أشراط الساعة (٢١) | معركة عظيمة تقع بين المسلمين والروم قبيل ظهور المسيح الدجال

المقدمة

الحَمدُ للهِ خَالِقِ الدُّجَى وَالصَّبَاحِ، وَمُسَبِّبِ الهُدَى وَالصَّلَاحِ، وَمُقَدِّرِ الغُمُومِ وَالأَفرَاحِ، الجَائِدِ بِالفَضلِ الزَّائِدِ وَالسَّمَاحِ، مَالِكِ المُلكِ المُنجِي مِنَ الهَلَكِ وَمُسَيِّرِ الفُلكِ وَالفَلَكِ ومُسَيِّرِ الجَنَاحِ، سُبحَانَهُ أعَزَّ مَن شَاءَ مِن خَلقِهِ فَارتَفَعَ، وَفَرَّقَ وَجَمَعَ، وَوَصَلَ وَقَطَعَ، وَحَرَّمَ وَأَبَاحَ، مَلَكَ وَقَدَّرَ، وَطَوَى وَنَشَرَ، وَخَلَقَ البَشَرَ والأرواح، رَفَعَ السَّمَاءَ، وَأَنزَلَ المَاءَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسمَاءَ، وَذَرَى الرِّيَاحَ، أَعطَى وَمَنَحَ، وَأَنعَمَ وَمَدَحَ، وَعَفَا عَمَّنِ اجتَرَحَ، وَدَاوَى الجِرَاحَ، عَلِمَ مَا كَانَ وَيَكُونُ، وَخَلَقَ الحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ، وَإِلَيهِ الرُّجُوعُ والركون، في الغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ، أَحمَدُهُ وَأَستَعِينُهُ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، وَأَسأَلُهُ التَّوفِيقَ لِعَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَيهِ، وَأَشهَدُ بِوَحدَانِيَّتِهِ عَن أَدِلَّةٍ صِحَاحٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ المُقَدَّمُ، وَرَسُولُهُ المُعَظَّمُ، وَحَبِيبُهُ المُكَرَّمُ، تَفدِيهِ الأَروَاحُ، صّلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى أَبِي بَكرٍ رَفِيقِهِ فِي الغَارِ، وَعَلَى عُمَرَ فَتَّاحِ الأَمصَارِ، وَعَلَى عُثمَانَ شَهِيدِ الدَّارِ، وَعَلَى عَلِيٍّ الَّذِي يَفتِكُ رُعبُهُ قَبلَ لُبسِ السِّلاحِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَ مَنِ اتَّبَعَ نَهجَ الفَوزِ وَالفَلَاحِ، أَمَّا بَعدُ:

الملحمة الكبرى
هِيَ مَعرَكَةٌ كَبِيرَةٌ تَحصُلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَسبِقُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الكُبرَى وَالَّتِي أَوَّلُهَا ظُهُورُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَتَكُونُ هَذِهِ المَلحَمَةُ بَينَ المُسلِمِينَ وَالرُّومِ وَفِي زَمَنِ المَهدِيِّ، وَبَعدَ هَذِهِ المَعرَكَةِ «يَخرُجُ الدَّجَّالُ، وَيَنزِلُ المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرضِ، عَلَى المَنَارَةِ البَيضَاءِ الشَّرقِيَّةِ بِدِمَشقَ، وَقتَ صَلَاةِ الفَجرِ» كَمَا سَيَأتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَكَثِيرٌ مِن أَحَادِيثِ تَفَاصِيلِ هَذِهِ المَعرَكَةِ فِي الصَّحِيحَينِ وَكُتُبِ الحَدِيثِ السِّتَّةِ المُعتَمَدَةِ عِندَ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَهَذَا مَا سَأَعتَمِدُ عَلَيهِ فِي سَردِ أَغلَبِهِ، فَسَأَذكُرُ أَحَادِيثَ عَدِيدَةً تُبَيِّنُ تَفَاصِيلَ هَذِهِ المَعرَكَةِ مَعَ شَرحِهَا حَتَّى نَعرِفَ تَفَاصِيلَ مَا سَيَجرِي مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ وَتَرتِيبِهَا كَمَا ذَكَرَهَا نَبِيُّنَا ﷺ.

فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَكُونُ عَدَدُ الرُّومِ أَكثَرَ مِنَ المُسلِمِينَ بِكَثِيرٍ، فَهُم أَكثَرُ أَهلِ الأَرضِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ: ‌‌بَاب: تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكثَرُ النَّاسِ.اهـ

وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَقَبلَ هَذِهِ المَعرَكَةِ تَحصُلُ هُدنَةٌ بَينَ المُسلِمِينَ وَالرُّومِ، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَينِ، فَلَفظُ البُخَارِيِّ عَن عَوفِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَيتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي غَزوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقَالَ: «اعدُد ‌سِتًّا ‌بَينَ ‌يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوتِي ثُمَّ فَتحُ بَيتِ المَقدِسِ ثُمَّ مُوتَانٌ يَأخُذُ فِيكُم كَقُعَاصِ الغَنَمِ ثُمَّ استِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتنَةٌ لَا يَبقَى بَيتٌ مِنَ العَرَبِ إِلَّا دَخَلَتهُ ثُمَّ هُدنَةٌ (أَي: مُصَالَحَةٌ) تَكُونُ بَينَكُم وَبَينَ بَنِي الأَصفَرِ [وَهُمُ الرُّومُ، أَيِ: الأَروَامُ، سُمَّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ أَبَاهُمُ الأَوَّلَ وَهُوَ الرُّومُ بنُ عِيصَ بنِ إِسحَاقَ كَانَ أَصفَرَ فِي بَيَاضٍ، وَقِيلَ: سُمُّوا بِاسمِ رَجُلٍ أَسوَدَ مَلَكَ الرُّومَ، فَنَكَحَ مِن نِسَائِهَا فَوُلِدَ لَهُ أَولَادٌ فِي غَايَةِ الحُسنِ، فَنُسِبَ الرُّومُ إِلَيهِ، قَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَيُقَالُ: إِنَّ جَدَّهُمْ رُومَ ‌بْنَ ‌عِيصَ تَزَوَّجَ بِنْتَ مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَجَاءَ لَوْنُ وَلَدِهِ بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فَقِيلَ لَهُ الْأَصْفَرُ، حَكَاهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ] فَيَغدِرُونَ فَيَأتُونَكُم تَحتَ ثَمَانِينَ غَايَةً [أَي: رَايَةً وَهِيَ العَلَمُ] تَحتَ كُلِّ غَايَةٍ اثنَا عَشَرَ أَلفًا (أَي: أَلفُ فَارِسٍ، جُملَتُهُ سَبعُمِائَةِ أَلفٍ وَسِتُّونَ أَلفًا)».اهـ (وَوَرَدَ أَنَّ أَوَّلَ لِوَاءٍ يَعقِدُهُ المَهدِيُّ يَبعَثُ بِهِ إِلَى التُّركِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الفُتُوحَ تَكُونُ فِي مُدَّةِ مُهَادَنَةِ الرُّومِ، لِأَنَّهُ بَعدَ اشتِغَالِهِ بِهِم لَا يَفرُغُ لِغَيرِهِم).

وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلحًا آمِنًا، وَتَغزُونَ أَنتُم وَهُم عَدُوًّا مِن وَرَائِهِم [لَم يُذكَر مَن هَذَا العَدُوُّ المُرَادُ هُنَا]، فَتَسلَمُونَ وَتَغنَمُونَ، ثُمَّ تَنزِلُونَ بِمَرجٍ ذِي تُلُولٍ [جَمعِ تَلٍّ]، فَيَقُومُ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ، فَيَرفَعُ شِعَارَهُمْ، فَيَقُومُ إِلَيهِ رَجُلٌ مِنَ المُسلِمِينَ، فَيَقتُلُهُ، فَعِندَ ذَلِكَ تَغدِرُ الرُّومُ، وَتَكُونُ المَلَاحِمُ [وَهَذِهِ المَعرَكَةُ المَقصُودَةُ وَالمَعرُوفَةُ عِندَ الفُقَهَاءِ بِـ: المَلحَمَةِ الكُبرَى. وَعِندَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى يُسَمُّونَهَا هَرمَجدُون]، فَيَجمَعُونَ لَكُم، فَيَأتُونَكُم فِي ثَمَانِينَ غَايَةً، مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشَرَةُ آلَافٍ».اهـ وَفِي رِوَايَةٍ «فَعِندَ ذَلِكَ تَغدِرُ الرُّومُ، وَيَجمَعُونَ لِلمَلحَمَةِ».اهـ

وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أُسَيرِ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: هَاجَت رِيحٌ حَمرَاءُ بِالكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا [أَي مَا لَهُ دَأبٌ وَلَا شَأنٌ وَلَا دَيدَنَ]: يَا عَبدَ اللَّهِ بنَ مَسعُودٍ، جَاءَتِ السَّاعَةُ. قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقسَمَ مِيرَاثٌ [مِن كَثرَةِ القَتلِ لَا تَكَادُ تَجِدُ مَن بَقِيَ مِنَ القَبِيلَةِ حَتَّى يَأخُذَ المَوَارِيثَ]، وَلَا يُفرَحَ بِغَنِيمَةٍ [لِحُصُولِ القَتلِ الكَثِيرِ فِي العَائِلَةِ الوَاحِدَةِ وَالقَبِيلَةِ الوَاحِدَةِ، لَا يَكَادُ يَبقَى أَحَدٌ مِنهُم]. قَالَ: عَدُوٌّ يَجمَعُونَ لِأَهلِ الإِسلَامِ، وَيَجمَعُ لَهُم أَهلُ الإِسلَامِ. وَنَحَا بِيَدِهِ نَحوَ الشَّامِ، قُلتُ: الرُّومَ تَعنِي؟ قَالَ: نَعَم، وَتَكُونُ عِندَ ذَاكُمُ القِتَالِ رِدَّةٌ شَدِيدَةٌ. قَالَ: فَيَشتَرِطُ المُسلِمُونَ شُرطَةً لِلمَوتِ لَا تَرجِعُ إِلَّا غَالِبَةً (أَي تَأتِي جَمَاعَةٌ مِنَ المُسلِمِينَ فَيَشتَرِطُونَ أَنَّهُم لَا يَرجِعُونَ مِن هَذَا القِتَالِ حَتَّى يَنتَصِرُوا أَو يَستَشهِدُوا)، فَيَقتَتِلُونَ، حَتَّى يَحجِزَ بَينَهُمُ اللَّيلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ، وَتَفنَى الشُّرطَةُ (هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اشتَرَطُوا هَذَا الشَّرطَ كُلُّهُم يَمُوتُونَ)، ثُمَّ يَشتَرِطُ المُسلِمُونَ شُرطَةً لِلمَوتِ لَا تُرجِعُ إِلَّا غَالِبَةً (يَأتِي غَيرُ الجَمَاعَةِ الأُوَلِ فَيَشتَرِطُونَ نَفسَ الشَّرطِ)، فَيَقتَتِلُونَ حَتَّى يَحجِزَ بَينَهُمُ اللَّيلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ، وَتَفنَى الشُّرطَةُ (يَمُوتُونَ جَمِيعًا)، ثُمَّ يَشتَرِطُ المُسلِمُونَ شُرطَةً لِلمَوتِ لَا تَرجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقتَتِلُونَ حَتَّى يُمسُوا، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ، وَتَفنَى الشُّرطَةُ، فَإِذَا كَانَ اليَومُ الرَّابِعُ نَهَدَ إِلَيهِم بَقِيَّةُ أَهلِ الإِسلَامِ (أَي مَن تَبَقَّى مِنَ الجَيشِ)، فَيَجعَلُ اللهُ الدَّبرَةَ عَلَيهِم (هَؤُلَاءِ هُم مَن يَغلِبُونَ الرُّومَ)، فَيَقتَتِلُونَ مَقتَلَةً – إِمَّا قَالَ: لَا يُرَى مِثلُهَا، وَإِمَّا قَالَ: لَم يُرَ مِثلُهَا – حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنبَاتِهِم. فَمَا يُخَلِّفُهُم حَتَّى يَخِرَّ مَيِّتًا (مَعنَاهُ يَمُرُّ الطَّائِرُ فَوقَهُم فَيَخِرُّ مَيتًا مِن كَثرَةِ القَتلِ وَالمَوتِ الَّذِي حَصَلَ فِي تِلكَ المَلحَمَةِ). قَالَ: فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ (أَي يَعُدُّ بَعضُهُم بَعضًا)، كَانُوا مِائَةً، فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنهُم إِلَّا الرَّجُلُ الوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفرَحُ؟ (كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَي مِن كَثرَةِ القَتلِ فِي العَائِلَةِ وَالقَبِيلَةِ وَالإِخوَةِ ‌فَبِأَيِّ ‌غَنِيمَةٍ ‌يُفرَحُ) أَو أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ؟ (المَعنَى: فَبِأَيِّ مِيرَاثٍ تَقَعُ القِسمَةُ؟) قَالَ: فَبَينَمَا هُم كَذَلِكَ إِذ سَمِعُوا (أَيِ: المُسلِمُونَ) بِبَأسٍ (أَي: بِحَربٍ شَدِيدٍة) هُوَ أَكبَرُ (أَي: أَعظَمُ) مِن ذَلِكَ (أَي يَأتِيهِم مَا يَكُونُ عَلَيهِم أَشَدَّ مِمَّن قَاتَلُوهُمُ الآنَ). قَالَ: فَجَاءَهُمُ (أَيِ: المُسلِمِينَ) الصَّرِيخُ (وَهُوَ الصَّوتُ، أَي: صَوتُ المُستَصرِخِ وَهُوَ المُستَغِيثُ): إِنَّ الدَّجَّالَ قَد خَلَفَهُم (أَي: قَعَدَ مَكَانَهُم) فِي ذَرَارِيِّهِم (أَي: أَولَادِهِم)، فَيَرفُضُونَ مَا فِي أَيدِيهِم (أَي: فَيَترُكُونَ وَيُلقُونَ مَا فِي أَيدِيهِم مِنَ الغَنِيمَةِ وَسَائِرِ الأَموَالِ فَزَعًا عَلَى الأَهلِ وَالعِيَالِ)، وَيُقبِلُونَ (أَي: وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى الدَّجَّالِ) فَيَبعَثُونَ (أَي: يُرسِلُونَ) عَشَرَةَ فَوَارِسَ (جَمعُ فَارِسٍ أَي: رَاكِبُ فَرَسٍ) طَلِيعَةً (وَهُوَ مَن يُبعَثُ لِيَطَّلِعَ عَلَى حَالِ العَدُوِّ). قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعلَمُ أَسمَاءَهُم، وَأَسمَاءَ آبَائِهِم، وَأَلوَانَ خُيُولِهِم، هُم خَيرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهرِ الأَرضِ يَومَئِذٍ».اهـ

وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبِي هُرَيرَةَ: فَبَينَمَا هُم (أَيِ: المُسلِمُونَ) يَقتَسِمُونَ الغَنَائِمَ قَد عَلَّقُوا سُيُوفَهُم بِالزَّيتُونِ (أَرَادَ الشَّجَرَ المَعرُوفَ)، إِذ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيطَانُ (أَي: نَادَى بِصَوتٍ رَفِيعٍ): إِنَّ المَسِيحَ (وَالمُرَادُ بِالمَسِيحِ هَاهُنَا الدَّجَّالُ) قَد خَلَفَكُم (أَي: قَامَ مَقَامَكُم) فِي أَهلِيكُم، فَيَخرُجُونَ (أَي: جَيشُ المَدِينَةِ مِن قُسطَنطِينِيَّةَ) وَذَلِكَ بَاطِلٌ (أَيِ: القَولُ مِنَ الشَّيطَانِ كَذِبٌ وَزُورٌ)، فَإِذَا جَاؤُوا الشَّأمَ (أَيِ: المُسلِمُونَ، والظَّاهِرُ أَنَّ المُرَادَ بِهِ القُدسُ مِنهُ لِمَا فِي بَعضِ الرِّوَايَاتِ تَصرِيحٌ بِذَلِكَ) خَرَجَ، فَبَينَمَا هُم يُعِدُّونَ لِلقِتَالِ (يَستَعِدُّونَ وَيَتَهَيَّأُونَ) يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ ﷺ (أَي: مِنَ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَنَارَةِ مَسجِدِ دِمَشقَ فَيَأتِي القُدسَ، كَمَا سَنَتَكَلَّمُ عَن نُزُولِهِ عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَأَمَّهُم (أَي: أَمَّ عِيسَى المُسلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ وَمِن جُملَتِهِمُ المَهدِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ قَدَّمَ المَهدِيَّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا أُقِيمَت لَكَ، وَأَنَّهُ غَيرُ مَتبُوعٍ استِقلَالًا، بَل هُوَ مُقَرِّرٌ وَمُؤَيِّدٌ، ثُمَّ بَعدَ ذَلِكَ يَؤُمُّ بِهِم عَلَى الدَّوَامِ، فَقَولُهُ: فَأَمَّهُم فِيهِ تَغلِيبٌ أَي: أَمَرَ إِمَامَهُم بِالإِمَامَةِ، وَيَكُونُ الدَّجَّالُ حِينَئِذٍ مُحَاصِرًا لِلمُسلِمِينَ، وَمَعَهُ اليَهُودُ كَمَا سَنَتَكَلَّمُ عَن ذَلِكَ) فَإِذَا رَآهُ (أَي: رَأَى عِيسَى) عَدُوُّ اللهِ (أَيِ: الدَّجَّالُ) ذَابَ (أَي: شَرَعَ فِي الذَّوَبَانِ) كَمَا يَذُوبُ المِلحُ فِي المَاءِ، فَلَو تَرَكَهُ (أَي: لَو تَرَكَ عِيسَى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الدَّجَّالَ وَلَم يَقتُلهُ) لَانذَابَ حَتَّى يَهلِكَ (أَي: بِنَفسِهِ بِالكُلِّيَّةِ)، وَلَكِن يَقتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ (أَي: بِيَدِ عِيسَى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ)، فَيُرِيهِم (أَي: عِيسَى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ المُسلِمِينَ، أَوِ الكَافِرِينَ، أَو جَمِيعَهُم) دَمَهُ (أَي: دَمَ الدَّجَّالِ) فِي حَربَتِهِ (أَي: فِي حَربَةِ عِيسَى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهِيَ رُمحٌ صَغِيرٌ، وَقَد رَوَى التِّرمِذِيُّ عَن مُجَمِّعِ بنِ جَارِيَةَ مَرفُوعًا: «يَقتُلُ ابنُ مَريَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ»، وَالمَشهُورُ أَنَّهُ مِن أَبوَابِ مَسجِدِ القُدسِ، وَفِي النِّهَايَةِ: هُوَ مَوضِعٌ بِالشَّامِ، وَقِيلَ بِفِلَسطِينَ، ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرحِهِ لِلتِّرمِذِيِّ، وَلَعَلَّ الدَّجَّالَ يَهرُبُ مِن بَيتِ المَقدِسِ بَعدَمَا كَانَ مُحَاصَرًا، فَيَلحَقُهُ عِيسَى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي أَحَدِ الأَمَاكِنِ فَيَقتُلُهُ، وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ)».اهـ

وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «سَمِعتُم بِمَدِينَةٍ ‌جَانِبٌ ‌مِنهَا ‌فِي ‌البَرِّ وَجَانِبٌ مِنهَا فِي البَحرِ». قَالُوا: نَعَم يَا رَسُولَ اللهِ (قَالَ بَعضُ الشُّرَّاحِ: هَذِهِ المَدِينَةُ فِي الرُّومِ، وَقِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا قُسطَنطِينِيَّةُ، فَفِي القَامُوسِ: هِيَ دَارُ مَلِكِ الرُّومِ، وَفَتحُهَا مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ وَتُسَمَّى بِالرُّومِيَّةِ بُوزِنطِيَا [هِيَ نَفسُهَا بِيزَنطَة]، وَارتِفَاعُ سُورِهَا أَحَدٌ وَعِشرُونَ ذِرَاعًا، ، وَيُحتَمَلُ أَنَّهَا مَدِينَةٌ غَيرُهَا، بَل هُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ قُسطَنطِينِيَّةَ تُفتَحُ بِالقِتَالِ الكَثِيرِ، وَهَذِهِ المَدِينَةُ تُفتَحُ بِمُجَرَّدِ التَّهلِيلِ وَالتَّكبِيرِ) (قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذِهِ المَدِينَةُ هِيَ القُسطَنطِينِيَّةُ).

(قَالَ بَعضُ الشُّرَّاحِ المُتَأَخِّرِينَ: وَاستُفِيدَ مِن هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرُّومَ تَأتِي مِنَ البَحرِ، فَلَا يَلزَمُ مِن وُصُولِهِم دَابِقَ أَوِ الأَعمَاقَ – وَهُمَا بِقُربِ حَلَبٍ – استِيلَاؤُهُم عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ المُسلِمِينَ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ القُسطَنطِينِيَّةَ الَّتِي الآنَ دَارُ الإِسلَامِ دَامَت مَعمُورَةً بِهِ إِلَى سَاعَةِ القِيَامِ تَرجِعُ دَارَ الكُفرِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، إِذِ المُرَادُ القُسطَنطِينِيَّةُ الكُبرَى. أَو يُقَالُ: إِنَّ أَهلَ القُسطَنطِينِيَّةِ لَمَّا جَاؤُوا إِلَى المَهدِيِّ تَخلُفُهُمُ الكَفَرَةُ فِي بِلَادِهِم، فَيَأخُذُونَهَا كَمَا يَأخُذُونَ أَرضَ الشَّامِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغزُوهَا سَبعُونَ أَلفًا مِن بَنِي إِسحَاقَ (قَالَ القَاضِي كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ أُصُولِ صَحِيحِ مُسلِمٍ مِن بَنِي إِسحَاقَ)، فَإِذَا جَاؤُوهَا (أَيِ: المَدِينَةَ) نَزَلُوا (أَي: حَوَالَيهَا مُحَاصِرِينَ أَهلَهَا) فَلَم يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ، وَلَم يَرمُوا بِسَهمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، فَيَسقُطُ أَحَدُ جَانِبَيهَا» (أَي: أَحَدُ طَرَفَي سُورِ المَدِينَةِ). قَالَ ثَورٌ (هُوَ كَلَاعِيٌّ شَامِيٌّ حِمصِيٌّ، سَمِعَ خَالِدَ بنَ مَعدَانَ، رَوَى عَنهُ الثَّورِيُّ وَيَحيَى بنُ سَعِيدٍ، لَهُ ذِكرٌ فِي بَابِ المَلَاحِمَ): لَا أَعلَمُهُ (أَي: لَا أَظُنُّ أَبَا هُرَيرَةَ) إِلَّا قَالَ: «الَّذِي فِي البَحرِ» (أَحَدُ جَانِبَيهَا الَّذِي فِي البَحرِ، وَالمَعنَى: لَكِنِّي لَا أَجزِمُهُ). «ثُمَّ يَقُولُوا (أَيِ: المُسلِمُونَ) الثَّانِيَةَ (أَي مَرَّةً ثَانِيَةً): لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، فَيَسقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ (أَيِ: الَّذِي فِي البَرِّ)، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُم (أَي: فَيُفتَحُ) فَيَدخُلُوهَا فَيَغنَمُون (أَي: مَا فِيهَا)، فَبَينَمَا هُم يَقتَسِمُونَ المَغَانِمَ (أَي: يُرِيدُونَ الِاقتِسَامَ وَيَشرَعُونَ فِيهِ) إِذ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَد خَرَجَ، فَيَترُكُونَ كُلَّ شَيءٍ (أَي: مِنَ المَغَانِمِ وَغَيرِهَا مِنَ الأَنفَالِ) وَيَرجِعُونَ (أَي: سَرِيعًا لِمُقَابَلَةِ الدَّجَّالِ، وَمُسَاعَدَةِ الأَهلِ وَالعِيَالِ)».اهـ

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «المَلحَمَةُ الكُبرَى، وَفَتحُ القُسطَنطِينِيَّةِ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبعَةِ أَشهُرٍ».اهـ

وفِي رِوَايَةٍ: «بَينَ المَلحَمَةِ وَفَتحِ المَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ، وَيَخرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ»: وَهَذِهِ، يَعنِي رِوَايَةَ سَبعِ سِنِينَ، أَصَحُّ، يَعنِي مِن رِوَايَةِ سَبعَةِ أَشهُرٍ.

قَبلَ البَدءِ بِعَلَامَاتِ السَّاعَةِ الكُبرَى الَّتِي أَوَّلُهَا ظُهُورُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ نَتَكَلَّمُ عَن رَجُلٍ صَالِحٍ يَظهَرُ فِي زَمَنِ المَهدِيِّ وَيَبقَى إِلَى زَمَانِ عِيسَى وَيَحكُمُ لَهُمَا وَهُوَ القَحطَانِيُّ.

خروج القحطاني
رَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ وَالشَّيخَانِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخرُجَ رَجُلٌ مِن قَحطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ».اهـ وَالإِمَامُ البُخَارِيُّ أَورَدَهُ فِي بَابِ “تَغيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعبَدَ الأَوثَانُ” وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُلكَ القَحطَانِيِّ يَقَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.

وَقَد رَوَى نُعَيمُ بنُ حَمَّادٍ فِي الفِتَنِ مِن طَرِيقِ أَرطَأَةَ بنِ المُنذِرِ – أَحَدِ التَّابِعِينَ مِن أَهلِ الشَّامِ – أَنَّ القَحطَانِيَّ يَخرُجُ بَعدَ المَهدِيِّ وَيَسِيرُ عَلَى سِيرَةِ المَهدِيِّ.

وَبَيَّنَ نُعَيمُ بنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ الفِتَنِ مِن وَجهٍ قَوِيٍّ عَن عَمرِو بنِ عُقبَةَ بنِ أَوسٍ عَن عِبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو أَنَّهُ ذَكَرَ الخُلَفَاءَ ثُمَّ قَالَ: «وَرَجُلٌ مِن قَحطَانَ».اهـ وَأَخرَجَهُ بِإِسنَادٍ جَيِّدٍ أَيضًا مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِيهِ: «وَرَجُلٌ مِن قَحطَانَ كُلُّهُم صَالِحٌ».اهـ وَفِي رِوَايَةِ أَرطَأَةَ بنِ المُنذِرِ أَنَّ القَحطَانِيَّ يَعِيشُ فِي المُلكِ عِشرِينَ سَنَةً.اهـ

وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: وَاستُشكِلَ ذَلِكَ، كَيفَ يَكُونُ فِي زَمَنِ عِيسَى يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ وَالأَمرُ إِنَّمَا هُوَ لِعِيسَى؟ وَيُجَابُ بِجَوَازِ أَن يُقِيمَهُ عِيسَى نَائِبًا عَنهُ فِي أُمُورٍ مُهِمَّةٍ عَامَّةٍ.اهـ وَقَولُهُ: «يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ» هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ المُلكِ، شَبَّهَهُ بِالرَّاعِي وَشَبَّهَ النَّاسَ بِالغَنَمِ، وَنُكتَةُ التَّشبِيهِ التَّصَرُّفُ الَّذِي يَملِكُهُ الرَّاعِي فِي الغَنَمِ، وَهَذَا الحَدِيثُ يَدخُلُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِن جُملَةِ مَا أَخَبَرَ بِهِ ﷺ قَبلَ وُقُوعِهِ وَلَم يَقَع بَعدُ.

وَقَالَ القُرطُبِيُّ فِي التَّذكِرَةِ: وَقَولُهُ: «يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ». كِنَايَةٌ عَنِ استِقَامَةِ النَّاسِ وَانقِيَادِهِم إِلَيهِ وَاتِّفَاقِهِم عَلَيهِ، وَلَم يُرِدْ نَفسُ العَصَا، وَإِنَّمَا ضَرَبَ بِهَا مَثَلًا لِطَاعَتِهِم لَهُ وَاستِيلَائِهِ عَلَيهِم.اهـ

أَوَّلُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الكُبرَى هُوَ خُرُوجُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ

ذكر العلامات الكبرى وترتيبها
عَلَامَاتُ السَّاعَةِ الكُبرَى عَشَرَةٌ، هِيَ: خُرُوجُ الدَّجَّالِ، وَنُزُولُ المَسِيحِ، وَخُرُوجُ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ، وَطُلُوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا، وَخُرُوجُ دَابَّةِ الأَرضِ، بَعدَ ذَلِكَ لَا يَقبَلُ اللهُ مِن أَحَدٍ تَوبَةً، وَهَاتَانِ العَلَامَتَانِ تَحصُلَانِ فِي يَومٍ وَاحِدٍ بَينَ الصُّبحِ وَالضُّحَى، وَدَابَّةُ الأَرضِ هَذِهِ تُكَلِّمُ النَّاسَ وَتُمَيِّزُ المُؤمِنَ مِنَ الكَافِرِ وَلَا أَحَدَ مِنهُم يَستَطِيعُ أَن يَهرُبَ مِنهَا، ثُمَّ الدُّخَانُ، يَنزِلُ دُخَانٌ يَنتَشِرُ فِي الأَرضِ فَيَكَادُ الكَافِرُونَ يَمُوتُونَ مِن شِدَّةِ هَذَا الدُّخَانِ، وَأَمَّا المُسلِمُ يَصِيرُ عَلَيهِ كَالزُّكَامِ، وَالرِّيحُ الَّتِي تَهُبُّ فَتَقبِضُ أَروَاحَ المُؤمِنِينَ، وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسفٌ بِالمَشرِقِ وَخَسفٌ بِالمَغرِبِ وَخَسفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ، وَهَذِهِ الخُسُوفُ لَا تَأتِي إِلَّا بَعدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ المَسِيحِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ، وَتَقَعُ فِي أَوقَاٍت مُتَقَارِبَةٍ، وَالخُسُوفُ مَعنَاهُ انشِقَاقُ الأَرضِ وَبَلعُ مَن عَلَيهَا، وَيَحتَمِلُ أَن تَقَعَ هَذِهِ الخُسُوفُ فِي ءَانٍ وَاحِدٍ، وَنَارٌ تَخرُجُ مِن قَعرِ عَدَنٍ فَتَسُوقُ النَّاسَ إِلَى المَغرِبِ، وَعَدَنٌ أَرضٌ بِاليَمَنِ.

رَوَى مُسلِمٌ عَن حُذَيفَةَ بنِ أُسَيدٍ الغِفَارِيِّ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ ‏ ﷺ عَلَينَا وَنَحنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: «إِنَّهَا لَن تَقُومَ حَتَّىَ تَرَوا قَبلَهَا عَشرَ آيَاتٍ»، فَذَكَرَ: ‏«‏الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابنِ مَريَمَ ﷺ وَيَأجُوجَ وَمَأجُوجَ، وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ: خَسفٌ بِالمَشرِقِ، وَخَسفٌ بِالمَغرِبِ، وَخَسفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحشَرِهِم».اهـ

وَفِي رِوَايَةِ ابنِ مَاجَه عَن حُذَيفَةَ بنِ أُسَيدٍ أَبِي سُرَيحَةَ قَالَ: ‏اطَّلَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن غُرفَةٍ وَنَحنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ فَقَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ عَشرُ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَالدُّخَانُ وَالدّابَّةُ وَيأَجُوجُ وَمَأجُوجُ وَخُرُوجُ عِيسى بنِ مَريَمَ عَلَيهِ السَّلام وَثَلاَثُ خُسُوفٍ: خَسفٌ بِالمشرِقِ وَخَسفٌ بِالمَغرِبِ وَخَسفٌ بِحَزِيرَةِ العَرَبِ وَنَارٌ تَخرُجُ منِ قَعرِ عَدَنِ أبيَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى المَحشَرِ تَبِيتُ مَعَهُم إِذَا بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُم إِذَا قَالُوا».اهـ

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي الفَتحِ: وَقَد ثَبَتَ أَنَّ الآيَاتِ العِظَامَ مِثلُ السِّلكِ إِذَا انقَطَعَ تَنَاثَرَ الخَرَزُ بِسُرعَةٍ وَهُوَ عِندَ أَحمَدَ.اهـ

فَقَد رَوَى أَحمَدُ فِي مُسنَدِهِ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنظُومَاتٌ فِي سِلكٍ فَإِن يُقطَعِ السِّلكُ يَتبَعُ بَعضُهَا بَعضًا».اهـ

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوسَطِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خُرُوجُ الآيَاتِ بَعضُهَا عَلَى إِثرِ بَعضٍ يَتَتَابَعنَ كَمَا تَتَتَابَعُ الخُرُزُ فِي النِّظَامِ».اهـ

خروج المسيح الدجال
أَوَّلُ الآيَاتِ ظُهُورًا – أَي بَعدَ المَهدِيِّ – خُرُوجُ الدَّجَّالِ، ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامِ، ثُمَّ فَتحُ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ، ثُمَّ طُلُوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا. ثُمَّ خُرُوجُ الدَّابَّةِ.

وَمِن دَعَوَاتِهِ ﷺ الثَّابِتَةِ عَنهُ: «اللهم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». وَعِندَ أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَن أَبِي عُبَيدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «لَم يَكُن نَبِيٌّ بَعدَ نُوحٍ إِلَّا وَقَد أَنذَرَ قَومَهُ الدَّجَّالَ». وَعِندَ أَحمَدَ: «وَلَقَد أَنذَرَ نُوحٌ أُمَّتَهُ وَالنَّبِيُّونَ مِن بَعدِهِ.

مُلَاحَظَةٌ مُهِمَّةٌ: الدَّجَّالُ الآنَ مَوجُودٌ وَلَا يَجُوزُ إِنكَارُ وُجُودِهِ، فَهُوَ مِن أَعظَمِ الفِتَنِ الَّتِي تَمُرُّ فِي هَذِهِ الدُّنيَا وَحَذَّرَ مِنهُ نَبِيُّنَا ﷺ وَحَذَّرَ مِنهُ الأَنبِيَاءُ قَبلَ ذَلِكَ، وَاستَعَاذَ النَّبِيُّ ﷺ مِن فِتنَتِهِ مُعَلِّمًا لَنَا وَمُرشِدًا أَن نَستَعِيذَ مِن شَرِّ فِتنَتِهِ.

قَالَ الحَافِظُ النَّوَوِيُّ فِي شَرحِهِ لِمُسلِمٍ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسلِمٌ وَغَيرُهُ فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ حُجَّةٌ لِمَذهَبِ أَهلِ الحَقِّ فِي صِحَّةِ وُجُودِهِ وَأَنَّهُ شَخصٌ بِعَينِهِ ابتَلَى اللهُ بِهِ عِبَادَهُ وَأَقدَرَهُ عَلَى أَشيَاءَ مِن مَقدُورَاتِ اللهِ تَعَالَى مِن إِحيَاءِ المَيِّتِ الَّذِي يَقتُلُهُ وَمِن ظُهُورِ زَهرَةِ الدُّنيَا وَالخِصبِ مَعَهُ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَنَهَرَيهِ وَاتِّبَاعِ كُنُوزِ الأَرضِ لَهُ وَأَمرِهِ السَّمَاءَ أَن تُمطِرَ فَتُمطِرَ وَالأَرضَ أَن تُنبِتَ فَتُنبِتَ فَيَقَعُ كُلُّ ذَلِكَ بِقُدرَةِ اللهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ ثُمَّ يُعجِزُهُ اللهُ تَعَالَى بَعدَ ذَلِكَ فَلَا يَقدِرُ عَلَى قَتلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَا غَيرِهِ وَيُبطِلُ أَمرَهُ وَيَقتُلُهُ عِيسَى ﷺ وَيُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا هَذَا مَذهَبُ أَهلِ السُّنَّةِ وَجَمِيعِ المُحَدِّثِينَ وَالفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ خِلَافًا لِمَن أَنكَرَهُ وَأَبطَلَ أَمرَهُ مِنَ الخَوَارِجِ وَالجَهمِيَّةِ وَبَعضِ المُعتَزِلَةِ.

بيان أن المسيح الدجال ليس ابن صياد المذكور في الصحيحين
تُروَى أَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ صَحِيحَةٌ رَوَاهَا البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا وَبِكَثرَةٍ فِي قِصَّةِ رَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ اسمُهُ ابنُ صَيَّادٍ، كَانَ يَشتَبِهُ الصَّحَابَةُ أَنَّهُ المَسِيحُ الدَّجَّالُ وَوَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَبَعضُ الصَّحَابَةِ كَانَ يَحلِفُ أَنَّهُ هُوَ المَسِيحُ الدَّجَّالُ، وَيَذكُرُونَهُ بِالِاسمِ، وَلَكِنَّ جُملَةَ الأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيسَ هُوَ وَإِنَّمَا غَيرُهُ، وَأَمَّا كَلَامُ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِ أَنَّهُ لَم يُصَرِّح بِأَنَّهُ هُوَ أَو لَيسَ هُوَ فَهُوَ لَم يُوحَ إِلَيهِ بِشَأنِهِ، كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَغَيرُهُ، وَلَكِنَّهُ ﷺ كَانَ يُحَذِّرُهُم مِنَ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَالأَحَادِيثَ الَّتِي تَتَكَلَّمُ عَنهُ فِي الصَّحِيحَينِ البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ.

قَالَ الإِمَامُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: ‌‌بَابُ ذِكرِ ابنِ صَيَّادٍ.اهـ

وَرَوَى مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَن عَبدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَمَرَرنَا بِصِبيَانٍ فِيهِمُ ابنُ صَيَّادٍ، فَفَرَّ الصِّبيَانُ وَجَلَسَ ابنُ صَيَّادٍ، فَكَأَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «تَرِبَت يَدَاكَ، أَتَشهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟» فَقَالَ: لَا، بَل تَشهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ذَرنِي يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى أَقتُلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِن يَكُنِ الَّذِي تَرَى فَلَن تَستَطِيعَ قَتلَهُ».اهـ

وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: صَحِبتُ ابنَ صَائِدٍ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ لِي: أَمَا قَد لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ يَزعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ؟ أَلَستَ سَمِعتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ؟ قَالَ: قُلتُ بَلَى. قَالَ: فَقَد وُلِدَ لِي. أَوَلَيسَ سَمِعتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: لَا يَدخُلُ المَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ؟ قُلتُ: بَلَى. قَالَ: فَقَد وُلِدتُ بِالمَدِينَةِ، وَهَذَا أَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي فِي آخِرِ قَولِهِ: أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَعلَمُ مَولِدَهُ وَمَكَانَهُ وَأَينَ هُوَ. قَالَ: فَلَبَسَنِي.اهـ أَي جَعَلَنِي أَلتَبِسُ فِي أَمرِهِ وَأَشُكُّ فِيهِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي ابنُ صَائِدٍ، وَأَخَذَتنِي مِنهُ ذَمَامَةٌ: هَذَا عَذَرتُ النَّاسَ، مَا لِي وَلَكُم يَا أَصحَابَ مُحَمَّدٍ، أَلَم يَقُل نَبِيُّ اللهِ ﷺ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ؟ وَقَد أَسلَمتُ. قَالَ: وَلَا يُولَدُ لَهُ. وَقَد وُلِدَ لِي. وَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَد حَرَّمَ عَلَيهِ مَكَّةَ. وَقَد حَجَجتُ. قَالَ: فَمَا زَالَ حَتَّى كَادَ أَن يَأخُذَ فِيَّ قَولُهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَعلَمُ الآنَ حَيثُ هُوَ، وَأَعرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَالَ: وَقِيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَو عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهتُ.اهـ

وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن مُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ قَالَ: رَأَيتُ جَابِرَ بنَ عَبدِ اللهِ يَحلِفُ بِاللهِ أَنَّ ابنَ صَائِدٍ الدَّجَّالُ. فَقُلتُ: أَتَحلِفُ بِاللهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعتُ عُمَرَ يَحلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِندَ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَم يُنكِرهُ النَّبِيُّ ﷺ.اهـ

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرحِهِ لِمُسلِمٍ: يُقَالُ لَهُ ‌ابنُ صَيَّادٍ وَابنُ صَائِدٍ وَسُمِّيَ بِهِمَا فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَاسمُهُ صَافٍ قَالَ العُلَمَاءُ وَقِصَّتُهُ مُشكِلَةٌ وَأَمرُهُ مُشتَبَهٌ فِي أَنَّهُ هَل هُوَ المَسِيحُ الدَّجَّالُ المَشهُورُ أَم غَيرُهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ قَالَ العُلَمَاءُ وَظَاهِرُ الأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَم يُوحَ إِلَيهِ بِأَنَّهُ المَسِيحُ الدَّجَّالُ وَلَا غَيرُهُ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ وَكَانَ فِي ا‌بن ‌صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحتَمِلَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَقطَعُ بِأَنَّهُ الدَّجَّالُ وَلَا غَيرُهُ وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «إِن يَكُن هُوَ فَلَن تَستَطِيعَ قَتلَهُ”.

قَالَ البَيهَقِيُّ: فِي كِتَابِهِ البَعثِ وَالنُّشُورِ: اختَلَفَ النَّاسُ فِي أَمرِ ابنِ صَيَّادٍ اختِلَافًا كَثِيرًا هَل هُوَ الدَّجَّالُ؟ قَالَ: وَمَن ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ غَيرُهُ احتَجَّ بِحَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قِصَّةِ الجَسَّاسَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسلِمٌ بَعدَ هَذَا.

وَكَانَ أَمرُ ابنِ صَيَّادٍ فِتنَةً ابتَلَى اللهُ تَعَالَى بِهَا عِبَادَهُ فَعَصَمَ اللهُ تَعَالَى مِنهَا المُسلِمِينَ وَوَقَاهُم شَرَّهَا، قَالَ: وَلَيسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَكثَرُ مِن سُكُوتِ النَّبِيِّ ﷺ لِقَولِ عُمَرَ، فَيَحتَمِلُ أَنَّهُ ﷺ كَانَ كَالمُتَوَقِّفِ فِي أَمرِهِ ثُمَّ جَاءَهُ البَيَانُ أَنَّهُ غَيرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ، هَذَا كَلَامُ البَيهَقِيِّ.

فَإِن قِيلَ كَيفَ لَم يَقتُلهُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ أَنَّهُ ادَّعَى بِحَضرَتِهِ النُّبُوَّةَ فَالجَوَابُ مِن وَجهَينِ ذَكَرَهُمَا البَيهَقِيُّ وَغَيرُهُ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ غَيرَ بَالِغٍ، وَاختَارَ القَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الجَوَابَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّامِ مُهَادَنَةِ اليَهُودِ وَحُلَفَائِهِم، وَجَزَمَ الخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ بِهَذَا الجَوَابِ الثَّانِي، قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعدَ قُدُومِهِ المَدِينَةَ كَتَبَ بَينَهُ وَبَينَ اليَهُودِ كِتَابَ صُلحٍ عَلَى أَن لَا يُهَاجُوا ، وَكَانَ ابنُ صَيَّادٍ مِنهُم أَو دَخِيلًا فِيهِم.

قَالَ بَعضُ العُلَمَاءِ: ابنُ صَيَّادٍ كَانَ بَعضُ الصِّحَابَةِ يَظُنُّهُ الدَّجَّالَ الأَكبَرَ، وَلَيسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلَةِ صَغِيرًا. وَقَد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَحِبَ أَبَا سَعِيدٍ فِيمَا بَينَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَأَنَّ ابنَ صَيَّادٍ تَبَرَّمَ إِلَيهِ مِمَّا تَقُولُ النَّاسُ فِيهِ إِنَّهُ الدَّجَّالُ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ: أَلَم يَقُل رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّهُ لَا يَدخُلُ المَدِينَةَ». وَقَد وُلِدتُ بِهَا، «وَإِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ». وَقَد وُلِدَ لِي، «وَإِنَّهُ كَافِرٌ». وَأَنَا قَد أَسلَمتُ؟ ثُمَّ قَالَ ابنُ صَيَّادٍ: وَمَعَ هَذَا إِنِّي لَأَعلَمُ النَّاسِ بِهِ، وَأَينَ مَكَانُهُ، وَلَو عُرِضَ عَلَيَّ أَن أَكُونَ إِيَّاهُ لَمَا كَرِهتُ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: وَالمَقصُودُ أَنَّ ابنَ صَيَّادٍ لَيسَ بِالدَّجَّالِ الَّذِي يَخرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَطعًا، لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ الفِهرِيَّةِ، فَإِنَّهُ فَيصَلٌ فِي هَذَا المَقَامِ. وَاللهُ أَعلَمُ.

قَالَ البَيهَقِيُّ: فِيهِ أَنَّ الدَّجَّالَ الأَكبَرَ الَّذِي يَخرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ غَيرُ ‌ابنِ ‌صَيَّادٍ، وَكَانَ ‌ابنُ ‌صَيَّادٍ أَحَدَ الدَّجَّالِينَ الكَذَّابِينَ الَّذِينَ أَخبَرَ ﷺ بِخُرُوجِهِم، وَقَد خَرَجَ أَكثَرُهُم، وَكَأَنَّ الَّذِينَ يَجزِمُونَ بِابنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ لَم يَسمَعُوا بِقِصَّةِ تَمِيمٍ، وَإِلَّا فَالجَمعُ بَينَهُمَا بَعِيدٌ جِدًّا، إِذ كَيفَ يَلتَئِمُ أَن يَكُونَ مَن كَانَ فِي أَثنَاءِ الحَيَاةِ النَّبَوِيَّةِ شِبهَ المُحتَلِمِ، وَيَجتَمِعُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ وَيَسأَلُهُ، أَن يَكُونَ فِي آخِرِهَا شَيخًا كَبِيرًا مَسجُونًا فِي جَزِيرَةٍ مِن جَزَائِرِ البَحرِ مُوثَقًا بِالحَدِيدِ، يَستَفهِمُ عَن خَبَرِ النَّبِيِّ ﷺ، هَل خَرَجَ أَو لَا؟ أَمَّا عُمَرُ فَيَحتَمِلُ أَن يَكُونَ ذَلِكَ مِنهُ قَبلَ أَن يَسمَعَ قِصَّةَ تَمِيمٍ، ثُمَّ لَمَّا سَمِعَهَا لَم يَعُد إِلَى الحَلِفِ المَذكُورِ. وَأَمَّا جَابِرٌ فَشَهِدَ حَلِفَهُ عِندَ النَّبِيِّ ﷺ فَاستَصحَبَ مَا كَانَ اطَّلَعَ عَلَيهِ مِن عُمَرَ بِحَضرَةِ النَّبِيِّ ﷺ.

قَالَ ابنُ حَجَرٍ: إِنَّ الأَصَحَّ أَنَّ الدَّجَّالَ غَيرُ ابنِ صَيَّادٍ وَإِن شَارَكَهُ ابنُ صَيَّادٍ فِي كَونِهِ أَعوَرَ وَمِنَ اليَهُودِ، وَأَنَّهُ سَاكِنٌ فِي يَهُودِيَّةِ أَصبَهَانَ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَادِيثَ ابنِ صَیَّادٍ كُلَّهَا مُحتَمِلَةٌ، وَحَدِيثَ الجَسَّاسَةِ نَصٌّ فَيُقَدَّمُ.اهـ

السؤال الفقهي
متى تجب زكاة الفطر؟
تَجِبُ زَكَاةُ الفِطرِ بِغُرُوبِ الشَّمسِ مِن ءَاخِرِ يَومٍ مِن رَمَضَانَ عَلَى مَن أَدرَكَ جُزءًا مِن رَمَضَانَ وَجُزءًا مِن شَوَّالٍ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ عَلَى الوَلِىِّ عَنِ المَولُودِ الجَدِيدِ الَّذِى وُلِدَ ءَاخِرَ أَيَّامِ رَمَضَانَ، أَو قَبلَ ذَلِكَ.

وَيَجِبُ أَدَاؤُهَا قَبلَ غُرُوبِ شَمسِ يَومِ العِيدِ وَيَحرُمُ تَأخِيرُهَا عَنهُ بِلا عُذرٍ وَيَجُوزُ تَعجِيلُهَا مِن أَوَّلِ رَمَضَانَ وَالأَفضَلُ أَن تُخرَجَ يَومَ العِيدِ قَبلَ الصَّلاةِ أَى قَبلَ صَلاةِ العِيدِ.

مختارات من الأدعية والأذكار
ما يقال عند الكرب
عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَرَبَهُ أَمرٌ قَالَ: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ». قَالَ الحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسنَادِ.

الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ….

اللهم رَبَّ جِبرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ، عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنتَ تَحكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ، اهدِنَا إِلَى الحَقِّ إِنَّكَ تَهدِي مَن تَشَاءُ إِلَى صَرَاطٍ مُستَقِيمٍ.

اللهم اجعَلنَا مِنَ العُلَمَاءِ الحُلَمَاءِ البَرَرَةِ الأَتقِيَاءِ، اللهم فَقِّهنَا فِي الدِّينِ، وَاجعَلنَا مِنَ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ النَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ، اللهم أَكرِمنَا بِحِفظِ القُرآنِ العَظِيمِ، وَارزُقنَا تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَأَطرَافَ النَّهَارِ، وَاحفَظنَا بِبَرَكَتِهِ وَبَرَكَةِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَاجعَلنَا مِنَ العَامِلِينَ بِأَحكَامِهِ، وَمِنَ الوَقَّافِينَ عِندَ حُدُودِهِ، وَاجعَلهُ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَينَا، وَاجعَلهُ نُورًا لَنَا فِي الدُّنيَا وَالقَبرِ وَالآخِرَةِ.

اللهم اجعَل فِى قَلبِنَا نُورًا، وَفِى لِسَانِنَا نُورًا، وَاجعَل فِى سَمعِنَا نُورًا، وَاجعَل فِى بَصَرِنَا نُورًا، وَاجعَل مِن خَلفِنَا نُورًا، وَمِن أَمَامِنَا نُورًا، وَاجعَل مِن فَوقِنَا نُورًا، وَمِن تَحتِنَا نُورًا، اللهم أَعطِنَا نُورًا.

اللهم اجعَلنَا مِنَ الطَّائِرِينَ فَوقَ الصِّرَاطِ، اللهم نَجِّنَا يَومَ الحَسرَةِ وَالنَّدَامَةِ، اللهم لَا تُخَيِّب رَجَاءَنَا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، اشرَح صُدُورَنَا، وَنَوِّر قُلُوبَنَا وَصُدُورَنَا، وَافتَح عَلَينَا فُتُوحَ العَارِفِينَ يَا اللهُ.

اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمنَا مِنهُ وَمَا لَم نَعلَم وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمنَا مِنهُ وَمَا لَم نَعلَم وَنَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ وَعَمَلٍ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ وَعَمَلٍ وَنَسأَلُكَ مِنَ خَيرِ مَا سَأَلَكَ مِنهُ عَبدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ ﷺ وَنَستَعِيذُكَ مِمَّا استَعَاذَكَ مِنهُ عَبدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ ﷺ وَنَسأَلُكَ مَا قَضَيتَ لَنَا مِن أَمرٍ أَن تَجعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهم إِنَّا نسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنسأَلُكَ أَن تَجعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ تَقضِيهِ لنا خَيرًا، اللهم عَلِّمنَا ما جَهِلنَا وذَكِّرنَا مَا نَسِينَا وَانفَعنَا بِمَا عَلَّمتَنَا وَزِدنَا عِلمًا

اللهم انصُر أَهلَ فِلَسطِينَ نَصرًا مُؤَزَّرًا وَأَرِنَا قُدرَتَكَ وَغَضَبَكَ عَلَى اليَهُودِ اللهم أَرسِل عَلَيهِم طَيرًا أَبَابِيل تَرمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ تَجعَلُهُم كَعَصفٍ مَأكُولٍ. يَا رَبَّ العَالَمِينَ، يَا مَن لَا يَخِيبُ عِندَهُ الرَّجَاءُ ارزُق أَهلَ غَزَّةَ الخَلَاصَ يَا اللهُ، وَصُبَّ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِم صَبًّا، وَهَيِّء لَهُم قُوَّةً عَلَى عَدُوِّهِم. اللهم انصُر أَهلَ غَزَّةَ بِقُوَّتِكَ وَحَولِكَ وَجُنُودِكَ، اللهم سَخِّر لَهُمُ الأَرضَ وَالسَّمَاءَ لِنَصرِهِم. يَا رَبِّ يَا جَبَّارَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ أَنزِل رَحمَتَكَ بِأَهلِ غَزَّةَ، وَقَوِّهِم وَكُن لَهُم عَونًا وَنَصِيرًا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

اللهم انصُر عِبَادَكَ فِي فِلَسطِينَ وَسَخِّر لَهُمُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا وَالسَّمَاءَ وَمَن فِيهَا. اللهم بِقُوَّتِكَ نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا عَظِيمَ القَهرِ أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ

اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ

 

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …