المقدمة
الحَمدُ للهِ الَّذِي خَلَعَ عَلَى أَولِيَائِهِ خِلَعَ إِنعَامِهِ فَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَهُ حَامِدُونَ، وَاختَصَّهُمْ بِمَحَبَّتِهِ وَأَقَامَهُمْ عَلَى خِدمَةِ دِينِهِ فَهُمْ فِي نِعمَةِ طَاعَاتِهِ يَتَقَلَّبُونَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَأَظْهَرَ فِيهَا مَرَاتِبَهُمْ فَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُقَرَّبُونَ، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبوَابَ ءَالَائِهِ فَهُمْ بِهَا يَتَفَكَّرُونَ، وَنَوَّرَ قُلُوبَهُمْ فَهُمْ بِذِكرِهِ يَتَلَذَّذُونَ، وَبِطَاعَتِهِ يَتَنَعَّمُونَ، وَبِشَرِيعَتِهِ يَتَأَدَّبُونَ ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، فَسُبحَانَ مَنْ قَرَّبَ أَقوَامًا وَأَقَامَهُمْ عَلَى بَابِ طَاعَتِهِ فَهُمْ عَنهُ لَا يَبرَحُونَ، وَسُبحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ نُجُومًا فِي سَمَاءِ الوِلَايَةِ وَجَعَلَ أَهلَ الأَرضِ بِهِمْ يَهتَدُونَ، وَالْمُنكِرُونَ عَلَيهِمْ فِي غَيّـِهِمْ يَعمَهُونَ، فَالأَولِيَاءُ فِي جَنَّةِ الفِردَوسِ مُتَنَعِّمُونَ، وَالْمُنكِرُونَ لَهُمْ وَعَلَيهِمْ فِي نَارِ الطَّردِ وَالبُعدِ مُعَذَّبُونَ، فَرَبُّنَا لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُمْ يُسأَلُونَ. وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَـٰـهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً شَهِدَ بِهَا الْمُوقِنُونَ، وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ عَبدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ النُّورِ وَالسِّرِّ الْمَصُونِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ وَعَلَى سَائِرِ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرسَلِينَ وَعَلَى سَائِرِ الأَولِيَاءِ وَالآلِ وَالصَّحبِ الطَّيِّبِينَ وَالصَّالِحِينَ كُلَّمَا ذَكَرَكَ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكرِكَ الغَافِلُونَ. أَمَّا بَعدُ:
التحذير من الغلو في الدين ومن عقيدة الحلول والاتحاد
يَظْهَرُ لَنَا مِنْ ذِكرِ الأَولِيَاءِ الصَّالِحِينَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَنَّ دَربَهُمْ وَنَهجَهُمْ كَانَ عَلَى الِاستِقَامَةِ وَالصَّلَاحِ وَالزُّهدِ فِي هَذِهِ الدُّنيَا وَطَلَبِ مَرضَاةِ اللهِ وَثَوَابِهِ فِي الآخِرَةِ، أَمَّا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ مَا فَهِمَ أَصلَ الوِلَايَةِ وَلَا طَرِيقَهَا وَانْخَدَعَ بِالزَّخَارِفِ وَالمَنَاظِرِ وَبَعضِ مَا يُسَمِّيهِ مَجَالِسَ الذِّكرِ، فَظَنَّ بِنَفسِهِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ أَنْ ذَكَرَ اللهَ أَلفَ مَرَّةٍ مَثَلًا صَارَ وَلِيًّا مِنَ الأَكَابِرِ عَلَى دَربِ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ نَقُولُ لَهُ: أَينَ الثَّرَى مِنَ الثُّرَيَّا، أَينَ هَؤُلَاءِ وَأَينَ الأَولِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ، هَؤُلَاءِ فِي وَادٍ وَالوِلَايَةُ فِي وَادٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُسَمُّونَهُم أَهلَ الوَحْدَة المطْلَقَة وَمَنْ يُسَمُّونَهُمْ أَهْلَ الحُلُول زَلُّوا فِي كُلِّ هَذَا. فَأَهْلُ الوَحْدَة يَقُولُونَ: العَبْدُ هُوَ الرَّبُّ، وَالرَّبُّ هُوَ العَبْدُ!! وَأَهْلُ الحُلُولِ يَقُولُونَ: الرَّبُّ يَدْخُلُ فِي العَبْد! هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَكْفَرِ خَلْقِ الله وَلَوِ انْتَسَبُوا إِلَى الإِسْلام، هَؤُلَاءِ قَالُوا إِنَّ اللهَ يَتَّحِدُ مَعَ العَبدِ الذِي يَصِيرُ وَلِيًّا، فَلْيُعْلَمْ أَنَّ الغُلُوَّ فِي الدِّينِ مَمنُوعٌ، وَالغُلُوُّ مُجَاوَزَةُ الحَدِّ، وَمِنَ الغُلُوِّ مَا هُوَ كُفرٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَإِنَّ الانْحِرَافَ عَنِ الإِسلَامِ بِدَعوَى التَّصَوُّفِ غَيرُ مَقبُولٍ، وَقَدْ رَفَضَهُ أَشيَاخُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الكَرِيمَةِ، فَقَدْ حَذَّرُوا مِرَارًا وَتَكْرَارًا مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ القَائِلِينَ بِوَحدَةِ الوُجُودِ وَالقَائِلِينَ بِالحُلُولِ وَالْمُغَالِينَ فِي الْمَشَايِخِ إِلَى حَدِّ مُخَالَفَةِ الشَّرعِ الحَنِيفِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ عَقِيدَةَ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ الحَقِيقِيِّينَ الصَّادِقِينَ وَالأَولِيَاءِ الْمُقَرَّبِينَ هِيَ التَّمَسُّكُ بِعَقِيدَةِ الْمُسلِمِينَ وَالأَمْرُ بِالوَاجِبَاتِ وَاجتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالتِزَامُ نَهْجِ الصَّالِحِينَ وَعَدَمُ التَّعَلُّقِ بِالدُّنيَا وَالإِقبَالُ بِهِمَّةٍ عَلَى الآخِرَةِ وَاتِّبَاعُ مَسْلَكِ الزَّاهِدِينَ. وَإِنَّهُ يَحِزُّ فِي أَنْفُسِنَا مَا نَرَى وَمَا نَسمَعُ مِنْ أَدعِيَاءِ التَّصَوُّفِ الذِينَ شَوَّهُوا سُمعَةَ الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ، وَادِّعَائُهُمُ الوِلَايَةَ وَالْمَقَامَاتِ وَالأَحوَالَ وَدَرَجَةَ القُطْبِيَّةِ وَالإِرشَادَ، وَافتِرَائُهُمْ عَلَى الْمَشَايِخِ الأَجِلَّاءِ، بِكَلَامٍ جُلُّهُ افتِرَاءٌ، كَافْتِرَائِهِمْ عَلَى الشَّيخِ مُحيِ الدِّينِ بنِ عَرَبِي وَالشَّيخِ عَبدِ القَادِرِ الجِيلَانِيِّ وَالشَّيخِ أَبِي يَزِيدَ البُسطَامِيِّ وَغَيرِهِمْ مِن أَئِمَّةِ الدِّينِ وَأَعلَامِ الْمُسلِمِينَ وَسَادَةِ الصُّوفِيَّةِ الصَّادِقِينَ، وَالكَثِيرُ مِن هَؤُلَاءِ الأَدْعِيَاءِ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ لِزَنْدَقَتِهِمْ وَانغِمَاسِهِمْ فِي مُستَنْقَعِ القَولِ بِالحُلُولِ وَالزَّندَقَةِ وَوَحْدَةِ الوُجُودِ الْمُطلَقَةِ الَّتِي حَارَبَهَا السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ وَأَعْلَنُوا بَرَاءَتَهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ بِهَا وَفِي هَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ الكَبِيرُ: “كُلُّ طَرِيقَةٍ خَالَفَتِ الشَّرِيعَةَ فَهِيَ زَندَقَةٌ”. يَقُولُ الحَافِظُ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي بَيَانِ تَكفِيرِ أَهلِ الحُلُولِ وَالوَحدَةِ المُطلَقَةِ فِي كِتَابِهِ “الحَاوِيْ لِلفَتَاوِي” 2/129. الحَمدُ للهِ وَسَلَام عَلَى عِبَادِهِ الذِينَ اصطَفَى، القَولُ بِالحُلُولِ وَالاتِّحَادِ الذِي هُوَ أَخُو الحُلُولِ، أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِهِ النَّصَارَى إِلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوهُ بِعِيسَى إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا الْمُتَوَسِّمُونَ بِسِمَةِ الإِسلَامِ فَلَمْ يَبتَدِعْ أَحَدٌ مِنهُمْ هَذِهِ البِدعَةَ إِلَى أَنْ قَالَ: “… غَيرَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ غُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِمِثلِ هَذِهِ المَقَالَةِ وَمَا زَالَ العُلَمَاءُ وَمُحَقِّقُو الصُّوفِيَّةِ يَبينُونَ بُطلَانَ القَولِ بِالحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَيُنَبِّهُونَ عَلَى فَسَادِهِ وَيُحَذِّرُونَ مِنْ ضَلَالِهِ”.
وَقَالَ الإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ “المُحَصّلِ فِي أُصُولِ الدِّينِ”: مَسأَلَةٌ: البَارِئُ تَعَالَى لَا يَتَّحِدُ بِغَيرِهِ، لِأَنَّهُ حَالَ الاتِّحَادِ إِنْ بَقِيَا مَوجُودَينِ فَهُمَا اثنَانِ لَا وَاحِدٌ، وَإِنْ صَارَا مَعدُومَينِ فَلَمْ يَتَّحِدَا، وَإِنْ عُدِمَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الآخَرُ فَلَمْ يَتَّحِدَا، لِأَنَّ المَعدُومَ لَا يَتَّحِدُ بِالمَوجُودِ.اهـ
وَقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ “الشِّفَا” مَا مَعنَاهُ: أَجمَعَ المُسلِمُونَ عَلَى كُفرِ أَصحَابِ الحُلُولِ وَمَنِ ادَّعَى حُلُولَ البَارِئِ سُبحَانَهُ فِي أَحَدِ الأَشخَاصِ كَقَولِ بَعضِ المُتَصَوِّفَةِ وَالبَاطِنِيَّةِ وَالنَّصَارَى وَالقَرَامِطَةِ.اهـ
وَقَالَ الشَّيخُ عِزُّ الدِّينِ بنُ عَبدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ الكُبرَى: “وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الإِلَهَ يَحُلُّ فِي شَىءٍ مِنْ أَجسَادِ النَّاسِ أَوْ غَيرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ”.اهـ
وَمِنَ الكَلَامِ الذِي يَقُولُهُ بَعضُ مُدَّعِي التَّصَوُّفِ وَالذِّكرِ وَالتَّدَيُّنِ قَولُهُمْ “مَا الكَونُ إِلَّا القَيُّومُ الحَيُّ” وَهَذِهِ الكَلِمَةُ وَغَيرُهَا مَوجُودَةٌ فِي كِتَابٍ اسمُهُ “مَزَامِيرُ دَاودَ” وَمِمَّا جَاءَ فِي هَذَا الكِتَابِ المُسَمَّى “مَزَامِيرَ دَاودَ” عِبَارَاتٌ صَرِيحَةٌ بِالقَولِ بِالوَحدَةِ المُطلَقَةِ وَالحُلُولِ مِثلُ القَولِ:
إِذَا ذَكَرْتَهُ بِالجِدِّ تَرَى مَا لَا تَرَاهُ
كُلُّ مَا تَهوَاهُ مَوجُودٌ فِي ذَاتِ اللهِ
وَمِنهَا القَولُ:
اثنَانِ نَحنُ وَفِي الحَقِيقَةِ وَاحِدٌ
لَكِنْ أَنَا الأَدنَى وَأَنتَ الأَكبَرُ
وَهَذَا الكَلَامُ يُفِيدُ عَقِيدَةَ الحُلُولِ وَالوَحْدَةَ المُطلَقَةَ وَمَعنَى الوَحدَةَ المُطلَقَةَ بِزَعمِهِمْ أَنَّ اللهَ جُملَةُ العَالَمِ، وَمَعنَى الحُلُولِ أَيْ حُلُولِ اللهِ فِي الأَجسَامِ تَعَالَى اللهُ عَن ذَلِكَ، وَكِلتَا العَقِيدَتَينِ ضِدُّ التَّوحِيدِ ضِدُّ الإِسلَامِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، [سورة الشورى:11].
وَيَقُولُ القُطبُ الفَردُ الجَامِعُ وَالبَدرُ المُحَمَّدِيُّ اللَّامِعُ الشَّهِيرُ بِالرَّوَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَهُوَ الشَّيخُ الجَلِيلُ وَالمُحَدِّثُ النَّبِيلُ وَالسَّيِّدُ الأَصِيلُ الرِّفَاعِيُّ الثَّانِي، وَالمُجَدِّدُ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي القَرنِ الثَّالِثَ عَشَرَ مُحيِي الطَّرِيقَةِ وَأُستَاذُ الشَّرِيعَةِ وَالحَقِيقَةِ المُقبِلُ عَلَى اللهِ المُعرِضُ عَنِ النَّاسِ، الإِمَامُ الهُمَامُ السَّيِّدُ مُحَمَّدُ مَهدِي بنُ السَّيِّدِ عَلِيٍّ الصَّيَّادِيُّ الرِّفَاعِيُّ الحُسَينِيُّ الحَسَنِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَنَفَعَنَا بِعُلُوُمِهِ وَالمُسْلِمِينَ، آمِينَ].
و سَبَبُ تَسمِيَةِ الإِمَامِ الرَّوَّاسِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ بِهَذَا الاسْمِ: لِأَنَّ الإِمَامَ أَمضَى حَيَاتَهُ سَائِحًا فِي البِلَادِ، فَكَانَ الإِمَامُ يَعمَلُ بِتَقطِيعِ رُؤُوسِ الأَغنَامِ مِنْ أَجلِ أَنْ يُنفِقَ عَلَى نَفسِهِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِالرَّوَّاسِ.
وُلِدَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى سَنَةَ (1220هـ) بِبَلدَةِ سُوقِ الشُّيُوخِ فِي العِرَاقِ وَهِيَ بُلَيدَةٌ مِنْ أَعمَالِ البَصرَةِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَبَقِيَ يَتِيمًا وَبَلَغَ مِنَ العُمُرِ خَمْسَ عَشرَةَ سَنَةً، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ سَنَةً، وَفِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ سَنَتَينِ، وَاشتَغَلَ بِطَلَبِ العِلمِ وَأَقَامَ فِي الجَامِعِ الأَزهَرِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يَتَلَقَّى العُلُومَ الشَّرعِيَّةَ وَالفُنُونَ الْمَرضِيَّةَ عَن مَشَايِخِ الأَزهَرِ، حَتَّى بَرَعَ فِي كُلِّ عِلمٍ. كَانَ قَوِيَّ القَلبِ ذَا بَرَاعَةٍ فِي النُّطقِ وَسِيعَ العِلمِ سَهلَ الطِّبَاعِ مُتَمَكِّنًا فِي الدِّينِ يَدُورُ مَعَ الحَقَّ حَيثُ دَارَ يَتَأَخَّرُ فِي مَشيِهِ عَن مُرِيدِيهِ وَمُحِبِّيهِ خِيفَةً مِن أَنْ تَنعَطِفَ إِلَيهِ أَنظَارُ النَّاسِ. تُوُفِّيَ بِبَغدَادَ، وَدُفِنَ أَوَّلًا فِي الجَانِبِ الشَّرقِيِّ مِنهَا بِمَسجِدِ دَكَاكِينِ حُبُوبٍ، وَذَلِكَ سَنَةَ (1287 هـ) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَنَفَعَنَا بِعُلُومِهِ وَالْمُسلِمِينَ، آمِينَ. ثُمَّ نُقِلَ بَعدَ ذَلِكَ إِلَى مَسجِدِ السُّلطَانِ عَلِيٍّ وَالِدِ السَّيِّدِ الإِمَامِ الرِّفَاعِيِّ الكَبِيرِ، فِي شَارِعِ الرَّشِيدِ بِبَغدَادَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ أَجمَعِينَ. قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَنَفَعَنَا بِهِ:
دَعْ وَهْمَ أَهْلِ الوَحْدَةِ الْمُطْلَقَهْ
وَافْهَمْ رُمُوزَ الجَمْعِ وَالتَّفْرِقَهْ
كُلُّ اتِّحَادٍ حُكْمُهُ بَاطِلٌ
وَشَاهِدُ الظَّاهِرِ قَدْ مَزَّقَهْ
مَنْ غَيَّرَ الأَيَّامُ أَحوَالَهُ
وَشَيَّبَتْ رَغْمًا لَهُ مَفْرِقَهْ
ثُمَّ حَنَتْهُ ثُمَّ طَاحَتْ بِهِ
تَحْتَ الثَّرَى فِي حُفْرَةٍ مُغْلَقَهْ
وَمَنْ يَرَى الفَقْرَ وَيَلْقَى العَنَا
وَتَعْتَرِيهِ النُّوَبُ الْمُقْلِقَهْ
وَكُلَّ وَقْتٍ كُلُّهُ حَاجَةٌ
لِثَوبِهِ وَالْخُبْزِ وَالمِلعَقَهْ
وَتَكْتَنِفْهُ فِي الْخَلَا وَحْشَةٌ
وَيَتَّزِرْهُ الْأُنْسُ بِالطَّقْطَقَهْ
يَبُولُ مَقْهُورًا وَتَلْوِي بِهِ
لِنَوْمِهِ جُثَّتُهُ الْمُعْرَقَهْ
يَكُونُ عَيْنَ اللهِ عَزَّ اسْمُهُ
حَاشَا وَذَا مِنْ دَنَسِ الزَّنْدَقَهْ
فَنَزِّهِ الْخَالِقَ عَنْ قَوْلِ مَنْ
أَشرَكَ وَاطْرَحْ هَذِهِ الشَّقْشَقَهْ
مَا وَحَّدَ اللهَ تَعَالَى امْرُؤٌ
مُعْتَقِدٌ بِالوَحْدَةِ الْمُطلَقَهْ
وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَذُمُّونَ طُرُقَ الصُّوفِيَّةِ وَالأَولِيَاءِ جَهْلًا وَتَعَنُّتًا فَلَا أُولَئِكَ نَجَوا وَلَا هَؤُلَاءِ نَجَوا إِنَّمَا يُذَمُّ مَنْ حَادَ عَنِ الشَّرِيعَةِ وَاتَّخَذَ البَاطِلَ وَهَوَاهُ سَبِيلًا.
وَقَالَ الشَّيخُ أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ: “لَفْظَتَانِ ثُلْمَتَانِ فِي الدِّينِ أَيْ هُمَا هَدْمٌ لِلدِّينِ القَولُ بِالوَحدَةِ، وَالشَّطَحُ الْمُجَاوِزُ لِحَدِّ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ”.
وَنُكمِلُ فِي ذِكْرِ كَرَامَاتِ أَولِيَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ وَمِنهُمْ
ذكر كرامات سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه
صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ عَنْ سَعْدٍ: «اللهم اسْتَجِبْ لَهُ إِذَا دَعَاكَ».اهـ وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «اللهم اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إِذَا دَعَاكَ».اهـ فَبِبَرَكَةِ دَعوَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ كَانَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ مُستَجَابُ الدَّعوَةِ وَكَانَ البَعضُ يَخشَى أَنْ يُغضِبَهُ حَتَّى لَا يَدعُوَ عَلَيهِ لِأَنَّهُ مُجَابُ الدَّعوَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ.
فَفِي البُخَارِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي؟ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَمَّا أَنَا، وَاللهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا (أَيْ لَا أُنقِصُ مِنهَا شَيئًا)، أُصَلِّي صَلَاةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا، أَوْ رِجَالًا، إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ (وَلَيسَ هَذَا طَعنًا فِي سَعدٍ لَكِنْ حَتَّى يُسكِتَ أَهلَ الفِتنَةَ وَالقِيلَ وَالقَالَ)، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ: اللهم إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ».اهـ اسْتُجِيبَتْ دَعوَةُ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي ظَلَمَهُ.
وَرَوَى الحَاكِمُ فِي المُستَدْرَكِ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ فِي السُّوقِ إِذْ بَلَغْتُ أَحْجَارَ الزَّيْتِ، فَرَأَيْتُ قَوْمًا مُجْتَمِعِينَ عَلَى فَارِسٍ قَدْ رَكِبَ دَابَّةً، وَهُوَ يَشْتِمُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالنَّاسُ وُقُوفٌ حَوَالَيْهِ إِذْ أَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: رَجُلٌ يَشْتُمُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَتَقَدَّمَ سَعْدٌ فَأَفْرَجُوا لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا هَذَا، عَلَامَ تَشْتُمُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ أَلَمْ يَكُنْ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ (أَيْ مِنَ الصِّبيَانِ)؟ أَلَمْ يَكُنْ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ أَلَمْ يَكُنْ أَزْهَدَ النَّاسِ؟ أَلَمْ يَكُنْ أَعْلَمَ النَّاسِ (أَيْ مِنْ أَعْلَمِهِمْ)؟ وَذَكَرَ حَتَّى قَالَ: أَلَمْ يَكُنْ خَتَنَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى ابْنَتِهِ؟ أَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ رَايَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزَوَاتِهِ؟ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللهم إِنَّ هَذَا يَشْتُمُ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِكَ، فَلَا تُفَرِّقْ هَذَا الْجَمْعَ حَتَّى تُرِيَهُمْ قُدْرَتَكَ. قَالَ قَيْسٌ: فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا حَتَّى سَاخَتْ بِهِ دَابَّتُهُ فَرَمَتْهُ عَلَى هَامَتِهِ فِي تِلْكَ الْأَحْجَارِ، فَانْفَلَقَ دِمَاغُهُ وَمَاتَ.
ما روي من كرامات سيف الله المسلول أبي سليمان خالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه
رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: شَهِدْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالْحِيرَةِ أُتِيَ بِسُمٍّ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: سُمُّ سَاعَةٍ، قَالَ: “بِسْمِ اللهِ ثُمَّ ازْدَرَدَهُ.اهـ (أَيِ ابْتَلَعَهُ) وَفِي تَفصِيلِ هَذَا يَقُولُ أَهلُ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ: سَارَ خَالِدٌ بِالْمُسْلِمِينَ حَتَّى بَرَزَ عَلَى الْحِيْرَةِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ حُصُونٌ وَثِيقَةٌ وَرِجَالٌ جُلْدٌ مِنَ الْفُرْسِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمَّا نَزَلُوا عَلَيْهِمْ جَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالنُّشَّابِ، وَيَرْجُمُونَهُ بِحِجَارَةٍ، فَغَضِبَ خالد مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادَ يَعْجَلَ عَلَيْهِمْ بِالْحَرْبِ، فَقَالَ لَهُ ضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ الأَسَدِيُّ: أَيُّهَا الأَمِيرُ، لا تَعْجَلْ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ لا عُقُولَ لَهُمْ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ مَكِيدَةٌ أَكْثَرَ عِنْدَهُمْ مِنْ رَمْيِ النُّشَّابِ وَالْحِجَارَةِ، وَلَكِنِ ابْعَثْ إِلَيْهِمْ وَأْمُرْهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَيْكَ، وَمُرْهُمْ بِمَا تُرِيدُ مِنْهُمْ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ خَالِدٌ أَنْ يَبْعَثُوا رَجُلا مِنْهُمْ لَهُ عَقْلٌ وَرَأْيٌ وَفَهْمٌ، يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَمَا يُقَالُ لَهُ، حَتَّى أُكَلِّمَهُ، وَلَعَلِّي أَنْ أَعقِدَ مَعَكُمُ الصُّلْحَ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ رَجُلا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ بَلْقَاءَ الْغَسَّانِيُّ، فَقَالُوا إِلَيْهِ: سِرْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَانْظُرْ مَا يُرِيدُ مِنَّا، فَإِنْ قَدِرْتَ عَلَى صُلْحِهِ فَصَالِحْهُ عَنَّا. فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَهُ نَيِّفٌ عَلَى مِائَتَي سَنَةٍ، حَتَّى صَارَ إِلَى خَالِدٍ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ خَالِدٌ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ، قَالَ: مِنَ الدُّنْيَا، قَالَ: مِنْ أَيْنَ خَرَجْتَ، قَالَ: مِنْ بَطْنِ أُمِّي، قَالَ: فَتَبَسَّمَ خَالِدٌ، فَقَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ جِئْتَ، قَالَ: فِي ثِيَابِي، قَالَ: وَيْحَكَ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ، قَالَ: عَلَى الأَرْضِ، قَالَ خَالِدٌ: مَا أَرَاكَ تَزِيدُنِي إِلا عَمًى، قَالَ: أَفَتَعْقِلُ أَمْ لا، قَالَ: نَعَمْ أَعْقِلُ وَأُفِيدُ، قَالَ خَالِدٌ: أَنَا أُكَلِّمُكَ كَلامَ النَّاسِ، قَالَ: وَأَنَا أُجِيبُكَ بِجَوَابِ النَّاسِ، قَالَ خَالِدٌ: فَمَا أَنْتُمْ، قَالَ: نَحْنُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، قَالَ: فَسِلْمٌ أَنْتَ أَمْ حَرْبٌ، قَالَ: بَلْ سِلْمٌ، قَالَ: فَعَرَبٌ أَنْتُمْ أَمْ نَبَطٌ، قَالَ: عَرَبٌ خَبِّرْنِي الآنَ لأَيِّ شَيْءٍ بَنَيْتُمْ هَذِه (يَقصِدُ جُدرَانَ بِلَادِهِمْ)، قَالَ: بَنَيْنَاهَا لِلسَّفِيهِ حَتَّى يَجِيءَ الْحَلِيمُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ ظُلْمِنَا، قَالَ خَالِدٌ: إِنِّي أَرَى يَدَكَ مَضْمُومَةً عَلَى شَيْءٍ، فَخَبِّرْنِي مَا فِي يَدِكَ، قَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ: فِي يَدِي سُمُّ سَاعَةٍ، قَالَ خَالِدٌ: مَا تَصْنَعُ بِهِ، قَالَ: جِئْتُ بِهِ مَعِي، فَإِنْ كَانَ مِنْكَ إِلَيْنَا مَا يُوَافِقُ قَوْمِي فَذَلِكَ الَّذِي أُرِيدُ، وَإِنْ كَانَتِ الأُخْرَى شَرِبْتُ هَذَا السُّمَّ وَاسْتَرَحْتُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، فَقَدْ طَالَ عُمْرِي فِيهَا، فَقَالَ خَالِدٌ: أَرِنِي هَذَا السُّمَّ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَأَخَذَهُ مِنْ رَاحَتِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهَا ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللهِ خَيْرِ الأَسْمَاءِ، بِسْمِ اللهِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، بِسْمِ اللهِ الَّذِي خَلَقَ خَلِيقَتَهُ مِنَ الْمَاءِ، وَأَهْوَى إِلَيْهِ الْأُمَرَاءُ؛ لِيَمْنَعُوهُ مِنْهُ فَبَادَرَهُمْ فَأَلْقَى السُّمَّ فِي فِيهِ وَبَلَعَهُ، فَجَعَلَ يَرْشَحُ عَرَقًا وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا.فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ بُقَيْلَةَ قَالَ: وَاللهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَتَمْلِكُنَّ مَا أَرَدْتُمْ مَا دَامَ مِنْكُمْ أَحَدٌ. ثُمَّ أَقْبَلَ خالدٌ عَلَى عَبْدِ الْمَسِيحِ فَقَالَ: اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُكُمْ وَمَعَادُكُمْ وَادْخُلُوا فِي دِينِ الإِسْلامِ، فَإِنَّكُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ، وَقَدْ جِئْتُكُمْ بِقَوْمٍ هُمْ أَحْرَصُ عَلَى الْمَوْتِ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ: ارْقُبْ عَلَيَّ قَلِيلا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى قَوْمِي وَأُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ. ثُمَّ رَجَعَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى أَهْلِ الحِيرَةِ، قَالُوا لَهُ: مَا وَرَاءَكَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ: وَيْلَكُمْ يَا قَوْمِ، أَعْطُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ مَا يُرِيدُونَهُ مِنْكُمْ فَلَيْسَ عِنْدِي هُمْ بِنَاسٍ، وَذَلِكَ إِنِّي رَأَيْتُ السُّمَّ لا يَعْمَلُ فِيهِمْ. فَعِنْدَهَا طَلَبَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ.اهـ
تَنبِيهٌ: إِنَّ خَالِدًا رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَمَا أَقدَمَ عَلَى شُربِ السُّمِّ، كَانَ فِي قِمَّةِ اليَقِينِ وَالإِيمَانِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ وَأَودَعَ فِي كُلِّ شَيءٍ خَصَائِصَهُ، وَأَنَّهُ القَادِرُ عَلَى أَنْ يُلغِيَ مَفعُولَ هَذِهِ الخَصَائِصِ إِذَا أَرَادَ لِحِكمَةٍ عَالِيَةٍ وَهَدَفٍ عَظِيمٍ، كَمَا أَذهَبَ فَعَالِيَةَ النَّارِ حِينَمَا أُلقِيَ فِيهَا إِبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلَامُ وَجَعَلَهَا عَلَيهِ بَردًا وَسَلَامًا، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِغَيرِ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِمُ السَّلَامُ؛ كَمَا حَصَلَ لِأَبِي مُسلِمٍ الخَولَانِيِّ لَمَّا رَفَضَ أَنْ يُقِرَّ بِنُبُوَّةِ الأَسوَدِ العَنسِيِّ الكَذَّابِ؛ فَأَلقَاهُ فِي النَّارِ فَوَجَدُوهُ فِيهَا قَائِمًا يُصَلِّي وَلَمْ تَضُرَّهُ.
كَمَا أَنَّ خَالِدًا حِينَمَا أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يخَالِجْ قَلبَهُ ذَرَّةٌ مِنْ إِرَادَةِ حَظِّ النَّفسِ وَكَسبِ السُّمعَةِ وَالجَاهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى شَيئًا مِنْ ذَلِكَ لَمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا حَولَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ عَلَى انْتِزَاعِ أَثَرِ السُّمِّ الضَّارِّ، وَهَذِهِ تَجرِبَةٌ فَذَّةٌ لَا يُطْلَبُ مِنْ أَيِّ مُسلِمٍ أَنْ يَخُوضَهَا، وَلَوْ كَانَ هَدَفُهُ نَفسَ الهَدَفِ الَّذِي رَمَى إِلَيهِ خَالِدٌ. قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي شَرحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ: هَذَا كَرَامَةٌ لِخَالِدِ بنِ الوَلِيدِ، فَلَا يُتَأَسَّى بِهِ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى قَتلِ المَرءِ نَفسَهُ.اهـ
ما روي من كرامات العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه
بَعَثَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى البَحرَينِ لِمُحَارَبَةِ المُرتَدِّينَ هُنَاكَ العَلَاءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ فَلَمَّا دَنَا مِنَ البَحرَينِ، جَاءَ إِلَيْهِ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ فِي جَحْفَلٍ كَثِيرٍ، وَجَاءَ كُلُّ أُمَرَاءِ تِلْكَ النَّوَاحِي، فَانضَافُوا إِلَى جَيشِ العَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَأَكْرَمَهُمُ الْعَلَاءُ وَرَحَّبَ بِهِمْ وَأَحسَنَ إِلَيهِم. وَقَدْ كَانَ الْعَلَاءُ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ العُلَمَاءِ الْعُبَّادِ مُجَابِي الدَّعْوَةِ، اتَّفَقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلًا، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ النَّاسُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى نَفَرَتِ الْإِبِلُ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ زَادِ الْجَيْشِ وَخِيَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ، وَبَقُوا عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ سِوَى ثِيَابِهِمْ، وَذَلِكَ لَيْلًا، وَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهَا عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ، فَرَكِبَ النَّاسُ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوَصَفُ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُوصِي إِلَى بَعْضٍ، فَنَادَى مُنَادِي الْعَلَاءِ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَسْتُمُ الْمُسْلِمِينَ؟ أَلَسْتُمْ خرجتم فِي سَبِيلِ اللهِ؟ أَلَسْتُمْ أَنْصَارَ اللهِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَبْشِرُوا، فَوَاللَّهِ لَا يَخْذِلُ اللهُ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِكُمْ. وَنُودِيَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَجَثَا النَّاسُ، وَنَصِبَ فِي الدُّعَاءِ وَرَفَعَ يَدَيْه (رَفَعَ يَدَيهِ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّهَا قِبلَةُ الدُّعَاءِ لَا أَنَّ اللهَ يَسكُنُهَا فَهُوَ سُبحَانَهُ مَوجُودٌ بِلَا مَكَانٍ وَلَا يَجرِي عَلَيهِ زَمَانٌ)، وَفَعَلَ النَّاسُ مِثْلَهُ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى سَرَابِ الشَّمْسِ يَلْمَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَهُوَ يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ، فَلَمَّا لَمَعَ الثَّالِثَةَ إِذَا قَدْ خَلَقَ اللهُ إِلَى جَانِبِهِمْ غَدِيرًا عَظِيمًا مِنَ الْمَاءِ الْقَرَاحِ، فَمَشَى وَمَشَى النَّاسُ إِلَيْهِ، فَشَرِبُوا وَاغْتَسَلُوا فَمَا تَعَالَى النَّهَارُ حَتَّى أَقْبَلَتِ الْإِبِلُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ بِمَا عَلَيْهَا، لَمْ يَفْقِدِ النَّاسُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ سِلْكًا، فَسَقَوُا الْإِبِلَ، فَكَانَ هَذَا مِمَّا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ آيَاتِ اللهِ بِهَذِهِ السَّرِيَّةِ، ثُمَّ لَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ جُيُوشِ الْمُرْتَدَّةِ – وَقَدْ حَشَدُوا وَجَمَعُوا خَلْقًا عَظِيمًا – نَزَلَ وَنَزَلُوا، وَبَاتُوا مُتَجَاوِرِينَ فِي الْمَنَازِلِ، فَبَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي اللَّيْلِ إِذْ سَمِعَ الْعَلَاءُ أَصْوَاتًا عَالِيَةً فِي جَيْشِ الْمُرْتَدِّينَ، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْشِفُ لَنَا خَبَرَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَذَفٍ، فَدَخَلَ فِيهِمْ فَوَجَدَهُمْ سُكَارَى لَا يَعْقِلُونَ مِنَ الشَّرَابِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَرَكِبَ الْعَلَاءُ مِنْ فَوْرِهِ هُوَ وَالْجَيْشُ مَعَهُ، فَكَبَسُوا أُولَئِكَ فَقَتَلُوهُمْ قَتْلًا عَظِيمًا، وَقَلَّ مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ وَحَوَاصِلِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ، فَكَانَتْ غَنِيمَةً عَظِيمَةً جَسِيمَةً. ثُمَّ رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ فِي آثَارِ الْمُنْهَزِمِينَ، يَقْتُلُونَهُمْ بِكُلِّ مَرْصَدٍ وَطَرِيقٍ، وَذَهَبَ مَنْ فَرَّ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فِي الْبَحْرِ إِلَى دَارِينَ، رَكِبُوا إِلَيْهَا السُّفُنَ، ثُمَّ شَرَعَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَنَفْلِ الْأَنْفَالِ، وَفَرَغَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى دَارِينَ؛ لِنَغْزُوَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأَعْدَاءِ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ سَرِيعًا، فَسَارَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى سَاحِلَ الْبَحْرِ؛ لِيَرْكَبُوا فِي السُّفُنِ، فَرَأَى أَنَّ الشُّقَّةَ بَعِيدَةٌ، لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِمْ فِي السُّفُنِ حَتَّى يَذْهَبَ أَعْدَاءُ اللهِ، فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ بِفَرَسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، يَا حَلِيمُ يَا كَرِيمُ، يَا أَحَدُ يَا صَمَد (الأَحَدُ مَعنَاهُ الَّذِي لَا يَقبَلُ الاِنقِسَامَ وَالتَّجَزُّؤَ لِأَنَّهُ لَيسَ جِسمًا لَا كَثِيفًا وَلَا لَطِيفًا، مَهمَا تَصَوَّرتَ بِبَالِكَ فَاللهُ لَا يُشبِهُ ذَلِكَ، وَالصَّمَدُ مَعنَاهُ الَّذِي لَا يَحتَاجُ إِلَى غَيرِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ غَنِيٌّ عَنِ المَكَانِ وَالزَّمَانِ وَالعَرشِ وَالكُرسِيِّ وَكُلِّ الخَلقِ، قَالَ الحَسَنُ البِصْرِيُّ فِي مَعنَى الصَّمَدِ: الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الزَّوَالُ كَانَ وَلَا مَكَانَ، وَلَا أَيْنَ وَلَا أَوَانَ، وَلَا عَرْشَ وَلَا كُرْسِيَّ، وَلَا جِنِّيَّ وَلَا إِنْسِيَّ وَهُوَ الْآنَ كَمَا كَانَ.اهـ رَوَاهُ الرَّازِيُّ فِي تَفسِيرِهِ)، يَا حَيُّ يَا مُحيِي المَوتَى، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لَا إلهَ إِلَّا أَنْتَ يَا رَبَّنَا. وَأَمَرَ الْجَيْشَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَيَقْتَحِمُوا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَأَجَازَ بِهِمُ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ اللهِ يَمْشُونَ عَلَى مِثْلِ رَمْلَةٍ دَمِثَةٍ (أَيْ نَاعِمَةٍ)، فَوْقَهَا مَاءٌ لَا يَغْمُرُ أَخْفَافَ الْإِبِلِ، وَلَا يَصِلُ إِلَى رُكَبِ الْخَيْلِ، وَمَسِيرَتُهُ لِلسُّفُنِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقَطَعَهُ إِلَى السَّاحِلِ الْآخَرِ، فَقَاتَلَ عَدُوَّهُ وَقَهَرَهُمْ، وَاحْتَازَ غَنَائِمَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَطَعَهُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَعَادَ إِلَى مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنَ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا، وَاسْتَاقَ الذَّرَارِيَّ وَالْأَنْعَامَ وَالْأَمْوَالَ، وَلَمْ يَفْقِدِ الْمُسْلِمُونَ فِي الْبَحْرِ شَيْئًا سِوَى عُلَّيْقَةِ فَرَسٍ (مَا يُعَلِّقُ عَلَيهَا الَّذِي يَحمِلُهُ) لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ هَذَا رَجَعَ الْعَلَاءُ فَجَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ قَسَّمَ غَنَائِمَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ، فَأَصَابَ الْفَارِسُ أَلْفَيْنِ وَالرَّاجِلُ أَلْفًا، مَعَ كَثْرَةِ الْجَيْشِ، وَكَتَبَ إِلَى الصِّدِّيقِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ الصِّدِّيقُ يَشْكُرُهُ عَلَى مَا صَنَعَ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مُرُورِهِمْ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ ذَلَّلَ بِحْرَهُ
وَأَنْزَلَ بِالْكُفَّارِ إِحْدَى الجَلَائِلِ
دَعَوْنَا الَّذِي شَقَّ الْبِحَارَ فَجَاءَنَا
بِشبيهٍ مِنْ فَلْقِ الْبِحَارِ الأَوَائِلِ
وَقَدْ ذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ وَالْمَشَاهِدِ الَّتِي رَأَوْهَا مِنْ أَمْرِ الْعَلَاءِ، وَمَا أَجْرَى اللهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَجَرَ، رَاهِبٌ، فَأَسْلَمَ حِينَئِذٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَا دَعَاكَ إِلَى الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: خَشِيتُ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ أَنْ يَمْسَخَنِي اللهُ لِمَا شَاهَدْتُ مِنَ الْآيَاتِ. قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ فِي الْهَوَاءِ وَقْتَ السَّحَرِ دُعَاءً. قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ، وَالْبَدِيعُ لَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَالدَّائِمُ غَيْرُ الْغَافِلِ، وَالحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَخَالِقُ مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، وَكُلَّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ وَعَلِمْتَ اللهم كُلَّ شَيْءٍ عِلمًا. (وهذا كقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأنٍ﴾ [سورة الرَّحْمٰنِ29] فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ بِاخْتِلَافِ الأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ بَلْ مَعْنَاهُ يَخْلُقُ خَلْقًا جَدِيدًا، كُلَّ يَوْمٍ يُغَيِّرُ فِي خَلْقِهِ وَلا يَتَغَيَّرُ فِي عِلمِهِ وَمَشِيئَتِهِ. فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: »يَغْفِرُ ذَنْبًا وَيُفَرِّجُ كَرْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ ءَاخَرِينَ« رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْلَ النَّاسِ: سُبْحَانَ الَّذِي يُغَيِّرُ وَلا يَتَغَيَّرُ، وَهُوَ كَلامٌ جَمِيلٌ، إِذِ التَّغَيُّرُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَلَيْسَ فِي اللهِ وَصِفَاتِهِ)، قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّ القَوْمَ لَمْ يُعَانُوا بِالْمَلَائِكَةِ إِلَّا وَهُمْ عَلَى أَمْرِ اللهِ. قَالَ: فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَسْمَعُونَ مِنْهُ. فَهُنَاكَ مَاتَ العَلَاءُ الحَضرَمِيُّ فَدَفَنُوهُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهلِ تِلكَ النَّاحِيَةِ فَقَالَ لَهُمْ مَا فَعَلَ صَاحِبُكُمْ حَتَّى تَدفِنُوهُ فِي هَذِهِ الأَرضِ الْمُسبِعَةِ فَقَالُوا نَفتَحُ عَلَيهِ وَنُخرِجُهُ لِنَدفِنَهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، فَفَتَحُوا قَبرَهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فِي القَبرِ وَوَجَدُوا القَبرَ مُتَّسِعًا مَدَّ البَصَرِ وَمُنَوَّرًا وَفِيهِ خُضْرَةٌ وَرَائِحَتُهُ جَمِيلَةٌ وَأَمَّا الجَسَدُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَالَ العُلَمَاءُ لَعَلَّ العَلَاءَ كَانَ مِمَّنْ تَمَنَّى أَنْ يُدفَنَ فِي البَقِيعِ عِندَ النَّبِيِّ ﷺ فَنَقَلَتْهُ مَلَائِكَةُ اللهِ إِلَى هُنَاكَ.اهـ
انظُرُوا إِلَى دُعَاءِ هَذَا الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ وَاستِجَابَةِ اللهِ لَهُ وَظُهُورِ هَذِهِ الكَرَامَاتِ العَجِيبَةِ لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، كَانَ يَدعُو اللهَ بِأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَإِنَّهُ مَا تَقَرَّبَ بِهَا أَحَدٌ إِلَى اللهِ إِلَّا أَفلَحَ بِإِذنِ اللهِ، يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي دُعَائِهِ: يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، كُلُّهَا مِنْ صِفَاتِ اللهِ وَأَسمَائِهِ، وَلِأَهَمِّيَّتِهَا وَتَرسِيخِهَا فِي قُلُوبِ أَبنَاءِ المُسلِمِينَ قَالَ العُلَمَاءُ بِإِثْبَاتِ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً للهِ تَعَالَى تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِى الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ إِمَّا لَفْظًا وَإِمَّا مَعْنًى تَكَرُّرًا كَثِيرًا وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ كَانَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَتَعَلَّمَهَا كُلُّ أَحَدٍ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِىَ الْوُجُودُ أَىْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ لا شَكَّ فِى وُجُودِهِ وَالْوَحْدَانِيَّةُ أَيْ أَنَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ وَالْقِدَمُ أَيِ الأَزَلِيَّةُ أَيْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ وَالْبَقَاءُ أَيْ أَنَّهُ لا نِهَايَةَ لِوُجُودِهِ لا يَمُوتُ وَلا يَهْلِكُ وَلا يَتَغَيَّرُ وَقِيَامُهُ بِنَفْسِهِ أَيْ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَالْقُدْرَةُ أَيْ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ أَيْ عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ مَا يَجُوزُ عَقْلًا وُجُودُهُ تَارَةً وَعَدَمُهُ تَارَةً أُخْرَى وَالإِرَادَةُ أَىِ الْمَشِيئَةُ وَهِيَ تَخْصِيصُ الْمُمْكِنِ الْعَقْلِىِّ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَبِوَقْتٍ دُونَ ءَاخَرَ وَالعِلمُ أَيْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ كُلَّ شَىْءٍ بِعِلْمِهِ الأَزَلِىِّ يَعْلَمُ ذَاتَهُ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بِعِلْمٍ وَاحِدٍ شَامِلٍ لِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ لا يَتَجَدَّدُ وَلا يَتَغَيَّرُ وَلا يَنْقُصُ وَلا يَزِيدُ وَالسَّمْعُ أَيْ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ الأَزَلِيِّ الَّذِي لَيْسَ كَسَمْعِ غَيْرِهِ فَسَمْعُ اللهِ قَدِيمٌ وَسَمْعُ غَيْرِهِ حَادِثٌ يَسْمَعُ اللهُ بِسَمْعِهِ كُلَّ الْمَسْمُوعَاتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى أُذُنٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى وَالْبَصَرُ أَيْ أَنَّ اللهَ يَرَى بِرُؤْيَتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ كَرُؤْيَةِ غَيْرِهِ فَبَصَرُ اللهِ قَدِيمٌ وَبَصَرُ غَيْرِهِ حَادِثٌ، يَرَى رَبُّنَا بِبَصَرِهِ كُلَّ الْمُبْصَرَاتِ فَيَرَى ذَاتَهُ وَمَخْلُوقَاتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى حَدَقَةٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى وَالحَيَاةُ أَيْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَيٌّ بِحَيَاةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ لا تُشْبِهُ حَيَاتَنَا لَيْسَتْ بِرُوحٍ وَلَحْمٍ وَدَمٍ وَعَصَبٍ وَمُخٍّ وَالْكَلامُ أَيْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ وَاحِدٍ أَزَلِيٍّ أَبَدِيٍّ لا يُبْتَدَأُ وَلا يُخْتَتَمُ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً [قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِى الْفِقْهِ الأَكْبَرِ «وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلاتِ وَالحُرُوفِ وَاللهُ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِلا ءَالَةٍ وَلا حُرُوفٍ وَالْحُرُوفُ مَخْلُوقَةٌ وَكَلامُ اللهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ» وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ أَيْ أَنَّهُ لا يُشبِهُ شَيْئًا مِنَ المَخلُوقَاتِ.اهـ
سؤال فقهي
هَل تُجْزِئُ الأُضْحِيَّةُ عَن أَكْثَرَ مِن وَاحِدٍ؟ ومَا هُوَ الأَفْضَلُ فِيْهَا؟
الجواب
تُجْزِئ الشَّاةُ عَن شَخْصٍ وَاحِدٍ، والبَدَنةُ مِنَ الإِبِلِ عَن سَبْعَةِ أَفْرادٍ وَالبَقَرةُ عَن سَبْعَةٍ، لَكِنِ الشَّاةُ الوَاحِدَةُ عَنِ الفَرْدِ الوَاحِدِ أَفْضَلُ مِنَ الْمُشَارَكَةِ بِسُبُعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعِ بَقَرةٍ.
وَأَفْضَلُ الأُضْحِيّةِ أَحْسَنُها وأَسمنُها وأَطْيَبُها وأَكْمَلُها. وَالأَبْيَضُ أَفْضَلُ مِنَ الأَغْبَرِ (أَيِ الَّذِي يَعْلُو بَياضَهُ حُمْرَةٌ)، وَالأَغْبَرُ أَفْضَلُ مِنَ الأَبْلَقِ (أَيِ الَّذِي بَعْضُهُ أَبْيَضُ وَبَعْضُهُ أَسْوَدُ)، وَالأَبْلَقُ أَفْضَلُ مِنَ الأَسْوَدِ.
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ.
اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ بِأَسمَائِكَ الحُسنَى وَبِاسمِكَ العَظِيمِ الأَعظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلتَ بِهِ أَجَبتَ اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَءَاجِلِهِ مَا عَلِمنا مِنهُ وَمَا لَم نعلَم، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَءَاجِلِهِ مَا عَلِمنَا مِنهُ وَمَا لَم نَعلَم، وَنَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنسأَلُكَ مِمَا سَأَلَكَ بِهِ عَبدُكَ ونَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَنَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعَوَّذَ مِنهُ عَبدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَمَا قَضَيتَ لَنَا مِن قَضَاءٍ فَاجعَل عَاقِبَتَهُ رَشَدًا.
اللهم اقسِم لَنَا مِن خَشيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَينَنَا وَبَينَ مَعَاصِيكَ، وَمِن طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَينَا مَصَائِبَ الدُّنيَا، اللهم مَتِّعنَا بِأَسمَاعِنَا، وَأَبصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا مَا أَحيَيتَنَا، وَاجعَلهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجعَل ثَأرَنَا عَلَى مَن ظَلَمَنَا، وَانصُرنَا عَلَى مَن عَادَانَا، وَلَا تَجعَل مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجعَلِ الدُّنيَا أَكبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبلَغَ عِلمِنَا، وَلَا تُسَلِّط عَلَينَا مَن لَا يَرحَمُنَا.
يَا لَطِيفًا بخَلقِهِ، يَا عَلِيمًا بخَلقِهِ يَا خَبِيرًا بخَلقِهِ الطُف بِنَا يَا لَطِيفُ يَا عَلِيمُ يَا خَبِيرُ
اللهم ارزُقنَا وَأَحبَابَنَا وَأَهلَنَا وَكُلَّ مَن سَأَلَنَا الدُّعَاءَ سُؤلَنَا مِنَ الخَيرِ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللهم ارزُقنَا رُؤيَةَ الحَبِيبِ مُحَمَّدٍ عَلَى صُورَتِهِ الأَصلِيَّةِ فِي المَنَامِ فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ وَكُلَّ لَيلَةٍ وَزِدنَا حُبًّا بِهِ وَاجعَلنَا مِنَ الصَّالِحِينَ الصَّابِرِينَ وَأَجِرنَا مِنَ النَّارِ وَمِن عَذَابِ القَبرِ وَأَدخِلنَا الجَنَّةَ بِلَا سَابِقِ عَذَابٍ. اللهم اشفِ مَرضَانَا وَمَرضَى المُسلِمِينَ وَارحَم مَوتَانَا وَمَوتَى المُسلِمِينَ وَيَسِّر أُمُورَنَا وَفَرِّج كُرُوبَنَا وَارزُقنَا مِن حَيثُ لَا نَحتَسِبُ وَأَعِنَّا عَلَى أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ وَاجتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ وَتَركِ الكَسَلِ. اللهم سَهِّل عَلَينَا تَربِيَةَ أَولَادِنَا تَربِيَةً حَسَنَةً وَاجعَلهُم مِنَ الأَولِيَاءِ الصَّالِحِينَ.
اللهم انصُرِ المُسلِمِينَ عَلَى أَعدَائِهِم فِي غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ وَاليَمَنِ وَالعِرَاقِ وَالصِّينِ وَفِي جَمِيعِ أَنحَاءِ العَالَمِ. اللهم ثَبِّت أَقدَامَهُم وَانصُرهُم عَلَى أَعدَائِهِم وَيَسِّر أَمرَهُم وَفَرِّج كَربَهُم وَاشفِ مَرضَاهُم وَارحَم مَوتَاهُم وَارزُقهُم مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُونَ. اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ الغَاصِبِينَ وَاجعَل كَيدَهُم فِي نَحرِهِم اللهم ارزُقنَا رُؤيَةَ غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ مُحَرَّرَةً وَاضرِبِ الكَافِرِينَ بِالكَافِرِينَ وَأَخرِجِ المُسلِمِينَ مِن بَينِهِم سَالِمِينَ.
اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللهم انصُر عِبَادَكَ فِي فِلَسطِينَ وَسَخِّر لَهُمُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا وَالسَّمَاءَ وَمَن فِيهَا. اللهم بِقُوَّتِكَ نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا عَظِيمَ القَهرِ أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم.
اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللهم انصُر عِبَادَكَ فِي فِلَسطِينَ وَسَخِّر لَهُمُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا وَالسَّمَاءَ وَمَن فِيهَا. اللهم بِقُوَّتِكَ نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا عَظِيمَ القَهرِ أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم.
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ
اللهم أَعِنَّا عَلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم ارزُقنَا دَعوَةً مُجَابَةً وَحَجَّ بَيتِكَ الحَرَامِ بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.