r قال لها غَطّـِى مع وجودِ شىء يمنعُ من ملاصقةِ النقاب لوجهِكِ كما أمر نساءَهُ أن يفعلْنَ ذلك لكونِ تغطية الوجه أمام الأجانب فرضاً عليهنَّ بالخصوص. قال الله تعالى: {يا نساءَ النبىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النّـِسَاء}. وأما غيرُ نساءِ النبىّ فلا يجب عليهنَّ ستر الوجه. قال القاضى عياض رحمه الله: للمرأةِ كشفُ الوجهِ إجماعاً وعلى الرجالِ غَضُّ البصر إهـ. وغض البصر يعنى تركُ النَّظَرِ المحرَّم.

شاهد أيضاً

التسوية بين الزوجات

ننتقل الآن للكلام على القَسْم بين الزوجات. والتسويةُ فى القسم بالنسبة للمبيت واجبةٌ بين الزوجات. …