الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام وعلى ءاله وصحابته الأعلام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ ولقاء الله معناه الموت على الإسلام، فمن كان يرجو أن يموت على حال حسن فيكون من النّاجين يوم القيامة لا بد له من أن يعتني بالنيّة الخالصة لوجه الله تعالى في أعمال البر، لأنّ الله تعالى جعل الإخلاص شرطًا لقبول الأعمال الصّالحة، والإخلاص هو العمل بالطاعة لله وحده، فالمُخلص هو الذي يقوم بأعمال الطاعة من صلاة وصيام وحج وزكاة وصدقة وقراءة للقرءان وتعلّم الخير وتعليمه وغير ذلك ابتغاء الثواب من الله وليس لأن يمدحه النّاس، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يَبْتَغِي الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟ قَالَ: “لا شَىْءَ لَهُ”، فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ مَرَّةً ثَانِيَةً: الرَّجُلُ يَبْتَغِي الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟ قَالَ: “لا شَىْءَ لَهُ”، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ وَمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ”.وقال أيضًا: “اتَّقُوا الرِّيَاءَ فَإِنَّهُ الشِّرْكُ الأصْغَرُ” فقد سمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرياء الشرك الأصغر لأنّه يشبه الشرك من حيث عظم الذنب وإحباط ثواب العمل وليس المقصود بان الرياء مخرج من الإسلام بل هو من أكبر الكبائر.والرّياء بابه واسع فيجب الحذر منه، ومن أسوأ حالات المرائي قصده مبرّة النّاس عليه بالهدايا والعطايا لأنّ ذلك من أكل أموال النّاس بالباطل، وكذلك إيهام النّاس أنّه من الزاهدين بقصد أن يأمنوه ويصدّقوه لينال عرضًا من الدنيا زائلاً، وقد روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ (أَيْ مَاتَ وَهُوَ يُقَاتِلُ فِي الْمَعْرَكَةِ) فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأنْ يُقَالَ جَرِيءٌ (أَيْ شُجَاعٌ) فَقَدْ قِيلَ (أَيْ أَخَذْتَ جَزَاءَكَ فِي الدُّنْيَا)، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ؛ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْءَانَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْءَانَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْءَانَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ؛ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَّادٌ (أَيْ كَرِيمٌ) فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ”.إنّ العمل الصالح مع إخلاص النيّة دليل صلاح القلوب فحريّ بنا أن نعتني كلّ الاعتناء بإصلاح قلوبنا وذلك باجتناب ما حرّم الله تعالى علينا وأداء الفرائض مع معرفة علم الدين الضروري الذي لا يُستغنى عنه، فمن سلك هذا السبيل كان من السالكين وكان يوم القيامة من الآمنين الذين بشّرهم الله تعالى بنعيم لا ينقطع إلى أبد الآبدين.وقد روى الإمام أحمد رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثَلاثُ “.خِصَالٍ لا يَغِلُّ(أَيْ لايَفْسُدُ) عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا إِخْلاصُ الْعَمَلِ لله وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمْرِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ .
