المقدمة
الحَمدُ للهِ الَّذِي أَنشَأَ الخَلَائِقَ بِقُدرَتِهِ، وَأَظهَرَ فِيهِم عَجَائِبَ حِكمَتِهِ، وَدَلَّ بِآيَاتِهِ عَلَى ثُبُوتِ وَحدَانِيَّتِهِ، قَضَى عَلَى العَاصِي بِالعُقُوبَةِ لِمُخَالَفَتِهِ، ثُمَّ دَعَا إِلَى التَّوبَةِ وَمَنَّ عَلَيهِ بِقَبُولِ تَوبَتِهِ، فَأَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَسَابِقُوا إِلَى جَنَّتِهِ، يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَيُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ.
أَحمَدُهُ عَلَى جَلَالِ نُعُوتِهِ وَكَمَالِ صِفَتِهِ، وَأَشكُرُهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَسَوَابِغِ نِعمَتِهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ المَبعُوثُ إِلَى جَمِيعِ بَرِيَّتِهِ، بَشِيرًا لِلمُؤمِنِينَ بِجَنَّتِهِ، وَنَذِيرًا لِلكَافِرِينَ بِنَارِهِ وَسَطوَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى أَبِي بَكرٍ خَلِيفَتِهِ فِي أُمَّتِهِ، وَعَلَى عُمَرَ المَشهُورِ بِقُوَّتِهِ عَلَى الكَافِرِينَ وَشِدَّتِهِ، وَعَلَى عُثَمَانَ القَاضِي نَحبَهُ فِي مِحنَتِهِ، وَعَلَى عَلِيٍّ ابنِ عَمِّه وَزَوجِ ابنَتِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَمَن تَبِعَهُ فِي سُنَّتِهِ، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعدُ:
مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغرَى:
كثرة الموت في المسلمين
جَاءَ فِي حَدِيثِ عَوفِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ المُتَقَدِّمِ الذِّكرِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ: «اعدُد سِتًّا بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوتِي، ثُمَّ فَتحُ بَيتِ المَقدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأخُذُ فِيكُم كَقُعَاصِ الغَنَمِ…».اهـ
قَولُهُ: «ثُمَّ مُوتَانٌ» قَالَ ابنُ حَجَرٍ: قَالَ القَزَّازُ: هُوَ المَوتُ. وَقَالَ غَيرُهُ: المَوتُ الكَثِيرُ الوُقُوعِ، وَيُقَالُ بِالضَّمِّ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَغَيرُهُم يَفتَحُونَهَا. وَيُقَالُ لِلبَلِيدِ: مَوتَانُ القَلبِ بِفَتحِ المِيمِ وَالسُّكُونِ، وَقَالَ ابنُ الجَوزِيِّ: يَغلَطُ بَعضُ المُحَدِّثِينَ فَيَقُولُ مَوَتَانٌ بِفَتحِ المِيمِ وَالوَاوِ، وَإِنَّمَا ذَاكَ اسمُ الأَرضِ الَّتِي لَم تُحيَا بِالزَّرعِ وَالإِصلَاحِ.
وَقَولُهُ: «كَقُعَاصِ الغَنَمِ» بِضَمِّ القَافِ بَعدَهَا عَينٌ مُهمَلَةٌ فَأَلِفٌ فَصَادٌ مُهمَلَةٌ، قَالَ بَعضُهُم: هُوَ دَاءٌ يَقعُصُ مِنهُ الغَنَمُ فَلَا تَلبَثُ أَن تَمُوتَ، وَقَالَ ءَاخَرُونَ: دَاءٌ يَأخُذُ الدَّوَابَّ فَيَسِيلُ مِن أُنُوفِهَا شَيءٌ فَتَمُوتُ فَجأَةً.اهـ
وَيُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ ظَهَرَت فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَانَ ذَلِكَ بَعدَ فَتحِ بَيتِ المَقدِسِ.
طاعون عمواس
وَقَالَ يَاقُوتُ الحَموِيُّ فِي مُعجَمِ البُلدَانِ: عَمَوَاسُ: بِفَتحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ، وَآخِرُهُ سِينٌ مُهمَلَةٌ: وَهِيَ كُورَةٌ مِن فِلَسطِينَ بِالقُربِ مِن بَيتِ المَقدِسِ، هِيَ ضَيعَةٌ جَلِيلَةٌ عَلَى سِتَّةِ أَميَالٍ مِنَ الرَّملَةِ عَلَى طَرِيقِ بَيتِ المَقدِسِ، وَمِنهَا كَانَ ابتِدَاءُ الطَّاعُونِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، ثُمَّ فَشَا فِي أَرضِ الشَّامِ فَمَاتَ فِيهَ خَلقٌ كَثِيرٌ لَا يُحصَى مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِن غَيرِهِم.اهـ
قَالَ المُنَاوِيُّ: وَيُقَالُ إنه مَاتَ مِنهَا سَبعُونَ أَلفًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعدَ فَتحِ بَيتِ المَقدِسِ.اهـ
وَمِمَّا يُذكَرُ مِن أَخبَارِ طَاعُونِ عَمَوَاسَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو عُبَيدَةَ، وَمُعَاذٌ، وَيَزِيدُ بنُ أَبِي سُفيَانَ، وَغَيرُهُم مِن أَشرَافِ الصَّحَابَةِ وَغَيرِهِم، أَنَّهُ حَصَلَ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشرَةَ مِنَ الهِجرَةِ فِي زَمَنِ وَخِلَافَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَقِيلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ.
فَلَمَّا اشتَعَلَ الوَجَعُ وانتشر الطاعون وَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيدَةَ لِيَستَخرِجَهُ مِنهُ: أَن سَلَامٌ عَلَيكَ، أَمَّا بَعدُ، فَإِنَّهُ قَد عَرَضَت لِي إِلَيكَ حَاجَةٌ أُرِيدُ أَن أَشَافِهَكَ بِهَا، فَعَزَمتُ عَلَيكَ إِذَا نَظَرتَ فِي كِتَابِي هَذَا أَن لَا تَضَعَهُ مِن يَدِكَ حَتَّى تُقبِلَ إِلَيَّ. قَالَ: فَعَرَفَ أَبُو عُبَيدَةَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَن يَستَخرِجَهُ مِنَ الوَبَاءِ. فَقَالَ: يَغفِرُ اللهُ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ! ثُمَّ كَتَبَ إِلَيهِ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، إِنِّي قَد عَرَفتُ حَاجَتَكَ إِلَيَّ، وَإِنِّي فِي جُندٍ مِنَ المُسلِمِينَ لَا أَجِدُ بِنَفسَي رَغبَةً عَنهُم، فَلَستُ أُرِيدُ فِرَاقَهُم حَتَّى يَقضِيَ اللهُ فِيَّ وَفِيهِم أَمرَهُ وَقَضَاءَهُ، فَخَلِّنِي مِن عَزِيمَتِكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَدَعنِي فِي جُندِي. فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الكِتَابَ بَكَى، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَمَاتَ أَبُو عُبَيدَةَ؟ قَالَ: لَا، وَكَأَن قَدِ. قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ إِلَيهِ: سَلَامٌ عَلَيكَ، أَمَّا بَعدُ، فَإِنَّكَ أَنزَلتَ النَّاسَ أَرضًا غَمِقَةً [منخفضة]، فَارفَعهُم إِلَى أَرضٍ مُرتَفِعَةٍ نَزِهَةٍ. فَأَمَرَ بِبَعِيرِهِ فَرُحِّلَ لَهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجلَهُ فِي غَرزِهِ طُعِنَ [أَي أُصِيبَ بِالطَّاعُونِ]، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَد أُصِبتُ. ثم قَامَ أَبُو عُبَيدَةَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الوَجَعَ رَحمَةٌ بِكُم، وَدَعوَةُ نَبِيِّكُم، وَمَوتُ الصَّالِحِينَ قَبلَكُم، وَإِنَّ أَبَا عُبَيدَةَ يَسأَلُ اللهَ أَن يَقسِمَ لِأَبِي عُبَيدَةَ حَظَّهُ. فَطُعِنَ فَمَاتَ، وَاستَخلَفَ عَلَى النَّاسِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، فَقَامَ خَطِيبًا بَعدَهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الوَجَعَ رَحمَةٌ بِكُم، وَدَعوَةُ نَبِيِّكُم، وَمَوتُ الصَّالِحِينَ قَبلَكُم، وَإِنَّ مُعَاذًا يَسأَلُ اللهَ أَن يَقسِمَ لِآلِ مُعَاذٍ حَقَّهُم. فَطُعِنَ ابنُهُ عَبدُ الرَّحمَنِ فَمَاتَ، ثُمَّ قَامَ فَدَعَا لِنَفسِهِ فَطُعِنَ فِي رَاحَتِهِ، فَلَقَد رَأَيتُهُ يَنظُرُ إِلَيهَا ثُمَّ يَقلِبُ ظَهرَ كَفِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِمَا فِيكِ شَيئًا مِنَ الدُّنيَا.
فَلَمَّا مَاتَ استُخلِفَ عَلَى النَّاسِ عَمرُو بنُ العَاصِ، فَقَامَ فِيهِم خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الوَجَعَ إِذَا وَقَعَ فَإِنَّمَا يَشتَعِلُ اشتِعَالَ النَّارِ، فَتَحَصَّنُوا مِنهُ فِي الجِبَالِ. ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ فَتَفَرَّقُوا وَدَفَعَهُ اللهُ عَنهُم.
وَلَمَّا انتَهَى إِلَى عُمَرَ مُصَابُ أَبِي عُبَيدَةَ وَيَزِيدَ بنِ أَبِي سُفيَانَ، أَمَّرَ مُعَاوِيَةَ عَلَى جُندِ دِمَشقَ وَخَرَاجِهَا، وَأَمَّرَ شُرَحبِيلَ بنَ حَسَنَةَ عَلَى جُندِ الأُردُنِّ وَخَرَاجِهَا.
فَلَمَّا كَانَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ وَوَقَعَ مَرَّتَينِ لَم يُرَ مِثلُهُمَا، وَطَالَ مُكثُهُ، وَفَنِيَ خَلقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى طَمِعَ العَدُوُّ وَتَخَوَّفَت قُلُوبُ المُسلِمِينَ لِذَلِكَ. قَدِمَ عُمَرُ بَعدَ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ فَقَسَّمَ مَوَارِيثَ الَّذِينَ مَاتُوا لَمَّا أَشكَلَ أَمرُهَا عَلَى الأُمَرَاءِ، وَطَابَت قُلُوبُ النَّاسِ بِقُدُومِهِ، وَانقَمَعَتِ الأَعدَاءُ مِن كُلِّ جَانِبٍ لِمَجِيئِهِ إِلَى الشَّامِ وَللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ.
وَقَد قِيلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قَدِمَ الشَّامَ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرغٍ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجنَادِ فِيهِم أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَأَخبَرُوهُ بِالوَبَاءِ وَشِدَّتِهِ، وَكَانَ مَعَهُ المُهَاجِرُونَ وَالأَنصَارُ، فَجَمَعَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ وَالأَنصَارَ فَاستَشَارَهُم، فَاختَلَفُوا عَلَيهِ، فَمِنهُمُ القَائِلُ: خَرَجتَ لِوَجهِ اللهِ فَلَا يَصُدَّكَ عَنهُ هَذَا، وَمِنهُمُ القَائِلُ: إِنَّهُ بَلَاءٌ وَفَنَاءٌ فَلَا نَرَى أَن تَقدَمَ عَلَيهِ. فَقَالَ لَهُم: قُومُوا، ثُمَّ أَحضَرَ مُهَاجِرَةَ الفَتحِ مِن قُرَيشٍ فَاستَشَارَهُم، فَلَم يَختَلِفُوا عَلَيهِ وَأَشَارُوا بِالعَودِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهرٍ. فَقَالَ أَبُو عُبَيدَةَ: أَفِرَارًا مِن قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ: نَعَم نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ، أَرَأَيتَ لَو كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطتَ وَادِيًا لَهُ عُدوَتَانِ، إِحدَاهُمَا مُخصِبَةٌ وَالأُخرَى جَدبَةٌ، أَلَيسَ إِن رَعَيتَ الخَصِبَةَ رَعَيتَهَا بِقَدَرِ اللهِ وَإِن رَعَيتَ الجَدبَةَ رَعَيتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ فَسَمِعَ بِهِم عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا سَمِعتُم بِهَذَا الوَبَاءِ بِبَلَدٍ فَلَا تَقدَمُوا عَلَيهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِبَلَدٍ وَأَنتُم بِهِ فَلَا تَخرُجُوا فِرَارًا مِنهُ». فَانصَرَفَ عُمَرُ بِالنَّاسِ إِلَى المَدِينَةِ.
عام الرمادة وما حصل فيه من كثرة الموت بين المسلمين
إِنَّ كَثرَةَ المَوتِ الَّذِي حَصَلَ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا الفَارُوقِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَانَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ كَمَا تَكَلَّمنَا عَنهُ، وَقَد كَثُرَ المَوتُ أَيضًا فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ لِلهِجرَةِ بِسَبَبِ الجُوعِ وَقِلَّةِ المَاءِ، حَتَّى سُمِّيَ هَذَا العَامُ بِعَامِ الرَّمَادَةِ، وكَانَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ جَدبٌ عَمَّ أَرضَ الحِجَازِ، وَجَاعَ النَّاسُ جُوعًا شَدِيدًا، وَسُمِّيَت تِلكَ السَّنَةُ عَامَ الرَّمَادَةِ لِأَنَّ الأَرضَ اسوَدَّت مِن قِلَّةِ المَطَرِ حَتَّى عَادَ لَونُهَا شَبِيهًا بِالرَّمَادِ. وَقَد أَجدَبَ النَّاسُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِأَرضِ الحِجَازِ، وجاء الناس إِلَى المَدِينَةِ وَلَم يَبقَ عِندَ أَحَدٍ مِنهُم زَادٌ، فَلَجَئُوا إِلَى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ فَأَنفَقَ فِيهِم مِن حَوَاصِلِ بَيتِ المَالِ مِمَّا فِيهِ مِنَ الأَطعِمَةِ وَالأَموَالِ حَتَّى أَنفَدَهُ، وَأَلزَمَ نَفسَهُ أَن لَا يَأكُلَ سَمنًا وَلَا سَمِينًا حَتَّى يُكشَفَ مَا بِالنَّاسِ، فكان في عام الرَّمَادَةِ يُخلَطُ لَهُ الخبز بِالزَّيتِ وَالخَلِّ، ، ، فَاسوَدَّ لَونُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَتَغَيَّرَ جِسمُهُ حَتَّى كَادَ يُخشَى عَلَيهِ مِنَ الضَّعفِ. وَاستَمَرَّ هَذَا الحَالُ فِي النَّاسِ تِسعَةَ أَشهُرٍ، ثُمَّ تَحَوَّلَ الحَالُ إِلَى الخِصبِ وَالدَّعَةِ، وَرجع النَّاسُ عَنِ المَدِينَةِ إِلَى أَمَاكِنِهِم. قَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنَ العَرَبِ قَالَ لِعُمَرَ حِينَ تَرَحَّلَ الأَحيَاءُ عَنِ المَدِينَةِ: لَقَدِ انجَلَت عَنكَ وَإِنَّكَ لَابنُ حُرَّةٍ. أَي: وَاسَيتَ النَّاسَ وَأَنصَفتَهُم وَأَحسَنتَ إِلَيهِم.
وَقَد رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ عَسَّ المَدِينَةَ ذَاتَ لَيلَةٍ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ فَلَم يَجِد أَحَدًا يَضحَكُ، وَلَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِم عَلَى العَادَةِ، وَلَم يَجِد سَائِلًا يَسأَلُ، فَسَأَلَ عَن سَبَبِ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، إِنَّ السُّؤَّالَ سَأَلُوا فَلَم يُعطَوا فَقَطَعُوا السُّؤَالَ، وَالنَّاسُ فِي هَمٍّ وَضِيقٍ، فَهُم لَا يَتَحَدَّثُونَ وَلَا يَضحَكُونَ. فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى بِالبَصرَةِ: أَن يَا غَوثَاهُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ (وَهَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِأَهلِ السُّنَّةِ عَلَى جَوَازِ الِاستِغَاثَةِ، فَيَومَ القِيَامَةِ يَستَغِيثُونَ بِالأَنبِيَاءِ لِرَفعِ الكَربِ العَظِيمِ، وَلَيسَ هَذَا شِركًا بِمُجَرَّدِهِ، بَل هُوَ مِن بَابِ الأَخذِ بِالأَسبَابِ). وَكَتَبَ إِلَى عَمرِو بنِ العَاصِ بِمِصرَ: أَن يَا غَوثَاهُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ. فَبَعَثَ إِلَيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا بِقَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ تَحمِلُ البُرَّ وَسَائِرَ الأَطعِمَاتِ، قَالَ ابنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا الأَثَرُ جَيِّدُ الإِسنَادِ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيدَةَ قَدِمَ المَدِينَةَ وَمَعَهُ أَربَعَةُ آلَافِ رَاحِلَةٍ تَحمِلُ طَعَامًا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ بِتَفرِقَتِهَا فِي الأَحيَاءِ حَولَ المَدِينَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِن ذَلِكَ أَمَرَ لَهُ عُمَرُ بِأَربَعَةِ آلَافِ دِرهَمٍ فَأَبَى أَن يَقبَلَهَا، فَأَلَحَّ عَلَيهِ عُمَرُ حَتَّى قَبِلَهَا.
استسقاء عمر عام الرمادة بالعباس رضي الله عنهما
وَفِي عَامِ الرَّمَادَةِ أَصَابَ أَهلَ المَدِينَةِ وَمَا حَولَهَا جُوعٌ فَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى جَعَلَتِ الوَحشُ تَأوِي إِلَى الإِنسِ. فَكَانَ النَّاسُ كَذَلِكَ وَعُمَرُ كَالمَحصُورِ عَن أَهلِ الأَمصَارِ، حَتَّى أَقبَلَ بِلَالُ بنُ الحَارِثِ المُزَنِيُّ فَاستَأذَنَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَيكَ، يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَقَد عَهِدتُكَ كَيِّسًا وَمَا زِلتَ عَلَى ذَلِكَ، فَمَا شَأنُكَ؟» قَالَ: مَتَى رَأَيتَ هَذَا؟ قَالَ: البَارِحَةَ. فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاسِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. فَصَلَّى بِهِم رَكعَتَينِ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَنشُدُكُمُ اللهَ هَل تَعلَمُونَ مِنِّي أَمرًا غَيرُهُ خَيرٌ مِنهُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. فَقَالَ: إِنَّ بِلَالَ بنَ الحَارِثِ يَزعُمُ ذَيتَ وَذَيتَ. فَقَالُوا: صَدَقَ بِلَالٌ، فَاستَغِث بِاللهِ ثُمَّ بِالمُسلِمِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: اللهُ أَكبَرُ، بَلَغَ البَلَاءُ مُدَّتَهُ فَانكَشَفَ، مَا أُذِنَ لِقَومٍ فِي الطَّلَبِ إِلَّا وَقَد رُفِعَ عَنهُمُ البَلَاءُ.
وَأَخرَجَ النَّاسَ إِلَى الِاستِسقَاءِ، فَخَرَجَ وَخَرَجَ مَعَهُ العَبَّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ مَاشِيًا، فَخَطَبَ وَأَوجَزَ وَصَلَّى، ثُمَّ جَثَى لِرُكبَتَيهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ، اللَّهُمَّ اغفِر لَنَا وَارحَمنَا وَارضَ عَنَّا.
اللَّهُمَّ عَجَزَت عَنَّا أَنصَارُنَا، وَعَجَزَ عَنَّا حَولُنَا وَقُوَّتُنَا، وَعَجَزَت عَنَّا أَنفُسُنَا، وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، اللَّهُمَّ فَاسقِنَا وَأَحيِ العِبَادَ وَالبِلَادَ. وَأَخَذَ بِيَدِ العَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَإِنَّ دُمُوعَ العَبَّاسِ لَتَتَحَادَرُ عَلَى لِحيَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ ﷺ فَإِنَّكَ تَقُولُ وَقَولُكَ الحَقُّ: ﴿وَأَمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَينِ يَتِيمَينِ فِي المَدِينَةِ﴾ [الكهف:82] فَحَفِظتَهُمَا بِصَلَاحِ آبَائِهِمَا، فَاحفَظِ اللَّهُمَّ نَبِيَّكَ ﷺ فِي عَمِّهِ، فَقَد دَلَونَا بِهِ إِلَيكَ مُستَشفِعِينَ مُستَغفِرِينَ. ثُمَّ أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: ﴿استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح: 10]. وَكَانَ العَبَّاسُ قَد طَالَ عُمُرُهُ، وَعَينَاهُ تَذرِفَانِ وَلِحيَتُهُ تَجُولُ عَلَى صَدرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنتَ الحفيظ فَلَا تُهمِلِ الضَّالَّةَ، وَلَا تَدَعِ الكَسِيرَ بِدَارِ مَضيَعَةٍ، فَقَد صَرَخَ الصَّغِيرُ، وَرَقَّ الكَبِيرُ، وَارتَفَعَتِ الشَّكوَى، وَأَنتَ تَعلَمُ السِّرَّ وَأَخفَى، اللَّهُمَّ فَأَغنِهِم بِغِنَاكَ قَبلَ أَن يَقنَطُوا فَيَهلِكُوا، فَإِنَّهُ لَا يَيأَسُ مِنْ رَوحِ اللهِ إِلَّا القَومُ الكَافِرُونَ. فَنَشَأَت طَرِيرَةٌ مِن سَحَابٍ، فَقَالَ النَّاسُ: تَرَونَ تَرَونَ! ثُمَّ التَأَمَت وَمَشَت فِيهَا رِيحٌ، ثُمَّ هَدَأَت وَدَرَّت، فَوَ اللهِ مَا تَرَوَّحُوا حَتَّى اعتَنَقُوا الجِدَارَ وَقَلَّصُوا المَآزِرَ، فَطَفِقَ النَّاسُ بِالعَبَّاسِ يَمسَحُونَ أَركَانَهُ وَيَقُولُونَ: هَنِيئًا لَكَ سَاقِيَ الحَرَمَينِ! فَقَالَ بَعضُ بَنِي هَاشِمٍ:
بِعَمِّي سَقَى اللهُ الحِجَازَ وَأَهلَهُ … عَشِيَّةَ يَستَسقِي بِشَيبَتِهِ عُمَرْ
تَوَجَّهَ بِالعَبَّاسِ فِي الجَدبِ رَاغِبًا … إِلَيهِ فَمَا إِن رَامَ حَتَّى أَتَى المَطَرْ
وَمِنَّا رَسُولُ اللهِ فِينَا تُرَاثُهُ … فَهَل فَوقَ هَذَا لِلمُفَاخِرِ مُفتَخَرْ
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ خَرَجَ يَستَسقِي وَخَرَجَ بِالعَبَّاسِ مَعَهُ يَستَسقِي، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطنَا عَلَى عَهدِ نَبِيِّنَا تَوَسَّلنَا إِلَيكَ بِنَبِيِّنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا ﷺ. وَقَد رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَلَفظُهُ: عَن أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا قَحَطُوا يَستَسقِي بِالعَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسقِنَا. قَالَ: فَيُسقَونَ.
وَقَالَ ابنُ حَجَرٍ فِي شَرحِهِ لِلبُخَارِيِّ عِندَ شَرحِ حَدِيثِ تَوَسُّلِ عُمَرَ بِالعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: وَيُستَفَادُ مِن قِصَّةِ العَبَّاسِ استِحبَابُ الِاستِشفَاعِ بِأَهلِ الخَيرِ وَالصَّلَاحِ وَأَهلِ بَيتِ النُّبُوَّةِ.اهـ
وَرَوَاهُ أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي الدُّنيَا فِي كِتَابِ «المَطَرِ»، وَفِي كِتَابِ «مُجَابِي الدَّعوَةِ»: عَن خَوَّاتِ بنِ جُبَيرٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَستَسقِي بِهِم، فَصَلَّى رَكعَتَينِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكُ وَنَستَسقِيكَ. فَمَا بَرِحَ مِن مَكَانِهِ حَتَّى مُطِرُوا، فَقَدِمَ أَعرَابٌ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، بَينَا نَحنُ بِوَادِينَا فِي سَاعَةِ كَذَا إِذ أَظَلَّتنَا غَمَامَةٌ فَسَمِعنَا مِنهَا صَوتًا: أَتَاكَ الغَوثُ أَبَا حَفصٍ، أَتَاكَ الغَوثُ أَبَا حَفصٍ.
وَرَوَى ابنُ أَبِي الدُّنيَا عَنِ الشَّعبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَستَسقِي بِالنَّاسِ، فَمَا زَادَ عَلَى الِاستِغفَارِ حَتَّى رَجَعَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، مَا نَرَاكَ استَسقَيتَ. فَقَالَ: لَقَد طَلَبتُ المَطَرَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يُستَنزَلُ بِهَا المَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا﴾ [نوح:10].
مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
استشهاد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه
أَخبَرَ نَبِيُّنَا المُصطَفَى ﷺ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ سَيُصِيبُهَا بَلَاءٌ شَدِيدٌ وَفِتَنٌ كَثِيرَةٌ تَنزِلُ فِيهَا كَمَا سَأُبَيِّنُ فِي أَحَادِيثِ الفِتَنِ، وَأَخبَرَ أَيضًا الصَّادِقُ المَصدُوقُ ﷺ أَنَّ بَابَ الفِتَنِ سَيَنفَتِحُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بِمَوتِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَوَصَفَهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي أَحَادِيثِهِ أَنَّهُ بَابُ الفِتنَةِ، وَفِي بَعضِ الرِّوَايَاتِ: قُفلُ الفِتنَةِ.اهـ
أَي أَنَّهُ كَالبَابِ المَانِعِ الحَاجِزِ عَن إِقبَالِ الفِتَنِ وَانتِشَارِهَا فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَنَّهُ بِقَتلِهِ -كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ مِمَّا سَأُبَيِّنُ- سَتَنزِلُ هَذِهِ الفِتَنُ، وَقَد كَانَ مَا أَخبَرَ بِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَمَامِهِ كَمَا أَخبَرَ وَحَذَّرَ.
وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ حُذَيفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ الفِتنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوجِ البَحرِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَا بَأسَ عَلَيكَ مِنهَا، إِنَّ بَينَكَ وَبَينَهَا بَابًا مُغلَقًا، قَالَ: أَيُفتَحُ البَابُ أَو يُكسَرُ؟ قَالَ: لَا، بَل يُكسَرُ. قَالَ: ذَاكَ أَحرَى أَن لَا يُغلَقَ. وَفِيهِ أَنَّ البَابَ هُوَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ لَقِيَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَغَمَزَهَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ: أَرسِل يَدِي يَا قُفلَ الفِتنَةِ. وَفِيهِ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَا تُصِيبُكُم فِتنَةٌ مَا دَامَ فِيكُم هَذَا. وَأَشَارَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَرَوَى البَزَّارُ مِن حَدِيثِ قُدَامَةَ بنِ مَظعُونٍ عَن أَخِيهِ عُثمَانَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: يَا غَلقَ الفِتنَةِ، فَسَأَلَهُ عَن ذَلِكَ – أَي فَسَأَلَ عُمَرُ عُثمَانَ بنَ مَظعُونٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَن سَبَبِ تَسمِيَتِهِ بِذَلِكَ – فَقَالَ: مَرَرتَ أَنتَ يَومًا وَنَحنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «هَذَا غَلقُ الفِتنَةِ، لَا يَزَالُ بَينَكُم وَبَينَ الفِتنَةِ بَابٌ شَدِيدُ الغَلقِ مَا عَاشَ عُمَرُ».
وَرُوِيَ عَن عَزرَةَ بنِ قَيسٍ قَالَ: خَطَبَنَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عُمَرَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِن تَحتِهِ: اصبِر أَيُّهَا الأَمِيرُ، فَإِنَّ الفِتَنَ قَد ظَهَرَت. فَقَالَ خَالِدٌ: أَمَّا وَابنُ الخَطَّابِ حَيٌّ فَلَا، وَإِنَّمَا ذَاكَ بَعدَهُ.اهـ
وَحَاصِلُ مَعنَى هَذِهِ الأَحَادِيثِ: أَنَّهُ ﷺ شَبَّهَ مُدَّةَ حَيَاةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِحِصنٍ مَنِيعٍ فِيهِ أَهلُ الإِسلَامِ، وَشَبَّهَ شَخصَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِبَابِ ذَلِكَ الحِصنِ، وَفَهِمَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَسَأَلَ حُذَيفَةَ: أَيُفتَحُ البَابُ أَو يُكسَرُ؟ قَالَ: لَا، بَل يُكسَرُ. فَقَالَ: ذَاكَ أَحرَى أَن لَا يُغلَقَ.
قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ العَادَةَ أَنَّ الغَلقَ إِنَّمَا يُفتَحُ فِي الصَّحِيحِ، فَأَمَّا مَا انكَسَرَ فَلَا يُتَصَوَّرُ غَلقُهُ، فَكَأَنَّهُ مَثَّلَ الفِتَنَ بِمَا هُوَ فِي دَارٍ، وَبَابُ تِلكَ الفِتَنِ الحَاصِلَةِ فِيهَا مُغلَقٌ بِحَيَاةِ عُمَرَ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ تَهَشَّمَ بَابُ تِلكَ الدَّارِ فَخَرَجَ مَا فِي تِلكَ الدَّارِ مِنَ الفِتَنِ.اهـ
قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحتَمِلُ أَن يَكُونَ حُذَيفَةُ عَلِمَ أَنَّ عُمَرُ يُقتَلُ وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَن يُخَاطِبَهُ بِالقَتلِ، فَأَتَى بِعِبَارَةٍ يَحصُلُ بِهَا المَقصُودُ مِن غَيرِ تَصرِيحٍ بِالقَتلِ.اهـ
قتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
وَفِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشرِينَ حَجَّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ وَفِي خِتَامِهَا طَعَنَهُ أَبُو لُؤلُؤَةَ فَيرُوزُ المَجُوسِيُّ المَلعُونُ مَملُوكُ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ بِخَنجَرٍ فَقَتَلَهُ.
كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَد خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبحِ وَقَدِ استَوَتِ الصُّفُوفُ فَدَخَلَ الخَبِيثُ أَبُو لُؤلُؤَةَ بَينَ الصُّفُوفِ وَبِيَدِهِ خَنجَرٌ مَسمُومٌ بِرَأسَينِ فَطَعَنَهُ بِهِ ثَلَاثَ طَعَنَاتٍ إِحدَاهَا تَحتَ سُرَّتِهِ، وَصَارَ المَلعُونُ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَشِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ، فَأَصَابَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيضًا نَحوَ اثنَي عَشَرَ رَجُلًا مَاتَ مِنهُم سِتَّةٌ، وَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَهرَبَ لَهُ طَعَنَ نَفسَهُ فَمَاتَ.
وَسَقَطَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَى الأَرضِ فَقَالَ لِابنِهِ: انظُر مَن ضَرَبَنِي، قَالَ: أَبُو لُؤلُؤَةَ غُلَامُ المُغِيرَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: الحَمدُ للهِ الَّذِي لَم يَجعَل قَتلِي عَلَى يَدِ رَجُلٍ سَجَدَ سَجدَةً للهِ.
وَاستَخلَفَ عُمَرُ مَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَحُمِلَ إِلَى بَيتِهِ. وَقَبلَ أَن تَفِيضَ نَفسُهُ طَلَبَ الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِنِ ابنِهِ عَبدِ اللهِ أَن يُحصِيَ مَا عَلَيهِ مِنَ الدَّينِ وَأَن يُؤَدِّيَهُ لِأَصحَابِهِ، ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: قُل لَهَا: يَقرَأُ عَلَيكِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ السَّلَامَ، وَلَا تَقُل أَمِيرُ المُؤمِنِينَ، فَيَقُولُ لَكِ: أَفَتَأذَنِينَ أَن يُدفَنَ مَعَ صَاحِبَيهِ؟، فَجَاءَ عَبدُ اللهِ إِلَى عَائِشَةَ فَبَلَّغَهَا رِسَالَةَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ فَتَأَوَّهَت وَبَكَت، وَقَالَت عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَعَن أَبِيهَا: بَلِّغ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُل لَهُ: إِنَّهَا كَانَت قَدِ ادَّخَرَت ذَلِكَ لِنَفسِهَا، وَلَكِنَّهَا ءَاثَرَتكَ اليَومَ عَلَى نَفسِهَا.
فَرَجَعَ عَبدُ اللهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا وَرَاءَكَ يَا عَبدَ اللهِ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ، قَد أَذِنَت لَكَ، قَالَ: الحَمدُ للهِ، فَلَم يَزَل يَذكُرُ اللهَ تَعَالَى إِلَى أَن تُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لَيلَةَ الأَربِعَاءِ لِثَلَاثٍ بَقَينَ مِن ذِي الحِجَّةِ عَن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِن عُمُرِهِ، فَغُسِّلَ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَصَلَّى عَلَيهِ صُهَيبٌ وَدُفِنَ فِي الحُجرَةِ الشَّرِيفَةِ وَرَأسُهُ عِندَ كَتِفَي أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَكَانَت خِلَافَتُهُ عَشرَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشهُرٍ إِلَّا يَومًا وَاحِدًا. فَجَزَاهُ اللهُ عَنِ المُسلِمِينَ خَيرًا، وَرَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَحَشَرَنَا فِي زُمرَتِهِ، وَأَمَاتَنَا عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَجَعَلَنَا مِن أَتبَاعِهِ.
وَعَن أَبِي أَوفَى بنِ حَكِيمٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ اليَومُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قُلتُ: وَاللهِ لَآتِيَنَّ بَابَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَتَيتُ بَابَ عَلِيٍّ، فَإِذَا النَّاسُ يَرقُبُونَهُ، فَمَا لَبِثَ أَن خَرَجَ عَلَينَا فَأَطرَقَ سَاعَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقَالَ: للهِ دَرُّ بَاكِيَةِ عُمَرَ، قَالَت: وَاعُمَرَاهُ، قَوَّمَ الأَودَ، أي العوج وداوى العَمَدَ أي العلة، وَاعُمَرَاهُ، مَاتَ نَقِيَّ الثَّوبِ، بَرِيئًا مِنَ العَيبِ، وَاعُمَرَاهُ، أَقَامَ السُّنَّةِ وخلف الفتنة، صَدَقَت، أَصَابَ وَاللهِ ابنُ الخَطَّابِ خَيرَهَا وَنَجَا مِن شَرِّهَا.
وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَومٍ نَدعُو اللهَ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَقَد وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، إِذَا رَجَلٌ مِن خَلفِي وَضَعَ مِرفَقَيهِ عَلَى مَنكِبِي يَقُولُ: رَحِمَكَ اللهُ، إِن كُنتُ لَأَرجُو أَن يَجعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيكَ، لِأَنِّي كَثِيرًا مَا كُنتُ أَسمَعُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «كُنتُ وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلتُ وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ، وَانطَلَقتُ وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ»، وَإِن كُنتُ لَأَرجُو أَن يَجعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا، فَالتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
عَدَّ بَعضُ الفُقَهَاءِ مَقتَلَهُ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ لِأَنَّهُ بِمَقتَلِهِ انفَتَحَ بَابُ الفِتَنِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، فَهُوَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ جُعِلَ سَدًّا مَنِيعًا بَينَ المُسلِمِينَ وَبَينَ الفِتنَةِ، فَلَا تُصِيبُهُم هَذِهِ الفِتَنُ وَالشُّرُورُ مَا دَامَ بَينَهُم، فَلَمَّا مَاتَ ظَهَرَتِ الفِتَنُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَتَتَابَعَت وَكَثُرَت إِلَى يَومِنَا هَذَا.
وَفِي مُسنَدِ أَحمَدَ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: أَبصَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى عُمَرَ ثَوبًا فَقَالَ: «أَجَدِيدٌ ثَوبُكُ أَم غَسِيلٌ؟» قَالَ: بَل غَسِيلٌ. قَالَ: «البَس جَدِيدًا، وَعِش حَمِيدًا، وَمُت شَهِيدًا. وَيَرزُقُكَ اللهُ قُرَّةَ عَينٍ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ». وَقَد وَقَعَ مَا أَخبَرَ بِهِ فِي هَذَا الحَدِيثِ، فَإِنَّهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قُتِلَ شَهِيدًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي الفَجرَ فِي مِحرَابِهِ مِنَ المَسجِدِ النَّبَوِيِّ، عَلَى صَاحِبِهِ أَفضَلُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وروي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ لَمَّا سَقَطَ الْحَائِطُ عَنْهُمْ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أُخِذَ فِي بِنَائِهِ فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدَمُ النَّبِيِّ ﷺ فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: لا وَاللهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيِّ. مَا هِيَ إِلا قَدَمُ عُمَرَ.
السؤال الفقهي
ما حكم قطع الصوم؟
مَن دَخَلَ فِي صَومٍ فَرضًا أَدَاءً كَانَ أَو قَضَاءً أَو نَذرًا حَرُمَ قَطعُهُ أَمَّا إِذَا كَانَ نَفلًا جَازَ قَطعُهُ.
مختارات من الأدعية والأذكار
لِمَن كَانَت لَهُ إِلى اللهِ حَاجَةٌ
عَن عَبدِ اللهِ بنِ أَبي أَوفى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن كَانَت لَهُ إِلى اللهِ حَاجَةٌ أَو إِلى أَحَدٍ مِن بَنِي آدَمَ فَليَتَوَضَّأ وَليُحسِنِ الوُضُوءَ، وَليُصَلِّ رَكعَتَينِ، ثُمَّ ليُثنِ عَلى اللهِ، وَليُصَلِّ عَلى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لِيَقُل: لا إِلهَ إِلَّا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ» وَفِي رِوَايَة: «الحَكِيمُ الكَرِيمُ، سُبحَانَ اللهِ رَبِّ العَرشِ العَظِيمِ، الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، اللهم إِنِّي أَسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِكَ، وَالغَنِيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلامَةَ مِن كُلِّ إِثمٍ، لا تَدَع لِي ذَنبًا إِلَّا غَفَرتَهُ، وَلا هَمًّا إِلَّا فَرَّجتَهُ، وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيتَهَا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ» ثُمَّ يَسأَلُ مِن أَمرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ، رَوَاهُ التِّرمِذِيُ وَابنُ مَاجَه.
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ…
اللهم لَكَ الحَمدُ أَنتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَلَكَ الحَمدُ أَنتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَلَكَ الحَمدُ أَنتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَمَن فِيهِنَّ أَنتَ الحَقُّ وَقَولُكَ الحَقُّ وَوَعدُكَ الحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللهم لَكَ أَسلَمنَا وَبِكَ ءَامَنا وَعَلَيكَ تَوَكَّلنا وَإِلَيكَ أَنَبنا وَبِكَ خَاصَمنَا وَإِلَيكَ حَاكَمنَا فَاغفِر لنَا مَا قَدَّمنَا وَمَا أَخَّرنَا وَمَا أَسرَرنَا وَمَا أَعلَنا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا أَنتَ إِلَهنا لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ اللهم بَاعِد بَينَنَا وَبَينَ خَطَايَانَا كَمَا بَاعَدتَ بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ اللهم نَقِّنا مِن خَطَايَانا كَمَا يُنَقَّى الثَّوبُ الأَبيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللهم اغسِلنَا مِن خَطَايَانَا بِالمَاءِ وَالثَّلجِ وَالبَرَدِ اللهم إِنا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا ظُلمًا كَثِيرًا وَلا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنتَ فَاغفِر لِنَا مَغفِرَةً مِن عِندِكَ وَارحَمنَا إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ اللهم نعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ وَنعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ وَنعُوذُ بِكَ مِنكَ لا نحصِى ثَنَاءً عَلَيكَ أَنتَ كَمَا أَثنَيتَ عَلَى نَفسِكَ اللهم إِنا نسأَلُكَ العِافِيَةَ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ اللهم إِنا نسأَلُكَ العَفوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِنا وَدُنيَانا وَأَهلِنا وَمَالِنا اللهم استُر عَورَاتِنا وَءَامِن رَوعَاتِنا اللهم احفَظنا مِن بَينِ يَدَنا وَمِن خَلفِنا وَعَن يَمِينِنا وَعَن شِمَالِنا وَمِن فَوقِنا وَنعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَن نغتَالَ مِن تَحتِنا اللهم مُصَرِّفَ القُلُوبِ اصرِف قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ.
اللهم أَرِنَا الأَقصَى وَغَزَّةَ وَفِلَسطِينَ حُرَّةً اللهم اشفِ صُدُورَ قَومٍ مُؤمِنِينَ
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ
اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ….