المقدمة
الحَمدُ للهِ الذِي كَتَبَ المَقَادِيرَ بِمَا يَجرِي وَمَا يَكُونُ، أَلَّفَ بَينَ الأَروَاحِ بِمِقدَارٍ مِنَ الحِكمَةِ مَوزُونٍ، وَجَعَلَ السَّمَاءَ فِيهَا الشَّمسُ وَالقَمَرُ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسبَحُونَ، وَبَسَطَ الأَرضَ بِسَاطًا لِلبَسِيطَةِ فَهُمْ عَلَيهَا يَسعَونَ وَيَمشُونَ، خَلَقَ الخَلقَ فَهُمْ صِنفَانِ صِنفٌ يَسعَدُونَ وَصِنفٌ يُعَذَّبُونَ، فَأَهلُ السَّعَادَةِ أَعَانَهُمْ بِتَوفِيقِهِ فَهُمْ بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ، وَأَهْلُ الشَّقَاءِ شَقَّ عَلَيهِمْ عَمَلُ الطَّاعَةِ فَهُمْ عَنهُ مُعرِضُونَ، سُبحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ يُحيِي وَيُمِيتُ وَيَعلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعلَمُونَ، ((أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَكَانُوْا يَتَّقُوْنَ))، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الحَيُّ القَيُّومُ الذِي يَعلَمُ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الذِي سَعِدَتْ بِوِلَادَتِهِ الأَيَّامُ وَالسِّنُون، اللَّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيهِ مَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَنْ ذِكرِهِ الغَافِلُونَ، صَلَاةً تُنجِينَا بِهَا مِنْ عَذَابِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَسَلِّمْ تَسلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعدُ:
فَقَدْ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي كَرَامَاتِ سَيِّدِنَا وَصَاحِبِ نَبِيِّنَا ﷺ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ:
كرامة أخرى لأبي بكر رضي الله عنه
فِي الصَّحِيحَينِ عَن أَبِي مُحَمَّدٍ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ مَرَّةً: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ، فَلْيَذْهَبْ بثَالِثٍ، وَمنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أرْبَعَةٍ، فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ بِسَادِسٍ»، وأنَّ أَبَا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وانْطَلَقَ النبيُّ ﷺ بعَشَرَةٍ، وأنَّ أَبَا بَكرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النبيّ ﷺ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى العِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ، فجاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ. فَقَالَتِ امْرَأتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أضْيَافِكَ؟ قَالَ: أوَمَا عَشَّيْتِهمْ؟ قالت: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ وَقَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ لا يَطْعَمُهُ، فَحَلَفَت المَرْأَةُ لَا تَطْعَمُهُ، فَحَلَفَ الأَضْيَافُ أَنْ لَا يَطْعَمُوهُ حَتَّى يَطْعَمَهُ! فَدَعَا بالطَّعَامِ فَأكَلَ وأكَلُوا، فَجَعَلُوا لا يَرْفَعُونَ لُقْمَةً إِلَّا رَبَتْ مِنْ أسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا (أَيْ زَادَتْ أَكثَرَ مِمَّا كَانَتْ). قَالَ: وايْمُ اللهِ مَا كُنَّا نَأخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا مِن أَسفَلِهَا أَكثَرَ مِنهَا حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبلَ ذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَيهَا أَبُو بَكرٍ فَقَالَ لِامرَأَتِهِ: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لَا وقُرَّةِ عَينِي لَهِيَ الآنَ أَكثَرُ مِنهَا قَبلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ! (أَيْ زَادَتْ ثَلَاثَةَ أَضعَافٍ) فَأَكَلَ مِنهَا أَبُو بَكرٍ ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الأجَلُ، فَتَفَرَّقْنَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللهُ أعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ.اهـ
وَهَذِهِ كَرَامَةٌ أَجرَاهَا اللهُ تَعَالَى عَلَى يَدِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَيثُ زَادَ الطَّعَامُ ثَلَاثَةَ أَضعَافٍ وَلَم يَنْقُصِ الطَّعَامُ بِالأَكلِ مِنهُ بَلْ زِيدَ ثَلَاثَةَ أَضعَافٍ.
فَائِدَةٌ: يُستَفَادُ مِنْ هَذِهِ القِصَّةِ أَنَّ الوَاحِدَ إِذَا حَلَفَ عَلَى شَيءٍ ثُمَّ رَأَى أَنَّ خِلَافَهُ خَيرٌ يَحنَثُ وَيَفْعَلُهُ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكرٍ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَا مَا أَرْشَدَ إِلَيهِ النَّبِيُّ ﷺ حَيثُ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ».اهـ
كَرَامَةٌ أُخرَى لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ
قَالَ الفَخرُ الرَّازِيُّ فِي تَفسِيرِهِ: أَمَّا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَمِنْ كَرَامَاتِهِ أَنَّهُ لَمَّا حُمِلَتْ جِنَازَتُهُ إِلَى بَابِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَنُودِيَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ بِالْبَابِ فَإِذَا الْبَابُ قَدِ انْفَتَحَ وَإِذَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ مِنَ الْقَبْرِ (أَيْ سُمِعَ صَوتٌ دُونَ أَنْ يُرَى شَخْصٌ) أَدْخِلُوا الْحَبِيبَ إِلَى الْحَبِيبِ.اهـ
بيان صفات الأولياء
هَذَا أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُ أَولِيَاءِ اللهِ الَّذِينَ يَقُولُ اللهُ فِي وَصفِهِمْ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هم يحزنون}، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ الأَولِيَاءَ مِنْ سَادَةِ الأُمَّةِ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى سَائِرِ خَلقِهِ بَعدَ أَنبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَجَعَلَهُمْ لِلنَّاسِ هُدَاةً وَرَحمَةً، فَهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ مَصَابِيحُ الأَنوَارِ، وَمَعَادِنُ الأَسرَارِ، يَتَّبِعُونَ الحَقَّ وَيَدُورُونَ مَعَهُ حَيثُ دَارَ، فَهُمُ الغِيَاثُ لِلخَلقِ، المُختَارُونَ لِلطَّرِيقِ الحَقِّ، حَمَلُوا لِوَاءَ العِلمِ وَالعَمَلِ، وَتَجَنَّبُوا مَهَالِكَ الجَهلِ وَالكَسَلِ، قَامُوا بِمَا عَلَيهِمْ مِنَ التَّكلِيفِ، وَطَلَبُوا المَغفِرَةَ مِنَ التَّوَّابِ اللَّطِيفِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بِصِدقِ الافتِقَارِ، وَسَلَكُوا طَرِيقَ الفَقرِ وَالانكِسَارِ، وَمَنَعُوا نُفُوسَهُمْ عَنِ الكِبرِيَاءِ وَالتَّشَوُّفِ، وَهَذَّبُوهَا بِالكَيَاسَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَالتَّصَوُّفِ، فَهُمْ إِلَى اللهِ فُقَرَاءُ، وَفِي بَوَاطِنِهِمْ سَلَاطِينُ أُمَرَاءُ، هَجَرُوا المَنَامَ، وَقَلَّلُوا مِنَ الطَّعَامِ، وَاحتَمَلُوا الأَذَى مِنَ الأَنَامِ، وَاجتَنَبُوا الذُّنُوبَ وَالآثَامِ، وَصَلَّوا بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، فَهُمْ مِنْ خَشيَةِ اللهِ عُيُونُهُمْ دَامِعَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ إِلَيهِ خَاشِعَةٌ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَرَونَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الفَضلِ فَضْلًا مِنهُ عَلَيهِمْ، قَدْ سَاقَهُ الرَّبُّ الكَرِيمُ إِلَيهِمْ، فَلَمْ يَتَّكِلُوا عَلَى مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الأَعمَالِ، أَوْ صَفَا لَهُمْ مِنَ الأَحوَالِ، عِلمًا مِنهُمْ أَنَّهُ سُبحَانَهُ يَفعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَختَارُ مَا يُرِيدُ، لَيسَ عَلَيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَثَوَابُهُ فَضلٌ عَلَيهِمْ وَعَذَابُهُ لِلمُخَالِفِينَ عَدلٌ مِنهُ.
وصف الأولياء في الأحاديث الشريفة
أَمَّا لَوْ سَأَلَ سَائِلٌ كَيفَ وَصْفُهُمْ فِي الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فَأَقُوْلُ: ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا ذِكْرُ صِفَاتِ الأَولِيَاءِ وَدَرَجَاتِ بَعضِهِم وَبَيَانِ أَحوَالِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، فَقَدْ كَانَ ثَوْبَانُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ حَوْضِيَ مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَكْوَابُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ» ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: «هُمُ الشُّعْثُ رُءُوسًا [أيتَغَيَّرَ وَتَلَبَّدَ لِقَلَّةِ تَعَهُّدِهِ بِالدُّهْنِ]، الدُّنُسُ ثِيَابًا [أَي ثِيَابُهُمْ وَسِخَةٌ]، الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ [أَيْ غَالِبًا]، وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السُّدَدِ [أَيْ لَا يُقَدِّمُهُمُ النَّاسُ غَالِبًا]»، فَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: لَقَدْ فُتِحَتْ لِيَ السُّدَدُ، وَنَكَحْتُ المُنَعَّمَاتِ، لَا جَرَمَ، لَا أَدْهَنُ رَأسِي حَتَّى يَشْعَثَ، وَلَا أغْسِلُ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي بَدَنِي حَتَّى يَتَّسِخَ”.اهـ
وَهَذَا مَعنَاهُ فِي الغَالِبِ هَكَذَا تَكُونُ صِفَتُهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، فَلَيْسَ هَمُّهُمُ التَّنَعُّمَ وَالظُّهُورَ فِي الدُّنيَا بَلْ يَمِيلُونُ إِلَى الخَفَاءِ وَيَطلُبُونَهُ وَيَبحَثُونَ عَنهُ.
قَالَ الْمَرُّوْذِيُّ: كَانَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ أَحمَدُ بنُ حَنبَلٍ إِذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ. وَكَانَ يَقُوْلُ: الخَوْفُ يَمْنَعُنِيْ أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِذَا ذَكَرْتُ الْمَوْتَ هَانَ عَلَيَّ كُلُّ أَمْرِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُوْنَ طَعَامٍ وَلِباسٌ دُوْنَ لِبَاسٍ، وَإِنَّهَا أَيَّامٌ قَلَائِلُ مَا أَعْدِلُ بِالْفَقْرِ شَيْئًا، وَلَوْ وَجَدْتُ السَّبِيْلَ لَخَرَجْتُ حَتَّىْ لَا يَكُوْنَ لِيْ ذِكْرٌ.
وَقَالَ: أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ فِيْ شِعْبٍ بِمَكَّةَ حَتَّى لَا أُعرَفَ قَدْ بُلِيْتُ بِالشُّهْرَةِ إِنِّيْ أَتَمَنَّىْ الْمَوْتَ صَبَاحًا وَمَسَاءً.اهـ
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الْحَرْبِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ يُجِيْبُ فِي العُرْسِ وَالْخِتَانِ وَيَأْكُلُ. وَكَانَ إِنْ رَأَىْ إِنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ مُنْكَرًا خَرَجَ. وَكَانَ يُحِبُّ الْخمُوْلَ وَالِانْزِوَاءَ عَنِ النَّاسِ وَيَعُودُ الْمَرِيْضَ، وَكَانَ يَكْرَهُ الْمَشْيَ فِي الْأَسْوَاقِ وَيُؤثِرُ الْوَحْدَةَ.
وَقَالَ الْمَيْمُوْنِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: رَأَيْتُ الْخَلْوَةَ أَرْوَحَ لِقَلْبِيْ.
قَالَ الْمَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِيْ أَحْمَدُ: قُلْ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ: أَخْمِلْ ذِكْرَكَ فَإِنِّي أَنَا قَدْ بُلِيْتُ بِالشُّهْرَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُوْنَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا مَشَىْ فِيْ الطَّرِيْقِ يَكْرَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ أَحَدٌ.اهـ فهذه والله صفتُهُمْ رَضِيَ الله عنهم.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الْأَبْدَالِ [وَهِيَ دَرَجَةٌ مِنْ أَعَالِي دَرَجَاتِ الوِلَايَةِ وَرَدَتْ فِي أَحَادِيثِهِ ﷺ]، قَالَ: «هُمْ سِتُّونَ رَجُلًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَلِّهِمْ لِي (أَيْ صِفْهُمْ لِي وَصْفًا يُبَيِّنُهُمْ) قَالَ: «لَيْسُوا بِالْمُتَنَطِّعِينَ (أَيْ لَيسُوا مُتَشَدِّدِينَ فِي غَيرِ مَوضِعِ التَّشَدُّدِ)، وَلَا بِالْمُبْتَدِعِينَ (أَيْ لَا يَبْتَدِعُونَ فِي العَقِيدَةِ، كَبِدعَةِ القَدَرِيَّةِ النَّافِينَ لِتَقدِيرِ اللهِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَكَبِدْعَةِ الخَوَارِجِ مِنْ قَولِهِمْ بِتَكفِيرِ مَنْ سِوَاهُمْ، وَكَبِدعَةِ المُجَسِّمَةِ القَائِلِينَ بِأَنَّ اللهَ جِسْمٌ جَالِسٌ عَلَى العَرشِ وَيُشْبِهُ خَلْقَهُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، قَالَ بَعضُ المُجَسِّمَةِ فِي زَمَانِنَا: مَا ذَاقَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ مَنْ لَمْ يَعتَقِدْ أَنَّ اللهَ جَالِسٌ عَلَى العَرشِ.اهـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ مِنَ الكُفرِ وَالضَّلَالِ، فَهَذَا بِزَعمِهِ كُلُّ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعتَقِدُونَ تَنزِيهَ اللهِ عَنِ الجُلُوسِ، عِندَهُ مَا ذَاقُوا حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ مَسخِ القُلُوبِ)، وَلَا بِالمُتَنَعِّمِينَ (فَإِنَّ عِبَادَ اللهِ الصَّالِحِينَ لَيسُوا بِالمُتَنَعِّمِينَ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِهِ ﷺ)، لَمْ يَنَالُوا مَا نَالُوه بِكَثْرَةِ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنْ بِسَخَاءِ الأنَّفْسِ (سَخَاءُ الأَنفُسِ أَيْ طِيبُ النَّفسِ وَعَدَمُ الخُبثِ وَالمَكرِ وَالخِدَاعِ)، وَسَلَامَةِ الْقُلُوبِ (وَفِي مِثلِ هَذَا يَقُولُ رَبُّ العَالَمِينَ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ حِكَايَةً عَنِ الخَلِيلِ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾، وَالقَلبُ السَّلِيمُ الَّذِي يَنفَعُكَ يَومَ الدِّينِ هُوَ العَامِرُ بِمَعرِفَةِ اللهِ كَمَا يَجِبُ وَبِتَعظِيمِ اللهِ وَبِتنزِيهِ اللهِ عَنِ الشَّبِيهِ وَالمَثِيلِ، وَالقَلبُ السَّلِيمُ هُوَ الصَّادِقُ المُخلِصُ بِأَعمَالِ الطَّاعَاتِ، فَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَدحِ النَّاسِ وَلَا ذَمِّهِم وَلَا إِحسَانِهِم وَلَا إِسَاءَتِهِم، الخَالِي عَن أَسبَابِ الهَلَكَةِ، هَذِهِ هِيَ أُسُسُ وَقَوَاعِدُ سَلَامَةِ الصَّدرِ، لَا تَجِدُ مُحَرِّكًا لِلعَمَلِ فِيهِ إِلَّا طَلَبَ ثَوَابِ اللهِ وَمَا عِندَهُ وَلَا رَادِعًا لَهُ عَنِ الفِتَنِ إِلَّا خَوفَهُ مِنَ اللهِ، يُقَدِّمُ للهِ وَيُعطِي للهِ وَيَخشَى اللهَ وَيَثبُتُ للهِ وَيَخَافُ الفِتنَةَ وَيَسأَلُ اللهَ النَّجَاةَ مِنهَا، يَمشِي عَلَى وَجَلٍ وَخَوفٍ لَا يَطْمَئِنُّ فِي الدُّنيَا إِلَّا بِطَاعَةِ رَبِّهِ إِذَا خَلَا لِمُنَاجَاتِهِ، لَذَّتُهُ فِي هَذَا، لَو كَانَ بَينَ النَّاسِ فَهُوَ خَالٍ عَنهُمْ بِقَلبِهِ، لَوْ كَلَّمَهُم وَخَالَطَهُمْ فَهُوَ مَعَ حُبِّ اللهِ وَثَوَابِ اللهِ وَطَاعَةِ اللهِ وَالرَّادِعُ عَنِ الخَلَلِ هُوَ الخَوفُ مِنَ اللهِ لَا غَيرُ، هَذِهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ الَّتِي تَنفَعُكَ يَومَ الدِّينِ)، وَالنَّصِيحَةِ لِأَئِمَّتِهِمْ، إِنَّهُمْ يَا عَلِيُّ فِي أُمَّتِي أَقَلُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحمرِ (أَيْ نَادِرُوا الوُجُودِ بَينَ النَّاسِ)».
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ مُلُوكِ الْآخِرَةِ مَنْ إِنْ نَطَقَ لَمْ يُنْصَتْ لَهُ، وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ، وَإِنْ خَطَبَ لَمْ يُزَوَّجْ، وَإِنِ اسْتَأْذَنَ عَلَى سُلْطَانٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، لَوْ يُجْعَلُ نُورُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَلَأَهُمْ نُورًا» (مَعنَاهُ هُوَ غَيرُ مَعرُوفٍ لَكِنِ انظُرُوا إِلَى وَصفِهِ وَكَيفَ أَمْرُهُ يَومَ القِيَامَةِ وَمَا هِيَ رُتبَتُهُ).اهـ
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَحَقَّ وِلَايَةَ اللهِ وَطَاعَتَهُ: حِلْمٌ أَصِيلٌ يَدْفَعُ سَفَهَ السَّفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَوَرَعٌ صَادِقٌ يَحْجِزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَخُلُقٌ حَسَنٌ يُدَارِي بِهِ النَّاس».اهـ (مُؤَدَّى هَذَا الوَصفِ أَنَّهُ يُؤَدِّي الوَاجِبَاتِ كُلَّهَا وَيَجتَنِبُ المُحَرَّمَاتِ كُلَّهَا وَيَثبُتُ عَلَى النَّوَافِلِ وَلَوْ عَلَى نَافِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ النَّوَافِلِ، فَهَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ لَهُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ قَدْ يَكُونُ قَصِيرًا يَصِيرُ وَلِيًّا مِنْ أَولِيَاءِ اللهِ الصَّالِحِينَ).
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفٍ ذِي طِمْرَينِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ».
وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ قُدُسِيٍّ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِذَا كَانَ الغَالِبُ عَلَى عَبْدِي التَّمَسُّكُ بِطَاعَتِي مَنَنْتُ عَلَيْهِ بِالِاشْتِغَالِ بِي (أَيْ بِالاشْتِغَالِ بِطَاعَتِي) وَالِانْقِطَاعِ إِلَيَّ (أَيْ لَا يَشْغَلُهُ أَمْرُ الدُّنيَا عَنْ أَمرِ طَاعَتِي وَعِبَادَتِي) ».اهـ
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَوْلِيَاءُ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ». (يُذَكِّرُونَكَ بِطَاعَةِ اللهِ وَذِكرِ اللهِ وَعِبَادَةِ اللهِ، لَا يُذَكِّرُونَكَ بِالدُّنيَا وَفِتَنِهَا وَزِينَتِهَا وَالمَعَاصِي فِيهَا بَلْ يُذَكِّرُونَكَ بِالتَّوبَةِ وَالطَّاعَةِ لِرَبِّ العِزَّةِ سُبحَانَهُ، فَخَيرُ أَصحَابِكَ مَنْ إِذَا جَالَسْتَهُ ذَكَّرَكَ بِطَاعَةِ اللهِ، لِذَلِكَ يَنبَغِي أَنْ تَختَارَ صَاحِبًا وَصَدِيقًا وَجَلِيسًا يُذَكِّرُكَ بِأَمرِ الآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الإِمَامُ الرِّفَاعِيُّ: أَيْ سَادَة، جَالِسُوا العُلَمَاءَ وَالعُرَفَاءَ فَإِنَّ لِلمُجَالَسَةِ أَسرَارًا تُقَلِّبُ الجُلَّاسَ مِنْ حالٍ إلى حالٍ.
وَقَالَ: مَنْ جَلَسَ مَعَ ثَمَانِيَةِ أَصنَافٍ زَادَهُ اللهُ ثَمَانِيَةَ أَشيَاءَ، مَنْ جَلَسَ مَعَ الأُمَرَاءِ أَيِ الظُّلَّامِ زَادَهُ اللهُ الكِبرَ وَقَسَاوَةَ القَلْبَ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الأَغنِيَاءِ زَادَهُ اللهُ الحِرصَ فِي الدُّنيَا وَمَا فِيهَا، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الفُقَرَاءِ زَادَهُ اللهُ الرِّضَا بِمَا قَسَمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الصِّبيَانِ زَادَهُ اللهُ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ النِّسَاءِ زَادَهُ اللهُ الجَهْلَ وَالشَّهْوَةَ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الصَّالِحِينَ زَادَهُ اللهُ الرَّغبَةَ فِي الطَّاعَةِ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ العُلَمَاءِ زَادَهُ اللهُ العِلْمَ وَالوَرَعَ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الفُسَّاقِ زَادَهُ اللهُ الذَّنْبَ وَتَسوِيفَ التَّوبَةِ).
وَجَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ». قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: «رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَمُرُّ فِي السُّوقِ وَكَبَّرَ النَّاسُ»، قَالَ خَلَفٌ: «كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَدْ أُعْطِيَ هَدْيًا وَسَمْتًا، وَخُشُوعًا، فَكَانَ إِذَا رَأَوْهُ ذَكَرُوا اللهَ».اهـ
وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: مَنْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ؟ قَالَ عِيسَى: «الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا حِينَ نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا، وَالَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى آجِلِ الدُّنْيَا حِينَ نَظَرَ النَّاسُ إِلَى عَاجِلِهَا، فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ، وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنْ سَيَتْرُكَهُمْ، فَصَارَ اسْتِكْثَارُهُمْ مِنْهَا اسْتِقْلَالًا، وَذِكْرُهُمْ إِيَّاهَا فَوَاتًا، وَفَرَحُهُمْ بِمَا أَصَابُوا مِنْهَا حُزْنًا، فَمَا عَارَضَهُمْ مِنْ نَائِلِهَا رَفَضُوهُ، وَمَا عَارَضَهُمْ مِنْ رَفْعَتِهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ وَضَعُوهُ، خَلَقَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ فَلَيْسُوا يُجَدِّدُونَهَا، وَخَرِبَتْ بَيْنَهُمْ فَلَيْسُوا يَعْمُرُونَهَا، وَمَاتَتْ فِي صُدُورِهِمْ فَلَيْسُوا يُحْيُونَهَا، يَهْدِمُونَهَا وَيَبْنُونَ بِهَا آخِرَتَهُمْ، وَيَبِيعُونَهَا فَيَشْتَرُونَ بِهَا مَا يَبْقَى لَهُمْ، رَفَضُوهَا فَكَانُوا بِرَفْضِهَا فَرِحِينَ، وَبَاعُوهَا فَكَانُوا بِبَيْعِهَا رَابِحِينَ، وَنَظَرُوا إِلَى أَهْلِهَا صَرْعَى قَدْ حَلَّتْ فِيهِمُ الْمَثُلَاتُ، فَأَحْيَوْا ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الْحَيَاةِ، يُحِبُّونَ اللهَ، وَيُحِبُّونَ ذِكْرَهُ، وَيَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِ، لَهُمْ خَبَرٌ عَجَبٌ، وَعِنْدَهُمُ الْخَبَرُ الْعَجَبُ، بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ، وَبِهِ نَطَقُوا، وَبِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ، وَبِهِ عَلِمُوا، لَيْسُوا يَرَوْنَ نَائِلًا مَعَ مَا نَالُوا، وَلَا أَمَانًا دُونَ مَا يَرْجُونَ، وَلَا خَوْفًا دُونَ مَا يَحْذَرُونَ».اهـ
وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ : «لَا يَحِقُّ لِلعَبْدِ حَقُّ صَرِيحِ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ فِي اللهِ، وَيُبْغِضَ فِي اللهِ، فَإِذَا أَحَبَّ فِي اللهِ وَأَبْغَضَ فِي اللهِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الوِلَايَةَ، قَالَ اللهُ: إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ عِبَادِي وَأَحِبَّائِي مِنْ خَلْقِي الَّذِي يُذْكَرُونَ بِذِكْرِي، وَأُذْكَرُ بِذِكْرِهِمْ».اهـ (مَعنَاهُ لَا يَحصُلُ لِلشَّخصِ حَقِيقَةُ الإِيمَانِ حَتَّى يَكُونَ أَوَّلًا كَامِلًا فِي طَاعَتِهِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذِهِ أَوصَافٌ لِمِثلِ هَذَا، فَهَذَا يَصِلُ إِلَى التَّقوَى وَيَصِلُ إِلَى الوِلَايَةِ بِإِذنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَقِيقَةُ الإِيمَانِ هِيَ أَنْ تُؤمِنَ بِاللهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللهِ، فَمَا مَعنَى قَولِنَا: أَن تُؤمِنَ بِاللهِ: الإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ مَعنَاهُ: التَّصدِيقُ وَفِي الشَّرعِ: التَّصدِيقُ بِمَعنَى الشَّهَادَتَينِ، وَالإِيمَانُ بِاللهِ يَكُونُ بِاعتِقَادِ أَنَّهُ مَوجُودٌ مِنْ غَيرِ أَنْ يُشبَّهَ بِشَىءٍ مِنْ خَلقِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ القُرءَانِ الكَرِيمِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ وَاللهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ الأَجسَامِ الكَثِيفَةِ وَهِيَ مَا يُمكِنُ ضَبطُهُ بِاليَدِ كَالحَجَرِ وَالشَّجَرِ وَالإِنسَانِ وَالأَجسَامِ اللَّطِيفَةِ وَهُوَ مَا لَا يُمكِنُ ضَبطُهُ بِاليَدِ كَالرِّيحِ وَالرُّوحِ وَالنُّورِ وَالظَّلَامِ وَالجِنِّ وَالمَلَائِكَةِ فَاللهُ لَا يُشبِهُ شَيئًا مِنْ خَلقِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَجمًا كَثِيفًا وَلَا حَجمًا لَطِيفًا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَكلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِمِقدَارٍ﴾ مَعنَاهُ: كُلُّ شَيءٍ خَلَقَهُ اللهُ عَلَى قَدَرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الحَجمِ فَحَبَّةُ الخَردَلِ لَهَا حَجمٌ صَغِيرٌ وَحَبَّةُ القَمحِ أَكبَرُ مِنهَا ثُمَّ حَبَّةُ العِنَبِ أَكبَرُ ثُمَّ العَرشُ أَكبَرُ جِسمٍ خَلَقَهُ اللهُ مِنْ حَيثُ الحَجمُ وَالجِسمُ لَا يَخلُقُ الجِسمَ فَثَبَتَ أَنَّ اللهَ لَيسَ جِسمًا. ثُمَّ لَا يَجُوزُ عَلَى اللهِ أَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَاتِ الأَجرَامِ كَالحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالكَونِ فِي الجِهَةِ وَالمَكَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللهَ مَوجُودٌ فِي السَّمَاءِ أَو قَاعِدٌ عَلَى العَرشِ أَوْ مُسْتَقِرٌّ فَوقَ العَرشِ أَوْ مُحَاذِيْهِ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا مِنْ صِفَاتِ الأَجسَامِ قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهَا بَيَانُ عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: “وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ” وَقَدْ مَضَى عَلَى وَفَاةِ الطَّحَاوِيِّ أَكثَرُ مِنْ أَلفِ سَنَةٍ. وَمَعَانِي البَشَرِ مَعنَاهُ: صِفَاتُهُمْ كَالجَوارح وَالأَعضَاءِ وَالشَّكلِ وَاللَّونِ وَالتَّغَيُّرِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَالاِنفِعَالُ وَالانتِقَالُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى ءَاخَرَ وَالكَونِ فِي المَكَانِ. اللهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الأَمَاكِنِ وَالجِهَاتِ فَلَا يَجُوزُ عَلَيهِ أَنْ يَسكُنَهَا كَانَ مَوجُودًا قَبلَ خَلقِهَا بِلَا مَكَانٍ وَلَا جِهَةٍ وَلَا يَزَالُ مَوجُودًا بَعدَ خَلقِهَا بِلَا مَكَانٍ وَلَا جِهَةٍ لِأَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ فِي خَلقِهِ وَهُوَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَتَغَيَّرُ).
وَرُوِيَ عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ قَالَ: “كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ بِمَرْوَ، فَأَتَاهُ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمَعَهُ ابْنُهُ عُثْمَانُ، فَقَالَ عَطَاءٌ لِمُحَمَّدٍ: أَيُّ عَمَلٍ فِي الدُّنْيَا أَفْضَلُ؟ (أَيْ مِنْ أَفضَلِ الأَعمَالِ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ: أَيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ فَقَالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ كَمَا رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ) قَالَ: «صُحْبَةُ الْأَصْحَابِ، وَمُحَادَثَةُ الإِخْوَانِ إِذَا اصْطُحِبُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَحِينَئِذٍ يَذْهَبُ اللهُ بِالْخِلَافِ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَوَاصَلُوا وَتَوَاصَلُوا، وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ الْأَصْحَابِ وَمُحَادَثَةِ الْإِخْوَانِ إِذَا كَانُوا تَبَعًا لِبُطُونِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا كَذَلِكَ ثَبَّطَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنِ الْآخِرَةِ»،
قَالَ عَطَاءٌ: “يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي وَأَنَا غُلَامٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَقَالَ: يَا غُلَامُ، عَلَيْكَ بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَإِنَّ البِرَّ وَالتَّقْوَى يَهْدِيَانِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَإِيَّاكَ وَالْكَذِبَ وَالْفُجُورَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ يَهْدِيَانِ إِلَى النَّارِ (وَهَذَا الوَصفُ جَاءَ فِي حَدِيثِهِ ﷺ فَيُعلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الكَذِبَ مَذمُومٌ ، فَلَا يَأتِي شَخصٌ وَيُطْلِقَ مَدحَ الكَذِبِ كَمَا يَقُولُ بَعضُ الجُهَّالِ: الكَذِبُ مِلحُ الرِّجَالِ وَعَيبٌ عَلَى اللي بِيِصدُق. وَالعِيَاذُ بِاللهِ مِنْ هَذَا الفَسَادِ، فَإِطلَاقُ مِثلِ هَذِهِ العِبَارَاتِ فِيهِ تَكذِيبٌ لِلدِّينِ، فَمَنْ أَحَلَّ وَاستَحسَنَ شَيئًا حَرَّمَهُ الشَّرعُ كَمَا ذَكَرنَا كَالكَذِبِ فَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى تَكذِيبِ الشَّرِيعَةِ وَقَلبِ أَحكَامِهَا وَهَذَا خُرُوجٌ مِنَ الدِّينِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ وَعَدَّهُ الفُقَهَاءُ مِنَ الرِّدَّةِ القَولِيَّةِ المُخرِجَةِ مِنَ الدِّينِ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، وَمِثلُ هَذَا الفَسَادِ يُجتَنَبُ بِتَعَلُّمِ عِلمِ الدِّينِ وَنَشرِهِ بَينَ المُسلِمِينَ وَمَعرِفَةِ مِثلِ هَذِهِ القَوَاعِدِ الَّتِي يُعرَفُ بِهَا أَصلُ الدِّينِ وَمَا يُخرِجُ مِنهُ، حَتَّى يُجتَنَبَ الفَسَادُ وَأَفْسَدُ الفَسَادِ هُوَ الكُفْرُ بِاللهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، لِذَلِكَ قَالَ الفُقَهَاءُ مُعَلِّمِيْنَ: إِنَّ الْقَاعِدَةَ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْعُلَمَاءُ كَلامَهُمْ فِى هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ أَىِ اعْتِقَادٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافٍ بِاللَّهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ شَعَائِرِهِ أَوْ مَعَالِمِ دِينِهِ جَمْعُ مَعْلَمٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الشَّعِيرَةِ أَىْ مَا كَانَ ظَاهِرًا أَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَالصَّلاةِ وَالأَذَانِ وَالْمَسْجِدِ أَوْ أَحْكَامِهِ أَوْ وَعْدِهِ بِالْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ أَوْ وَعِيدِهِ بِالنَّارِ وَالْعَذَابِ كُفْرٌ فَلْيَحْذَرِ الإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ أَىْ مِنَ الْكُفْرِ بِأَنْوَاعِهِ جَهْدَهُ عَلَى أَىِّ حَالٍ أَىْ لِيَعْمَلِ الشَّخْصُ عَلَى تَجَنُّبِ ذَلِكَ غَايَةَ مُسْتَطَاعِهِ وَلْيَحْذَرْ مِنْهُ نِهَايَةَ الْحَذَرِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ)، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، اصْحَبْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَعْرِفُ أَوْلِيَاءَ اللهِ؟ قَالَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ هُمُ الْأَلِبَّاءُ (أَيِ الأَذكِيَاءُ)، الْعُقَلَاءُ، الْحَذِرُونَ (أَي يَحذَرُونَ مَعصِيَةَ اللهِ)، الْمُسَارِعُونَ فِي رِضْوَانِ اللهِ عز وجل، الْمُرَاقِبُونَ اللهَ (أَي يَستَدِيمُونَ الخَوفَ مِنَ اللهِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ فَيَمنَعُهُمْ هَذَا مِنَ الوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ)، فَإِذَا رَأَيْتَ أَهْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ فَاقْتَرِبْ مِنْهُمْ، فَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ، فَقُلْتُ: فَكَيْفَ أَعْرِفُ أَهْلَ النِّفَاقِ وَالْكَذِبِ وَالْفُجُورِ؟ قَالَ: أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا رَأَيْتَهُمْ يَأْبَاهُمْ قَلْبُكَ، وَلَا يَقْبَلُهُمْ عَقْلُكَ، إِذَا سَمِعْتَ كَلَامَهُمْ سَمِعْتَ كَلَامًا حُلْوًا لَهُ لَذَاذَةٌ وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَصْحَبَ أَهْلَ الْخِلَافِ، قُلْتُ: وَمَنْ أَهْلُ الْخِلَافِ؟ قَالَ: الْمُفَارِقُونَ لِلسُّنَّةِ وَالْكِتَابِ، أُولَئِكَ عَبِيدُ أَهْوَائِهِمْ، تَرَاهُمْ مُضْطَجِعِينَ وَقُلُوبُهُمْ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَاحْذَرْ هَؤُلَاءِ، وَاجْتَنِبْهُمْ (هَذَا فِيهِ أَمْرٌ بِاتِّبَاعِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهَكَذَا كَانَ الأَئِمَّةُ الأَربَعَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَمَنْ سَارَ عَلَى دَربِهِمْ مُجَانِبِينَ لِأَهلِ البِدَعِالِاعتِقَادِيَّةِ الفَاسِدَةِ ثَابِتِي المُعتَقَدِ، يُحَذِّرُون النَّاسَ مِن هَؤُلَاءِ الغَوغَاءِ الفَاسِدِينَ الَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ بِاسمِ الدَّعوَةِ إِلَى الإِسلَامِ، فَقَد قَالَ الإِمَامُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَاثًّا عَلَى مُجَانَبَةِ أَهلِ الأَهوَاءِ: إِيَّاكُم وَأَصحَابَ الرَّأيِ[أَيْ أَصحَابَ الرَّأيِ الفَاسِدِ كَالمُعتَزِلَةِ وَالخَوَارِجِ وَالمُجَسِّمَةِ] فَإِنَّهُم أَعدَاءُ أَهلِ السُّنَّةِ.اهـ
وَكَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مُتَّبِعًا لِلسُّنَّةِ، فَقَد كَانَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى كَثِيرًا مَا يَتَمَثَّلُ قَولَ القَائِلِ:
وَخَيرُ أُمُورِ الدِّينِ مَا كَانَ سُنَّةً
وَشَرُّ الأُمُورِ المُحدَثَاتُ البَدَائِعُ.اهـ
وَقَالَ مُطَرِّفٌ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبدِ اللهِ مَولَى اللَّيثِيِّينَ -وَكَانَ مُختَارًا- قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺفي المنام فِي المَسجِدِ قَاعِدًا وَالنَّاسُ حَولَهُ وَمَالِكٌ قَائِمٌ بَينَ يَدَيهِ، وَبَينَ يَدَي رَسُولِ اللهِ ﷺ مِسكٌ وَهُوَ يَأخُذُ مِنهُ قَبضَةً قَبضَةً فَيَدفَعُهَا إِلَى مَالِكٍ وَمَالِكٌ يَنشُرُهَا عَلَى النَّاسِ، قَالَ مُطَرِّفٌ: فَأَوَّلتُ ذَلِكَ العِلمَ وَاتِّبَاعَ السُّنَّةِ)، وَعَلَيْكَ بِالصَّلَاةِ، وَانْتَهِ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ (أَيْ عَنِ الشَّيءِ الذِي حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى)، وَتَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِالنَّوَافِلِ فَإِنَّكَ إِذَا فعلت كُنْتَ شَاكِرًا عَالِمًا غَنِيًّا” قَالَ: «ثُمَّ الْتَفَتُ فَلَمْ أَرَ شَيئًا».اهـ نَسأَلُ اللهَ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ العَظِيمَةِ.
شؤم بغض الأولياء ولا سيما أبو بكر وعمر
عِندَ ذِكرِ الأَولِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أُحَذِّرُ هُنَا وَأُبَيِّنُ وَأُنَبِّهُ عَلَى شُؤمِ مَن يُعَادِي هَؤُلَاءِ الأَولِيَاءِ الصَّالِحِينَ، فَهُمْ أَحبَابُ اللهِ وَأَحبَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، يَا وَيلَهُ مِنَ اللهِ وَيَا خَسَارَتَهُ مَنْ يُعَادِي أَولِيَاءَ اللهِ، يَا وَيلَهُ مَنْ يُعَادِي أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، هَؤُلَاءِ أَحبَابُ اللهِ وَأَحبَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، كَيفَ لَا يَكُونُ مَمقُوتًا مَنْ يُعَادِيهِمْ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ الصَّحِيحِ: (مَنْ عَادَىْ لِيْ وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ)، مَعنَاهُ أَعْلَمْتُهُ، أَي فَليَعْلَمْ أَنِّي مُحارِبٌ لَه!! وَمَنْ حَارَبَهُ اللهُ تَعَالَى يُهلِكُهُ، وَهَذَا تَهدِيدٌ شَدِيدٌ. الوَلِيُّ مِنْ أَوْلِياء اللهِ يَنْصُرُهُ اللهُ، مِنَ المُعَادَاةِ وَهِيَ ضِدُّ المُوَالَاةِ، مَنْ عَادَى أَيْ مَنِ اتَّخَذَ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِياءِ اللهِ عَدُوًّا. وَالعَدَاوَةُ الَّتِي هِيَ مُرَادَةٌ هُنَا العَدَاوَةُ فِي الدِّينِ، العَدَاوَةُ المَنْهِيُّ عَنْها فِي الدِّين. لَيسَ المُرَادُ بِهَذِهِ العَدَاوَةِ الخُصُومَةَ، فَإِنَّهُ قَدْ يَنْشَأُ بَيْنَ اثْنَينِ خُصُومَةٌ بِسَبَبِ حَقٍّ يَدِقُّ مَعْرِفَتُهُ. بِسَبَبِ شَيءٍ لَا يَكُونُ وَاضِحًا. يَكُونُ مَعْرِفَةُ هَذَا الحَقِّ لِمَنْ دَقَّقَ، فَيَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنان. وَيَكُونُ هَذَانِ الاثْنَانِ وَلِيَّيْنِ مِنْ أَوْلِياءِ اللهِ. أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُما مِنْ أَوْلِياءِ اللهِ وَالآخَرُ ليس مِنْ أَوْلِياءِ اللهِ تعالَى لَكِنَّهُ مُسْلِمٌ مِنَ المسلِمِين، فَيَحْصُلُ بَيْنَ هذيْنِ الاثْنَيْنِ خُصُومَة. هَذِهِ خُصُومَةٌ دُنْيَوِيَّة، لَيسَت خُصُومَةً رَاجِعَةً إِلَى الدِّين، لَيسَت هَذِهِ هِيَ الخُصُومَةَ الَّتِي جَاءَ الحَدِيثُ بِهَا، إِنَّما هَذِهِ خُصُومَةٌ دُنْيَوِيَّة لأَنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما يَظُنُّ وَيَعْتَقِد أَنَّ الحَقَّ لَه، وَالأَمْرُ لَيسَ وَاضِحًا. لَيسَ هَذَا الذِي عَنَاهُ الرَّسُولُ ﷺ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. فَلَيسَ مُجَرَّدُ خِلَافِ الرَّأيِ أَوِ الاختِلَافِ بَينَ وَلِيَّينِ يَعنِي أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي هَذَا الوَعِيدِ المَذكُورِ فِي هَذَا الحَدِيثِ، لَا، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قال: « قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بين يدي اللهِ ورسولهِ واتقوا الله إن الله سميع عليم“. وَفِي رِوَايَةٍ أُخرَى لِلبُخَارِيِّ: فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.اهـ وَهَذِهِ مَا كَانَتْ خُصُومَةً رَاجِعَةً إِلَى أَمْرِ الدِّين.اهـ
وَحَصَلَ بيْنَ غَيرِهِما مِنَ الصَّحابَة خُصُومَة رَاجِعَة إِلَى أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيا. العَبّاس وَعَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنْهُما اخْتَلَفا وتَخاصَما حَتّى تَحاكَما إِلَى سيِّدِنا عُمَر. كلُّ واحِدٍ مِنهُما يَظُنُّ أَنَّ الحَقَّ لَهُ فِي مسألَةٍ مِنَ المَسائِل كَمَا رَوَى ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيرُهُ كَذَلِكَ.اهـ
فَهَؤُلَاءِ الأولياء وَلَا سِيَّمَا أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا نَذكُرُهُمْ وَنَتَرَضَّى عَنهُمْ وَنَسأَلُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجمَعَنَا بِهِمْ وَنُحِبُّهُمْ وَنَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْ كُلِّ مَنْ يُبغِضُهُمْ فَإِنَّهُ عَرَّضَ نَفسَهُ لِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، فَقَدْ قَالَ سُبحَانَهُ: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَربِ).
وَفِي تَحقِيقِ هَذَا ما روي عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: كَانَ بِالْكُوفَةِ رَجُلٌ يُعْطِي الْأَكْفَانَ، فَمَاتَ رَجُلٌ، فَقِيلَ لَهُ، فَأَخَذَ كَفَنًا وَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ مُسَجًّى، فَتَنَفَّسَ وَأَلْقَى الثَّوْبَ، عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: «غَرُّونِي، أَهْلَكُونِي، النَّارَ، أَهْلَكُونِي، النَّارَ» فَقُلْنَا لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: «لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَهَا»، قِيلَ: وَلِمَ؟ قَالَ: «لِشَتْمِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ».
وقال بَشِيرٌ أَبُو الْخَصِيبِ: كُنْتُ رَجُلًا مُوسِرًا تَاجِرًا، وَكُنْتُ أَسْكُنُ مَدَائِنَ كِسْرَى وَذَلِكَ فِي زَمَانِ طَاعُونِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَأَتَانِي أَجِيرٌ لِي يُدْعَى أَشْرَفَ، فَقَالَ: إِنَّ هَا هُنَا فِي بَعْضِ خَانَاتِ الْمَدَائِنِ رَجُلًا مَيِّتًا لَيْسَ يُوجَدُ لَهُ كَفَنٌ، قَالَ: فَمَضَيْتُ عَلَى دَابَّتِي حَتَّى دَخَلْتُ ذَلِكَ الْخَانَ، فَدُفِعْتُ إِلَى رَجُلٍ مَيِّتٍ، عَلَى بَطْنِهِ لَبِنَةٌ، وَحَوْلَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَذَكَرُوا مِنْ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ، قَالَ: فَبَعَثْتُ إِلَى كَفَنٍ يُشْتَرَى لَهُ، وَبَعَثْتُ إِلَى حَافِرٍ يَحْفِرُ قَبْرًا، قَالَ: وَجَلَسْنَا نُسَخِّنُ لَهُ الْمَاءَ لِنَغْسِلَهُ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ وَثَبَ الْمَيِّتُ وَثْبَةً نَدَرَتِ اللَّبِنَةَ عَنْ بَطْنِهِ، وَهُوَ يُنَادِي بِالوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ تَصَدَّعَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَأَخَذْتُ بِعَضُدِهِ فَهَزَزْتُهُ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتَ؟ وَمَا حَالُكَ؟ فَقَالَ: صَحِبْتُ مَشْيَخَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَأَدْخَلُونِي: فِي رَأْيِهِمْ أَوْ أَهْوَائِهِمْ عَلَى سَبِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَالبَرَاءَةِ مِنْهُمَا، قَالَ: قُلْتُ: فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَلَا تَعُدْ، فَقَالَ: وَمَا يَنْفَعُنِي وَقَدِ انْطُلِقَ بِي إِلَى مُدْخَلِي مِنَ النَّارِ فَأُرِيتُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: إِنَّكَ سَتَرْجِعُ إِلَى أَصْحَابِكَ، فَتُحَدِّثُهُمْ بِمَا رَأَيْتَ، ثُمَّ تَعُودُ إِلَى حَالَتِكَ الْأُولَى، فَمَا أَدْرِي أَنْقَضَتْ كَلِمَتُهُ أَوْ عَادَ مَيِّتًا عَلَى حَالِهِ الْأُولَى فَانْتَظَرْتُ حَتَّى أُوتِيتُ بِالْكَفَنِ، فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ: لَا كَفَّنْتُهُ وَلَا غَسَّلْتُهُ وَلَا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ.
وكذلك صَحَّ الخَبَرُ عَن غَيرِ وَاحِدٍ أَنَّ فِي زَمَنِ فَاطِمِيَّةِ مِصرَ كَانُوا يَجتَمِعُونَ بِالمَدِينَةِ يَومَ عَاشُورَاءَ فِي قُبَّةِ العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَيَسُبُّونَ الشَّيخَينِ وَالصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَن يُطعِمُنِي فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟ فَخَرَجَ إِلَيهِ شَيخٌ وَأَشَارَ إِلَيهِ أَنِ اتبَعنِي، فَأَخَذَهُ إِلَى بَيتِهِ وَقَطَعَ لِسَانَهُ وَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ: هَذِهِ لِمَحَبَّةِ أَبِي بَكرٍ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى المَسجِدِ وَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَالشَّيخَينِ بِقَلبِهِ، وَرَجَعَ وَلِسَانُهُ فِي يَدِهِ، فَقَعَدَ حَزِينًا عِندَ بَابِ المَسجِدِ وَغَلَبَهُ النَّومُ، فَرَأَى النَّبِيَّ ﷺ فِي مَنَامِهِ وَمَعَهُ أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَقَالَ لِأَبِي بَكرٍ: إِنَّ هَذَا قَطَعُوا لِسَانَهُ فِي مَحَبَّتِكَ فَرُدَّ عَلَيهِ لِسَانَهُ، قَالَ: فَأَخرَجَ لِسَانَهُ مِن يَدِهِ وَوَضَعَهُ فِي مَحَلِّهِ، فَانتَبَهَ فَإِذَا لِسَانُهُ كَمَا كَانَ قَبلَ القَطعِ وَأَحسَنَ، فَلَم يُخبِر أَحَدًا بِذَلِكَ وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ القَابِلُ رَجَعَ إِلَى المَدِينَةِ، وَدَخَلَ القُبَّةَ يَومَ عَاشُورَاءَ وَطَلَبَ شَيئًا بِمَحَبَّةِ أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَخَرَجَ إِلَيهِ شَابٌّ وَقَالَ: اتبَعنِي، فَتَبِعَهُ، فَأَدخَلَهُ الدَّارَ الَّتِي قُطِعَ فِيهَا لِسَانُهُ فَأَكرَمَهُ الشَّابُّ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي تَعَجَّبتُ مِن هَذَا البَيتِ، لَقِيتُ فِيهِ العَامَ المَاضِيَ مُصِيبَةً وَمَهَانَةً، وَهَذِهِ السَّنَةَ لَقِيتُ مَا أَرَى مِنَ الإِكرَامِ، فَقَالَ الشَّابُّ: كَيفَ القِصَّةُ؟ فَأَخبَرَهُ بِالقِصَّةِ، فَأَكَبَّ عَلَى يَدَيهِ وَرِجلَيهِ، وَقَالَ: ذَلِكَ أَبِي وَقَد مَسَخَهُ اللهُ قِردًا، وَكَشَفَ عَن سِتَارَةٍ فَأَرَاهُ قِردًا مَربُوطًا، فَأَحسَنَ إِلَيهِ وَتَابَ عَن مَذهَبِهِ وَقَالَ: اكتُم عَلَى أَمرِ وَالِدِي. ذَكَرَ هَذِهِ القِصَّةَ السَّيِّدُ السَّمهُودِيُّ، وَابنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ وَالصَّوَاعِقِ، وَالقَسطَلَّانِيُّ فِي المَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ، وَغَيرُهُم.اهـ وَذَكَرَ فِي الزَّوَاجِرِ أَنَّهُ كَانَ بِحَلَبٍ رَجُلٌ سَبَّابٌ لِلشَّيخَينِ، فَلَمَّا مَاتَ اتَّفَقَ شَبَابٌ عَلَى أَن يَنبُشُوا قَبرَهُ، فَلَمَّا نَبَشُوهُ رَأَوهُ قَد مُسِخَ خِنزِيرًا، وَيُقَالُ: قَلَّ رَافِضِيٌّ إِلَّا وَيُمسَخُ فِي قَبرِهِ خِنزِيرًا، وَاللهُ أَعلَمُ.
سؤال فقهي
شَخصٌ لَمْ يَستَطِعْ هَذَا العَامَ أَنْ يُضَحِّيَ، مَاذَا عَلَيهِ؟ هَلِ الأُضحِيَةُ سُنَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ؟
الجواب
اختَلَفَ العُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذهَبَينِ:
فقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحمَدُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيرُهُم رَضِيَ اللهُ عَنهُم هِي سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَمَن تَرَكَهَا بِلَا عُذرٍ لَم يَأثَم وَلَم يَلزَمهُ قَضَاؤُهَا. فَلَا تَجِبُ الأُضحِيَةُ، إِلَّا إِذَا نُذِرَت. وَصَرَّحَ بَعضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا سُنَّةٌ عَلى الكِفَايَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحَدٍ مِن أَهلِ البَيتِ الوَاحِدِ فَإِذَا ضَحَّى وَاحِدٌ مِنهُم حَصَلَ الشِّعَارُ وَالسُّنَّةُ لِجَمِيعِهِم، وَإِلَّا فَسُنَّةُ عَينٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيرُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم هِي وَاجِبَةٌ عَلى المُسلِمِ الحُرِّ المُكَلَّفِ المُوسِرِ أَي المَالِكِ لِلنِّصَابِ، وَبِهِ قَالَ بَعضُ المَالِكِيَّةِ.
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ…
اللهمّ اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأموات، اللهم فَرِّجِ الكَرْبَ عَنِ الأَقْصَى يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ، يا الله احفظِ المسلمين والمسجدَ الأقصى من أيدي اليهودِ المدنسين، يا اللهُ انصرِ الإسلامَ والمسلمين، يا قويُّ يا متينُ انصرِ المسلمين في غزة، يا اللهُ يا من لا يعجِزُكَ شيءٌ ثبِّتِ المسلمينَ في غزّة وأمدّهم بمددٍ من عندِك، وارزقهم نصرا قريبا، اللهم عليك باليهودِ أعداءِ هذا الدين، اللهم أحصِهمْ عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادرْ منهم أحدا، اللهم إنّا نبرَأُ من حولِنا وقوَّتِنا وتدبيرِنا إلى حولِكَ وقوّتِكَ وتدبيرِكَ فأرنا يا اللهُ عجائبَ قدرتِكَ وقوّتك في اليهودِ الغاصبين، اللهمّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونَحنُ الفقراءُ، اللهم فرج كروبنا واستر عيوبنا وأذهب همومنا يا رب العالمين. اللهم ارفعِ البلاءَ والأمراضَ عنِ المسلمينَ، وَفَرِّجْ عَنَّا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهمّ أغِث قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، اللهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعلْنا من القانطين، وارزقنا النصرَ على أنفسِنا وعلى أعداء الدين، اللهم اجعلْ هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم وَفِّقْ مَلِكَ البلادِ لِمَا فيه خيرُ البلادِ والعبادِ يا ربَّ العالمينَ ارزقْهُ البطانَةَ الصالحةَ التي تأمرُهُ بالمعروفِ وتنهاهُ عنِ المنكرِ اللهم يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ يَا حَلِيمُ يَا كَرِيمُ الطُف بِالمُسلِمِينَ فِي فِلَسطِينَ اللهم فَرِّج كَربَهُم اللهم ءَامِن رَوعَاتِهِم وَاستُر عَورَاتِهِم وَءَامِنهُم فِي أَوطَانِهِم اللهم اشفِ مَرضَاهُم وَسَكِّن ءَالَامَهُم وَخَفِّف مُصَابَهُم وَأَنزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وَأَمِدَّهُم بِأَمدَادِ مَن عِندَكَ اللهم أَمِدَّهُم بِجُنُودٍ لَا نَرَاهَا اللهم اجعَلهُم مِنَ الصَّابِرِينَ الذَّاكِرِينَ الشَّاكِرِينَ اللهم اصرِف عَنهُم بَأسَ الغَاصِبِينَ وَرُدَّ الكَيدَ عَنهُم يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ الغَاصِبِينَ اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ الظَّالِمِينَ اللهم زَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم وَاجعَل دَبَّابَاتِهِم وَطَائِرَاتِهِم خَرَابًا وَوَبَالًا عَلَيهِم يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم اضرِبِ الكَافِرِينَ بِالكَافِرِينَ وَأَخرِجِ المُسلِمِينَ مِن بَينِ أَيدِيهِم سَالِمِينَ، اللهم يَسِّر لَنَا فَرَجًا قَرِيبًا.
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ.
وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.