تعالوا معي لنتأمل القرآن الكريم وهو يقص علينا من قصص المرسلين قصة نبيه موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون،وإن كانت معروفة لدى الكثير إلا أنه وباختصار لنا في هذه الظروف وقفة مع شىء من المعاني الجليلة في هذه القصة فقد ذكر الله تعالى قصته في مواضع متعددة، لنأخذ العبر منها، قـال تعالـى: لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى الالْبَـابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىا وَلَـاكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:111]. ونشأ موسى وترعرع في مصر، ثم ذهب إلى أرض مدين، وتزوج هناك، وأرسله الله إلى فرعون بالآيات والسلطان المبين،أرسله إلى الطاغية المتكبر، فدعاه إلى توحيد الله رَبِّ الأرض والسماء.وحده لاشريك له قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون [الشعراء:23-28].ولما عجز فرعونُ عن ردِّ الحق لجـأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب، فتوعد موسى بالاعتقال والسجن فقال: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَـاهَاً غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء:29] وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون [الأعراف:127].
وبأسلوب الطغاة والجبابرة في كل عصر، قال فرعون:كما أخبر الله عنه في القرءن ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىا وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الأرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26].
فالطغاة يعتبـرون أنفسهم هم المصلحون، وهم الغيورون على مصلحة شعوبهم، ويعتبرون المعارضين لظلمهم وطغيانهم مفسدين يجب إخماد أنفاسهم. وبعد سنين أقامها موسى عليه السلام في مصر، يدعو فرعونَ وقومَه بآياتِ اللهِ إلى الحقِّ، فلم يزدادوا إلا عتواً وفساداً وإعراضاً وعناداً واستكباراً… أوحى الله إلى موسى أن يسري بقومه ليلاً من مصر: وَأَوْحَيْنَا إِلَىا مُوسَىا أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ [الشعراء:52]. فلما علم فرعون بخروج موسى بقومه غاظه ذلك، واشتد غضبه، فأرسل في فَلَمَّا تَرَاءا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـابُ مُوسَىا إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61].
البحر من أمامنا فإن خضناه غرقنا، وفرعونُ وقومُه من خلفنا، إن وقفنا أدركنا. فقال موسى: قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَىا مُوسَى أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63].
انفلق البحر اثني عشر طريقاً، وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى وقومه خارجين، وتكامل فرعون بجنوده داخلين، أمر الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنـوده، فكانـوا من المغرقين، قـال تعالى: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَـاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـاهُمْ فِى الْيَمّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الظَّـالِمِينَ وَجَعَلْنَـاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيـامَةِ لاَ يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَـاهُم فِى هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـامَةِ هُمْ مّنَ الْمَقْبُوحِينَ [القصص:39- 42].
وفرعون الذي جمع بين الكفر بالله وبين إدعاء الألوهية وظلم الناس لم يطل الزمن حتى أرسل الله إليه النذير ليأمره بالإيمان ويبين له أن الله هو المعبود بحق الذي يستحق العبادة والذي له الصفات التى ليست كصفات غيره وأن الألوهية لاتكون للبشر بل هي لرب البشر الله تعالى ,فأبى فرعون وادعى الرشاد والهدي لأهله,وقد ذكر الله في القران الكريم: فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَىا [النازعات:24].وكان يرى أن رأيه وأن الكل عليه أن رأيه هو الرأي السديد, مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَىا وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29].، وكذلك قال الله تعالى عن فرعون: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىا [طه:79]وقال سبحانه: فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود:97].وعنه وعن جنوده: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ [القصص:39].فكان الإنتقام من الله تعالى بالغرق بتسليط الماء اللطيف الرقيق لهلاك أكبر الظغاة وأعتى الجيوش في زمانه وفي ذلك عبرة للمعتبرين وهكذا كانت نهاية الظالم فرعون وجنده ومن اتبعه من الطغاة المتكبرين .