المقدمة
الحَمدُ للهِ العَلِيِّ الأَعلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا وَمَا تَحتَ الثَّرَى، المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ، الَّذِي وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عِلمًا، خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَلَا يَحتَاجُ إِلَى شَيءٍ وَلَا يُشبِهُ شَيئًا، وَلَا يُشبِهُهُ شَيءٌ وَللهِ المَثَلُ الأَعلَى، جَعَلَ الكَعبَةَ البَيتَ الحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَأَمنًا، وَجَعَلَ أَفئِدَةَ النَّاسِ تَهوِي إِلَيهِ وَالمُؤمِنُونَ يَؤُمُّونَهُ أَمًّا، أَحمَدُهُ سُبحَانَهُ وَبِحَمدِهِ يَلهَجُ أُولُو الأَحلَامِ وَالنُّهَى.
وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ عَالِمُ السِّرِّ وَالنَّجوَى، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى كَلِمَةِ التَّقوَى، رَفَعَ اللهُ مَقَامَهُ فَهُوَ خَيرُ مَن مَشَى بَينَ الحَطِيمِ وَزَمزَمَ وَطَافَ وَسَعَى، وَنَالَ فِي هَذِهِ البِقَاعِ الشَّرِيفَةِ مَا تَمَنَّى، اللهم صَلِّ عَلَى عَبدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَئِمَّةِ العِلمِ وَالهُدَى، مَا هَبَّتِ الصَّبَا، وَمَا عَاشِقٌ تَرَنَّمَ بِمَدحِهِ وَأَثنَى، وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعدُ:
معركة الجمل وقتال الناكثين
ليُعلَم أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ خَلِيفَةٌ رَاشِدٌ وَاجِبُ الطَّاعَةِ عَلَى المُؤمِنِينَ، وَهَذَا الَّذِي فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ مَن كَانَ مِنهُم بَدرِيًّا أَو أُحُدِيًّا، وَكَذَا كُلُّ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ، فَلِذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلِيًّا خَرَجُوا عَن طَاعَةِ الإِمَامِ، وَهُوَ أَي سَيِّدُنَا عَلِيٌّ كَانَ مَأمُورًا بِقِتَالِ مَن خَرَجَ عَلَيهِ، فَقَد رَوَى البَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرتُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ وَالقَاسِطِينَ وَالمَارِقِينَ»، وَالنَّاكِثُونَ هُم أَهلُ الجَمَلِ لِأَنَّهُم نَكَثُوا بَيعَتَهُ (أَي نَقَضُوا بَيعَتَهُ)، وَالقَاسِطُونَ هُم أَهلُ الشَّامِ لِأَنَّهُم جَارُوا عَنِ الحَقِّ فِي عَدَمِ مُبَايَعَتِهِ، وَالمَارِقُونَ هُمُ الخَوَارِجُ أَهلُ النَّهرَوَانِ لِثُبُوتِ الخَبَرِ الصَّحِيحِ فِيهِم أَنَّهُم يَمرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
تلخيص لما جرى في ذلك الزمان ووقعت بسببه معركة الجمل
يَقُولُ أَهلُ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ: عِندَمَا قُتِلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي الشَّهرِ الحَرَامِ وَفِي المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ وَهُوَ الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، كَانَ أَكثَرُ أَهلِ المَدِينَةِ فِي مَوسِمِ الحَجِّ، وَمَعَهُم زَوجَاتُ النَّبِيِّ ﷺ وَمَعَهُمُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، وَعِندَمَا رَجَعَت قَافِلَةُ الحَجِّ فِي الطَّرِيقِ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ أَتَاهُم خَبَرُ مَا جَرَى مَعَ عُثمَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ ظُلمًا رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَنَّ البَيعَةَ تَمَّت بَعدَهُ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَاستَعظَمُوا أَمرَ مَقتَلِهِ وَاشتَدَّ الأَمرُ عَلَيهِم، فَرَجَعَ أَكثَرُ القَافِلَةِ إِلَى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ وَمَعَهُم عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا،
وَهُنَا فِي المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ جَهَّزَ عَلِيٌّ الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الجُيُوشَ لِيَذهَبَ إِلَى العِرَاقِ ثُمَّ إِلَى الشَّامِّ لِيَرُدَّ الَّذِينَ مَنَعُوا بَيعَتَهُ لِيَرُدَّهُم إِلَى الطَّاعَةِ وَالبَيعَةِ حَتَّى لَا تَتَفَرَّقَ الأُمَّةُ شِيَعًا وَأَحزَابًا، فَاجتَمَعَ النَّاسُ فِي مَكَّةَ وَقَالُوا لِأُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ: تَمضِينَ مَعَنَا إِلَى العِرَاقِ لِتُصلِحِي فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلِتَجمَعِي كَلِمَةَ النَّاسِ وَحَتَّى نَتَوَصَّلَ إِلَى قَتَلَةِ عُثمَانَ فَنَقتَصَّ مِنهُم وَنُزِيلَ سَبَبَ الخِلَافِ بَينَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَاشتَرَوا لَهَا جَمَلًا أَدبَبَ فَخَرَجَت عَلَى جَمَلِهَا مَعَ النَّاسِ وَكُلَّمَا تَمُرُّ فِي بِلَادٍ يَجتَمِعُ النَّاسُ عَلَيهَا وَفِي الطَّرِيقِ وَصَلَت إِلَى أَرضٍ سَمِعَت فِيهَا نُبَاحَ كِلَابٍ فَقَالَت: مَا اسمُ هَذِهِ الأَرضِ، فَقِيلَ لَهَا: الحَوأَبُ، فَقَالَت: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً، فَقِيلَ لَهَا: تَذهَبِينَ مَعَنَا، اللهُ يُصلِحُ بِكِ بَينَ المُسلِمِينَ، فَقَالَت: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الجَمَلِ الأَدبَبِ تَنبَحُ عَلَيهَا كِلَابُ الحَوأَبِ، انظُرِي يَا عَائِشَةُ أَن لَا تَكُونِي أَنتِ»، فَأَصَرُّوا عَلَيهَا فَذَهَبَت مَعَهُم لِلإِصلَاحِ وَلَم تَذهَب لِلقِتَالِ، فَوَصَلَت إِلَى البَصرَةِ حَيثُ مُعَسكَرُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَوَقَفَت فِي الصَّفِّ المُقَابِلِ لِصَفِّ جَيشِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَعَمِلَ أَهلُ الفِتنَةِ عِندَ الفَجرِ أَن رَمَوُا السِّهَامَ مِن هَذَا المُعَسكَرِ إِلَى هَذَا المُعَسكَرِ وَمِن هَذَا إِلَى هَذَا فَظَنَّ كُلٌّ مِنهُمَا أَنَّ الآخَرَ يُهَاجِمُهُ لِلقِتَالِ، ثُمَّ حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ القِتَالِ فَكَسَرَهُم سَيِّدُنَا عَلِيٌّ، وَقُتِلَ جَمَلُ عَائِشَةَ وَكَانَ أَعطَاهَا إِيَّاهُ شَخصٌ مِنَ المُطَالِبِينَ بِدَمِ عُثمَانَ، ثُمَّ أَعَادَهَا سَيِّدُنَا عَلِيٌّ مُعَزَّزَةً مُكَرَّمَةً إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَقَد نَدِمَت رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَعَن أَبِيهَا.
تَنبِيهٌ: يَنبَغِي لِلشَّخصِ عِندَمَا يَعرِضُ لَهُ أَمرٌ أَن يُقَدِّمَ حُكمَ الشَّرعِ، يَلتَفِتُ إِلَى حُكمِ الشَّرعِ أَوَّلًا، وَلَيسَ لِأَيِّ عَارِضٍ أَو سَبَبٍ يَعرِضُ لَهُ، فَقَد يَرِدُ عَلَى البَالِ أَمرٌ لَا يَكُونُ سَدِيدًا، فَلَا تَلتَفِت لِأَوَّلِ وَارِدٍ غَالِبًا، وَإِنَّمَا، انتَبِه جَيِّدًا، فَإِذَا كَانَ هَذَا الوَارِدُ مِن كُلِّ جَوَانِبِهِ بَعِيدًا عَن مُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ وَكَانَ مِن حَيثُ المَصلَحَةُ وَالنَّفعُ مُوَافِقًا لِلأُمُورِ الشَّرعِيَّةِ فَيَمضِي الشَّخصُ عَلَيهِ تَوَكُّلًا عَلَى اللهِ، وَلَو قُلنَا: مَضَيتُ فِيهِ ثُمَّ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ فِيهِ شَيئًا مُخَالِفًا، بَدَا لَكَ أَمرٌ التَبَسَ عَلَيكَ وَرَأَيتَ وَانكَشَفَت لَكَ شُبهَةٌ، ابتَعِد عَنهُ وَالتَصِق بِحُكمِ الشَّرِيعَةِ، التَصِق بِالقَوَاعِدِ بِالأُصُولِ بِالثَّوَابِتِ فِي دِينِ اللهِ، هَكَذَا تَكُونُ أَبعَدَ عَنِ الفِتنَةِ فَإِنَّ الفِتنَةَ إِذَا نَزَلَت وَوَقَعتَ بِهَا فَإِنَّهَا مُهلِكَةٌ، ارجِع مِن حَيثُ كُنتَ مِن طَرِيقِ الفِتنَةِ وَلَا تُكمِلهُ، اللهُ يُجَنِّبُنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ…
وَكَانَ مِن جُملَةِ مَن خَرَجَ فِي مَعرَكَةِ الجَمَلِ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ وَالزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا وَلَكِنَّهُمَا تَابَا وَذَنبُهُمَا مَغفُورٌ جَزمًا لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَشَّرَهُمَا بِالجَنَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. فَطَلحَةُ وَالزُّبَيرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا وَهُمَا مِنَ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ عَلَى التَّعيِينِ؛ وَقَد كَانَا مَعَ الخَارِجِينَ يَومَ الجَمَلِ وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى وَفَّقَهُمَا لِلرُّجُوعِ عَن ذَلِكَ وَلِلتَّوبَةِ فَلَم يَخرُجَا مِنَ الدُّنيَا إِلَّا وَقَد بَايَعَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ؛ فَطُوبَى لَهُمَا بِمَا نَالَاهُ مِنَ الفَضلِ وَالسَّبقِ إِلَى الخَيرِ وَالدَّرَجَةِ العَالِيَةِ الرَّفِيعَةِ عِندَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي سِيَرِ أَعلَامِ النُّبَلَاءِ: «وَلَا رَيبَ أَنَّ عَائِشَةَ نَدِمَت نَدَامَةً كُلِّيَّةً عَلَى مَسِيرِهَا إِلَى البَصرَةِ وَحُضُورِهَا يَومَ الجَمَلِ، وَمَا ظَنَّت أَنَّ الأَمرَ يَبلُغُ مَا بَلَغَ، فَعَن عِمَارَةَ بنِ عُمَيرٍ عَمَّن سَمِعَ عَائِشَةَ إِذَا قَرَأَت ﴿وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ بَكَت حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا»ا.هـ. تَتَذَكَّرُ خُرُوجَهَا أَيَّامَ الجَمَلِ تَطلُبُ بِدَمِ عُثمَانَ».اهـ
وَليُعلَم أَنَّ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ تَابَا وَرَجَعَا عَن قِتَالِ عَلِيٍّ. فَقَد رَوَى الحَاكِمُ فِي المُستَدرَكِ، فِي كِتَابِ مَعرِفَةِ الصَّحَابَةِ عَن رِفَاعَةَ بنِ إِيَّاسٍ الضَّبِّيِّ عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ يَومَ الجَمَلِ فَبَعَثَ إِلَى طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ، فَأَتَاهُ طَلحَةُ فَقَالَ: نَشَدتُكَ اللهَ هَل سَمِعتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن كُنتُ مَولَاهُ فَعَلِيٌّ مَولَاهُ، اللهم وَالِ مَن وَالَاهُ وَعَادِ مَن عَادَاهُ»، قَالَ: نَعَم، قَالَ: فَلِمَ تُقَاتِلُنِي؟ قَالَ: لَم أَذكُر، قَالَ: فَانصَرَفَ طَلحَةُ».اهـ ثُمَّ قَتَلَهُ وَهُوَ مُنصَرِفٌ مَروَانُ بنُ الحَكَمِ، وَكَانَ فِي حِزبِهِ كَمَا ذَكَرَ الحَاكِمُ وَابنُ سَعدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الكُبرَى وَغَيرُهُم.
وذَكَرَ الحَاكِمُ فِي المُستَدرَكِ عَن مَجزَأَةَ بنِ ثَورٍ قَالَ: «مَرَرتُ بِطَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ يَومَ الجَمَلِ وَهُوَ صَرِيعٌ فِي ءَاخِرِ رَمَقٍ، فَوَقَفتُ عَلَيهِ فَرَفَعَ رَأسَهُ فَقَالَ: إِنِّي لَأَرَى وَجهَ رَجُلٍ كَأَنَّهُ القَمَرُ، مِمَّن أَنتَ؟ فَقُلتُ: مِن أَصحَابِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيٍّ، فَقَالَ: ابسُط يَدَكَ أُبَايِعكَ، فَبَسَطتُ يَدي وَبَايَعَنِي فَفَاضَت نَفسُهُ، فَأَتَيتُ عَلِيًّا فَأَخبَرتُهُ بِقَولِ طَلحَةَ فَقَالَ: اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، صَدَقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، أَبَى اللهُ أَن يَدخُلَ طَلحَةُ الجَنَّةَ إِلَّا وَبَيعَتِي فِي عُنُقِهِ»ا.هـ
أَمَّا عَن نَدَمِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَقَد رَوَى الحَاكِمُ فِي المُستَدرَكِ عَن قَيسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِلزُّبَيرِ: أَمَا تَذكُرُ يَومَ كُنتُ أَنَا وَأَنتَ فِي سَقِيفَةِ قَومٍ مِنَ الأَنصَارِ فَقَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أتحبُّهُ؟» فَقُلتَ: مَا يَمنَعُنِي؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ سَتَخرُجُ عَلَيهِ وَتُقَاتِلُهُ وَأَنتَ ظَالِمٌ»، قَالَ: فَرَجَعَ الزُّبَيرُ.اهـ وَذَكَرَ الحَاكِمُ فِي المُستَدرَكِ أَنَّهُ لَمَّا انصَرَفَ الزُّبَيرُ يَومَ الجَمَلِ قَتَلَهُ ابنُ جُرمُوزٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلآذِنِ لَمَّا استَأذَنَ قَاتِلُ الزُّبَيرِ بِالدُّخُولِ عَلَيهِ وَمَعَهُ رَأسُ الزُّبَيرِ: «بَشِّر قَاتِلَ ابنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ».اهـ رَوَاهُ ابنُ سَعدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِنَحوِهِ، وَصَحَّحَهُ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي الإِصَابَةِ فِي تَميِيزِ الصَّحَابَةِ. وَكَانَت وَقعَةُ الجَمَلِ سَنَةَ سِتٍ وَثَلَاثِينَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ فِي البَصرَةِ فِي العِرَاقِ.
وَليُعلَم أَنَّ أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أَجمَعُوا عَلَى تَصوِيبِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ فِي حُرُوبِهِ بِالبَصرَةِ وَبِصِفِّينَ وَبِالنَّهرَوَانِ، فَقَد قَالَ الإِمَامُ أَبُو مَنصُورٍ البَغدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الفَرقُ بَينَ الفِرَقِ مَا نَصُّهُ: «بَابٌ فِي بَيَانِ الأُصُولِ الَّتِي اجتَمَعَ عَلَيهَا أَهلُ السُّنَّةِ: وَقَالُوا –أَي أَهلُ السُّنَّةِ- بِإِمَامَةِ عَلِيٍّ فِي وَقتِهِ، وَقَالُوا بِتَصوِيبِ عَلِيٍّ فِي حُرُوبِهِ بِالبَصرَةِ وَبِصِفِّينَ وَبِنَهرَوَانَ، وَقَالُوا بِأَنَّ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ تَابَا وَرَجَعَا عَن قِتَالِ عَلِيٍّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا مِنَ الَّذِينَ سَبَقَت لَهُمَا الحُسنَى، فَلَم يَمُوتَا إِلَّا تَائِبَينِ مِن مُخَالَفَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ بِانضِمَامِهِمَا لِلمُعَسكَرِ المُضَادِّ لَهُ.
تَنبِيهٌ: أَمرٌ مُهِمٌّ أُبَيِّنُهُ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ بِسَبَبِ معَركَةِ الجَمَلِ قُتِلَ نَحوٌ مِن عِشرِينَ أَلفَ شَخصٍ مِنهُم صَحَابَةٌ كَطَلحَةَ وَالزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا وَهُمَا المُبَشَّرَانِ بِالجَنَّةِ وَكَثِيرٌ غَيرُهُم كَمَا قُلتُ، هُوَ بِالأَصلِ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم لَم يَخرُجُوا لِلقِتَالِ، لَم يَخرُجُوا لِقِتَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا المُطَالَبَةَ بِدَمِ عُثمَانَ، وَهُنَا كَانَ يَنبَغِي أَن يَرجِعُوا إِلَى الخَلِيفَةِ إِلَى وَلِيِّ الأَمرِ إِلَى الإِمَامِ وَيَلتَفُّوا حَولَهُ وَهُوَ يَأتِي بِقَتَلَةِ عُثمَانَ وَيَعمَلُ القِصَاصَ وَلَيسَ أَيُّ وَاحِدٍ مِنَ المُسلِمِينَ وَلَو كَانَ وَلِيًّا صَالِحًا كَبِيرًا فِي الوِلَايَةِ، لَيسَ أَيُّ وَاحِدٍ يَأتِي فَيَقتَصُّ مِنَ القَتَلَةِ وَإِلَّا لَصَارَ الأَمرُ فَوضَى وَلَادَّعَى مَن أَرَادَ عَلَى مَن أَرَادَ وَلَصَارَتِ القَلَاقِلُ وَالبَلَابِلُ فِي بِلَادِ المُسلِمِينَ، وَالشَّرعُ جَاءَ بِحُكمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ وَلِيَّ الأَمرِ أَو مَن يَقُومُ مَقَامَهُ كَالقَاضِي مَثَلًا يُنَفِّذُ هَذِهِ الأَحكَامَ، حُكمُ الشَّرعِ يَمنَعُ البَلَابِلَ وَالفِتَنَ أَمَّا أَن يَتَحَمَّسَ وَاحِدٌ فَيَأتِيَ فَيَقُولَ أَنَا أُرِيدُ قَتَلَةَ فُلَانٍ وَأَنَا أُرِيدُ قَتَلَةَ فُلَانٍ لِأَقتُلَهُم، هَكَذَا لَا يَمشِي الحَالُ فِي الشَّرعِ، فَالشَّرِيعَةُ الإِسلَامِيَّةُ إِذَا طُبِّقَتِ الأَحكَامُ فِيهَا تَضمَنُ بِإِذنِ اللهِ الْتِئَامَ الخَلَلِ وَذَهَابَ المَفَاسِدِ، وَمِن أَفسَدِ المَفَاسِدِ الإِخلَالُ بِأَمنِ النَّاسِ وَسَلَامَةِ أَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم وَأَهلِيهِم، هَذَا أَمرٌ مُهِمٌّ وَإِلَّا لَدَبَّتِ الفَوضَى فِي المُجتَمَعَاتِ الإِسلَامِيَّةِ وَلَصَارَتِ المُجتَمَعَاتُ الإِسلَامِيَّةُ عُرضَةً لِأَهلِ الفِتَنِ وَالمَفَاسِدِ وَلَانعَدَمَ الأَمَانُ مِن بَينِ المُسلِمِينَ.
وَأَمرٌ آخَرُ أُنَبِّهُ عَلَيهِ هُنَا: الوَاحِدُ مِنَّا وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ النَّاسُ يَنظُرُونَ إِلَيهِ بِعَينِ القُدوَةِ، وَيَقتَدُونَ بِهِ وَيَلحَقُونَهُ وَهُوَ مَتبُوعٌ مِنَ النَّاسِ يَنبَغِي عَلَيهِ أَن يَحفَظَ خَطَوَاتِهِ أَكثَرَ مِن آحَادِ المُسلِمِينَ وَعَامَّتِهِم،
لِمَاذَا أَقُولُ هَذَا هُنَا؟ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِينَ هُم مُبَشَّرُونَ بِالجَنَّةِ وَمِن أَهلِ السَّوَابِقِ الحَسَنَةِ فِي الإِسلَامِ وَمِن أَهلِ الفَضَائِلِ عِندَمَا وَقَفُوا فِي الصَّفِّ المُقَابِلِ لِصَفِّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ تَبِعَ وُقُوفَهُم كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَصَارَ النَّاظِرُ لِلصَّفَّينِ يَقُولُ هَؤُلَاءِ اصطَفُّوا لِلقِتَالِ فَأَنشَبَ أَهلُ الفِتنَةِ المَعرَكَةَ، صَارُوا كَأَنَّهُم نِدٌّ لِعَلِيٍّ وَجَيشِهِ وَأَنَّهُم جَاؤُوا لِقِتَالِهِ وَهُم بِالأَصلِ لَم يَأتُوا لِلقِتَالِ، لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُم إِذَا كَانَ الوَاحِدُ مِنكُم مَتبُوعًا مِن عَامَّةِ المُسلِمِينَ لِيَنظُر إِلَى نَفسِهِ أَينَ يَقِفُ وَمَاذَا يَفعَلُ وَليَحسِب خَطَوَاتِهِ وَأَفعَالَهُ جَيِّدًا قَبلَ العَمَلِ، وَكَذَلِكَ أَقُولُ لِلتَّابِعِ أَن يَنتَبِهَ، فَلَا تَتبَعِ النَّاسَ لِمُجَرَّدِ أَنَّ فُلَانًا هُنَا أَكُونُ مَعَهُ، وَإِنَّمَا انظُر إِلَيهِ هَل هُوَ عَلَى الحَقِّ فَهُنَا اتَّبِعهُ وَأَمَّا إِذَا أَخطَأَ فِي مَوقِفِهِ فَلَا تَتَّبِعهُ كَائِنًا مَن كَانَ،
وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: لَا يُعرَفُ الدِّينُ بِالرِّجَالِ إِنَّمَا الرِّجَالُ يُعرَفُونَ بِالدِّينِ وَفِي مِثلِ هَذَا قَالَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي أَثنَاءِ هَذِهِ المَعَارِكِ الَّتِي حَصَلَت، وَهَذَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَن أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَامَ عَمَّارٌ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ عَائِشَةَ، وَذَكَرَ مَسِيرَهَا، وَقَالَ: «إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ ﷺ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ».اهـ فَأُمُّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَصَدَتِ الإِصلَاحَ بَينَ النَّاسِ، وَلَم يَكُن قَصدُهَا القِتَالَ، لَكِنَّ أَهلَ الفِتنَةِ استَغَلُّوا الأَمرَ فَأَنشَبُوا الحَربَ بَينَهُم إِلَى أَن كَانَ مَا كَانَ.
وَكَذَلِكَ أُبَيِّنُ أَمرًا وَعِبرَةً مُهِمَّةً هُنَا وَهِيَ: أَنَّ أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ يَقُولُونَ بِخَطَأِ مَن خَرَجَ عَلَى عَلِيٍّ فِي مَعرَكَةِ الجَمَلِ وَلَكِنَّهُم لَا يُكَفِّرُونَهُم، فَلَا يُكَفِّرُونَ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا فَهِيَ زَوجَةُ نَبِيِّنَا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ كَمَا قَالَ عَمَّارُ فِيمَا ذَكَرتُ لَكُم مِمَّا رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، بَعضُ الطَّوَائِفِ وَالفِرَقِ يَقُولُونَ عَن عَائِشَةَ المُجَيِّشَةُ، أَيِ الَّتِي جَيَّشَتِ الجُيُوشَ ضِدَّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، يَزعُمُونَ مَحَبَّةَ عَلِيٍّ وَيَسُبُّونَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، وَالعِيَاذُ بِاللهِ.اهـ
نَحنُ لَا نُضَلِّلُ أُمَّ المُؤمِنِينَ بَل نُحِبُّهَا وَنَسأَلُ اللهَ أَن يَجمَعَنَا بِهَا فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَهِيَ زَوجَةُ نَبِيِّنَا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ. عَلِيٌّ نَفسُهُ مَا كَفَّرَهَا وَلَا سَبَّهَا وَلَا شَتَمَهَا وَلَا ذَمَّهَا بَل أَحسَنَ إِلَيهَا وَرَدَّهَا إِلَى المَدِينَةِ مُعَزَّزَةً مُكَرَّمَةً رَضِيَ اللهُ عَنهَا. فَكَيفَ يَزعُمُونَ مَحَبَّةَ عَلِيٍّ وَمَحَبَّةَ آلِ البَيتِ وَيُخَالِفُونَ طَرِيقَتَهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ مِنهُم بَرِيءٌ.
وقعة صفين وقتال القاسطين
وَبَعدَ وَقعَةِ الجَمَلِ دَعَا عَلِيٌّّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مُعَاوِيَةَ وَمَن مَعَهُ مِن أَهلِ الشَّامِ إِلَى البَيعَةِ فَرَفَضُوا.
وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَوَّلًا ثَبَتَت لَهُ البَيعَةُ أَي بَيعَةُ أَهلِ الحَلِّ وَالعَقدِ وَتُصبِحُ بَعدَ ذَلِكَ مُلزَمَةً عَلَى كُلِّ المُسلِمِينَ فِي كُلِّ البِلَادِ، فَيَجِبُ عِندَ ذَلِكَ أَن يَدخُلُوا فِي بَيعَتِهِ، بِالأَصلِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَا طَلَبَ الخِلَافَةَ وَلَا سَعَى لَهَا، وَلَكِن عِندَمَا صَارَ الأَمرُ إِلَيهِ إِمَّا أَن يَحفَظَهَا أَو تَتَفَرَّقَ الأُمَّةُ وَتَصِيرَ شِيَعًا وَأَحزَابًا، قَاتَلَ لِأَجلِ ضَبطِ البِلَادِ وَالعِبَادِ، هُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ لَهُ شَخصٌ: اسكُت عَن مُعَاوِيَةَ يُبَايِعكَ:
وَمَن لَم يُصَانِع فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ *** يُضَرَّس بِأَنيَابٍ وَيُوطَأ بِمَنسِمِ
فَقَالَ عَلِيٌّ لِلقَائِلِ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَكِن أَرَى:
مَتَى تَجمَعِ القَلبَ الذَّكِيَّ وَصَارِمًا *** وَأَنفًا حَمِيًّا تَجتَنِبكَ المَظَالِمُ
لِأَنَّهُ لَو سَكَتَ عَن مُعَاوِيَةَ وَاستَقَلَّ هُوَ بِإِمَارَتِهِ لَجَاءَ أُمَرَاءُ البِلَادِ وَاستَقَلُّوا بِإِمَارَتِهِم كَذَلِكَ، لَجَاءَ أَمِيرُ مِصرَ وَنَكَثَ وَأَمِيرُ العِرَاقِ وَأَمِيرُ إِفرِيقِيَّةَ كَذَلِكَ وَلَصَارَتِ الأُمَّةُ مُتَفَرِّقَةً وَمُتَجَزِّئَةً بَعدَ الِاتِّفَاقِ الَّذِي كَانَت عَلَيهِ، وَهَذَا لَا يُرضِي رَسُولَ اللهِ وَلَا يُوَافِقُ حُكمَ الشَّرِيعَةِ الإِسلَامِيَّةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ أَخرُجُ وَأُقَاتِلُ لِأَرُدَّ أَهلَ الشَّامِ لِلبَيعَةِ، وَكَذَلِكَ مِن وَجهٍ آخَرَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَهلُ الشَّامِ يُطَالِبُونَنِي بِقَتَلَةِ عُثمَانَ فَلَا أَنَا وَلَا هُم يَعرِفُونَ القَتَلَةَ عَلَى التَّحدِيدِ فَلِمَاذَا أُطَالَبُ بِهِم وَأَنَا أَصلًا لَا أَعرِفُهُم وَلَا هُم يَعرِفُونَهُم، وَكَذَلِكَ مِن وَجهٍ آخَرَ: قَالَ عَلِيٌّ: قَبلَ أَن يُطَالِبُونِي بِقَتَلَةِ عُثمَانَ يَعتَرِفُوا بِي أَنِّي خَلِيفَةٌ وَيُطَالِبُونِي بِالقَتَلَةِ، كَيفَ يُطَالِبُونَنِي بِالقَتَلَةِ وَيُطَالِبُونَنِي بِتَنفِيذِ القِصَاصِ عَلَى القَتَلَةِ وَهُم لَا يَعتَرِفُونَ بِي أَنِّي خَلِيفَةٌ أَصلًا، فَالخَلِيفَةُ هُوَ المُطَالَبُ بِهَذَا أَصلًا، هَكَذَا حُكمُ الشَّرعِ، يَدخُلُونَ فِي البَيعَةِ وَيَأتُونَ يُطَالِبُونَ بِالقِصَاصِ.اهـ
وَهَل عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ رَافِضٌ لِأَن يَقتَصَّ، حَاشَا وَكَلَّا، فَعَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِن أَكثَرِ النَّاسِ اهتِمَامًا بِتَطبِيقِ حُكمِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ مِن أَكثَرِ هَذِهِ الأُمَّةِ خَوفًا عَلَى الأُمَّةِ الإِسلَامِيَّةِ بَل هُوَ فِي زَمَانِهِ كَانَ أَفضَلَ أَهلِ زَمَانِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهث،
وَأَرسَلَ عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ مَن يَنصَحُهُ وَيَطلُبُ مِنهُ أَن يَحقِنَ دِمَاءَ المُسلِمِينَ فَجَاءُوا مُعَاوِيَةَ وَقَالُوا لَهُ: اتَّقِ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ وَلَا تُخَالِفهُ، فَإِنَّا وَاللهِ مَا رَأَينَا رَجُلًا قَطُّ أَعمَلَ بِالتَّقوَى، وَلَا أَزهَدَ فِي الدُّنيَا، وَلَا أَجمَعَ لِخِصَالِ الخَيرِ كُلِّهَا مِنهُ.
فَامتَنَعَ مُعَاوِيَةُ مِن أَن يُبَايِعَ فَسَارَ عَلِيٌّ فِي الجُيُوشِ مِنَ العِرَاقِ حَتَّى نَزَلَ بِصِفِّينَ، وَسَارَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ هُنَاكَ وَذَلِكَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، فَتَرَاسَلُوا فَلَم يَتِمَّ لَهُم أَمرٌ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: اللهم رَبَّ السَّقفِ المَحفُوظِ المَكفُوفِ الَّذِي جَعَلتَهُ مَغِيضًا لِلَّيلِ وَالنَّهَارِ، وَجَعَلتَ فِيهِ مَجرَى الشَّمسِ وَالقَمَرِ وَمَنَازِلَ النُّجُومِ، وَجَعَلتَ فِيهِ جَمعًا مِنَ المَلَائِكَةِ لَا يَسأَمُونَ العِبَادَةَ، وَرَبَّ هَذِهِ الأَرضِ الَّتِي جَعَلتَهَا قَرَارًا لِلأَنَامِ وَالهَوَامِّ وَالأَنعَامِ، وَمَا لَا يُحصَى مِمَّا يُرَى وَمَا لَا يُرَى مِن خَلقِكَ العَظِيمِ، وَرَبَّ الفُلكِ الَّتِي تَجرِي فِي البَحرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ، وَرَبَّ السَّحَابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ، وَرَبَّ البَحرِ المَسجُورِ، وَرَبَّ الجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتِي جَعَلتَهَا لِلأَرضِ أَوتَادًا وَلِلخَلقِ مَتَاعًا، إِن أَظهَرتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا فَجَنِّبنَا البَغيَ وَالفَسَادَ وَسَدِّدنَا لِلحَقِّ، وَإِن أَظهَرتَهُم عَلَينَا فَارزُقنِي الشَّهَادَةَ، وَجَنِّب بَقِيَّةَ أَصحَابِي مِنَ الفِتنَةِ.
فَوَقَعَ القِتَالُ إِلَى أَن قُتِلَ مِنَ الفَرِيقَينِ فِيمَا ذَكَرَ ابنُ أَبِي خَيثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ نَحوُ سَبعِينَ أَلفًا، وَقِيلَ كَانُوا أَكثَرَ مِن ذَلِكَ، وَيُقَالُ كَانَ بَينَهُم أَكثَرُ مِن سَبعِينَ زَحفًا.
وَقَد ذَكَرَ عُلَمَاءُ التَّارِيخِ وَغَيرُهُم أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ بَارَزَ فِي يَومِ صِفِّينَ وَقَاتَلَ وَقَتَلَ خَلقًا ، حَتَّى ذَكَرَ بَعضُهُم أَنَّهُ قَتَلَ خَمسَمِائَةٍ، فَمِن ذَلِكَ أَنَّ كُرَيبَ بنَ الصَّبَّاحِ قَتَلَ أَربَعَةً مِن أَهلِ العِرَاقِ مُبَارَزَةً، ثُمَّ وَضَعَهُم تَحتَ قَدَمَيهِ وَنَادَى: هَل مِن مُبَارِزٍ؟ فَبَرَزَ إِلَيهِ عَلِيٌّ فَتَجَاوَلَا سَاعَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: هَل مِن مُبَارِزٍ؟ فَبَرَزَ إِلَيهِ الحَارِثُ بنُ وَدَاعَةَ الحِميَرِيُّ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ إِلَيهِ رَودُ بنُ الحَارِثِ الكِلَاعِيُّ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ إِلَيهِ المُطَاعُ بنُ المُطَّلِبِ القَينِيُّ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ نَادَى: وَيحَكَ يَا مُعَاوِيَةُ! ابرُز إِلَيَّ وَلَا تُفنِ العَرَبَ بَينِي وَبَينَكَ. فَقَالَ لَهُ عَمرٌو: يَا مُعَاوِيَةُ، اغتَنِمهُ فَإِنَّهُ قَد أُثخِنَ بِقَتلِ هَؤُلَاءِ الأَربَعَةِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: وَاللهِ لَقَد عَلِمتَ أَنَّ عَلِيًّا لَم يُقهَر قَطُّ، وَإِنَّمَا أَرَدتَ قَتلِي لِتُصِيبَ الخِلَافَةَ مِن بَعدِي، اذهَب فَلَيسَ مِثلِي يُخدَعُ.
وقُتِلَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ وَخُزَيمَةُ بنُ ثَابِتٍ وَكَانُوا مَعَ عَلِيٍّ، فَلَمَّا أَحَسَّ أَهلُ الشَّامِ بِاقتِرَابِ هَزِيمَتِهِم رَفَعُوا المَصَاحِفَ يَدعُونَ بِزَعمِهِم إِلَى مَا فِيهِ مَكِيدَةٌ مِن عَمرِو بنِ العَاصِ الَّذِي أَشَارَ بِذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مَعَهُ، فَحُكِّمَ الحَكَمَانِ، وَكَانَ حَكَمُ عَلِيٍّ أَبَا مُوسَى الأَشعَرِيَّ وَحَكمَ مُعَاوِيَةُ عَمرَو بنَ العَاصِ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَن يَخلَعَ كُلٌّ مِنهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ قَدَّمَ عَمرُو بنُ العَاصِ عِندَ التَّحكِيمِ أَبَا مُوسَى الأَشعَرِيَّ، فَتَكَلَّمَ أَبُو مُوسَى فَخَلَعَ عَلِيًّا، وَتَكَلَّمَ عَمرُو بنُ العَاصِ فَأَقَرَّ مُعَاوِيَةَ وَبَايَعَ لَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى هَذَا. وَكَانَ هَذَا فِي صَفَرِ سَنَةِ سَبعٍ وَثَلَاثِينَ.
وَليُعلَم أَنَّ قِتَالَ مُعَاوِيَةَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هُوَ خُرُوجٌ عَن طَاعَةِ الإِمَامِ، وَيَكفِي لِإِثبَاتِ ذَلِكَ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ: «وَيحَ عَمَّارٍ تَقتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ»، فِي مَوضِعَينِ: الأَوَّلُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ المَسَاجِدِ بِلَفظِ: «وَيحَ عَمَّارٍ تَقتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدعُوهُم إِلَى الجَنَّةِ وَيَدعُونَهُ إِلَى النَّارِ»، وَرَوَاهُ فِي كِتَابِ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ بِلَفظِ: «وَيحَ عَمَّارٍ تَقتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، عَمَّارُ يَدعُوهُم إِلَى اللهِ وَيَدعُونَهُ إِلَى النَّارِ»، وَرِوَايَةُ الطَّبَرَانِيِّ فِيهَا زِيَادَةٌ وَهِيَ: «وَيحَ عَمَّارٍ تَقتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ النَّاكِبَةُ عَنِ الحَقِّ».
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي شَرحِ البُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: «وَدَلَّ حَدِيثُ: «تَقتُلُ عَمَّارًا الفِئَةُ البَاغِيَةُ» عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ المُصِيبَ فِي تِلكَ الحَربِ، لِأَنَّ أَصحَابَ مُعَاوِيَةَ قَتَلُوهُ».
وَقَالَ ابنُ حَجَرٍ: (فَائِدَةٌ): رَوَى حَدِيثَ تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ، وَلِعَمَّارٍ وَرَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا فِي حُرُوبِهِ.اهـ
وَقَالَ الحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي الخَصَائِصِ: هَذَا الحَدِيثُ مُتَوَاتِرٌ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضعَةَ عَشَرَ كَمَا بَيَّنتُ ذَلِكَ فِي الأَحَادِيثِ المُتَوَاتِرَةِ.اهـ
وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ فِي البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ مَا نَصُّهُ: «وَهَذَا مَقتَلُ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَعَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ قَتَلَهُ أَهلُ الشَّامِ. وَبَانَ وَظَهَرَ بِذَلِكَ سِرُّ مَا أَخبَرَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِن أَنَّهُ تَقتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، وَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا مُحِقٌّ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ بَاغٍ»ا.هـ قَولُ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَ عَمَّارًا لِأَنَّهُ أَخرَجَهُ لِلقِتَالِ فَرَدَّ عَلِيٌّ: قُولُوا لِمُعَاوِيَةَ عَلَى زَعمِكَ الرَّسُولُ قَتَلَ عَمَّهُ حَمزَةَ لَمَّا أَخرَجَهُ لِأُحُدٍ، فَانقَطَعَ مُعَاوِيَةُ.
وَقَد أَخرَجَ البَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَن زَيدِ بنِ وَهبٍ قَالَ: كُنَّا عِندَ حُذَيفَةَ فَقَالَ كَيفَ أَنتُم وَقَد خَرَجَ أَهلُ دِينِكُم يَضرِبُ بَعضُهُم وُجُوهَ بَعضٍ بِالسَّيفِ، قَالُوا فَمَا تَأمُرُنَا قَالَ: اُنظُرُوا الفِرقَةَ الَّتِي تَدعُو إِلَى أَمرِ عَلِيٍّ فَالزَمُوهَا، فَإِنَّهَا عَلَى الحَقِّ.
وَأَخرَجَ ابنُ أَبِي شَيبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن أَبِي الرِّضَا: سَمِعتُ عَمَّارًا يَومَ صِفِّينَ يَقُولُ: مَن سَرَّهُ أَن يَكتَنِفَهُ الحُورُ العِينُ فَليَتَقَدَّم بَينَ الصَّفَّينِ مُحتَسِبًا، وَمِن طَرِيقِ زِيَادِ بنِ الحَارِثِ: كُنتُ إِلَى جَنبِ عَمَّارٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَفَرَ أَهلُ الشَّامِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: لَا تَقُولُوا ذَلِكَ، نَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُم قَومٌ حَادُوا عَنِ الحَقِّ فَحَقَّ عَلَينَا أَن نُقَاتِلَهُم حَتَّى يَرجِعُوا.اهـ
وَنَقَلَ البَيهَقِيُّ عَنِ الشَّعبِيِّ قَالَ: أَدرَكتُ خَمسَمِائَةٍ مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَو أَكثَرَ كُلُّهُم يَقُولُ: عُثمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلحَةُ وَالزُّبَيرُ فِي الجَنَّةِ.
وَنَقَلَ أَيضًا البَيهَقِيُّ عَن مُحَمَّدِ بنِ إِسحَاقَ يَقُولُ وَهُوَ – ابنُ خُزَيمَةَ -: خَيرُ النَّاسِ بَعدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَولَاهُم بِالخِلَافَةِ أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ الفَارُوقُ، ثُمَّ عُثمَانُ ذُو النُّورَينِ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَحمَةُ اللَّهُ وَرِضوَانُهُ عَلَيهِم أَجمَعِينَ. قَالَ: وَكُلُّ مَن نَازَعَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ فِي إِمَارَتِهِ فَهُوَ بَاغٍ، عَلَى هَذَا عَهِدتُ مشَايِخَنَا، وَبهُ قَالَ ابنُ إِدرِيسَ، يَعنِي الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ.اهـ
وَقَالَ الإِمَامُ عَبدُ القَاهِرِ فِي كِتَابِ ” الإِمَامَةِ “: أَجمَعَ فُقَهَاءُ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ مِن فَرِيقَي أَهلِ الحَدِيثِ وَالرَّأيِ، مِنهُم مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالأَوزَاعِيُّ وَالجُمهُورُ الأَعظَمُ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ مُصِيبٌ فِي قِتَالِهِ لِأَهلِ صِفِّينَ، كَمَا قَالُوا بِإِصَابَتِهِ فِي قِتَالِهِ لِأَهلِ الجَمَلِ، وَقَالُوا أَيضًا: إِنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ بُغَاةٌ ظَالِمُونَ لَهُ، وَلَكِن لَا يَجُوزُ تَكفِيرُهُم بِبَغيِهِم.
أَمرٌ مُهِمٌّ أَيضًا أُبَيِّنُهُ فِي هَذَا المَوضُوعِ: وَهُوَ أَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا هُوَ خَلِيفَةٌ رَاشِدٌ صَالِحٌ لَا يَشُكُّ أَيٌّ مِنَّا فِي ذَلِكَ، وَمَن خَرَجَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَد أَخطَأَ وَنَسأَلُ اللهَ أَن يَغفِرَ لَهُ، لَكِنَّنَا عِندَ ذِكرِ هَذِهِ الفِتَنِ نَذكُرُهَا مِن بَابِ بَيَانِ حُكمِ الشَّرعِ وَبَيَانِ العِبرَةِ مِن ذَلِكَ، وَلَا نَذكُرُهَا لِلتَّشَهِّي وَنَجعَلُ ذِكرَهَا وِردًا نَتَسَلَّى بِهِ، لَا، بَل لِمَا ذَكَرتُ، وَعِندَمَا نَذكُرُ هَذِهِ الفِتَنَ لَا نَكُونُ سَبَبنَا هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ وَلَا قَدَحنَا بِهِم وَلَا كَفَّرنَاهُم، بَل هَذَا لَا يَجُوزُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، بَعضُ الفِرَقِ عِندَمَا يَذكُرُونَ هَذِهِ المَعَارِكَ الَّتِي جَرَت يُكَفِّرُونَ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفيَانٍ وَعَمرَو بنَ العَاصِ وَغَيرَهُم مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا سِيَّمَا مَن كَانُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ ضِدَّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، هُنَا أَقُولُ لَكُمُ: الإِنصَافُ أَمرٌ مُهِمٌّ، وَالوَسَطِيَّةُ وَالِاعتِدَالُ أَمرَانِ مُهِمَّانِ، نَقُولُ بِخَطَأِ مَن خَرَجَ عَلَى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيٍّ وَهُوَ الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَمَا قَالَ الأَئِمَّةُ قَبلَنَا فِي ذَلِكَ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحمَدَ وَغَيرِهِم، وَلَا نُكَفِّرُ مَن خَرَجَ عَلَيهِ وَلَا نَرمِيهِ بِالزَّندَقَةِ وَالِانحِلَالِ، وَنَجعَلُ ذَمَّهُ وِردًا، لَا، فَهَذَا يَنبَغِي أَن يَكُونَ مَضبُوطًا بِضَوَابِطَ شَرعِيَّةٍ.
فَمِثلُ هَذَا نَذكُرُهُ لِضَرُورَةِ بَيَانِ حُكمِ الشَّرعِ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ مَن أَبَاحَ الخُرُوجَ عَلَى الإِمَامِ العَادِلِ مَعَ وُجُودِ النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ بِتَحرِيمِ ذَلِكَ؛ فَمَن نَسَبَ إِلَينَا غَيرَ مَا نَقُولُ فَهُوَ مُفتَرٍ لَئِيمٌ وَإِنَّ المَوعِدَ الآخِرَةُ.
رَوَى ابنُ فُضَيلٍ عَن عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنِي غَيرُ وَاحِدٍ أَنَّ قَاضِيًا مِن قُضَاةِ أَهلِ الشَّامِ أَتَى عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، رَأَيتُ رُؤيَا أَفظَعَتنِي، قَالَ مَا هِيَ؟ قَالَ: رَأَيتُ الشَّمسَ وَالقَمَرَ يَقتَتِلَانِ وَالنُّجُومُ مَعَهُمَا نِصفَينِ؛ قَالَ: فَمَعَ أَيِّهِمَا كُنتَ؟ قَالَ: مَعَ القَمَرِ عَلَى الشَّمسِ، قَالَ عُمَرُ: ﴿وَجَعَلنَا اللَّيلَ وَالنَّهَارَ آيَتَينِ فَمَحَونَا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبصِرَةً﴾ قَالَ: فَانطَلِق فَوَاللهِ لَا تَعمَلُ لِي عَمَلًا أَبَدًا.
فتنة الخوارج المارقين
وَأَمَّا الخَوَارِجُ فَخَرَجُوا عَلَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ، وَكَانُوا أَوَّلًا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ كَفَّرُوا سَيِّدَنَا عَلِيًّا وَقَالُوا: لَا حُكمَ إِلَّا للهِ، وَعَسكَرُوا بِحَرُورَاءَ فَبِذَلِكَ سُمُّوا الحَرُورِيَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيهِم عَلِيٌّ عَبدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ وَغَيرَهُ فَخَاصَمَهُم وَحَاجَّهُم، فَرَجَعَ مِنهُم قَومٌ كَثِيرٌ وَثَبَتَ قَومٌ عَلَى رَأيِهِم، وَسَارُوا إِلَى النَّهرَوَانِ فَعَرَضُوا لِلسَّبِيلِ، وَقَتَلُوا عَبدَ اللهِ بنَ خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ، فَسَارَ إِلَيهِم عَلِيٌّ فَقَاتَلَهُم بِالنَّهرَوَانِ فِي العِرَاقِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ.
مناظرة علي رضي الله عنه للخوارج
قِيلَ فِي عَدَدِهِمْ: سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. فَبَايَنُوهُ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِ، وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَشْيَاءَ، فيقال إِنَّ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ذَهَبَ إِلَيْهِمْ فَنَاظَرَهُمْ فِيمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ
فَقَالُوا: انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ أَلْبَسَكَهُ اللهُ، وَاسْمٍ سَمَّاكَ بِهِ اللَّهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتَ فَحَكَّمْتَ فِي دِينِ اللَّهِ وَلَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. فقال علي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ أَعْظَمُ دَمًا وَحُرْمَةً مِنَ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَنَقِمُوا عَلَيَّ أَنْ كَاتَبْتُ مُعَاوِيَةَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ جَاءَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةَ حِينَ صَالَحَ قَوْمَهُ قُرَيْشًا، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ سُهَيْلُ: لَا أَكْتُبُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” فَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قُرَيْشًا. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾.
وفي رواية انه بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فلما جاءهم قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ، هَذَا مِمَّنْ يُخَاصِمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَا لَا يَعْرِفُهُ، هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ فَرُدُّوهُ إِلَى صَاحِبِهِ وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاللَّهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ، فَإِنْ جَاءَ بِحَقٍّ نَعْرِفُهُ لَنَتَّبِعَنَّهُ، وَإِنْ جَاءَ بِبَاطِلٍ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ. فَوَاضَعُوا عَبْدَ اللَّهِ الْكِتَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ حَكَّمَ الرِّجَالِ، وَأَنَّهُ مَحَا اسْمَهُ مِنَ الْإِمْرَةِ، وَأَنَّهُ غَزَا يَوْمَ الْجَمَلِ فَقَتَلَ الْأَنْفُسَ الْحَرَامَ وَلَمْ يَقْسِمِ الْأَمْوَالَ وَالسَّبْيَ، فَأَجَابَ عَنِ الْأَوَّلَتَيْنِ بِمَا ذكرنا، وَعَنِ الثَّالِثَةِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ كَانَ فِي السَّبْيِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ، فَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَتْ لَكُمْ بِأُمٍّ. فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنِ اسْتَحْلَلْتُمْ سَبْيَ أُمِّكُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ. وَذُكِرَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسِ لَبِسَ حُلَّةً لَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَنَاظَرُوهُ فِي لُبْسِهِ إِيَّاهَا، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.
فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ كُلُّهُمْ تَائِبٌ، فِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى عَلِيٍّ الْكُوفَةَ.
التحذير من التكفير الشمولي
منهج التكفير عند الخوارج وبعض عقائدهم
قَادَ هَؤُلَاءِ الهَمَجَ جَهلُهُم وَإِفكُهُم إِلَى إِطلَاقِ التَّكفِيرِ جُزَافًا بِغَيرِ هُدًى وَلَا بَصِيرَةٍ وَلَا بَيِّنَةٍ، ابتِدَاءً بِالخَوَارِجِ الَّذِينَ كَانُوا أَوَّلَ فِرقَةٍ شَذَّت فِي الِاعتِقَادِ عَمَّا كَانَ عَلَيهِ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَكَفَّرُوا مُرتَكِبَ الذَّنبِ الكَبِيرِ مِنَ المُسلِمِينَ، وَوَصَلَ الأَمرُ بِبَعضِهِم إِلَى تَكفِيرِ مَن لَم يُكَفِّر مُرتَكِبَ الكَبِيرَةِ، بَل تَمَادَوا فِي غَيِّهِم وَبَغيِهِم فَكَفَّرُوا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَلَيتَ شِعرِي إِذَا كَفَّرُوا عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَى جَلَالَةِ قَدرِهِ فَأَنّى يَتَوَرَّعُونَ بَعدَ ذَلِكَ عَن تَكفِيرِ مَن هُوَ دُونَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجهَهُ، وَقَد لَقِيَ المُسلِمُونَ مِنهُم أَذًى شَدِيدًا وَبَلَاءً عَظِيمًا، حَيثُ كَانُوا يَقتُلُونَ المَرأَةَ المُسلِمَةَ، وَيَبقُرُونَ بَطنَ الحَامِلِ بَعدَ قَتلِهَا فَيَقتُلُونَ الجَنِينَ فِي أَحشَائِهَا لِئَلَّا يَصِيرَ كَافِرًا كَأُمِّهِ بِزَعمِهِم، وَنَشَأَت فِيهِم فِرقَةٌ مِن فِرَقِهِم يُقَالُ لَهُمُ (البَيهَسِيَّةُ) كَفَّرُوا الحَاكِمَ إِذَا حَكَمَ بِغَيرِ الشَّرعِ، وَكَفَّرُوا الرَّعَايَا سَوَاءٌ مَن تَابَعَهُ أَم لَم يُتَابِعهُ إِذَا لَم يَثُورُوا عَلَيهِ لِخَلعِهِ.
هَؤُلَاءِ الفَاسِدُونَ المُفسِدُونَ الَّذِينَ يَنشُرُونَ الكُفرَ بَينَ النَّاسِ، الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ المُسلِمِينَ، يُكَفِّرُونَنَا وَيُكَفِّرُونَ المُسلِمِينَ أَجمَعِينَ، لَا يَتَوَرَّعُونَ عَنِ الحُكمِ عَلَى مُخَالِفِهِم بِالكُفرِ وَالخُرُوجِ مِنَ الدِّينِ، هَذَا وَاحِدٌ مِن هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ قَالَ: إِنَّ المُسلِمِينَ اليَومَ لَا يُجَاهِدُونَ! .. ذَلِكَ أَنَّ المُسلِمِينَ اليَومَ لَا يُوجَدُونَ.اهـ هَذَا كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ، وَوَاحِدٌ آخَرُ مَاذَا قَالَ؟ قَالَ: كُلُّ مَن تَحتَ السَّبعِ الطِّبَاقِ مُشرِكٌ عَلَى الإِطلَاقِ وَمَن قَتَلَ مُشرِكًا فَلَهُ الجَنَّةُ.اهـ وَآخَرُ مِنهُم يَغلُو فَيَقُولُ: ذَلِكَ أَنَّ الشِّركَ اليَومَ عَمَّ البَسِيطَةَ وَأَطبَقَ عَلَى تَركِ الإِسلَامِ كُلُّ مَن فِي الأَرضِ.اهـ وَوَاحِدٌ مِنهُمُ انتَشَرَت كُتُبُهُ بَينَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ يَقُولُ: كَفَرَ أَهلُ الشَّامِ وَكَفَرَ أَهلُ العِرَاقِ وَكَفَرَ أَهلُ مِصرَ لِأَنَّهُم يَحتَفِلُونَ بِالمَولِدِ النَّبَوِيِّ، وَلَم يَبقَ سَالِمًا مِنَ الدَّعوَةِ الشِّركِيَّةِ إِلَّا بَعضُ قُرَى نَجدٍ.اهـ هَذَا كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ. وَوَاحِدٌ مِنهُم يَقُولُ: أَبُو لَهَبٍ وَأَبُو جَهلٍ أَكثَرُ تَوحِيدًا للهِ مِنَ الَّذِينَ يَتَوَسَّلُونَ بِالأَنبِيَاءِ هَذِهِ الأَيَّامَ.اهـ وَآخَرُ مِنهُم يَقُولُ: تَقلِيدُ المَذَاهِبِ مِنَ الشِّركِ.اهـ هَذَا كَلَامُهُم بِحُرُوفِهِ وَكُلُّهُ عِندَنَا مِن كُتُبِهِم. يُكَفِّرُ مَن يَمشِي عَلَى مَذهَبٍ مُعَيَّنٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ. كُلُّ الأُمَّةِ الإِسلَامِيَّةِ اليَومَ تُقَلِّدُ الأَئِمَّةَ الأَربَعَةَ. نَسأَلُ اللهَ أَن يُسَلِّمَنَا مِن شُرُورِهِم.
مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدِ انْتَقَضَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ الْأَحْوَالُ، وَخَالَفَهُ جَيْشُهُ مَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ، وَنَكَلُوا عَنِ الْقِيَامِ مَعَهُ، وَأَمِيرُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَهُوَ أَعْبَدُهُمْ وَأَزْهَدُهُمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَأَخْشَاهُمْ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ خَذَلُوهُ وَتَخَلَّوْا عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ الْكَثِيرَ وَالْمَالَ الْجَزِيلَ، فَلَا زَالَ هَذَا دَأْبَهُمْ مَعَهُ حَتَّى كَرِهَ المقام معهم وَتَمَنَّى الْمَوْتَ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفِتَنِ وَظُهُورِ الْمِحَنِ، فَكَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: مَاذَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا – أَيْ مَا يَنْتَظِرُ – مَا لَهُ لَا يَقْتُلُ؟ ثُمَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَتُخَضَّبَنَّ هَذِهِ – وَيُشِيرُ إِلَى لِحْيَتِهِ – مِنْ هَذِهِ – وَيُشِيرُ إِلَى هَامَتِهِ – فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَتْرُكُكُمْ كَمَا تَرَكَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. قَالُوا: فَمَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ وَقَدْ تَرَكْتَنَا؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ اسْتَخْلَفْتَنِي فِيهِمْ ثُمَّ قَبَضْتَنِي وَأَنتَ الرَّقِيبُ عَلَيهِم فَإِنْ شِئْتَ أَصْلَحْتَهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَفْسَدْتَهُمْ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي “مُسْنَدِهِ”: عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: جَاءَ رَأْسُ الْخَوَارِجِ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ. فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، وَلَكِنْ مَقْتُولٌ مِنْ ضَرْبَةٍ عَلَى هَذِهِ تُخَضِّبُ هَذِهِ – وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ – عَهْدٌ مَعْهُودٌ، وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى. وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى.
وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَمَثَّلُ:
أُشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلمَوتِ … فَإِنَّ المَوتَ لَاقِيكَا
وَلَا تَجْزَعْ مِنَ القَتلِ … إِذَا حَلَّ بِوَادِيكَا
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ؟» قُلْتُ: عَاقِرُ النَّاقَةِ. قَالَ: «صَدَقْتَ، فَمَنْ أَشْقَى الْآخِرِينَ؟» قُلْتُ: لَا عِلْمَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «الَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذِهِ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى يَافُوخِهِ. قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ قَدِ انْبَعَثَ أَشْقَاكُمْ فَيُخَضِّبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ. يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ دَمِ رَأْسِهِ.
وَقَالَ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ لَيْلَةِ قُتِلَ عَلِيٌّ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: خَرَجْتُ الْبَارِحَةَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُصَلِّي فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي بِتُّ الْبَارِحَةَ أُوقِظُ أَهْلِي لأَنَّهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ بَدْرٍ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَلَكَتْنِي عَيْنَايَ، فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَخبَرتُهُ مَاذَا لَقِيتُ مِنَ الَّذِينَ مَعِي مِنَ الأَوَدِ وَاللَّدَدِ؟! فَقَالَ: «ادْعُ عَلَيْهِمْ». فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَبْدِلْنِي بِهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي. فَجَاءَ ابْنُ النَّبَّاحِ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَخَرَجَ، وَخَرَجْتُ خَلْفَهُ، فَاعْتَوَرَهُ رَجُلانِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِي السُّدَّةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَثْبَتَهَا فِي رَأْسِهِ.
صفة مقتله رضي الله عنه
ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، أَنَّ ثَلَاثَةً مِنِ الْخَوَارِجِ، وَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُلْجَمٍ الْحِمْيَرِيُّ ثُمَّ الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي جَبَلَةَ مِنْ كِنْدَةَ، الْمِصْرِيُّ، وَكَانَ أَسْمَرَ حَسَنَ الْوَجْهِ أَبْلَجَ، شَعْرُهُ مَعَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، وَفِي جَبْهَتِهِ أَثَرُ السُّجُودِ. وَالْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ. وَعَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ أَيْضًا، اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا قَتْلَ عَلِيٍّ إِخْوَانَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَهُمْ؟! كَانُوا مِنْ خَيْرِ النَّاسِ وَأَكْثَرَهُمْ صَلَاةً، وَكَانُوا دُعَاةَ النَّاسِ إِلَى رَبِّهِمْ، لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَقَتَلْنَاهُمْ فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ثَأْرَ إِخْوَانِنَا. فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا أَنْ لَا يَنْكِصَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا، وَاتفقوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يُبَيِّتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي بَلَدِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ. فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا، وَكَتَمَ أَمْرَهُ حَتَّى عَنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ هُمْ بِهَا، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي قَوْمٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ الرَّبَابِ وَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ قَتْلَاهُمْ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا: قَطَامِ بِنْتُ الشِّجْنَةِ. قَدْ قَتَلَ عَلِيٌّ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ أَبَاهَا وَأَخَاهَا، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ مَشْهُورَةً بِهِ، وَكَانَتْ قَدِ انْقَطَعَتْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ تَتَعَبَّدُ فِيهِ، فَلَمَّا رَآهَا ابْنُ مُلْجَمٍ سَلَبَتْ عَقْلَهُ، وَنَسِيَ حَاجَتَهُ الَّتِي جَاءَ لَهَا، وَخَطَبَهَا إِلَى نَفْسِهَا، فَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَخَادِمًا وَقَيْنَةً، وَأَنْ يَقْتُلَ لَهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فَهُوَ لَكِ، وَوَاللَّهِ مَا جَاءَ بِي إِلَى هَذِهِ الْبَلْدَةِ إِلَّا قَتْلُ عَلِيٍّ. فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ شَرَعَتْ تُحَرِّضُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَنَدَبَتْ لَهُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهَا مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهُ: وَرْدَانُ. لِيَكُونَ مَعَهُ رِدْءًا، وَاسْتَمَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا آخَرَ يُقَالُ لَهُ: شَبِيبُ بْنُ بَجَرَةَ الْأَشْجَعِيُّ الْحَرُورِيُّ. قَالَ لَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَتْلُ عَلِيٍّ. فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا، كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَكْمُنُ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاهُ، فَإِنْ نَجَوْنَا شَفَيْنَا أَنْفُسَنَا وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا، وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا. فَقَالَ: وَيْحَكَ لَوْ غَيْرَ عَلِيٍّ لَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ، قَدْ عَرَفْتُ سَابِقَتَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَقَرَابَتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَا أَجِدُنِي أَنْشَرِحُ صَدْرًا لِقَتْلِهِ. فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ؟ فَقَالَ: بَلَى قَالَ: فَنَقْتُلُهُ بِمَنْ قَتَلَ مِنْ إِخْوَانِنَا. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ لَأْيٍ. وَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَوَاعَدَهُمُ ابْنُ مُلْجَمٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ، وَقَالَ: هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْتُ أَصْحَابِي يَقْتُلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا فِيهَا صَاحِبَهُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ. فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ، وَهُمُ ابْنُ مُلْجَمٍ وَوَرْدَانُ وَشَبِيبٌ، وَهُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَى سُيُوفِهِمْ، فَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيٌّ، فَلَمَّا خَرَجَ جَعَلَ يُنْهِضُ النَّاسَ مِنَ النَّوْمِ إِلَى الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ. فَثَارَ إِلَيْهِ شَبِيبٌ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ فَوَقَعَ فِي الطَّاقِ، فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ، فَسَالَ دَمُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمَّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ قَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، لَيْسَ لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ. وَجَعَلَ يَتْلُو قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ وَنَادَى عَلِيٌّ: عَلَيْكُمْ بِهِ. وَهَرَبَ وَرْدَانُ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ فَقَتَلَهُ، وَذَهَبَ شَبِيبٌ فَنَجَا بِنَفْسِهِ وَفَاتَ النَّاسَ، وَمُسِكَ ابْنُ مُلْجَمٍ، وَقَدَّمَ عَلِيٌّ جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَحُمِلَ عَلِيٌّ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَحُمِلَ إِلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ، فَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَكْتُوفٌ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرَّ خَلْقِهِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: لَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ، وَلَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ. ثُمَّ قَالَ: إِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ به وَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ.
وَلَمَّا احْتُضِرَ عَلِيٌّ جَعْلَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَنْطِقُ بِغَيْرِهَا – وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ وَقَدْ أَوْصَى وَلَدَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَغَفْرِ الذَّنْبَ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَاهِلِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْقُرْآنِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ، وَوَصَّاهُمَا بِأَخِيهِمَا مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَوَصَّاهُ بِمَا وَصَّاهُمَا بِهِ، وَأَنْ يُعَظِّمَهُمَا وَلَا يَقْطَعَ أَمْرًا دُونَهُمَا، وَكَتَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي كِتَابِ وَصِيَّتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
وَقَدِ امْتَدَحَ ابْنَ مُلْجَمٍ بَعْضُ الْخَوَارِجِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ وَكَانَ أَحَدَ الْعُبَّادِ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ ويقال له خطيب الخوارج فَقَالَ فِيهِ:
يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا … إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا
إِنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ … أَوْفَى الْبَرِيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا
وَجَزَى اللَّهُ خَيْرًا بَعضَ شُعَرَاءِ أَهلِ السُّنَّةِ الَّذِي يَقُولُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ:
قُلْ لِابْنِ مُلْجِمٍ وَالْأَقْدَارُ غَالِبَةٌ … هَدَمْتَ وَيْلَكَ لِلْإِسْلَامِ أَرْكَانَا
قَتَلْتَ أَفْضَلَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمٍ … وَأَوَّلَ النَّاسِ إِسْلَامًا وَإِيمَانَا
وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ بِمَا … سَنَّ الرَّسُولُ لَنَا شَرْعًا وَتِبْيَانَا
صِهْرُ النَّبِيِّ وَمَوْلَاهُ وَنَاصِرُهُ … أَضْحَتْ مَنَاقِبُهُ نُورًا وَبُرْهَانَا
وَكَانَ مِنْهُ عَلَى رَغْمِ الْحَسُودِ لَهُ … مَكَانُ هَارُونَ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَا
ذَكَرْتُ قَاتِلَهُ وَالدَّمْعُ مُنْحَدِرٌ … فَقَلْتُ سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ سُبْحَانَا
إِنِّي لَأَحْسَبُهُ مَا كَانَ مِنْ بَشَرٍ … يَخْشَى الْمَعَادَ وَلَكِنْ كَانَ شَيْطَانَا
أَشْقَى مُرَادٍ إِذَا عُدَّتْ قَبَائِلُهَا … وَأَخْسَرُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانَا
كَعَاقِرِ النَّاقَةِ الْأُولَى الَّتِي جَلَبَتْ … عَلَى ثَمُودَ بِأَرْضِ الْحِجْرِ خُسْرَانَا
قَدْ كَانَ يُخْبِرُهُمْ أَنْ سَوْفَ يُخَضِّبُهَا … قَبْلَ الْمَنِيَّةِ أَزْمَانًا فَأَزْمَانَا
فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ مَا تَحَمَّلَهُ … وَلَا سَقَى قَبْرَ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَا
لِقَوْلِهِ فِي شَقِيٍّ ظَلَّ مُجْتَرِمًا … وَنَالَ مَا نَالَهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانَا
يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا … إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانَا
بَلْ ضَرْبَةٌ مِنْ غَوِيٍّ أَوْرَدَتْهُ لَظًى … فَسَوْفَ يَلْقَى بِهَا الرَّحْمَنَ غَضْبَانَا
كَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَصْدًا بِضَرْبَتِهِ … إِلَّا لِيَصْلَى عَذَابَ الْخُلْدِ نِيرَانَا
وَكَانَت وَفَاةُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لِإِحدَى وَعِشرِينَ مِن شَهرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَربَعِينَ عَن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً مِن عُمُرِهِ، فَكَانَت خِلَافَتُهُ أَربَعَ سِنِينَ وَتِسعَةَ أَشهُرٍ.
تُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ شَهِيدًا سَعِيدًا مُبَشَّرًا بِالجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا، وَتَوَلَّى غَسلَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ وَعَبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ وَصَلَّى عَلَيهِ الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَدُفِنَ سَحَرًا، قِيلَ فِيمَا يَلِي قِبلَةَ مَسجِدِ الكُوفَةِ، وَقِيلَ عِندَ قَصرِ الإِمَارَةِ، وَقِيلَ بِالنَّجَفِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُم غَيَّبُوا قَبرَهُ الشَّرِيفَ خَوفًا عَلَيهِ مِنَ الخَوَارِجِ.
وَكَمَا قُلتُ: إِنَّ الفِتنَةَ عِندَمَا تَنزِلُ تَلتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَيَظُنُّ الحَقَّ بَاطِلًا وَيَظُنُّ البَاطِلَ حَقًّا وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَقَد يُقَاتِلُ عَلَى مَا يَظُنُّهُ حَقًّا، وَمِن أَشَدِّ الفِتَنِ الفِتنَةُ فِي الدِّينِ، فَمَن يُبتَلَى بِهَا يَسُوءُ حَالُهُ كَثِيرًا وَيَفسُدُ أَمرُهُ وَتَتَغَلغَلُ فِي أَحشَائِهِ وَلُبِّهِ حَتَّى يَهلِكَ وَيُهلِكَ النَّاسَ مَعَهُ، فَكَم مِنَ النَّاسِ ابتُلِيَ فِي دِينِهِ فَقَلَبَ المَوَازِينَ وَأَدَّى بِهِ أَمرُ فِتنَتِهِ فِي الدِّينِ إِلَى أَنِ اعتَبَرَ الدِّينَ الحَقَّ مَا يَعتَقِدُهُ هُوَ، وَمَا يَكُونُ خِلَافَهُ اعتَبَرَهُ ضَلَالَةً وَمُنكَرًا وَجَبَ إِزَالَتُهُ وَإِنكَارُهُ، فَيَا تَعسَ هَؤُلَاءِ وَمَا أَشَدَّ ضَرَرَهُم، وَهَذَا حَصَلَ كَثِيرًا فِي الأُمَّةِ الإِسلَامِيَّةِ وَتَارِيخِهَا، وَسَبَبُهُ الرَّئِيسُ الهَوَى وَالجَهلُ بِأُصُولِ الدِّينِ وَقَوَاعِدِهِ، فَمَن كَانَ هَذَا حَالَهُ يَحصُلُ مِنهُ ضَرَرٌ كَثِيرٌ.
السؤال الفقهي
ما حكم صيام من كان يجامع زوجته والفجر يؤذن؟
إِذَا كَانَ المُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ مَعَ طُلُوعِ الفَجرِ، فَالوَاجِبُ الإمسَاكُ عَنِ المُفَطِّرَاتِ مِن طُلُوعِ الفَجرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمسِ، فَإِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: اللهُ أَكبَرُ، لَزِمَ الكَفُّ عَن الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالجِمَاعِ وَسَائِرِ المُفَطِّرَات.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي المَجمُوعِ: إِذَا طَلَعَ الفَجرُ وَفِي فِيهِ (أَي فَمِهِ) طَعَامٌ فَليلفُظهُ، فَإِن لَفَظَهُ صَحَّ صَومُهُ، فَإِنِ ابتَلَعَهُ أَفطَرَ، وَلَو طَلَعَ الفَجرُ وَهُو مُجَامِعٌ فَنَزَعَ فِي الحَالِ صَحَ صَومُهُ، أَمَّا إِذَا طَلَعَ الفَجرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَعَلِمَ طُلُوعَهُ ثُمَّ مَكَثَ مُستَدِيمًا للجِمَاعِ فَيَبطُلُ صُومُهُ بِلَا خِلَافٍ، نَصَّ عَلَيهِ وَتَابَعَهُ الأصحَابُ، وَلَا يُعلَمُ فِيهِ خِلَافٌ للعُلَمَاءِ، وَتَلزَمُهُ الكَفَّارَةُ عَلَى المَذهَبِ.اهـ
مختارات من الأدعية والأذكار
ما يقال لتيسير الرزق
قِرَاءَةُ سُورَةِ “الوَاقِعَةِ” كُلَّ لَيلَةٍ بَعدَ المَغرِبِ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «مَن قَرَأَ سُورَةَ الوَاقِعَةِ فِي كُلِّ لَيلَةٍ لَم تُصِبهُ فَاقَةٌ أَبَدًا».
وَكَذَلِكَ كَثرَةُ الِاستِغفَارِ صَبَاحًا وَمَسَاءً يَقُولُ: أَستَغفِرُ اللهَ أَو رَبِّ اغفِر لِي لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «مَن لَزِمَ الِاستِغفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، وَرَزَقَهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ»، وَجَاءَ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن قَالَ فِي كُلِّ يَومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ: لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ كَانَ لَهُ أَمَانًا مِنَ الفَقرِ، وَأُنسًا مِن وَحشَةِ القَبرِ، وَاستَجلَبَ الغِنَىٰ، وَاستَقرَعَ بِهَا بَابَ الجَنَّةِ»، وَوَرَدَ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا يَمنَعُ أحَدَكُم إِذَا عَسُرَ عَلَيهِ أَمرُ مَعِيشَتِهِ أَن يَقُولَ إِذَا خَرَجَ مِن بَيتِهِ: بِسمِ اللهِ عَلَى نَفسِي وَمَالِي وَدِينِي، اللهم رَضِّنِي بِقَضَائِكَ، وَبَارِك لِي فِيمَا قُدِّرَ لِي حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعجِيلَ مَا أَخَّرتَ وَلَا تَأخِيرَ مَا عَجَّلتَ».
وَيَقُولُ (يَا كَافِي)، بَعدَ الشُّرُوقِ، 111 مِائَةً وَإِحدَى عَشرَةَ مَرَّةً.
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ
اللهم يَا مُنزِلَ الكِتَابِ يَا سَرِيعَ الحِسَابِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ إِنَّا نَسأَلُكَ أَن تُزَوِّدَنَا التَّقَوَى وَتَرفَعَنَا دَرَجَاتٍ وَتَجعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ لَا خَوفٌ عَلَيهِم ولَا هُم يَحزَنُونَ وَتُنَوِّرَ قُلُوبَنا بِالعِلمِ وَاليَقِينِ وَالهُدَى وَالتُّقَى وَصَلَاحِ الحَالِ وَتَحفَظَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ وَسُوءٍ وَتَرفَعَ عَنَّا وَعَن أَهلِينَا وَأَحبَابِنَا كُلَّ بَلَاءٍ وَتُعَافِيَنَا مِن كُلِّ دَاءٍ.
اللهم اجعَلنَا مِن جُندِكَ فَإنَّ جُندَكَ هُمُ الغَالِبُونَ، وَاجعَلنَا مِن حِزبِكَ فَإنَّ حِزبَكَ هُمُ المُفلِحُونَ، وَاجعَلنَا مِن أَولِيَائِكَ فَإنَّ أَولِيَاءَكَ لَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ، اللهم أَصلِح لَنا دِينَنَا فَإنَّهُ عِصمَةُ أمرِنَا، وَأصلِح لَنا ءاخِرَتَنا فَاِنَّها دَارُ مَقَرِّنَا، وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لنَا فِي كُلِّ خَيرٍ، وَاجعَل المَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ.
اللهم اشفِنَا وَاشفِ مَرضَانَا، اللهم اجمَع لَنَا بَينَ خَيرَيِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، اللهم وَفِّقنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرضَاهُ، اللهم آتِ نُفُوسَنَا تَقوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاهَا، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَولَاهَا اللهم أَرِنَا الحَقَّ حَقًّا وَارزُقنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلًا وَارزُقنَا اجتِنَابَهُ وَمُحَارَبَتَهُ، اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، وَمِن سَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبنِ وَالبُخلِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن غَلَبَةِ الدَّينِ وَقَهرِ الرِّجَالِ، اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ،
اللهم الطُف بِالمُسلِمِينَ وَانصُرهُم يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم عَلَيكَ بِأَعدَاءِ الدِّينِ.
. اللهم يَا نَاصِرَ المُستَضعَفِينَ. اللهم يَا مُفَرِّجَ كُرُبَاتِ المَنكُوبِينَ اللهم يَا رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ انصُر أَهلَ غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ اللهم أَخرِجهُم بَينَ اليَهُودِ الغَاصِبِينَ سَالِمِينَ اللهم قَوِّهِم وَآمِن رَوعَاتِهِم.
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ