الأولياء وكراماتهم | الحلقة 5: الكرامات الحقة وأوهام الدجل: كيف نعرف الولي؟

المقدمة

الْحَمْدُ للهِ العَالِمِ بِعَبدِهِ وَمَا أَخْفَتْهُ نَفسُهُ، نَحْمَدُهُ سُبحَانَهُ حَمدًا كَمَا يَنبَغِي لِكَرَمِ وَجهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ، وَنَستَعِينُهُ استِعَانَةَ مَنْ لَا حَولَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَنَستَهْدِيهِ بِهُدَاهُ الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنعَمَ بِهِ عَلَيهِ، وَنَستَغفِرُهُ لِمَا أَزْلَفْنَا وأَخَّرْنَا استِغفَارَ مَنْ يُقِرُّ بِعُبُودِيَّتِهِ، وَيَعلَمُ أَنَّهُ لَا يَغفِرُ ذَنبَهُ وَلَا يُنَجِّيهِ مِنهُ إِلَّا هُوَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى حِينِ فَتْرةٍ مِنَ الرُّسُلِ، فَكَانَ خِيرَتَهُ الْمُصطَفَى لِوَحيِهِ، الْمُنتَخَبَ لِرِسَالَتِهِ، الْمُفَضَّلَ عَلَى جَمِيعِ خَلقِهِ، أَفضَلَ خَلقِهِ نَفْسًا، وَخَيرَهُمْ نَسَبًا وَدَارًا، فَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الغَافِلُونَ، وَصَلَّى عَلَيهِ فِي الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، أَفضَلَ وَأَكثَرَ وَأَزكَى مَا صَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَزَكَّانَا وَإِيَّاكُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيهِ أَفضَلَ مَا زَكَّى أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ بِصَلَاتِهِ عَلَيهِ، وَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا أَفضَلَ مَا جَزَى مُرْسَلًا عَمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيهِ، فَلَمْ تُمْسِ بِنَا نِعمَةٌ ظَهَرَتْ وَلَا بَطَنَتْ، نِلنَا بِهَا حَظًّا فِي دِينٍ وَدُنيَا، أَوْ دُفِعَ بِهَا عَنَّا مَكرُوهٌ فِيهِمَا أَو فِي وَاحِدٍ مِنهُمَا إِلَّا وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ سَبَبُهَا، القَائِدُ إِلَى خَيْرِهَا، وَالهَادِي إِلَى رُشْدِهَا، فَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ الغُرِّ الْمَيَامِين، وَبَعدُ:

كيف يتدرج المؤمن بالدرجات حتى يصير وليا؟

بَيَّنَ أَهلُ العِلمِ طَرِيقَ الوِلَايَةِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي دُرُوسِنَا السَّابِقَةِ وَبَيَّنَّا نَتِيجَةَ تَقوَاهُمْ وَفَضْلِهِمْ عِنْدَ اللهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَرَامَاتِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ سَيِّدِنَا السَّيِّدِ أَحمَدَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: «بِسمِ اللهِ الرَّحمَـٰـنِ الرَّحِيمِ، الحَمدُ للهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الأَتَمَّانِ الأَكمَلَانِ عَلَى سَيِّدِ خَلقِ اللهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَعَلَى الآلِ وَالأَصحَابِ وَالأَتْبَاعِ وَالأَحبَابِ أَجمَعِينَ. أَمَّا بَعدُ، فَإِنَّ أَشرَفَ مَا تَنعَطِفُ إِلَيهِ الْهِمَمُ، قُربُ القَلبِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ دَوَامُ الذِّكرِ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنهُ بِالحُضُورِ، وَهَذَا سُلَّمُ الوِلَايَةِ، وَالوِلَايَةُ أَجَلُّ الْمَعَارِيجِ، وَأَعظَمُ المَقَامَاتِ بَعدَ النُّبُوَّةِ؛ إِذْ لَا سَبِيلَ لِلأَولِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ عَلَى مَرَاتِبِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، لِأَنَّهَا لَا تَحصُلُ بِالعَمَلِ قَطعًا، وَمَنزِلَةُ الوِلَايَةِ، مَنزِلَةُ الوَهبِ، وَتَحصُلُ بِالعَمَلِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وَالنَّبِيُّ الأَعظَمُ ﷺ قَالَ: «مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعلَمُ، أَوْرَثَهُ اللهُ عِلمَ مَا لَمْ يَعلَمْ» [وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَمَعنَاهُ أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ مَا هُوَ فَرضٌ عَلَيهِ وَعَمِلَ بِذَلِكَ أَعطَاهُ اللهُ مِنَ العِلمِ الْمَوهُوبِ وَهُوَ العِلمُ اللَّدُنِّيُّ وَهَذَا العِلمُ غَيرُ مُكتَسَبٍ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى مَنْ تَقَاعَسَ عَمَّا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيهِ].اهـ

هَذَا كَلَامُ هَذَا العَالِمِ الوَلِيِّ الصَّالِحِ الإِمَامِ أَحمَدَ الرِّفَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، هَذَا هُوَ كَلَامُ الأَولِيَاءِ، فَأَسْتَغْرِبُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَدَّعِي الوِلَايَةَ وَالعِلمَ وَيَكُونُ لَهُ أَتْبَاعٌ فَيَقُولُ لَهُمْ: يَكفِيكُمْ أَنْ تَحْضُرُوا مَجَالِسَ الذِّكرِ وَلَا تَحضُرُوا مَجَالِسَ العِلمِ، فَإِنَّكُمْ إِذَا حَضَرْتُمْ مَجَالِسَ الذِّكرِ يُفِيضُ اللهُ عَلَيكُمْ عِلْمًا لَدُنِّيًّا وَعَلَى قَلْبِكُمْ فَتَصِيرُوا أَولِيَاءَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَقَدْ حَكَى العَارِفُ بِاللهِ وَالوَلِيُّ الصَّالِحُ الشَّعرَانِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ الطَّبَقَاتِ إِجمَاعَ القَومِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصلُحُ لِلتَّصَدُّرِ فِي طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ إِلَّا مَنْ تَبَحَّرَ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَعَلِمَ مَنطُوقَهَا وَمَفهُومَهَا وَخَاصَّهَا وَعَامَّهَا وَنَاسِخَهَا وَمَنسُوخَهَا، وَتَبَحَّرَ فِي لُغَةِ العَرَبِ حَتَّى عَرَفَ مَجَازَاتِهَا وَاستِعَارَاتِهَا وَغَيرَ ذَلِكَ. وَالحِكمَةُ فِي هَذَا الإِجمَاعِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّعرَانِيُّ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الشَّخصَ إِذَا تَصَدَّرَ لِلمَشيَخَةِ وَالإِرشَادِ اتَّخَذَهُ المُرِيدُونَ قُدوَةً لَهُمْ وَمَرْجِعًا يَرجِعُونَ إِلَيهِ فِي مَسَائِلِ دِينِهِم، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتْقِنًا لِعِلْمِ الشَّرعِ مُتَبَحِّرًا فِيهِ قَدْ يُضِلُّ المُرِيدِينَ بِفَتوَاهُ فَيُحِلُّ لَهُمُ الحَرَامَ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الحَلَالَ وَهُوَ لَا يَشعُرُ، أَيضًا فَإِنَّ أَغلَبَ البِدَعِ القَبِيحَةِ وَالخُرَافَاتِ إِنَّمَا دَخَلَتْ فِي الطَّرِيقِ بِسَبَبِ كَثِيرٍ مِنَ أَدعِيَاءِ المَشْيَخَةِ الَّذِينَ تَصَدَّرُوا بِغَيرِ عِلمٍ وَنَصَّبُوا أَنفُسَهُمْ لِلإِرشَادِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَكُونُوا مُستَحِقِّينَ لِهَذَا المَنصِبِ الجَلِيلِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ الكَثِيرَ مِنَ المُنتَسِبِينَ إِلَى التَّصَوُّفِ اليَومَ وَإِلَى طُرُقِ أَهلِهِ قَدْ أَعْمَاهُمُ الجَهلُ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ أَخْذِهِمْ لِطَرِيقَةٍ صُوفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَرتَقُونَ إِلَى أَعَالِي الدَّرَجَاتِ، وَبِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِمْ لِلأَورَادِ يَصِلُونَ إِلَى مَقَامِ الإِرشَادِ وَالوِلَايَةِ، وَفِي نَفسِ الوَقتِ يُهمِلُونَ تَعَلُّمَ العُلُومِ الشَّرعِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ وَتَطْبِيقَهَا، فَيَتَخَبَّطُونَ فِي الجَهلِ وَالفَسَادِ وَهُمْ يَحسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحسِنُونَ صُنْعًا، وَيُدْخِلُونَ فِي طَرِيقِ القَومِ البِدَعَ الفَاسِدَةَ وَالفَتَاوَى الشَّاذَّةَ وَالأَقوَالَ الضَّالَّةَ الَّتِي مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلطَانٍ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا مِنَ الأَسرَارِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيهَا إِلَّا أَهلُ البَاطِنِ وَلَا يَفهَمُهَا أَهلُ الشَّرِيعَةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَإِذَا قَدَّمَ لَهُمْ شَخصٌ نَصِيحَةٌ يَقُولُونَ: أَنْتُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَنَحنُ أَهلُ البَاطِنِ لَا تَفْهَمُوْنَ هَذَا، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُمْ أَهْلُ العِلمِ وَالصُّوفِيَّةُ الصَّادِقُونَ بِالمُتَصَوِّفَةِ أَيْ أَدعِيَاءِ التَّصَوُّفِ، وَيَكفِي فِي الرَّدِّ عَلَيهِمْ قَولُ الإِمَامِ الرِّفَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «شَيِّدُوا أَركَانَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ المُحَمَّدِيَّةِ بِإِحيَاءِ السُّنَّةِ وَإِمَاتَةِ البِدعَةِ».اهـ

وَقَالَ: «كُلُّ الآدَابِ مُنحَصِرَةٌ فِي مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ ﷺ قَولًا وَفِعلًا وَحَالًا وَخُلُقًا، فَالصُّوفِيُّ ءادَابُهُ تَدُلُّ عَلَى مَقَامِهِ، زِنُوا أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وَأَحوَالَهُ وَأَخلَاقَهُ بِمِيزَانِ الشَّرعِ».اهـ

وَقَالَ: «لَا تَقُولُوا كَمَا يَقُولُ بَعضُ المُتَصَوِّفَةِ: نَحنُ أَهلُ البَاطِنِ وَهُمْ أَهلُ الظَّاهِرِ، هَذَا الدِّينُ الجَامِعُ بَاطِنُهُ لُبُّ ظَاهِرِهِ، وَظَاهِرُهُ ظَرفُ بَاطِنِهِ لَولَا الظَّاهِرُ لَمَا بَطَنَ، لَولَا الظَّاهِرُ لَمَا كَانَ البَاطِنُ وَلَمَا صَحَّ، القَلْبُ لَا يَقُومُ بِلَا جَسَدٍ بَلْ لَوْلَا الجَسَدُ لَفَسَدَ، وَالقَلبُ نُورُ الجَسَدِ. هَذَا العِلمُ الَّذِي سَمَّاهُ بَعضُهُمْ بِعِلمِ البَاطِنِ هُوَ إِصلَاحُ القَلبِ».اهـ

ثُمَّ قَالَ: «فَإِذَا تَعَيَّنَ لَكَ أَنَّ البَاطِنَ لُبُّ الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ ظَرفُ البَاطِنِ وَلَا فَرقَ بَينَهُمَا وَلَا غِنًى لِكِلَيهِمَا عَنِ الآخَرِ، فَقُلْ: نَحْنُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَكَأَنَّكَ قُلتَ وَمِنْ أَهلِ البَاطِنِ. أَيُّ حَالَةٍ بَاطِنَةٍ لِلقَومِ لَمْ يَأمُرْ ظَاهِرُ الشَّرعِ بِعَمَلِهَا؟ أَيُّ حَالَةٍ ظَاهِرَةٍ لَمْ يَأمُرْ ظَاهِرُ الشَّرعِ بِإِصْلَاحِ البَاطِنِ لَهَا».اهـ

نَتَكَلَّمُ فِي كَرَامَاتِ مَنْ يَأتِي بَعدَ أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا فِي الفَضلِ وَهُوَ ذُو النُّورَيْنِ الصَّابِرُ الشَّهِيدُ الخَلِيفَةُ العَادِلُ الرَّاشِدُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ مَنْ تَستَحِي مِنهُ مَلَائِكَةُ الرَّحمَنِ وَهُوَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ.

من كرامات عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه

كَانَ بَعضُ أَهلِ الفِتنَةِ فِي زَمَنِ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَكْرَهُهُ وَيَتَكَلَّمُ فِيهِ طَعنًا وَتَعرِيضًا وَتَصرِيحًا بِالذَّمِّ، وَكَانَ بَعضُهُمْ يُؤذِيهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَيَا وَيلَهُمْ مِنَ اللهِ، فَإِنَّ مَنْ عَادَى وَلِيًّا كَعُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ سَيَلْقَى وَبَالًا وَبَلَاءً فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ جَهْجَاهًا الغِفَارِيَّ وَهُوَ أَحَدُ أَهلِ الفِتنَةِ أَخَذَ عَصَا عُثْمَانَ الَّتِي يَتَخَصَّرُ بِهَا فَكَسَرَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ فَوَقَعَتْ فِي رُكْبَتِهِ الْأَكَلَةُ.اهـ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أنه قَالَ: كُنْتُ فِي رُفْقَةٍ بِالشَّامِ، فَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: يَا وَيْلَي مِنَ النَّارِ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَجُلٌ مَقْطُوعُ اليَدَينِ مِنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنَ الْحَقْوِ (الْحَقْوُ مَوْضِعُ شَدِّ الْإِزَارِ وَهُوَ الْخَاصِرَةُ) أَعْمًى مُنْكَبٌّ لِوَجْهِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا لَكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ يَوْمَ الدَّارِ أَيْ يَومَ قُتِلَ مَظلُومًا، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ خَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا فَلَطَمْتُهَا، فَنَظَرَ إِلَيَّ عُثْمَانُ فَقَالَ: سَلَبَ اللهُ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَأَعْمَى بَصَرَكَ وَأَدْخَلَكَ نَارَ جَهَنَّمَ، فَأَخَذَتْنِي رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ فَخَرَجْتُ هَارِبًا مِنْ دَعْوَتِهِ، فَلَمَّا صِرْتُ بِمَوْضِعِي هَذَا لَيْلًا أَتَانِي آتٍ فَصَنَعَ بِي مَا تَرَى، فَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ فَمَا بَقِيَ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا النَّارُ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَطَأَهُ بِرِجْلِي فَقُلْتُ: بُعْدًا لَكَ وَسُحْقًا وَتَرَكْتُهُ.اهـ

وَرَوَى تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إِلَى عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ ‌لَقِيَ ‌امْرَأَةً ‌فِي ‌الطَّرِيق فَتَأَمَّلَهَا وَنَظَرَ لَهَا بِشَهوَةٍ فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ وَفِي عَيْنَيْهِ أَثَرُ مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَوَحْيٌ بَعدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهَا فِرَاسَةُ المُؤمِنِ.اهـ

قَالَ الرَّازِيُّ: رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا طُعِنَ بِالسَّيْفِ فَأَوَّلُ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ سَقَطَتْ وَقَعَتْ عَلَى الْمُصْحَفِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ. [البَقَرَةِ:137].

كرامات علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه

رَوَى ابنُ قُدَامَةَ فِي كِتَابِ التَّوَّابِينَ بِسَنَدِهِ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ مَعَ أَبِي حَوْلَ الْبَيْتِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ وَقَدْ رَقَدَتِ الْعُيُونُ وَهَدَأَتِ الأَصْوَاتُ إِذْ سَمِعَ أَبِي هَاتِفًا يَهْتِفُ بِصَوْتٍ حَزِينٍ شَجِيٍّ وَهُوَ يَقُولُ:

يَا مَنْ يُجِيبُ دُعَا الْمُضْطَرِّ فِي الظُّلَمِ

يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ

قَدْ نَامَ وَفْدُكَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَانْتَبَهُوا

وَأَنْتَ يا حيُّ يَا قَيُّومُ لَمْ تَنَمِ

هَبْ لِي بِجُودِكَ فَضْلَ الْعَفْوِ عَنْ جُرْمِي

يَا مَنْ دعاه الْخَلْقُ فِي الْحَرَمِ

إِنْ كَانَ عَفْوُكَ لَا يُدرِكُهُ ذُو سَرَفٍ

فَمَنْ يَجُودُ عَلَى الْعَاصِينَ بِالْكَرَمِ

قَالَ: فَقَالَ أَبِي: يَا بُنَيَّ! أَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ النَّادِبِ لِذَنْبِهِ الداعي لِرَبِّهِ؟ الْحَقْهُ فَلَعَلَّ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ. فَخَرَجْتُ أَسْعَى حَوْلَ البَيْتِ أَطْلُبُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَقَامِ وَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَقُلْتُ: أَجِبِ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَوْجَزَ فِي صَلاتِهِ وَاتَّبَعَنِي فَأَتَيْتُ أَبِي فَقُلْتُ: هَذَا الرَّجُلُ يَا أَبَتِ. فَقَالَ لَهُ أَبِي: مِمَّنِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مِنَ الْعَرَبِ قَالَ: وَمَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُنَازِلُ بْنُ لاحِقٍ. قَالَ: وَمَا شَأْنُكَ وَمَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: وَمَا قِصَّةُ مَنْ أَسْلَمَتْهُ ذُنُوبُهُ وَأَوْبَقَتْهُ عُيُوبُهُ فَهُوَ مُرْتَطِمٌ فِي بَحْرِ الخَطَايَا. فَقَالَ لَهُ أَبِي: عَلَيَّ ذَلِكَ فَاشْرَحْ لِي خَبَرَكَ. قَالَ: كُنْتُ شَابًّا عَلَى اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ لا أُفِيقُ عَنْهُ وَكَانَ لِي وَالِدٌ يَعِظُنِي كَثِيرًا وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ! احْذَرْ هَفَوَاتِ الشَّبَابِ وَعَثَرَاتِهِ فَإِنَّ للهِ سَطَوَاتٍ وَنَقَمَاتٍ مَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ وَكَانَ إِذَا أَلَحَّ عَلَيَّ بِالمَوْعِظَةِ أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنَ الأَيَّامِ أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ فَأَوْجَعْتُهُ ضَرْبًا فَحَلَفَ بِاللهِ مُجْتَهِدًا لَيَأْتِيَنَّ بَيْتَ اللهِ الحَرَامِ فَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ وَيَدْعُو عَلَيَّ فَخَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى البَيْتِ فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

يَا مَنْ إِلَيْهِ أَتَى الحُجَّاجُ قَدْ قَطَعُوا

عُرْضَ الْمَهَامِهِ مِنْ قُرْبٍ وَمِنْ بُعْدِ

إِنِّي أَتَيْتُكَ يَا مَنْ لا يُخَيِّبُ مَنْ

يَدْعُوهُ مُبْتَهِلا بِالْوَاحِدِ الصَّمَدِ

هَذَا مُنَازِلُ لا يَرْتَدُّ عَنْ عُقَقِي

فَخُذْ بِحَقِّي يَا رَحْمَانُ مِنْ وَلَدِي

وشِلَّ مِنْهُ بِحَوْلٍ مِنْكَ جَانِبَهُ

يَا مَنْ تَقَدَّسَ لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَلِدِ

قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا اسْتَتَمَّ كَلامَهُ حَتَّى نَزَلَ بِي مَا تَرَى ثُمَّ كَشَفَ عَنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ فَإِذَا هُوَ يَابِسٌ. قَالَ: فَأُبْتُ وَرَجَعْتُ وَلَمْ أَزَلْ أَتَرَضَّاهُ وَأَخْضَعُ لَهُ وَأَسْأَلُهُ الْعَفْوَ عَنِّي إِلَى أَنْ أَجَابَنِي أَنْ يَدْعُوَ لِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي دَعَا عَلَيَّ. قَالَ: فَحَمَلْتُهُ عَلَى نَاقَةٍ عُشَرَاءَ وَخَرَجْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ حَتَّى إِذَا صِرْنَا بِوَادِي الأَرَاكِ طَارَ طَائِرٌ مِنْ شَجَرَةٍ فَنَفَرَتِ النَّاقَةُ فَرَمَتْ بِهِ بَيْنَ أَحْجَارٍ فَرَضَخَتْ رَأْسَهُ فَمَاتَ فَدَفَنْتُهُ هُنَاكَ وَأَقْبَلْتُ آيِسًا وَأَعْظَمُ مَا بِي مَا أَلْقَاهُ مِنَ التَّعْيِيرِ أَنِّي لا أُعْرَفُ إِلا بِالمَأخُوذِ بِعُقُوقِ وَالِدَيْهِ. فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَبْشِرْ فَقَدْ أَتَاكَ الْغَوْثُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَهُ فَكَشَفَ عَنْ شِقِّهِ بِيَدِهِ وَدَعَا لَهُ مَرَّاتٍ يُرَدِّدُهُنَّ فَعَادَ صَحِيحًا كَمَا كَانَ. وَقَالَ لَهُ أَبِي: لَوْلَا أَنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ أَبَاكَ رَضِيَ عَنْكَ مَا دَعَوْتُ لَكَ.اهـ قَالَ الحَسَنُ: وَكَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا: احْذَرُوا دُعَاءَ الوَالِدَيْنِ! فَإِنَّ فِي دُعَائِهِمَا النَّمَاءَ، وَالانْجِبَارَ، وَالاسْتِئْصَالَ وَالْبَوَارَ.اهـ

كَرَامَةٌ أُخرَى لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ: حَصَلَ مَعَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنبَرِ شَيءٌ عَجِيبٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ كَانَ يَخطُبُ عَلَى مِنبَرِ الكُوفَةِ وَيَقُولُ: الحَمدُ للهِ الذِي يَحكُمُ بِالحَقِّ قَطعًا، وَيَجزِي كُلَّ نَفسٍ بِمَا تَسعَى، وَإِلَيهِ الْمَآبُ وَالرُّجعَى، فَقَطَعَ عَلَيهِ بَعضُ النَّاسِ خُطبَتَهُ بِتَوجِيهِ السُّؤَالِ إِلَيهِ عَنْ هَذِهِ الْمَسأَلَةِ، فَبَادَرَ إِلَى الجَوَابِ مِنْ قَافِيَةِ الخُطبَةِ، سَأَلَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أُمًّا وَأَبًا وَزَوْجَةً وَبِنتَينِ كَمْ يَطْلُعُ لِلزَّوجَةِ؟ بِالأَصلِ الزَّوجَةُ إِذَا مَاتَ زَوجُهُا وَكَانَ لَهَا أَولَادٌ نَصِيبُهَا فِي المِيرَاثِ الثُّمُنُ، بِهَذِهِ المَسأَلَةِ لَيسَ ثُمُنًا، هَذِهِ الْمَسأَلَةُ يَقُولُونَ لَهَا الْمِنبَرِيَّةُ، تَحتَاجُ حِسَابَاتٍ طَوِيلَةً حَتَّى تَعرِفَ كَمْ نَصِيبُ الزَّوجَةِ الَّذِي هُوَ بِالأَصلِ الثُّمُنُ، قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ كَمْ نَصِيبُ الزَّوجَةِ؟ مِنْ غَيرِ أَنْ يَحسِبَ بَلْ وَهُوَ يَخطُبُ قَالَ لِلسَّائِلِ: “وَالْمَرأَةُ صَارَ ثُمُنُهَا تُسُعًا” يَعنِي صَارَ نَصِيبُهَا التُّسُعَ بَدَلَ الثُّمُنِ، وَجَاءَ بِهَا عَلَى قَافِيَةِ خُطبَتِهِ، هَذَا مِنَ العِلمِ اللَّدُنِّيِّ، لِأَنَّهَا مَسأَلَةٌ تَحتَاجُ إِلَى حِسَابَاتٍ كَثِيرَةٍ لَكِنَّهُ أَجَابَهَا فَورًا وَعَلَى قَافِيَةِ خُطبَتِهِ بِسُرعَةٍ.اهـ

هِيَ الْمَسأَلَةُ الْمَعرُوفَةُ عِندَ أَهلِ الْمَوارِيثِ الْمِنبَرِيَّةِ أَوِ الحَيدَرِيَّةِ: وَهِيَ زَوجَةٌ وَأَبَوَانِ وَبِنتَانِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِالْمِنبَرِيَّةِ، لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ سُئِلَ عَنهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنبَرِ، وَكَانَ يَقُولُ: (الحَمدُ للهِ الَّذِي يَحكُمُ بِالحَقِّ قَطعًا، وَيَجزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وَإِلَيهِ الْمَعَادُ وَالرُّجْعَى) فَقَالَ مِنْ غَيرِ رَوِيَّةٍ: (صَارَ ثُمُنُهَا تُسُعًا).اهـ

وَهُنَا يَظهَرُ لَنَا مَعنَى قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾، قَالَ شَيخُنَا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾، مَعنَاهُ: إِذَا اتَّقَيتُمُ اللهُ، أَيْ: إِذَا تَعَلَّمْتُمُ العِلمَ الَّذِي هُوَ فَرضٌ عَلَى المُكَلَّفِ عَلَى البَالِغِ العَاقِلِ وَعَمِلتُمْ بِمُوجَبِهِ أَدَّيتُمُ الوَاجِبَاتِ وَاجتَنَبْتُمُ المُحَرَّمَاتِ يُعطِيكُمُ اللهُ عِلمًا وَهْبِيًّا لَيسَ العِلْمَ المُكتَسَبَ؛ لِأَنَّ الإِنسَانَ عِندَمَا يُؤَدِّي الوَاجِبَاتِ كُلَّهَا الَّتِي مِنْ جُملَتِهَا العِلمُ وَيَجتَنِبُ المَعَاصِيَ كُلَّهَا يُحَبِّبُ اللهُ إِلَيهِ عَمَلَ النَّوَافِلِ السُّنَنِ عِندَئِذٍ اللهُ تَعَالَى يُنَوِّرُ قَلبَهُ يُعطِيهِ عِلمًا وَهْبِيًّا يُسَمَّى العِلمَ اللَّدُنِّيَّ هَذَا مَعنَى: ﴿واتَّقُوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾، [البقرة: 282]، كَمَا حَصَل مَعَ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، لَيسَ مَعنَاهُ: اشْتَغِلُوا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَاتِ وَالذِّكْرِ يَأتِيكُمُ العِلمُ مِنْ دُونِ دِرَاسَةٍ مِنْ دُونِ تَعَلُّمٍ كَمَا يَظُنُّ بَعضُ النَّاسِ الَّذِينَ يَشتَغِلُونَ بِالعِبَادَةِ مَعَ الجَهلِ عَلَى زَعمِهِمْ إِذَا اشْتَغَلُوا بِالعِبَادَةِ يَأتِيهِمُ العِلْمُ بِدُونِ تَعَلُّمٍ هَؤُلَاءِ مَغرُورُونَ مَفتُونُونَ فَتَنَهُمُ الشَّيطَانُ، كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَشتَغِلُونَ بِالعِبَادَةِ عَلَى جَهلٍ ثُمَّ يَقُولُونَ: اللهُ قَالَ: ﴿واتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾، اللهُ يُعطِينَا العِلمَ بِدُونِ دِرَاسَةٍ اشْتَغَلنَا بِالعِبَادَةِ يَأتِينَا العِلْمُ. هَذَا غُرُورٌ مِنَ الشَّيطَانِ.

وَتُذْكَرُ كَرَامَةٌ أُخرَى لَهُ تَدُلُّ عَلَى سَعَةِ عِلمِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَرَّةً جَاءَهُ ثَلَاثَةٌ قَالُوا لَهُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنَّ رَجُلًا أَعطَى أَولَادَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ جَمَلًا قَالَ أَنْتَ لَكَ النِّصفُ وَأَنتَ لَكَ الثُّلُثُ وَأَنْتَ لَكَ التُّسُعُ، قَسِّمُوْهُمْ دُونَ أَنْ يَرجِعَ بَاقٍ فَذَهَبُوا لِعَلِيٍّ وَقَالَ لَهُمْ ضَعُوا جَمَلًا مِنْ جِمَالِي مَعَ جِمَالِكُمْ يَصِيرُ العَدَدُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْكَبِيرِ النِّصْفُ أَيْ 9 وَلِلوَسَطِ الثُّلُثُ فَلَهُ 6، 9+6=15، وَلِلثَّالِثِ التُّسُعُ أَيْ 2، 9+6+2= 17 وَرَجَعَ لِعَلِيٍّ جَمَلُهُ.اهـ

قِصَّةُ الإِمَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَتَقسِيمُ أَرغِفَةِ الخُبزِ

جَلَسَ رَجُلَانِ يَتَغَدَّيَانِ، مَعَ أَحَدِهِمَا خَمسَةُ أَرغِفَةٍ وَمَعَ الآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرغِفَةٍ، فَلَمَّا وَضَعَا الغَدَاءَ بَينَ أَيدِيهِمَا مَرَّ بِهِمَا رَجُلٌ فَسَلَّمَ، فَقَالَا: اجْلِسْ لِلغَدَاءِ، فَجَلَسَ وَأَكَلَ مَعَهُمَا وَاستَوفَوا فِي أَكلِهِمُ الأَرغِفَةَ الثَّمَانِيَةَ، فَقَامَ الرَّجُلُ وَطَرَحَ إِلَيهِمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: خُذَا هَذَا عِوَضًا مِمَّا أَكَلْتُ لَكُمَا وَنِلْتُهُ مِنْ طَعَامِكُمَا، فَتَنَازَعَا وَقَالَ صَاحِبُ الأَرغِفَةِ الخَمْسَةِ: لِي خَمسَةُ دَرَاهِمَ وَلَكَ ثَلَاثَةٌ، فَقَالَ صَاحِبُ الأَرغِفَةِ الثَّلَاثَةِ: لَا أَرضَى إِلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ بَينَنَا نِصفَينِ، وَارْتَفَعَا إِلَى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَصَّا عَلَيهِ قِصَّتَهُمَا، فَقَالَ لِصَاحِبِ الأَرغِفَةِ الثَّلَاثَةِ: قَدْ عَرَضَ عَلَيكَ صَاحِبُكَ مَا عَرَضَ وَخُبزُهُ أَكثَرُ مِنْ خُبزِكَ فَارْضَ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ لَا رَضِيتُ مِنْهُ إِلَّا بِمُرِّ الحَقِّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيسَ لَكَ فِي مُرِّ الحَقِّ إِلَّا دِرهَمٌ وَاحِدٌ وَلَهُ سَبعَةٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: سُبحَانَ اللهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ هُوَ يَعرِضُ عَلَيَّ ثَلَاثَةً فَلَمْ أَرْضَ وَأَشَرْتَ عَلَيَّ بِأَخْذِهَا فَلَمْ أَرْضَ وَتَقُولُ لِي الآنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي فِي مُرِّ الحَقِّ إِلَّا دِرهَمٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: عَرَضَ عَلَيكَ صَاحِبُكَ أَنْ تَأخُذَ الثَّلَاثَةَ صُلْحًا فَقُلْتَ لَمْ أَرْضَ إِلَّا بِمُرِّ الحَقِّ وَلَيسَ لَكَ بِمُرِّ الحَقِّ إِلَّا وَاحِدٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَعَرِّفنِي بِالوَجهِ فِي مُرِّ الحَقِّ حَتَّى أَقبَلَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَيسَ لِلثَّمَانِيَةِ الأَرغِفَةِ أَربَعَةٌ وَعِشرُونَ ثُلُثًا أَكَلتُمُوهَا وَأَنتُمْ ثَلَاثَةُ أَنفُسٍ وَلَا يَعلَمُ الأَكْثَرَ مِنْكُمْ أَكْلًا وَلَا الأَقَلَّ فَتَحمِلُونَ فِي أَكلِكُمْ عَلَى السَّوَاءِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَأَكَلْتَ أَنْتَ ثَمَانِيَةَ أَثْلَاثٍ وَإِنَّمَا لَكَ تِسعَةُ أَثلَاثٍ وَأَكَلَ صَاحِبُكَ ثَمَانِيَةَ أَثلَاثٍ وَلَهُ خَمسَةَ عَشَرَ ثُلُثًا أَكَلَ مِنهَا ثَمَانِيَةً وَيَبقَى لَهُ سَبعَةٌ وَأَكَلَ لَكَ وَاحِدًا فِي تِسعَةٍ فَلَكَ وَاحِدٌ بِوَاحِدِكَ وَلَهُ سَبعَةٌ بِسَبْعَتِهِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: رَضِيتُ الآنَ.

قَالَ الرَّازِيُّ: يُرْوَى أَنَّ وَاحِدًا مِنْ مُحِبِّيهِ سَرَقَ وَكَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ فَأُتِيَ بِهِ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ نَعَمْ. فَقَطَعَ يَدَهُ فَانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَلَقِيَهُ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ الْكَرَّا، فَقَالَ ابْنُ الْكَرَّا: مَنْ قَطَعَ يَدَكَ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَيَعْسُوبُ الْمُسْلِمِينَ وَخَتَنُ الرَّسُولِ وَزَوْجُ الْبَتُولِ فَقَالَ قَطَعَ يَدَكَ وَتَمْدَحُهُ؟ فَقَالَ: وَلِمَ لَا أَمْدَحُهُ وَقَدْ قَطَعَ يَدِي بِحَقٍّ وَخَلَّصَنِي مِنَ النَّارِ! فَسَمِعَ سَلْمَانُ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِهِ عَلِيًّا فَدَعَا الْأَسْوَدَ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سَاعِدِهِ وَغَطَّاهُ بِمَنْدِيلٍ وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ فَسَمِعْنَا صَوْتًا يَقُولُ: ارْفَعِ الرِّدَاءَ عَنِ الْيَدِ فَرَفَعْنَاهُ فَإِذَا الْيَدُ قَدْ بَرَأَتْ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى وَجَمِيلِ صُنْعِهِ.اهـ

وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ شَرحِ الصُّدُورِ بِشَرْحِ أَحوَالِ الْمَوتَى وَالقُبُورِ: أَخْرَجَ الْحَاكِم فِي تَارِيخِ نَيسَابُورَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشقَ عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ دَخَلْنَا مَقَابِر الْمَدِينَة مَعَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجهَهُ فَنَادَى يَا أَهلَ الْقُبُورِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، تُخبِرُونَا بِأَخبَارِكُمْ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ نُخبِرَكُمْ قَالَ فَسَمِعنَا صَوتًا مِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ يَقُولُ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ، خَبِّرْنَا عَمَّا كَانَ بَعدَنَا، فَقَالَ عَلِيٌّ أَمَّا ‌أَزوَاجُكُمْ ‌فَقَدْ ‌تَزَوَّجْنَ وَأَمَّا أَمْوَالُكُمْ فَقَدِ اقْتُسِمَتْ وَأَوْلَادكُمْ فَقَدْ حُشِرُوا فِي زُمرَةِ الْيَتَامَى وَالْبِنَاءُ الَّذِي شَيَّدْتُمْ فَقَدْ سَكَنَهُ أَعدَاؤُكُمْ فَهَذِهِ أَخْبَارُ مَا عِندَنَا فَمَا أَخْبَارُ مَا عِنْدَكُمْ؟ فَأَجَابَهُ مَيِّتٌ قَدْ تَخَرَّقَتِ الأَكفَانُ وَانتَثَرَتِ الشُّعُورُ وَتَقَطَّعَتِ الْجُلُودُ وَسَالَتِ الأَحدَاقُ عَلَى الخُدُودِ وَسَالَتِ المَنَاخِرُ بِالقَيحِ وَالصَّدِيدِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ وَجَدْنَاهُ وَمَا خَلَّفْنَاهُ خَسِرنَاهُ وَنَحنُ مُرتَهَنُونَ بِالْأَعْمَالِ.اهـ

قَالَ ابنُ حَجَرٍ الْهَيتَمِيُّ فِي الصَّوَاعِقِ الْمُحرِقَةِ: وَرُوِيَ أَنَّهُ ﷺ أَرسَلَ أَبَا ذَرٍ يُنَادِي عَلِيًّا فَرَأَى رَحًى ‌تَطْحَنُ ‌فِي ‌بَيتِهِ وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَمَا عَلِمتَ أَنَّ للهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ قَدْ وُكِّلُوا بِمَعُونَةِ آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ».اهـ

هَذَا الوَلِيُّ الصَّالِحُ أَقصِدُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ هُوَ حَبِيبُ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَ جَمَاعَاتٌ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَنَا غَلَوا فِيهِ وَمِنهُمْ مَن كَانَ فِي زَمَانِهِ فَعَبَدُوهُ عِبَادَةً وَالعِيَاذُ بِاللهِ مِنَ الكُفرِ، فَمَنْ غَلَا بِهِ كَالرَّوَافِضِ، قَالُوا نُحِبُّ عَلِيًّا وَآلَ بَيتِ عَلِيٍّ الحَسَنِ وَالحُسَينِ وَفَاطِمَةَ الزَّهرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ وَعَادَوْا أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعَائِشَةُ أَحَبُّوا عَلِيًّا وَهُوَ أَحَبَّهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ، وَبَعضُهُمْ أَبغَضَ عَلِيًّا بِحَيثُ كَفَّرَهُ وَقَتَلُوهُ كَالخَوَارِجِ، وَهُوَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَبِيبُ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، فَأَهلُ السُّنَّةِ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ المُبتَدِعَةِ، وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِنْ أَكثَرِ الصَّحَابَةِ تَرسِيخًا لِلعَقَائِدِ السُّنِّيَّةِ حَتَّى سَمَّاهُ بَعضُ الفُقَهَاءِ وَأَطلَقُوا عَلَيهِ فِي كُتُبِهِمْ كَالمُنَاوِيِّ وَغَيرِهِ مِصبَاحَ التَّوحِيدِ، وَمَا يُثبِتُ هَذَا كُلَّهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيمٍ وَالسُّيُوطِيُّ بِالسَّنَدِ المُتَّصِلِ إِلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنْتُ بِالْكُوفَةِ فِي دَارِ الْإِمَارَةِ، دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا نَوْفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْبَابِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنَ الْيَهُوَدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: عَلَيَّ بِهِمْ، فَلَمَّا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالُوا لَهُ: يَا عَلِيُّ صِفْ لَنَا رَبَّكَ هَذَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ، كَيْفَ هُوَ، وَكَيْفَ كَانَ، وَمَتَى كَانَ، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَاسْتَوَى عَلِيٌّ جَالِسًا وَقَالَ: مَعْشَرَ الْيَهُوَدِ اسْمَعُوا مِنِّي، وَلَا تُبَالُوا أَنْ لَا تَسْأَلُوا أَحَدًا غَيْرِي، إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْأَوَّلُ لَمْ يَبْدُ مِمَّا (أَيْ لَم يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ، أَيْ أَنَّ اللهَ لَمْ يُنْشَأ مِنْ شَيءٍ فَهَذَا إِثْبَاتٌ لقِدَمِ اللهِ وَأَزَلِيَّتِهِ وَنَفْيٌ لِلحُدُوثِ عَنهُ، وَالمَعنَى أَنَّ اللهَ لَمْ يَبْدُ أَيْ لَمْ يُنْشَأْ مِنْ شَيءٍ)، وَلَا مُمَازَجٌ مَعْمَا (مَعنَاهُ أَنَّ اللهَ لَيسَ مُمَازِجًا لِشَيءٍ مِنْ هَذَا العَالَمِ وَلَا مُمَازِجٌ مَعَ شَيءٍ مِنَ الأَشيَاءِ وَهَذَا فِيهِ نَفْيُ الاتِّصَالِ عَنِ اللهِ وَالحُلُولِ وَالاتِّحَادِ)، وَلَا حَالٌّ وَهْمًا (مَعْنَاهُ: اللهُ تَعَالَى لَا يُتَصَوَّرُ فِي الوَهمِ وَلَا فِي البَالِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ فِي الخَيَالِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَيسَ جِسمًا وَلَيسَ لَهُ شَبِيهٌ أَوْ مِثَالٌ)، وَلَا شَبَحٌ يُتَقَصَّى (مَعنَاهُ نَفْيُ المَادِيَّةِ وَالجِسمِيَّةِ عَنِ اللهِ تَعَالَى، فَهُوَ سُبحَانَهُ لَيسَ شَبَحًا أَيْ لَيسَ جِسمًا لَهُ حُدُودٌ وَأَعضَاءٌ، فَذَاتُهُ لَيسَ جِسمًا يُدْرَكُ وَيُحَدَّدُ)، وَلَا مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى (مَعنَاهُ لَيسَ مَحجُوبًا حَجْبَ الأَجسَامِ وَالمَحْسُوسَاتِ، إِذْ مِنْ شَأنِ احْتِجَابِهَا أَنْ يَكُونَ بِحُلُولِهَا فِي غَيرِهَا فَتَكُونَ مَحلُولَةً بِدَاخِلِ مَا حَجَبَهَا عَنْ غَيرِهَا، فَاللهُ تَعَالَى لَيسَ مَحجُوبًا عَنِ الأَبصَارِ بِهَذَا الِاعتِبَارِ، لِأَنَّهُ لَيسَ بِجِسمٍ لَهُ حُدُودٌ وَأَقطَارٌ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ سُبحَانَهُ)، وَلَا كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَيُقَالُ: حَادِثٌ (لَيسَ مَخلُوقًا وُجِدَ بَعدَ عَدَمٍ حَتَّى يُنْسَبَ إِلَيهِ صِفَاتُ خَلقِهِ)، بَلْ جَلَّ أَنْ يُكَيَّفَ الْمُكَيِّفُ لِلْأَشْيَاءِ كَيْفَ كَانَ (هُوَ سُبحَانَهُ جَعَلَ مَخلُوقَاتِهِ عَلَى كَيْفِيَّاتٍ شَتَّى، فَمَهمَا كَيَّفَ الأَشيَاءَ وَبِأَيِّ كَيفٍ كَيَّفَهَا هُوَ سُبحَانَهُ لَا يُكَيَّفُ أَيْ لَيسَ لَهُ كَيفِيَّةٌ، فَهُوَ المُصَوِّرُ وَلَيسَ المُصَوَّرَ)، بَلْ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزُولُ لِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ، وَلَا لِتَقَلُّبِ شَأنٍ بَعْدَ شَأنٍ (مَعنَاهُ: مَهمَا غَيَّرَ فِي خَلقِهِ وَجَرَى عَلَى المَخلُوقَاتِ الزَّمَانُ الَّذِي هُوَ خَلَقَهُ فَإِنَّهُ سُبحَانَهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِشَيءٍ مِنْ مَخلُوقَاتِهِ فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَجرِي عَلَيهِ زَمَانٌ يُغَيِّرُ وَلَا يَتَغَيَّرُ)، وَكَيْفَ يُوصَفُ بِالْأَشْبَاحِ (هَذَا سُؤَالُ اسْتِنكَارٍ عَنْ وَصْفِ اللهِ بِالجِسمِيَّةِ وَفِيهِ دِلَالَةُ نَفيِهَا عَنهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ تَأكِيدِ الإِنكَارِ)، وَكَيْفَ يُنْعَتُ بِالْأَلْسُنِ الْفِصَاحِ، مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَشْيَاءِ فَيُقَالُ: بَائِنٌ، وَلَمْ يَبِنْ عَنْهَا فَيُقَالُ: كَائِنٌ (وَهَذَا سُؤَالُ اسْتِنْكَارٍ عَنْ دَعوَى الإِحَاطَةِ بِذَاتِ اللهِ وَصِفَاتِهِ، وَتَقرِيرٌ لِنَفيِ ذَلِكَ، وَحَاصِلُ المَعنَى: أَنَّهُ مَهمَا بَلَغَ الفَصِيحُ فِي رُتبَةِ البَيَانِ فَهُوَ عَاجِزٌ لَا مَحَالَةَ عَنِ التَّمَكُّنِ مِنْ وَصفِ ذَاتِ اللهِ سُبحَانَهُ وَصِفَاتِهِ وَصَفَ إِحَاطَةٍ وَإِدرَاكٍ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ العَلِيَّةِ، إِذْ لَا يَعْرِفُ اللهَ عَلَى الحَقِيقَةِ إِلَّا اللهُ، وَغَايَةُ مَا يَبلُغُهُ العَارِفُونَ بِاللهِ هُوَ إِيقَانُهُمْ بِوُجُودِهِ بِلَا كَيفٍ وَلَا مَكَانٍ، وَالاعْتِرَافُ بِعَجزِهِمْ عَنْ إِدرَاكِ حَقِيقَتِهِ سُبحَانَهُ، كَمَا رُوِيَ عَنِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: العَجزُ عَنْ دَرَكِ الإِدرَاكِ إِدرَاكُ.اهـ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيسَ جِسمًا يَتَّصِلُ بِغَيرِهِ أَوْ يَنفَصِلُ عَنهُ فَيُقَالَ عَنهُ بَائِنٌ مُنفَصِلٌ، وَلَيسَ فَرْعًا مِنْ أَصلٍ فَيُقَالَ عَنهُ كَائِنٌ بَعدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الوَصْفِ بِالبَينُونِيَّةِ وَالكَينُونِيَّةِ، فَأَنَّى لِأَلْسِنَةِ العَاجِزِينَ ادِّعَاءُ الإِحَاطَةِ بِنَعتِهِ، جَلَّ رَبُّنَا تَعَالَى)، بَلْ هُوَ بِلَا كَيْفِيَّةٍ، وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الوَرِيْدِ (أَيْ بِالعِلْمِ وَلَيسَ قُربُهُ قُرْبَ الأَجسَامِ وَالمَسَافَاتِ)، وَأَبْعَدُ فِي الشَّبَهِ مِنْ كُلِّ بَعِيْدٍ (مَعنَاهُ: اللهُ لَا يُشبِهُ شَيئًا مِنْ خَلقِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّيءُ قَرِيبًا مِنْ أَذهَانِنَا أَوْ بَعِيدًا عَنهَا، فَاللهُ تَعَالَى لَا يُشبِهُ الأَشيَاءَ القَرِيبَةَ مِنَّا وَمِنْ أَفهَامِنَا وَتَوَهُّمَاتِنَا وَلَا يُشبِهُ الأَشيَاءَ البَعِيدَةَ عَنَّا)، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ (مَعنَاهُ: لَا يَخفَى عَلَيهِ مِنْ عِبَادِهِ الْتِفَاتَةُ أَبصَارِهِمْ)، وَلَا كُرُورُ لَفْظَةٍ (مَعنَاهُ تَعَاقُبُ وَتَوَالِي أَلفَاظِهِمْ وَكَلِمَاتِهِمْ)، وَلَا ازْدِلَافُ رَقْوَةٍ (مَعنَاهُ: تَحَرُّكُ الكَوْمَةِ مِنَ الرَّمْلِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى شَفِيرِ الوَادِي وَانْزِلَاقُهَا)، وَلَا انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ (مَعنَاهُ: مَشْيُهُمْ وَحَرَكَاتُهُمْ، وَيُفْهَمُ مِنهُ كَذَلِكَ مَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنَ السُّكُونِ بَعدَ الحَرَكَةِ، وَالوُقُوفِ بَعدَ المَشيِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ بَابِ الاِكتِفَاءِ)، فِي غَسَقِ لَيْلِ دَاجٍ، وَلَا إِدْلَاجٍ (مَعنَاهُ: فِي وَقتِ الإِدْلَاجِ، وَهُوَ الصَّبَاحُ البَاكِرُ، وَالمَعنَى: كُلَّ النَّهَارِ، وَالِإدْلَاجُ جُزْءٌ مِنْهُ، فَعَبَّرَ بِالجُزءِ وَأَرَادَ الكُلَّ مِنْ بَابِ المَجَازِ المُرسَلِ.اهـ وَحَاصِلُ المَعنَى فِيمَا سَبَقَ: أَنَّ اللهَ عَلِيمٌ بَصِيرٌ بِأَحوَالِ خَلقِهِ، لَا تَخْفَى عَلَيهِ مِنهُمْ خَافِيَةٌ، فَلَا يَخفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِنَ الْتِفَاتَاتِهِمْ وَلَا كَلَامِهِمْ وَلَا حَرَكَاتِهِمْ أَوْ سَكَنَاتِهِمْ، سَوَاءٌ فِي اللَّيلِ أَوْ فِي النَّهَارِ) لَا يَتَغَشَّى عَلَيْهِ القَمَرُ المُنِيرُ، وَلَا انْبِسَاطُ الشَّمْسِ ذَاتِ النُّورِ، بِضَوْئِهَا فِي الْكُرُورِ (مَعنَاهُ: اللهُ تَعَالَى لَا يَتَعَرَّضُ لِضَوءِ الشَّمسِ وَلَا القَمَرِ، وَلَا يَحتَاجُ إِلَيهِمَا، فَلَا يَتَوَارَدَانِ عَلَيهِ، أَيْ لَا يَتَعَاقَبُ عَلَيهِ لَيلٌ وَلَا نَهَارٌ، فَلَا تَمُرُّ عَلَيهِ الأَزمَانُ، وَحَاصِلُ المَعنَى المُرَادِ هُنَا: أَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيهِ زَمَانٌ فَهُوَ أَزَلِيٌّ لَا بِدَايَةَ لَهُ أَبَدِيٌّ لَا نِهَايَةَ لَهُ)، وَلَا إِقْبَالُ لَيْلٍ مُقْبِلٍ، وَلَا إِدْبَارُ نَهَارٍ مُدْبِرٍ، إِلَّا وَهُوَ مُحِيطٌ بِمَا يُرِيدُ مِنْ تَكْوِينِهِ، فَهُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَكُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ، وَكُلِّ نَهَايَةٍ وَمُدَّةٍ، وَالْأَمَدُ إِلَى الْخَلْقِ مَضْرُوبٌ (المَعنَى أَنَّ الخَلقَ لَهُمْ آجَالٌ مُحَدَّدَةٌ، فَهُمْ خَلْقٌ مُحدَثُونَ يَجرِي عَلَيهِمُ الزَّمَانُ، وَلَهُمْ أَجَلٌ وَنِهَايَةٌ)، وَالْحَدُّ إِلَى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ (يَعنِي أَنَّ خَلقَهُ لَهُمْ حَدٌّ أَمَّا هُوَ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيسَ بِمَحدُودٍ مُقَدَّرٍ)، لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَوَّلِيَّةٍ (مَعنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَبرَزَ الأَشيَاءَ مِنَ العَدَمِ، فَهَذَا مَعنَى خَلقِهِ لَهَا، لَا كَمَا قَالَ بَعضُ الفَلَاسِفَةِ بِأَزَلِيَّةِ مَادَّةِ العَالَمِ وَنَوعِهِ وَحُدُوثِ أَفرَادِهِ، فَقَولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ العَالَمَ حَادِثُ الجِنسِ وَالأَفرَادِ)، وَلَا بِأَوَائِلَ كَانَتْ قَبْلَهُ بَدِيَّةً، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ خَلْقَهُ، وَصَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ، تَوَحَّدَ فِي عُلُوِّهِ (العُلُوُّ فِي حَقِّ اللهِ هُوَ عُلُوُّ الشَّأنِ وَالمَكَانَةِ، وَلَيسَ عُلُوًّا حِسِّيًّا بِالمَكَانِ، لِأَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الكَونِ فِي المَكَانِ وَالاحْتِيَاجِ إِلَيهِ)، فَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ (أَيْ لَا يَمتَنِعُ عَنهُ شَيءٌ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَخلُوقَاتِهِ وَلَا يُوصَفُ بِالعَجزِ)، وَلَا لَهُ بِطَاعَةِ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ انْتِفَاعٌ (مَعنَاهُ أَنَّ اللهَ لَا يَتَشَرَّفُ بِشَيءٍ مِنْ مَخلُوقَاتِهِ وَلَا يَنتَفِعُ بِهِمْ طَرفَةَ عَينٍ)، إِجَابَتُهُ لِلدَّاعِينَ سَرِيعَةٌ (مَعنَاهُ أَنَّ اللهَ يُجِيبُ دَعوَةَ مَنْ دَعَاهُ مِنَ المُؤمِنِينَ بِنَاءً عَلَى مَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّةِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ وَلَا تَتَبَدَّلُ سُبحَانَهُ)، وَالمَلَائِكَةُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ لَهُ مُطِيعَةٌ (مَعنَاهُ أَنَّ المَلَائِكَةَ لَا يَعصُونَ اللهَ أَبَدًا فَهُمْ مَجبُولُونَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، لَيسُوا ذُكُورَا وَلَا إِنَاثًا وَإِنَّمَا يَتَشَكَّلُونَ عَلَى صُورَةِ الذُّكُورِ دُونَ آلَةِ الذُّكُورِيَّةِ)، عَلِمُهُ بِالْأَمْوَاتِ البَائِدِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْمُتَقَلِّبِينَ (مَعنَاهُ: الَّذِينَ مَاتُوا وَفَنَوْا وَلَمْ يَبْقَ مِنهُمْ بَاقِيَةٌ أَوْ آثَارٌ تَدُلُّ اللَّاحِقِينَ عَلَيهِمْ، فَبَعْضُ الَّذِينَ مَاتُوا تَرَكُوا آثَارًا تَدُلُّ عَلَيهِمْ، وَبَعضٌ مَاتُوا وَانْمَحَتْ آثَارُهُمْ بِالكُلِّيَّةِ، فَكَأَنَّهُمْ مَا كَانُوا وَلَا عَاشُوا عَلَى هَذِهِ المَعمُورَةِ، فَخَفِيَ عِلْمُ حَالِهِمْ وَوُجُودِهِمْ عَلَى مَن جَاءَ بَعدَهُمْ، أَمَّا اللهُ تَعَالَى فَعِلمُهُ بِهِمْ مُحِيطٌ لَا تَخفَى عَلَيهِ مِنْ حَالِهِمْ خَافِيَةٌ، فَالأُمَمُ السَّابِقَةُ قِسمَانِ: أُمَمٌ بَائِدَةٌ لَمْ تَبْقَ مِنهُمْ بَاقِيَةٌ، وَأُمَمٌ بَاقِيَةٌ، أَيْ بَقِيَتْ لَهُمْ آثَارٌ تَدُلُّ عَلَيهِمْ)، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَوَاتِ العُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَعِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا تُحَيِّرُهُ الْأَصْوَاتُ (مَعنَاهُ أَنَّ اللهَ لَا تَخفَى عَلَيهِ حَقِيقَةُ الأَصوَاتِ، مَهمَا اخْتَلَفَتْ أَوْ تَشَابَهَتْ أَوْ خَفَتَتْ أَوِ ارْتَفَعَتْ)، وَلَا تَشْغَلُهُ اللُّغَاتُ (مَعنَاهُ أَنَّهُ سُبحَانَهُ لَا مَشَقَّةَ تَلحَقُهُ فِي سَمعِهِ لِلُغَاتِ الخَلقِ، فَسَمْعُهُ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ وَاحِدٌ، لَا يُشبِهُ سَمعَ المَخلُوقَاتِ سُبحَانَهُ)، سَمِيعٌ لِلْأَصْوَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، بِلَا جَوَارِحَ لَهُ مُؤْتَلِفَةٍ (مَعنَاهُ: اللهُ سُبحَانَهُ لَيسَ جِسمًا، وَلَا جَوَارِحَ لَهُ وَلَا أَعضَاءَ فَلَيسَ سَمعُهُ سُبحَانَهُ بِأُذُنٍ وَلَا أَيِّ جَارِحَةٍ أُخرَى، تَنَزَّهَ اللهُ عَنْ صِفَاتِ المَخلُوقَاتِ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا)، مُدْبِرٌ بَصِيرٌ عَالِمٌ بِالْأُمُورِ، حَيٌّ قَيُّومٌ. سُبْحَانَهُ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا بِلَا جَوَارِحَ وَلَا أَدَوَاتٍ، وَلَا شَفَةٍ وَلَا لَهَوَاتٍ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ تَكْيِيفِ الصِّفَاتِ (صِفَاتُهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُوصَفُ بِالكَيفِيَّاتِ)، مَنْ زَعَمَ أَنَّ إِلَهَنَا مَحْدُودٌ، فَقَدْ جَهَلَ الْخَالِقَ الْمَعْبُودَ (المَحدُودُ عِندَ عُلَمَاءِ التَّوحِيدِ وَاللُّغَةِ مَا لَهُ حَجمٌ كَبِيرًا كَانَ أَمْ صَغِيرًا، فَالعَرشُ مَحدُودٌ وَالذَّرَّةُ مَحدُودَةٌ، فَمَعنَى كَلَامِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَيسَ لَهُ حَجمٌ، بَلْ هُوَ مَوجُودٌ بِلَا مَكَانٍ، وَمَعنَى قَولِهِ: أَنَّ اللهَ لَا يُوصَفُ بِالجُلُوسِ، لِأَنَّ الجَالِسَ مَحدُودٌ، وَاللهُ تَعَالَى لَيسَ جِسمًا كَبِيرًا وَلَيسَ جِسمًا صَغِيرًا، وَأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِصِفَاتِ الأَجسَامِ، وَصِفَاتُ الأَجسَامِ كَثِيرَةٌ، مِنهَا الشَّكلُ وَالحَجْمُ، وَاللَّونُ وَالحَرَارَاةُ وَالبُرُودَةُ، وَالجُلُوسُ وَالحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالتَّغَيُّرُ)، وَمَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْأَمَاكِنَ بِهِ تُحِيطُ، لَزِمَتْهُ الْحِيرَةُ وَالتَّخْلِيطُ (مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ حَالٌّ بِالأَشيَاءِ أَو أَنَّهُ جِسمٌ تُحِيطُ بِهِ الجِهَاتُ، أَوْ أَنَّهُ كَالهَوَاءِ تُحِيطُ بِهِ الأَرجَاءُ، أَوْ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ المَخلُوقِينَ، فَهُوَ غَارِقٌ فِي الكُفرِ مُتَخَبِّطٌ فِي وَسَاوِسِ الشَّيطَانِ، اخْتَلَطَ عَلَيهِ الأَمرُ فَاعتَقَدَ الخَالِقَ مَخلُوقًا فَهُوَ مُتَحَيِّرٌ مُتَخَبِّطٌ مُخَلِّطٌ فِي الكُفرِ وَالضَّلَالِ)، بَلْ هُوَ الْمُحِيطُ بِكُلِّ مَكَانٍ (أَيْ بِعِلْمِهِ، فَاللهُ هُوَ خَالِقُ كُلِّ الأَمَاكِنِ فَيَستَحِيلُ أَنْ تُحِيطَ بِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ هُوَ فِيهَا، أَوْ فِي بَعضِهَا، فَإِنَّ مَنِ اعتَقَدَ أَنَّ اللهَ حَالٌّ فِي شَيءٍ مِنْ خَلقِهِ، فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ، أَوْ فِي الأَولِيَاءِ أَوْ فِي الجَنَّةِ أَوْ فِي الفَضَاءِ، أَوْ فِي الكَعبَةِ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجمَاعِ الأُمَّةِ كَمَا نَقَل الإِجمَاعَ عَلَى ذَلِكَ مُلَّا عَلِيٌّ القَاِري وَغَيرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ المَذَاهِبِ الأَربَعَةِ)، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا أَيُّهَا الْمُتَكَلِّفُ لِوَصْفِ الرَّحْمَنِ، بِخِلَافِ التَّنْزِيلِ وَالْبُرْهَانِ، فَصِفْ لِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ هَيْهَاتَ أَتَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِكَ، وَتَصِفُ الْخَالِقَ الْمَعْبُودَ وأنتَ تُدْرِكُ صفةَ رَبِّ الهيئَةِ والأدواتِ (وَهُنَا سَيِّدُنَا عَلِيٌّ يُفحِمُ المُجَسِّمَ الَّذِي يَعتَقِدُ فِي اللهِ تَعَالَى الجِسمِيَّةَ وَالكَمِّيَّةَ وَالهَيئَةَ وَالحَجْمَ، وَالقُعُودَ وَالجُلُوسَ وَالشَّكلَ وَالصُّورَةَ، وَالأَعضَاءَ وَالأَدَوَاتِ وَالتَّركِيبَ وَالكَيفِيَّةَ، أَوْ يَصِفُهُ بِأَنَّهُ بِذَاتِهِ فِي السَّمَاءِ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى العَرشِ حَقِيقَةً، أَوْ يَعتَقِدُ فِيهِ المِسَاحَةَ وَالمَسَافَةَ، وَالتَّركِيبَ وَاجتِمَاعَ الأَجزَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ كُفرٌ بِرَبِّ العَالَمِينَ، وَتَشبِيهٌ لَهُ بِخَلقِهِ، فَسَيِّدُنَا عَلِيٌّ يَتَحَدَّى هَذَا المُشَبِّهَ المُجَسِّمَ، الَّذِي وَصَفَ اللهَ بِصِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الحَادِثَةِ، المَخلُوقَةِ بِأَنْ يَصِفَ هَؤُلَاءِ المَلَائِكَةَ الكِرَامَ بِحَقِيقَةِ صِفَاتِهِمُ الَّتِي هُمْ عَلَيهَا، فَهَلْ يَستَطِيعُ هَذَا المُجَسِّمُ الَّذِي تَجَرَّأَ عَلَى هَذَا الكُفرِ أَنْ يَصِفَ هَؤُلَاءِ المَلَائِكَةَ الكِرَامَ بِكُلِّ تَفَاصِيلِ أَشكَالِهِمْ وَهَيئَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ، الجَوَابُ: لَا يَستَطِيعُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَستَطِيعُ أَنْ يُحِيطَ عِلمًا تَامًّا كَامِلًا مِنْ كُلِّ النَّوَاحِي بِهَؤُلَاءِ المَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلقِ اللهِ، فَكَيفَ يَتَجَرَّأُ أَنْ يَصِفَ اللهَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ خَلقِهِ فَيَكْفُرَ وَيُكَذِّبَ اللهَ وَالقُرآنَ)، فَكَيْفَ مَنْ لَمْ تَأْخُذْهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لَهُ مَا فِي الْأَرَضِينَ وَالسَّمَوَاتِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.اهـ

الدعاء الختامي

اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين وسخر لهم الأرض ومن عليها والسماء ومن فيها. اللهم بقوتك، وبغوثك، وبحمايتك لمن احتمى بآياتك، نسألك يا الله يا سميع يا قريب، يا مجيب يا منتقم يا جبار، يا قهار يا شديد البطش، يا عظيم القهر يا من لا يعجزه قهر الجبابرة، ولا يعظم عليه هلاك المتمردين من الملوك والأكاسرة، أن تجعل كيد المحتلين في نحرهم، واجعل مكرهم عائدًا إليهم. اللهم اجعل للمرابطين النّصرة والعزّة والغلبة والقوة والهيبة في قلوب أعدائهم يا أكرم الأكرمين.

اللهم اغفِر لمن سبقَنا مِن إخوانِنا بالإيمانِ اللهم اجمعنا بهم في الفردوسِ الأَعلَى، اللهم ارحم مشايخَنا اللهم اجمعنا بهم في الفردوسِ الأعلَى يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ استجب لنا بحقِّ حبيبِك محمدٍ ﷺ، اللهم اجعلنا لدعوةِ نبيِّكَ سامعينَ، ولأمرِه مطيعينَ، ومِن رفقائِه المصاحِبينَ، ومِن أوليائِك المخلصينَ، اللهم وَأَبلِغهُ منَّا السلامَ.

اللهم صلِّ على محمدٍ بعددِ مَن صَلَّى عليه مِن خلقِك، وصل عليه بعددِ مَن لم يُصَلِّ عليه مِن خلقِك، وصلِّ على محمدٍ كما تنبَغِي الصلاةُ عليهِ، وصلِّ على محمدٍ كما تجبُ الصلاةُ عليه، وصلِّ على محمدٍ كما أمرتَنا بالصلاةِ عليه، اللهم اجعل صلواتِك وبركاتِك ورحمتَك على سيدِ المرسلينَ وإمامِ المتقينَ محمدٍ عبدِك ورسولِك إمامِ الخيرِ وقائدِ الخيرِ ورسولِ الرحمةِ، اللهم ابعثه مقامًا محمودًا، اللهم ءاتِه في أمتِه وذريتِه ما تُقِرُّ بِهِ عينَه واجزِهِ عنَّا خيرَ ما جزَيتَ نبيًّا عن أمتِه، واجزِ الأنبياءَ كلَّهم خيرًا.

اللهم اجعَلنَا مِنَ المقبولينَ ولا تجعلنَا مِنَ المطرودينَ   اللهم ارزقنَا الحجَّ وزيارةَ الحبيبِ ﷺ واجعلنا مِن عبادِكَ الطائعينَ الشاكرينَ الصابرينَ الخاشعينَ المجبولينَ على حبِّ طاعتِكَ اللهم آميَن بجاهِ سيدِنَا محمدٍ ﷺ وكلِّ أنبيائكَ والرسلِ منهم وكلِّ أوليائِكَ وتقَبَّل مِن إخوانِنَا المسلمينَ صالحَ أعمالِهِم يا اللهُ.

وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين، سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفُون، وسلامٌ على المرسَلِين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …