أشراط الساعة (١٩) | كثرة الزلازل والقتل وانتشار الدجالين إلى الخسف والمسخ والقذف

المقدمة

الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبدِهِ الكِتَابَ، تَبصِرَةً لِأُولِي الأَلبَابِ، وَأَودَعَهُ مِن فُنُونِ العُلُومِ وَالحِكَمِ العَجَبَ العُجَابَ، وَجَعَلَهُ أَجَلَّ الكُتُبِ قَدرًا وَأَغزَرَهَا عِلمًا، وَأَعذَبَهَا نَظمًا وَأَبلَغَهَا فِي الخِطَابِ، قُرآنَا عَرَبِيًّا غَيرَ ذِي عِوَجٍ ، لَا شُبهَةَ فِيهِ وَلَا ارتِيَابَ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأَربَابِ، الَّذِي عَنَت لِقَيُّومَيَّتِهِ الوُجُوهُ وَخَضَعَت لِعَظَمَتِهِ الرِّقَابُ، فَهُوَ الخَالِقُ الَّذِي لَا يَحتَاجُ إِلَى مَكَانٍ وَلَا زَمَانٍ فَهُوَ الوَاحِدُ الوَهَّابُ، وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ المَبعُوثُ مِن أَكرَمِ الشُّعُوبِ وَأَشرَفِ الشِّعَابِ، إِلَى خَيرِ أُمَّةٍ بِأَفضَلِ كِتَابٍ، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَينِ إِلَى يَومِ المَآبِ، وَبَعدُ:

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت وَتَكثُرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ

كثرة الزلازل
رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقبَضَ العِلمُ، وَتَكثُرَ ‌الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ.اهـ

وَفِي البُخَارِيِّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَينَهُمَا مَقتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِن ثَلَاثِينَ، كُلُّهُم يَزعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَحَتَّى يُقبَضَ العِلمُ، وَتَكثُرَ ‌الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظهَرَ الفِتَنُ، وَيَكثُرَ الهَرجُ، وَهُوَ القَتلُ، وَحَتَّى يَكثُرَ فِيكُمُ المَالُ، فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ المَالِ مَن يَقبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعرِضُهُ عَلَيهِ: لَا أَرَبَ لِي بِهِ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي البُنيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَت وَرَآهَا النَّاسُ» يَعنِي آمَنُوا أَجمَعُونَ «فَذَلِكَ حِينَ: ﴿لا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت فِي إِيمَانِهَا خَيرًا﴾ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَد نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوبَهُمَا بَينَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقحَتِهِ فَلَا يَطعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوضَهُ فَلَا يَسقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَد رَفَعَ أُكلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطعَمُهَا».اهـ

وَرَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ ان الرسول وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأسِ ابن حوالة ثُمَّ قَالَ: «يَا ابنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيتَ الخِلَافَةَ قَد نَزَلَتِ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ فَقَد دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالقَتلُ، وَلَلسَّاعَةُ أَقرَبُ إِلَى النَّاسِ مِن يَدِي هَذِهِ مِن رَأسِكَ».اهـ

وَرَوَى الدَّارِمِيُّ وَأَحمَدُ: «بَينَ يَدَي السَّاعَةِ مُوتَانٌ (كَثرَةُ المَوتِ) شَدِيدٌ، وَبَعدَهُ سَنَوَاتُ الزَّلَازِلِ».اهـ

وَسَبَبُ الزَّلَازِلِ أَنَّ المَلَكَ يَتَصَرَّفُ بِأَمرِ اللهِ. وَالزَّلَازِلُ تَخوِيفٌ مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ لِيَتُوبُوا، وَكَثرَةُ الزَّلَازِلِ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ.

وَقَد وَرَدَ فِي الأَثَرِ أَنَّ مِن عَلَامَاتِ خُرُوجِ المَهدِيِّ كَثرَةَ الزَّلَازِلِ.

فَقَد رَوَى أَحمَدُ فِي المُسنَدِ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُبَشِّرُكُم ‌بِالمَهدِيِّ ‌يُبعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اختِلَافٍ مِنَ النَّاسِ وَزَلَازِلَ، فَيَملَأُ الأَرضَ قِسطًا وَعَدلًا كَمَا مُلِئَت جَورًا وَظُلمًا».اهـ

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت وَتَكثُرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ

كثرة الصواعق
رَوَى الحَاكِمُ فِي المُستَدرَكِ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَكثُرُ الصَّوَاعِقُ عِندَ اقتِرَابِ السَّاعَةِ، فَيُصبِحُ القَومُ فَيَقُولُونَ مِن صُعِقَ البَارِحَةَ، ‌فَيَقُولُونَ ‌صُعِقَ ‌فُلَانٌ وَفُلَانٌ».اهـ وَعِندَ نُعَيمِ بنِ حَمَّادٍ فِي الفِتَنِ: عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: «يُوشِكُ أَن لَا ‌تَجِدُوا ‌بُيُوتًا ‌تُكِنُّكُم تُهلِكُهَا الرَّوَاجِفُ، وَلَا دَوَابَّ تَبلُغُوا عَلَيهَا فِي أَسفَارِكُم تُهلِكُهَا الصَّوَاعِقُ».اهـ وَرَوَى أَيضًا عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: «إِذَا اقتَرَبَ الزَّمَانُ كَثُرَتِ الصَّوَاعِقُ».اهـ

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ

زوال جبال عن مراسيها
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَن سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَزُولَ الجِبَالُ عَن أَمَاكِنِهَا وَتَرَوُا الأُمُورَ العِظَامَ الَّتِي لَم تَكُونُوا تَرَونَهَا».اهـ قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي شَرحِ البُخَارِيِّ: وَحَدِيثُ سَمُرَةَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوا أُمُورًا عِظَامًا لَم تُحَدِّثُوا بِهَا أَنفُسَكُم» وَفِي لَفظٍ: «يَتَفَاقَمُ شَأنُهَا فِي أَنفُسِكُم وَتَسأَلُونَ هَل كَانَ نَبِيُّكُم ذَكَرَ لَكُم مِنهَا ذِكرًا» الحَدِيثَ، وَفِيهِ: «وَحَتَّى تَرَوُا الجِبَالَ تَزُولُ عَن أَمَاكِنِهَا»، أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ.

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ

حصول ريح حمراء شديدة وحصول أمور عظام في هذه الأمة
رَوَى التِّرمِذِيُّ عَن عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا فَعَلَت أُمَّتِي خَمسَ عَشرَةَ خَصلَةً حَلَّ بِهَا البَلَاءُ» فَقِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ المَغنَمُ دُوَلًا [أَي جَمعُ دُولَةٍ بِالضَّمِّ، وَهُوَ مَا يُتَدَاوَلُ مِنَ المَالِ، فَيَكُونُ لِقَومٍ دُونَ قَومٍ]، وَالأَمَانَةُ مَغنَمًا [أَي يَرَى مَن فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ أَنَّ الخِيَانَةَ فِيهَا غَنِيمَةٌ قَد غَنِمَهَا]، وَالزَّكَاةُ مَغرَمًا [أَي يَرَى صَاحِبُ المَالِ أَنَّ إِخرَاجَ زَكَاتِهِ غَرَامَةٌ يَغرَمُهَا]، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوجَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَبَرَّ ‌صَدِيقَهُ، ‌وَجَفَا ‌أَبَاهُ، ‌وَارتَفَعَتِ الأَصوَاتُ فِي المَسَاجِدِ، وَكَانَ زَعِيمُ القَومِ أَرذَلَهُم، وَأُكرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَشُرِبَتِ الخُمُورُ، وَلُبِسَ الحَرِيرُ، وَاتُّخِذَتِ القَينَاتُ وَالمَعَازِفُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا [كَمَا نَرَى بَعضَ الجَمَاعَاتِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ يَسُبُّونَ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَالسَّيِّدَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم]، فَليَرتَقِبُوا عِندَ ذَلِكَ رِيحًا حَمرَاءَ أَو خَسفًا وَمَسخًا».اهـ

أَمَّا الرِّيحُ: فَفِي سَنَةِ اثنَتَينِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَينِ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ المُتَوَكِّلِ هَبَّت بِالعِرَاقِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَلَم يُعهَد مِثلُهَا، أَحرَقَت زَرعَ الكُوفَةِ وَالبَصرَةِ وَبَغدَادَ، وَقَتَلَتِ المُسَافِرِينَ، وَدَامَت خَمسِينَ يَومًا، وَاتَّصَلَت بِهَمَذَانَ فَأَحرَقَتِ الزَّرعَ وَالمَوَاشِيَ، وَاتَّصَلَت بِالمَوصِلِ وَمَنَعَتِ النَّاسَ مِنَ المَعَاشِ فِي الأَسوَاقِ وَمِنَ المَشيِ فِي الطُّرُقَاتِ، وَأَهلَكَت خَلقًا عَظِيمًا.

وَفِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَينِ فِي شَوَّالٍ فِي خِلَافَةِ المُعتَضِدِ أَصبَحَتِ الدُّنيَا مُظلِمَةً إِلَى العَصرِ، فَهَبَّت رِيحٌ سَودَاءُ فَدَامَت إِلَى ثُلُثِ اللَّيلِ، وَأَعقَبَهَا زَلزَلَةٌ عَظِيمَةٌ أَذهَبَت عَامَّةَ البِلَادِ.

وَفِي سَنَةِ خَمسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَينِ: هَبَّت رِيحٌ صَفرَاءُ بِالبَصرَةِ، ثُمَّ صَارَت خَضرَاءَ، ثُمَّ صَارَت سَودَاءَ، وَامتَدَّت فِي الأَمصَارِ.

وَفِي خِلَافَةِ المُقتَدِرِ: جَاءَت رِيحٌ سَودَاءُ بِبَغدَادَ، وَاشتَدَّ الرَّعدُ وَالبَرقُ حَتَّى ظُنَّ أَنَّهَا القِيَامَةُ.

وَفِي خِلَافَةِ المُستَظهِرِ: هَبَّت بِمِصرَ رِيحٌ سَودَاءُ مُظلِمَةٌ أَخَذَتِ الأَنفَاسَ حَتَّى لَا يُبصِرُ الرَّجُلُ يَدَهُ، وَنَزَلَ عَلَى النَّاسِ رَملٌ وَأَيقَنُوا بِالهَلَاكِ، ثُمَّ انجَلَى قَلِيلًا وَعَادَ إِلَى الصُّفرَةِ.

وَفِي سَنَةِ أَربَعٍ وَعِشرِينَ وَخَمسِمِائَةٍ: طَلَعَت سَحَابَةٌ عَلَى بَلَدِ المَوصِلِ فَأَمطَرَت نَارًا وَأَحرَقَت مَا نَزَلَت عَلَيهِ، وَظَهَرَ بِالعِرَاقِ عَقَارِبُ طَيَّارَةٌ فَقَتَلَت خَلقًا عَظِيمًا.

وَفِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسعِينَ وَخَمسِمِائَةٍ: هَبَّت رِيحٌ سَودَاءُ مُظلِمَةٌ بِمَكَّةَ عَمَّتِ الدُّنيَا، وَوَقَعَ عَلَى النَّاسِ رَملٌ أَحمَرُ، وَوَقَعَ مِنَ الرُّكنِ اليَمَانِيِّ قِطعَةٌ.

وَفِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ هَبَّت بِمِصرَ رِيحٌ بَرِقَةٌ تَحمِلُ تُرَابًا أَصفَرَ إِلَى الحُمرَةِ، وَذَلِكَ قَبلَ غُرُوبِ الشَّمسِ، فَاحمَرَّ الشَّفَقُ جِدًّا بِحَيثُ صَارَ مَن لَا يَدرِي يَظُنُّ أَنَّ بِجِوَارِهِ حَرِيقًا، وَصَارَتِ البُيُوتُ كُلُّهَا مَلأَى تُرَابًا نَاعِمًا جِدًّا يَدخُلُ الأُنُوفَ وَالأَمتِعَةَ، ثُمَّ لَمَّا تَكَامَلَ غَيبُوبَةُ الشَّفَقِ اسوَدَّ الأُفُقُ، وَعَصَفَت الرِّيحُ وَكَانَت مُعَلَّقَةً، فَلَو وَصَلَتِ الأَرضَ لَكَانَ أَمرًا مَهُولًا، وَكَثُرَ ضَجِيجُ النَّاسِ فِي الأَسوَاقِ وَالبُيُوتِ بِالذِّكرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاستِغفَارِ إِلَى أَن لَطَفَ اللهُ بِإِدرَارِ المَطَرِ، وَلَم تَهُبَّ هَذِهِ الرِّيحُ مُنذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً قَبلَهَا، وَانتَشَرَت حَتَّى غَطَّتِ الأَهرَامَ وَالجِيزَةَ وَالبَحرَ، وَاشتَدَّت حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ، فَدَامَت تِلكَ اللَّيلَةَ وَيَومَهَا إِلَى العَصرِ، وَكَانَت سَبَبًا فِي خَرَابِ الزَّرعِ وَغَلَاءِ السِّعرِ.

وَأَمَّا الأُمُورُ العِظَامُ: فَوَقَعَ القَحطُ الشَّدِيدُ مَرَّاتٍ:

مِنهَا: مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الظَّاهِرِ العُبَيدِيِّ بِمِصرَ مِنَ الغَلَاءِ الَّذِي لَم يَقَع مِثلُهُ مُنذُ زَمَنِ يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَدَامَ سَبعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلَ النَّاسُ بَعضَهُم بَعضًا، وَقِيلَ: بِيعَ فِيهِ رَغِيفٌ بِخَمسِينَ دِينَارًا.

وَفِي زَمَنِ المُستَنصِرِ العُبَيدِيِّ وَقَعَ بِمِصرَ أَيضًا القَحطُ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً حَتَّى أَكَلَ النَّاسُ بَعضَهُم بَعضًا، وَبَلَغَ الإِردَبُّ مِنَ الحِنطَةِ مِائَةَ دِينَارٍ، وَالإِردَبُّ أَربَعُونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ ﷺ وَشَيءٌ.

وَفِي سَنَةِ خَمسٍ وَأَربَعِينَ وخمسمائة فِي خِلَافَةِ المُقتَفِي العَبَّاسِيِّ جَاءَ مَطَرٌ بِاليَمَنِ كُلُّهُ دَمٌ، وَصَارَتِ الأَرضُ مَرشُوشَةٌ بِالدَّمِ، وَبَقِيَ أَثَرُهُ فِي ثِيَابِ النَّاسِ.

وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمسِينَ وَأَربَعِمِائَةٍ: ظَهَرَ كَوكَبٌ «أَي نَجمٌ» كَأَنَّهُ دَارَةُ القَمَرِ لَيلَةَ التَّمَامِ بِشُعَاعٍ عَظِيمٍ، وَهَالَ النَّاسَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ عَشرَ لَيَالٍ، ثُمَّ تَنَاقَصَ ضَوءُهُ وَغَابَ.

وَفِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَأَربَعِمِائَةٍ فِي خِلَافَةِ القَائِمِ كَانَ الغَرَقُ العَظِيمُ بِبَغدَادَ وَزَادَت دِجلَةُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَلَم يَقَع مِثلُ ذَلِكَ قَطُّ، وَهَلَكَتِ الأَموَالُ وَالأَنفُسُ وَالدَّوَابُّ، وَرَكِبَ النَّاسُ فِي السُّفُنِ، وَأُقِيمَتِ الجُّمُعَةُ فِي التَّيَّارِ عَلَى ظَهرِ المَاءِ مَرَّتَينِ، وَانهَدَمَ مِائَةُ أَلفِ دَارٍ.

وَفِي سَنَةِ اثنَتَينِ وَخَمسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فِي خِلَافَةِ المُستَعصِمِ ظَهَرَت نَارٌ فِي أَرضِ عَدَنٍ، وَكَانَ يَطِيرُ شَرَرُهَا فِي اللَّيلِ إِلَى البَحرِ، وَيَصعَدُ مِنهَا دُخَانٌ عَظِيمٌ فِي النَّهَارِ.

وَفِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسعِينَ وَخَمسِمِائَةٍ كَانَ بِمِصرَ الغَلَاءُ المُفرِطُ بِحَيثُ أَكَلُوا الجِيَفَ وَالآدَمِيِّينَ، وَفَشَا أَكلُ بَنِي آدَمَ وَاشتَهَرَ، وَتَعَدَّوا إِلَى حَفرِ القُبُورِ وَأَكلِ المَوتَى، وَكَثُرَ المَوتُ مِنَ الجُوعِ بِحَيثُ كَانَ المَاشِي لَا يَقَعُ قَدَمُهُ أَو بَصَرُهُ إِلَّا عَلَى مَيِّتٍ أَو قَرِيبٍ مِنَ المَوتِ، وَهَلَكَ أَهلُ القُرَى قَاطِبَةً بِحَيثُ إِنَّ المُسَافِرَ يَمُرُّ بِالقَريَةِ فَلَا يَرَى فِيهَا نَافِخَ نَارٍ، وَتَجِدُ البُيُوتَ مُفَتَّحَةً وَأَهلُهَا مَوتَى، وَصَارَتِ الطُّرُقُ مَزرَعَةً لِلمَوتَى وَمَأدُبَةً بِلُحُومِهِم لِلطَّيرِ وَالسِّبَاعِ، وَاستَمَرَّ ذَلِكَ سَنَتَينِ، قَالَ أَبُو شَامَةَ شَيخُ النَّوَوِيِّ: إِنَّ العَادِلَ الكَبِيرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَفَّنَ مِن مَالِهِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ نَحوًا مِن مِائَتَي أَلفٍ وَعِشرِينَ أَلفِ مَيِّتٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَمِائَةِ أَلفٍ مِنَ الغُرَبَاءِ، وَأُكِلَتِ الكِلَابُ وَالمَيتَاتُ فِي مِصرَ.اهـ

وَفِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشرَةَ وَسَبعِمِائَةٍ حَصَلَ بِدِيَارِ بَكرٍ وَالمَوصِلِ وَإِربِلَ وَمَاردِينَ وَالجَزِيرَةِ وَغَيرِهَا الغَلَاءُ العَظِيمُ، وَخَرِبَتِ البِلَادُ، وَبِيعَ الأَولَادُ، وَكَثُرَ المَوتُ فِي النَّاسِ، حَتَّى إِنَّهُ مَاتَ مِن جَزِيرَةِ ابنِ عُمَرَ خَمسَةَ عَشَرَ أَلفًا بِالجُوعِ، وَبِيعَ مِنَ الأَولَادِ نَحوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ صَبِيٍّ، وَكَانَ يُبَاعُ الصَّبِيُّ بِنَحوِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَو أَكثَرَ وَيَشتَرِيهُمُ التَّتَارُ، وَأَهلُ إِربِلَ أَكَلُوا النَّبَاتَ، ثُمَّ قُشُورَ الشَّجَرِ، ثُمَّ الجِيَفَ، وَجَاءَهُمُ المَوتُ الذَّرِيعُ وَجَلَا البَاقِي، وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنهُم بِالثَّلجِ.

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت وَتَكثُرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ

ظهور الخسف والمسخ والقذف
رَوَى التِّرمِذِيُّ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَكُونُ فِي ءاخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ خَسفٌ وَمَسخٌ وَقَذفٌ»، قَالَت: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَم، إِذَا ظَهَرَ الخَبَثُ».

وَرَوَى البُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِن أُمَّتِي أَقوَامٌ يَستَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنزِلَنَّ أَقوَامٌ إِلَى جَنبِ عَلَمٍ [وَالجَمعُ أَعلَامٍ وَهُوَ الجَبَلُ العَالِي وَقِيلَ: رَأسُ الجَبَلِ] يَرُوحُ عَلَيهِم [وَهُوَ الرَّاعِي بِقَرِينَةِ المَقَامِ، إِذِ السَّارِحَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِن حَافِظٍ] بِسَارِحَةٍ لَهُم [المَاشِيَةُ الَّتِي تَسرَحُ بِالغَدَاةِ إِلَى رَعيِهَا وَتَرُوحُ أَي تَرجِعُ بِالعَشِيِّ إِلَى مَألَفِهَا] يَأتِيهِم» يَعنِي الفَقِيرَ «لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارجِع إِلَينَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُم اللهُ [أَي يُهلِكُهُم لَيلًا، وَالبَيَاتُ هُجُومُ العَدُوِّ لَيلًا] وَيَضَعُ العَلَمَ [أَي يُوقِعُهُ عَلَيهِم. وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: إِن كَانَ العَلَمُ جَبَلًا فَيُدَكدِكُهُ وَإِن كَانَ بِنَاءً فَيَهدِمُهُ وَنَحوُ ذَلِكَ] وَيَمسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ».اهـ

وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيُؤفَكَنَّ [أي ينقلب] مِن هَذِهِ الأُمَّةِ قَومٌ قِرَدَةً وَقَومٌ خَنَازِيرَ، وَلَيُصبِحَنَّ فَيُقَالُ: خُسِفَ بِدَارِ بَنِي فُلَانٍ، وَدَارِ بَنِي فُلَانٍ، وَبَينَمَا الرَّجُلَانِ يَمشِيَانِ يُخسَفُ بِأَحَدِهِمَا».اهـ

وَعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو قَالَ: «لَيُخسَفَنَّ بِالدَّارِ إِلَى جَنبِ الدَّارِ إِذَا كَانَتِ المَظَالِمُ».اهـ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخسَفَ بِقَومٍ مِن مَرَاتِعِ النَّعَمِ (المَرتَعُ مَكَانٌ تَنعَمُ وَتَرتَعُ فِيهِ المَاشِيَةُ)، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخسَفَ بِرَجُلٍ كَثِيرِ المَالِ وَالوَلَدِ».اهـ

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّهُ كَائِنٌ فِيكُم مَسخٌ وَخَسفٌ وَقَذفٌ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهُم يَشهَدُونَ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: «نَعَم، وَذَلِكَ إِذَا اتُّخِذَتِ القِيُونُ (نَوعٌ مِن آلَاتِ اللَّهوِ) وَالمَعَازِفُ، وَشَرِبُوا الخُمُورَ، وَلَبِسُوا الحَرِيرَ».

وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا مَرفُوعًا: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي خَسفٌ وَمَسخٌ وَقَذفٌ»، رَوَاهُ أَحمَدُ وَمُسلِمٌ وَالحَاكِمُ.اهـ

وَعَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «لَيَبِيتَنَّ أَقوَامٌ مِن أُمَّتِي عَلَى أَكلٍ وَلَهوٍ وَلَعِبٍ ثُمَّ لَيُصبِحُنَّ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ»، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

قَالَ البَرزَنجِيُّ: أَمَّا الخَسفُ فَقَد حَصَلَ كَثِيرًا (وَمَعنَاهُ أَن تَنشَقَّ الأَرضُ وَتَبتَلِعَ مَن عَلَيهَا).

وَأَمَّا المَسخُ: فَقَد وَقَعَ لِأَشخَاصٍ: فَقَد صَحَّ الخَبَرُ عَن غَيرِ وَاحِدٍ أَنَّ فِي زَمَنِ فَاطِمِيَّةِ مِصرَ كَانُوا يَجتَمِعُونَ بِالمَدِينَةِ يَومَ عَاشُورَاءَ فِي قُبَّةِ العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَيَسُبُّونَ الشَّيخَينِ وَالصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَن يُطعِمُنِي فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟ فَخَرَجَ إِلَيهِ شَيخٌ وَأَشَارَ إِلَيهِ أَنِ اتبَعنِي، فَأَخَذَهُ إِلَى بَيتِهِ وَقَطَعَ لِسَانَهُ وَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ: هَذِهِ لِمَحَبَّةِ أَبِي بَكرٍ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى المَسجِدِ وَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَالشَّيخَينِ بِقَلبِهِ، وَرَجَعَ وَلِسَانُهُ فِي يَدِهِ، فَقَعَدَ حَزِينًا عِندَ بَابِ المَسجِدِ وَغَلَبَهُ النَّومُ، فَرَأَى النَّبِيَّ ﷺ فِي مَنَامِهِ وَمَعَهُ أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَقَالَ لِأَبِي بَكرٍ: إِنَّ هَذَا قَطَعُوا لِسَانَهُ فِي مَحَبَّتِكَ فَرُدَّ عَلَيهِ لِسَانَهُ، قَالَ: فَأَخرَجَ لِسَانَهُ مِن يَدِهِ وَوَضَعَهُ فِي مَحَلِّهِ، فَانتَبَهَ فَإِذَا لِسَانُهُ كَمَا كَانَ قَبلَ القَطعِ وَأَحسَنَ، فَلَم يُخبِر أَحَدًا بِذَلِكَ وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ القَابِلُ رَجَعَ إِلَى المَدِينَةِ، وَدَخَلَ القُبَّةَ يَومَ عَاشُورَاءَ وَطَلَبَ شَيئًا بِمَحَبَّةِ أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَخَرَجَ إِلَيهِ شَابٌّ وَقَالَ: اتبَعنِي، فَتَبِعَهُ، فَأَدخَلَهُ الدَّارَ الَّتِي قُطِعَ فِيهَا لِسَانُهُ فَأَكرَمَهُ الشَّابُّ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي تَعَجَّبتُ مِن هَذَا البَيتِ، لَقِيتُ فِيهِ العَامَ المَاضِيَ مُصِيبَةً وَمَهَانَةً، وَهَذِهِ السَّنَةَ لَقِيتُ مَا أَرَى مِنَ الإِكرَامِ، فَقَالَ الشَّابُّ: كَيفَ القِصَّةُ؟ فَأَخبَرَهُ بِالقِصَّةِ، فَأَكَبَّ عَلَى يَدَيهِ وَرِجلَيهِ، وَقَالَ: ذَلِكَ أَبِي وَقَد مَسَخَهُ اللهُ قِردًا، وَكَشَفَ عَن سِتَارَةٍ فَأَرَاهُ قِردًا مَربُوطًا، فَأَحسَنَ إِلَيهِ وَتَابَ عَن مَذهَبِهِ وَقَالَ: اكتُم عَلَى أَمرِ وَالِدِي. ذَكَرَ هَذِهِ القِصَّةَ السَّيِّدُ السَّمهُودِيُّ، وَابنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ وَالصَّوَاعِقِ، وَالقَسطَلَّانِيُّ فِي المَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ، وَغَيرُهُم.

وَذَكَرَ فِي الزَّوَاجِرِ أَنَّهُ كَانَ بِحَلَبٍ رَجُلٌ سَبَّابٌ لِلشَّيخَينِ، فَلَمَّا مَاتَ اتَّفَقَ شَبَابٌ عَلَى أَن يَنبُشُوا قَبرَهُ، فَلَمَّا نَبَشُوهُ رَأَوهُ قَد مُسِخَ خِنزِيرًا، وَيُقَالُ: قَلَّ رَافِضِيٌّ إِلَّا وَيُمسَخُ فِي قَبرِهِ خِنزِيرًا، وَاللهُ أَعلَمُ.

وَأَمَّا القَذفُ: فَقَد نَقَلَ السُّيُوطِيُّ فِي تَارِيخِ الخُلَفَاءِ أَنَّ فِي سَنَةِ خَمسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَينِ مُطِرَت قَريَةٌ بِالبَصرَةِ حِجَارَةً سَودَاءَ وَبَيضَاءَ.

وَفِي سَنَةِ اثنَتَينِ وَأَربَعِينَ وَمِائَتَينِ: رُجِمَت قَريَةُ السُّوَيدَاءِ بِالحِجَارَةِ، وَوُزِنَ حَجَرٌ مِنَ الحِجَارَةِ فَكَانَ عَشَرَةَ أَرطَالٍ.

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت وَتَكثُرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ

اتباع سنن الأمم الماضية
رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ‏قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأخُذَ أُمَّتِي بِأَخذِ القُرُونِ [أي بسيرتهم] قَبلَهَا شِبرًا بِشِبرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ ‏‏كَفَارِسَ ‏‏وَالرُّومِ ‏فَقَالَ: «وَمَن النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ».اهـ

‏قَولُهُ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأخُذَ أُمَّتِي بِأَخذِ القُرُونِ قَبلَهَا» وَالأَخذُ هُوَ السِّيرَةُ، يُقَالُ أَخَذَ فُلَانٌ بِأَخذِ فُلَانٍ أَي سَارَ بِسِيرَتِهِ.

قَولُهُ «كَفَارِسَ وَالرُّومِ» يَعنِي الأُمَّتَينِ المَشهُورَتَينِ فِي ذَلِكَ الوَقتِ، وَهُمُ الفُرسُ فِي مَلِكِهِم كِسرَى، وَالرُّومُ فِي مَلِكِهِم قَيصَرَ.

قَولُهُ «وَمَن النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ» أَي فَارِسَ وَالرُّومِ، لِكَونِهِم كَانُوا إِذ ذَاكَ أَكبَرَ مُلُوكِ الأَرضِ وَأَكثَرَهُم رَعِيَّةً وَأَوسَعَهُم بِلَادًا.

وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبلَكُم شِبرًا بِشِبرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَو سَلَكُوا جُحرَ ضَبٍّ لَسَلَكتُمُوهُ» قُلنَا يَا رَسُولَ اللهِ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ «فَمَن؟».اهـ

وَالسَنَنَ أَيِ الطَّرِيقُ، «مَن قَبلَكُم» أَيِ الَّذِينَ قَبلَكُم. وَالَّذِي يَظهَرُ أَنَّ التَّخصِيصَ إِنَّمَا وَقَعَ لِجُحرِ الضَّبِّ لِشِدَّةِ ضِيقِهِ وَرَدَاءَتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُم لِاقتِفَائِهِم آثَارَهُم وَاتِّبَاعِهِم طَرَائِقَهُم لَو دَخَلُوا فِي مِثلِ هَذَا الضِّيقِ الرَّدِيءِ لَتَبِعُوهُم.

قَولُهُ: «فَمَن؟» هُوَ استِفهَامٌ إِنكَارِيٌّ، أَي لَيسَ المُرَادُ غَيرَهُم.

قَالَ النَّوَوِّيُ فِي شَرحِ مُسلِمٍ: وَالمُرَادُ بِالشِّبرِ وَالذِّرَاعِ وَجُحرِ الضَّبِّ التَّمثِيلُ بِشِدَّةِ المُوَافَقَةِ لَهُم، وَالمُرَادُ المُوَافَقَةُ فِي المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ لَا فِي الكُفرِ، وَفِي هَذَا مُعجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَد وَقَعَ مَا أَخبَرَ بِهِ ﷺ.اهـ

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي شَرحِ البُخَارِيِّ: وَقَد وَقَعَ مُعظَمُ مَا أَنذَرَ بِهِ ﷺ وَسَيَقَعُ بَقِيَّةُ ذَلِكَ.اهـ

حال الأمة اليوم
مَن عَرَفَ هَذِهِ الأَحَادِيثَ يَعلَمُ أَنَّهُ يَنبَغِي أَن تَسُودَ فِي أَفرَادِ المُجتَمَعِ وَلَا سِيَّمَا الصِّبيَانِ وَالصَّبِيَّاتِ الصِّغَارِ عَادَاتُ المُسلِمِينَ وَعَادَاتُ الصَّحَابَةِ وَعَادَاتُ أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ لَا عَادَاتُ الغَربِ وَالكَافِرِينَ.

وَقَد قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي القُرآنِ الكَرِيمِ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [سورة البقرة[، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سورة الجمعة[، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [سورة النحل[.

فَمَا أَحوَجَنَا لِلِالتِزَامِ بِمَعَانِي هَذِهِ الآيَاتِ وَالتَّمَسُّكِ بِتَوجِيهَاتِ الأَنبِيَاءِ وَالأَولِيَاءِ وَالعُلَمَاءِ العَامِلِينَ الصَّالِحِينَ الكَامِلِينَ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثلِ أَيَّامِنَا هَذِهِ الحَالِكَةِ بِالظَّلَامِ وَالقَاتِمَةِ بِأَموَاجِ الفِتَنِ المُتَلَاطِمَةِ المُتَزَاحِمَةِ، وَقَد زَادَ الفَسَادُ وَاستَشرَى وَعَمَّ وَطَمَّ، وَضَعُفَ الِاستِرشَادُ بِالعِلمِ وَالحِكمَةِ وَقَلَّ اهتِمَامُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالأَخلَاقِ وَالخُلُقِ الحَسَنِ، وَانصَرَفَت هِمَمُ الكَثِيرِينَ إِلَى الدُّنيَا الزَّائِلَةِ وَزِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا وَمَفَاتِنِهَا، فَلَم يُحسِنُوا تَربِيَةَ أَطفَالِهِم وَأَبنَائِهِم عَلَى المَبَادِئِ الإِسلَامِيَّةِ السَّامِيَةِ الرَّاقِيَةِ الصَّحِيحَةِ، بَل إِنَّ الكَثِيرَ مِن أَهلِ هَذَا الزَّمَانِ قَدَّمُوا الدُّنيَا عَلَى الآخِرَةِ وَالفَانِيَةَ عَلَى البَاقِيَةِ، فَانعَدَمَتِ الحِكمَةُ وَضَاعَت مِن أَكثَرِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، فَتَطَاوَلَ الصِّغَارُ عَلَى الكِبَارِ، وَتَمَرَّدَ الفِتيَانُ عَلَى الرِّجَالِ، وَعَمَّ بَينَ الفَسَقَةِ الِانحِلَالُ وَالخُنُوعُ وَانصَاعَ الكَثِيرُ لِعَادَاتِ وَأَخلَاقِ وَسِيرَةِ الكَفَرَةِ وَالفَسَقَةِ المَاجِنِينَ، وَلَم يَقِفُوا عِندَ هَذَا الحَدِّ، بَل إِنَّ مِنهُم مَن تَجَرَّأَ عَلَى سِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَجَاهَرَ بِمُعَادَاتِهِ لِأَخلَاقِ الأَولِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ الكِرَامِ وَءَالِ البَيتِ العِظَامِ، فَحُرِمُوا بَرَكَةَ الحِكمَةِ، وَلَم يَنتَفِعُوا بِتَجرِبَةِ الشُّيُوخِ الـمُسَلِّكِينَ، فَظَهَرَ فِي كَثِيرٍ مِن أَبنَاءِ المُجتَمَعَاتِ اليَومَ اللُّجُوءُ إِلَى الفَسَادِ وَالمُجُونِ، وَتَمَسَّكُوا بِشِعَارَاتِ المُخَالِفِينَ المُنحَرِفِينَ، وَلَم تَبقَ لَهُم هَيبَةٌ فِي المُجتَمَعِ، وَلَا كَرَامَةٌ فِي النَّوَادِي وَالمَحَافِلِ، وَلَا حُرمَةٌ بَينَ القَومِ وَالنَّاسِ.

وَفِي ظِلِّ هَذِهِ المَظَاهِرِ الخَطِيرَةِ وَالمَفَاسِدِ العَدِيدَةِ الَّتِي تَحرِفُ كَثِيرًا مِن مُجتَمَعَاتِ الشَّبَابِ وَالأَبنَاءِ وَالطُّلَّابِ، فِي البُيُوتِ وَالمَدَارِسِ وَالثَّانَوِيَّاتِ وَالمَعَاهِدِ وَالجَامِعَاتِ وَالمُجتَمَعَاتِ، وَتَهدِمُ عَلَيهِم قِيَمَ وَأَخلَاقَ الأَكَابِرِ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ، وَتُبعِدُهُم عَنِ العَادَاتِ الحَمِيدَةِ النَّافِعَةِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا «عَادَاتُ السَّادَاتِ سَادَاتُ العَادَاتِ» كَانَ لَا بُدَّ لَنَا مِنَ التَّذكِيرِ وَالتَّنبِيهِ إِلَى خُطُورَةِ استِمرَارِ هَذِهِ الحَالِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لَنَا إِن أَرَدنَا النَّجَاحَ وَالفَلَاحَ وَالسَّعَادَةَ وَالسَّلَامَةَ وَالفَوزَ وَالأَمنَ وَالأَمَانَ وَالصَّفَاءَ وَالِاطمِئنَانَ مِنَ التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللهِ العَزِيزِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ الكَرِيمِ ﷺ وَالتَّمَسُّكِ بِالشَّرِيعَةِ الإِسلَامِيَّةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالتَّخَلُّقِ بِأَخلَاقِ الأَنبِيَاءِ وَالكَامِلِينَ مِن عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [سورة الأنعام[، وَكَمَا قَالَ سُبحَانَهُ لِنَبِيِّهِ العَظِيمِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم[.

وَقَد قَالَ سَيِّدُنَا وَإِمَامُنَا الشَّيخُ السَّيِّدُ الكَبِيرُ العَلَمُ الشَّهِيرُ أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ صَاحِبُ الخُلُقِ الشَّهِيرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ: «إِنَّ الزَّاهِدَ الصَّالِحَ يُوَكِّلُ اللهُ بِهِ مَلَكًا فَيَزرَعُ لَهُ الحِكمَةَ فِي قَلبِهِ»، وَقَد جَاءَ فِي بَعضِ الآثَارِ: «مَن أَخلَصَ للهِ أَربَعِينَ يَومًا، تَفَجَّرَت يَنَابِيعُ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلَى لِسَانِهِ». لِذَلِكَ يَنبَغِي تَربِيَةُ الأَولَادِ عَلَى أَخلَاقِ العُلَمَاءِ الأَكَابِرِ وَنَشرِ سِيَرِهِم بَدَلَ انتِشَارِ عَادَاتِ الفُجَّارِ وَالفُسَّاقِ فِي مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ.

انقضاء ملك فارس والروم
رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إذَا هَلَكَ كِسرَى ‌فَلَا ‌كِسرَى بَعدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيصَرُ فَلَا قَيصَرُ بَعدَهُ، وَاَلَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتُنفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ».اهـ

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الأُمِّ: لَمَّا أُتِيَ كِسرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَزَّقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُمَزَّقُ مُلكُهُ»، وَحَفِظنَا أَنَّ قَيصَرَ أَكرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ ﷺ وَوَضَعَهُ فِي مِسكٍ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَثبُتُ مُلكُهُ» وَوَعَدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ النَّاسَ فَتحَ فَارِسَ وَالشَّامِ، فَأَغزَى أَبُو بَكرٍ الشَّامَ عَلَى ثِقَةٍ مِن فَتحِهَا لِقَولِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَفَتَحَ بَعضَهَا، وَتَمَّ فَتحُهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ وَفَتَحَ العِرَاقَ وَفَارِسَ، فَقَد أَظهَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى الأَديَانِ بِأَن أَبَانَ لِكُلِّ مَن سَمِعَهُ أَنَّهُ الحَقُّ وَمَا خَالَفَهُ مِن الأَديَانِ بَاطِلٌ، وَأَظهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّركِ دِينَانِ دِينُ أَهلِ الكِتَابِ وَدِينُ الأُمِّيِّينَ، فَقَهَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الأُمِّيِّينَ حَتَّى دَانُوا بِالإِسلَامِ طَوعًا وَكَرهًا، وَقَتَلَ مِن أَهلِ الكِتَابِ وَسَبَى حَتَّى دَانَ بَعضُهُم بِالإِسلَامِ وَأَعطَى بَعضٌ الجِزيَةَ صَاغِرِينَ، وَجَرَى عَلَيهِم حُكمُهُ ﷺ، وَهَذَا ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ، قَالَ: وَقَد يُقَالُ لَيُظهِرَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ عَلَى الأَديَانِ حَتَّى لَا يُدَانَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِهِ، وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

وَكَانَت قُرَيشٌ تَنتَابُ الشَّامَ انتِيَابًا كَثِيرًا مَعَ مَعَايِشِهَا مِنهُ وَتَأتِي العِرَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَت فِي الإِسلَامِ ذَكَرَت لِلنَّبِيِّ ﷺ خَوفَهَا مِن انقِطَاعِ تَعَايُشِهَا بِالتِّجَارَةِ مِن الشَّامِ وَالعِرَاقِ إذَا فَارَقَت الكُفرَ وَدَخَلَت فِي الإِسلَامِ مَعَ خِلَافِ مَلِكِ الشَّامِ وَالعِرَاقِ لِأَهلِ الإِسلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إذَا هَلَكَ كِسرَى فَلَا كِسرَى بَعدَهُ»، فَلَم يَكُن بِأَرضِ العِرَاقِ كِسرَى بَعدَهُ ثَبَتَ لَهُ أَمرٌ بَعدَهُ، قَالَ: «وَإِذَا هَلَكَ قَيصَرُ فَلَا قَيصَرَ بَعدَهُ» فَلَم يَكُن بِأَرضِ الشَّامِ قَيصَرَ بَعدَهُ، وَأَجَابَهُم عَلَى مَا قَالُوا لَهُ، وَكَانَ كَمَا قَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَطَعَ اللهُ الأَكَاسِرَةَ عَن العِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيصَرَ وَمَن قَامَ بِالأَمرِ بَعدَهُ عَن الشَّامِ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي كِسرَى: «يُمَزَّقُ مُلكُهُ» فَلَم يَبقَ لِلأَكَاسِرَةِ مِلكٌ. وَقَالَ فِي قَيصَرَ: «يَثبُتُ مُلكُهُ» فَثَبَتَ لَهُ مُلكٌ بِبِلَادِ الرُّومِ إلَى اليَومِ، وَتَنَحَّى مُلكُهُ عَن الشَّامِ، وَكُلُّ هَذَا أَمرٌ يُصَدِّقُ بَعضُهُ بَعضًا. انتَهَى كَلَامُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ.

السؤال الفقهي
هل لي أن أقضي صوم قريبي مات ولم يصم؟
مَن مَاتَ وَعَلَيهِ صِيَامٌ فَائِتٌ مِن رَمَضَانَ بِعُذرٍ أَو بِغَيرِ عُذرٍ وَمَاتَ بَعدَ التَّمَكُّنِ مِن قَضَائِهِ وَلَم يَقضِ أَي قَصَّرَ أُطعِمَ عَنهُ لِكُلِّ يَومٍ فَاتَ مِن تَرِكَتِهِ مُدُّ طَعَامٍ، عَلَى القَولِ الجَدِيدِ، وَالقَدِيمُ الَّذِي صَوَّبَ فِي الرَّوضَةِ الجَزمَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الإِطعَامُ بَل يَجُوزُ لِلوَلِيِّ أَيضًا أَن يَصُومَ عَنهُ بَل يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرحِ المُهَذَّبِ. وَالوَلِيُّ يَصُومُ مُطلَقًا بِلَا إِذنِ أَحَدٍ، وَالوَلِيُّ هُوَ كُلُّ قَرِيبٍ عَلَى المُختَارِ لِخَبَرِ مُسلِمٍ: «صُومِي عَن أُمِّكِ» لِمَن قَالَت لَهُ: “أُمِّي مَاتَت وَعَلَيهَا صَومُ نَذرٍ”.

وَلَو كَانَ عَلَيهِ ثَلَاثُونَ يَومًا أَو أَكثَرَ فَصَامَهَا أَقَارِبُهُ أَي مَأذُونُو المَيِّتِ فِي يَومٍ وَاحِدٍ، أَمَّا شَيخُنَا فَقَالَ إِنَّ الوَلِيَّ هُوَ القَرِيبُ الوَارِثُ، وَأَمَّا الأَجنَبِيُّ فَإِذَا أَرَادَ أَن يَصُومَ فَيَصُومُ بِإِذنٍ، يَستَأذِنُ وَلِيَّهُ وَيَصُومُ.

مختارات من الأدعية والأذكار
مِن خَوَاصِّ اسمِ اللهِ “الرَّحمَنِ”.
صَرفُ المَكرُوهِ عَن ذَاكِرِهِ وَحَامِلِهِ، وَيُذكَرُ مِائَةَ مَرَّةٍ بَعدَ كُلِّ صَلَاةٍ فِي جَمَاعَةٍ وَخَلوَةٍ فَيُخرِجُ الغَفلَةَ وَالنِّسيَانَ.

الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ..

سُبحَانَ الَّذِي لَا يَنبَغِي التَّسبِيحُ إِلَّا لَهُ، سُبحَانَ ذِي الفَضلِ وَالنِّعَمِ، سُبحَانَ ذِي العِزَّةِ وَالكَرَمِ، سُبحَانَ الَّذِي أَحصَى كُلَّ شَيءٍ بِعِلمِهِ.

اللهم إِنَّا نسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِك، وَالغَنِيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلامَةَ مِن كُلِّ إِثمٍ، اللهم لا تَدَع لنا ذَنبًا إِلَّا غَفَرتَهُ، وَلا هَمًّا إِلَّا فَرَّجتَهُ، وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيتَهَا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهم صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى عَبدِكَ وَرَسُولِكَ؛ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ كُلَّمَا ذَكَرَكَ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَن ذِكرِكَ الغَافِلُونَ. رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

إِلَٰهِي أَعِنَّا عَلَى مَا تَبَقَّىٰ مِن شَهرِ رَمَضَانَ وَاجعَلهُ شَاهِدًا لَنَا لَا عَلَينَا. اللهم بَلِّغنَا بِفَضلِكَ لَيلَةَ القَدرِ، وَلَا تَحرِمنَا نُورَهَا وَبَرَكَتَهَا وَأجرَهَا وَسِرَّهَا. اللهم مَا تُنزِلهُ من خَيرَاتٍ وَبَرَكَاتٍ وَمِنَحٍ وَهِبَاتٍ فِي هَٰذِهِ الأيَّامِ واللَّيَالِي المُبَارَكَةِ فَاجعَل لَنَا مِن ذَٰلِكَ نَصِيبًا وَحَظًّا وَافِرًا. وَاجعَلنَا مِنَ المَقبُولِينَ ومِنَ المَرحُومِينَ ومِنَ المَغفُورِ لهم وَمِن عُتَقَاءِ شَهرِ رَمَضَان يَا حَنَّانُ يَا مَنَّان.

اللهم اجعَل لَنَا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ المُبَارَكَةِ وَمَا بَعدَهَا رَحمَةً وَهَنَاءً، وَأَبعِد عَنَّا ضِيقَ المَعِيشَةِ وَالعَنَاءَ، وَاجعَل عَيشَنَا فِي سَعَةٍ وَرَخَاءٍ، وَارفَع عَنا كُلَّ بَلَاءٍ، وَسَلِّمنَا مِن كُلِّ دَاءٍ، وَأَبدِل لَنا الكَدَرَ بِالصَّفَاءِ، وَاستَجِبَ لَنا كُلَّ دُعَاءٍ، وَحَقِّقَ لَنَا كُلَّ رَجَاءٍ، وَاجزِنَا اللهم خَيرَ الجَزَاءِ، وَارزُقنَا رُؤيَةَ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَزِيَارَتَهُ وَمُجَاوَرَتَهُ وَالمَوتَ فِي بَلَدِهِ وَشَفَاعَتَهُ وَالحَشرَ مَعَهُ وَشَربَةً مِن حَوضِهِ وَصُحبَتَهُ فِي الفِردَوسِ الأَعلَى.

اللهم ارزُقنَا رِزقًا حَلَالًا طَيِّبًا وَقَنِّعنَا بِمَا رَزَقتَنَا اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ العَفوَ وَالعَافِيَةَ وَالمُعَافَاةَ وَحُسنَ اليَقِينِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخلِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبنِ وَنَعُوذُ بِكَ أَن نُرَدَّ إِلَى أَرذَلِ العُمُرِ وَنعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ الدُّنيَا وَنعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ القَبرِ.

اللهم بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَبِكُلِّ أَسمَاءِكَ الحُسنَى وَعَظَمَتِهَا، يَا مَن يَقُولُ لِلشَّيءِ كُن فَيَكُونُ، أَن تُنزِلَ عَلَى الأَقصَى مِن جُنُودِكَ وَمَلَائِكَتِكَ مَن يُدَافِعُونَ عَنهُ، يَا قَدِيرُ يَا جَبَّارُ يَا كَرِيمُ اللهم بِقُوَّتِكَ وَبِغَوثِكَ وَبِحِفظِكَ لِمَنِ احتَمَى بِآيَاتِكَ، نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا شَدِيدَ البَطشِ، يَا عَظِيمَ القَهرِ يَا مَن لَا يُعجِزُهُ قَهرُ الجَبَابِرَةِ، وَلَا يَعظُمُ عَلَيهِ هَلَاكُ المُتَمَرِّدِينَ مِنَ المُلُوكِ وَالأَكَاسِرَةِ، أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم. اللهم اجعَل لِلمُرَابِطِينَ النُّصرَةَ وَالعِزَّةَ وَالغَلَبَةَ وَالقُوَّةَ وَالهَيبَةَ فِي قُلُوبِ أَعدَائِهِم يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ.

اللهم أَغِث أهلَ القُدسِ وأهلَ غَزَّةَ وأهلَ فِلَسطِينَ. اللهم اُشدُد أَزرَهُم، اللهم اُربُط عَلَى قُلُوبِهِم، اللهم اُنشُرِ السَّكِينَةَ في قُلُوبِهِم. اللهم أَنزِل علَيِّهِمُ دِفئًا وسَلامًا وأمنًا وأمَانًا، وتَقَبَّل شُهَدَاءَهُم واشفِ مَرضَاهُم.

اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

اللهم انصُر عِبَادَكَ فِي فِلَسطِينَ وَسَخِّر لَهُمُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا وَالسَّمَاءَ وَمَن فِيهَا. اللهم بِقُوَّتِكَ نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا عَظِيمَ القَهرِ أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ

اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ

 

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …