أشراط الساعة (١٦) | ناطحات السحاب.. هل كانت علامة من علامات الساعة؟!

المقدمة

الحَمدُ للهِ الَّذِي أَكرَمَنَا بِالإِسلَامِ، وَأَعَزَّنَا بِالإِيمَانِ، وَأَنعَمَ عَلَينَا بِالقُرآنِ، وَجَعَلَنَا مُوَحِّدِينَ غَيرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا الأَمِينِ، سَيِّدِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، مَن بَعَثَهُ رَبُّهُ بِالحَقِّ المُبِينِ، الَّذِي بَشَّرَ بِنُبُوَّتِهِ مُوسَى وَعِيسَى وَهَارُونُ وَسَائِرُ المُرسَلِينَ.

وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ لَه، وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهَ وَحَبِيبُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَعَلَّمَ النَّاسَ مَا يَنفَعُهُم وَحَذَّرَهُم مِمَّا يَضُرُّهُم فِي دِينِهِم وَدُنيَاهُم، فَبَيَّنَ أَنَّ الصِّدقَ مَنجَاةٌ وَالكَذِبَ مَهلَكَةٌ، فَأَمَرَ بالصِّدقِ وعَظَّمَ أَهلَهُ، وَحَذَّرَ مِنَ الكَذِبِ وَذَمَّ أَهلَهُ، فَصَلِّ اللهم عَلَيهِ صَلَاةً تَكُونُ سَبَبًا فِي مَغفِرَةِ الذُّنُوبِ وَسَترِ العُيُوبِ وَالنَّجَاةِ مِنَ الكُرُوبِ، أَمَّا بَعدُ:

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

التطاول في البنيان
قَالَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: ‌‌بَابُ مَا جَاءَ فِي البِنَاءِ: قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ إِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ البَهْمِ فِي البُنيَانِ».اهـ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ المَشهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي ذِكرِ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ: «وأن تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنيَانِ». وَفِي رِوَايَةِ مُسلِمٍ: قَالَ جِبرِيلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا المَسؤُولُ عَنهَا بِأَعلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِن سَأُحَدِّثُكَ عَن أَشرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا فَذَاكَ مِن أَشرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتِ العُرَاةُ الحُفَاةُ رُؤُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِن أَشرَاطِهَا، وَإِذَا ‌تَطَاوَلَ ‌رِعَاءُ ‌البَهمِ فِي البُنيَانِ فَذَاكَ مِن أَشرَاطِهَا».اهـ وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَن ‏أَبِي هُرَيرَةَ ‏رَضِيَ اللهُ عَنهُ ‏أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ‏قَالَ:‏ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى».. وَعَدَّ أَشيَاءَ مِنهَا: «يَتَطَاوَل النَّاسُ فِي البُنيَانِ».اهـ

قَالَ النَّوَوِيُّ: قَولُهُ ﷺ «وَإِذَا تَطَاوَلَ ‌رِعَاءُ ‌البَهْمِ» وَهِيَ الصِّغَارُ مِن أَولَادِ الغَنَمِ الضَّأنِ وَالمَعزِ جَمِيعًا.

وَأَمَّا العَالَةُ فَهُمُ الفُقَرَاءُ، وَالعَائِلُ الفَقِيرُ، وَالعَيلَةُ الفَقرُ، وَمَعنَاهُ أَنَّ أَهلَ البَادِيَةِ وَأَشبَاهَهَم مِن أَهلِ الحَاجَةِ وَالفَاقَةِ تُبسَطُ لَهُمُ الدُّنيَا حَتَّى يَتَبَاهَونَ ‌فِي ‌البُنيَانِ.اهـ

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: وَمَعنَى التَّطَاوُلِ فِي البُنيَانِ أَنَّ كُلًّا مِمَّن كَانَ يَبنِي بَيتًا يُرِيدُ أَن يَكُونَ ارتِفَاعُهُ أَعلَى مِنَ ارتِفَاعِ الآخَرِ، وَقَد وُجِدَ الكَثِيرُ مِن ذَلِكَ وَهُوَ فِي ازدِيَادٍ. اهـ

في المصنف عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِلِجَامِ دَابَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ مَكَّةَ قَدْ بَعَجَتْ كَظَائِمَ وَرَأَيْتَ الْبِنَاءَ يَعْلُو رُءُوسَ الْجِبَالِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ أَظَلَّكَ

‌كَظَائِم. وَهِيَ آبَارٌ تُحْفَر فِي الْأَرْضِ مُتَناسِقَة، ويَخْرَق بعضُها إِلَى بَعْض تَحت الْأَرْضِ، فَتَجْتَمِع مِياهُها جارِيةً، ثُمَّ تَخْرُج عِنْدَ مُنْتَهاها فَتَسِيح عَلَى وجْه الْأَرْضِ. اهـ أَيْ حُفِرَت قَنَواتٍ. اهـ

وفي رواية عَنْ مجاهد عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: “إِذَا رَأَيْتَ ‌الْبِنَاءَ ‌قَدِ ‌ارْتَفَعَ ‌عَلَى ‌جِبَالِ مَكَّةَ وَسَالَ الْمَاءُ فَخُذْ حِذْرَكَ”.اهـ

وفي رواية عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “يَا مُجَاهِدُ إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَرَأَيْتَ الْبِنَاءَ ‌يَعْلُو ‌أَخْشَبَيْهَا، فَخُذْ ‌حِذْرَكَ”.

وفي رواية في تفسير عبد الرزاق عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ الْبِنَاءَ ‌ارْتَفَعَ ‌إِلَى ‌أَبِي ‌قُبَيْسٍ وَجَرَى الْمَاءُ فِي الْوَادِي فَخُذْ حِذْرَكَ».اهـ

وفي رواية للأزرقي عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذْ نَظَرَ إِلَى بَيْتٍ مُشْرِفٍ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ فَقَالَ: «أَبَيْتٌ ذَلِكَ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «إِذًا رَأَيْتُ بُيَوتَهَا يَعْنِي بِذَلِكَ مَكَّةَ، ‌قَدْ ‌عَلَتْ ‌أَخْشَبَيْهَا وَفُجِّرَتْ بُطُونُهَا أَنَّهَارًا، فَقَدْ أَزِفَ الْأَمْرُ».اهـ

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

ولادة الأَمة ربَّتها
جَاءَ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ: «أَن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا»: «وَرَبَّتَهَا» مُؤَنَّثٌ مَعنَاهُ سَيِّدَتَهَا. قَد يَظُنُّ الشَّخصُ أَنَّ الكَلَامَ عَنِ النِّسَاءِ فَقَط وَهُوَ لَيسَ كَذَلِكَ. أَي نَفسًا هِيَ سَيِّدَتُهَا. وَالنَّفسُ تَكُونُ ذَكَرًا وَأُنثَى. أَي نَفسًا هِيَ رَبَّتُهَا، وَالعُلَمَاءُ ذَكَرُوا تَفسِيرَينِ: قَالُوا يَحتَمِلُ أَحَدُ مَعنَيَينِ. بَعضُهُم قَالَ مَعنَاهُ أَن يَنتَشِرَ دِينُ الإِسلَامِ وَيَقوَى وَتَقَعَ الفُتُوحَاتُ فَتَكثُرَ الإِمَاءُ، يَعنِى النِّسَاءُ اللَّوَاتِي يَصِرنَ مِن جُملَةِ العَبِيدِ فَيَملِكُهَا سَيِّدُهَا. وَالأَمَةُ إِذَا مَلَكَهَا سَيِّدُهَا بِشُرُوطٍ يَذكُرُهَا الفُقَهَاءُ يَحِلُّ لَهُ جِمَاعُهَا ﴿وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَىٰ أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون آية 5-6] يَجُوزُ لَهُ جِمَاعُهَا فَإِذَا وَلَدَت لَهُ، وَلَدُهَا مِنهُ يَكُونُ حُرًّا، فَصَارَ بِذَلِكَ الوَلَدُ حُرًّا وَأُمُّهُ أَمَةٌ، فَصَارَ كَأَنَّهُ سَيِّدٌ لِأُمِّهِ، فَتَكُونُ الأَمَةُ وَلَدَت سَيِّدَها، إِذَا وَلَدَت ذَكَرًا أَو وَلَدَت أُنثَى. إِذَا وَلَدَت أُنثَى تَصِيرُ البِنتُ كَأَنَّهُا سَيِّدَةٌ لِأُمِّهَا. هَكَذَا فَسَّرَ بَعضُ العُلَمَاءِ.

وَبَعضُهُم قَالَ: مَعنَاهُ أَن يَكثُرَ العُقُوقُ بَينَ الأَولَادِ. أَن يَعُقَّ الأَولَادُ أُمَّهَاتِهِم فَيَصِيرُ الوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثَى يُعامِلُ أُمَّهُ كَأَنَّهُ سَيِّدٌ لَهَا وَكَأَنَّهَا أَمَةٌ جَارِيَةٌ عِندَهُ! وَهَذَا التَّفسِيرُ الثَّانِي أَكثَرُ مُلَاءَمَةً لأَنَّ مَا سيُذكَرُ بَعدَهُ مِنَ العَلَامَاتِ كُلُّها تَدُلُّ عَلَى انقِلَابِ الأَحوَالِ وَفَسَادِهَا. فَهَذَا أَكثَرُ مُلَاءَمَةً.

وَالأَمرَانِ حَصَلَا كَمَا أَخبَرَ النَّبِيُّ. كَثرَةُ الفُتُوحَاتِ حَصَلَت وَصَارَ عِندَ المُسلِمِينَ فِي المَاضِي إِمَاءٌ كَثِيرَاتٌ فَكَانَ يُولَدُ لِلسَّيِّدِ مِن أَمَتِهِ وَيَكُونُ وَلَدُهُ مِنها ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثَى حُرًّا فَكَأَنَّهُ سَيِّدٌ لِأُمِّهِ. هَذَا حَصَل.

وَفِى أَيَّامِنَا، لَا يَخفَى عَلَيكُم أَينَما نَظَرتُم تَرَونَ شِدَّةَ العُقُوقِ الحَاصِلِ مِنَ الأَولَادِ لِآبَائِهِم. فَصَارَ الوَلَدُ كَأَنَّهُ سَيِّدٌ لِأُمِّهِ وَصَارَتِ البِنتُ كَأَنَّهَا سَيِّدَةٌ لِأُمِّهَا.

وَكَلِمَةُ “رَبّ” في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ مَعنَاهُ “المَالِكُ”، يَقُولُ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ :”ورَبُّ كُلِّ شَىءٍ مَالِكُهُ وَمُستَحِقُّهُ”، وَيَجوزُ أَن يُطلَقَ عَلَى الإِنسَانِ بِالإِضَافَةِ إِلَى شَىءٍ يَملِكُهُ، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ “أَنَا رَبُّ هَذَا القَلَمِ” أَي أَنَا أَملِكُهُ، هَذَا صَحِيحٌ لُغَةً وَغَيرُ مَمنُوعٍ شَرعًا لِأَنَّ مَالِكَ الشَّىءِ يُقَالُ عَنهُ هُوَ رَبُّ هَذَا الشَّىءِ، وَرَدَ ذَلِكَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ ذِكرُ مُعجِزَةِ الجَمَلِ الَّذِي جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ بَاكِيًا، فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَن رَبُّ هَذَا الجَمَلِ» أَي مَن صَاحِبُهُ. فَإِذًا يُقالُ “رَبُّ البَيتِ” بِمَعنَى “مَالِكِ البَيتِ”، فَيُقَالُ: أَنَا رَبُّ هَذِهِ الدَّابَّةِ بِمَعنَى مَالِكِهَا، أَو رَبُّ الدَّارِ، أَو أَنَا رَبُّ النِّجَارَةِ أَو أَنَا رَبُّ الخِيَاطَةِ بِمَعنَى مُتقِنِهَا، أَي مُتقِنِ هَذِهِ الصَّنعَةِ، مَعنَاهُ مُحسِنُ هَذِهِ الصَّنعَةِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لُغَةً وَشَرعًاوَلَا يُقَالُ “رَبُّ العَائِلَةِ” لِأَنَّهُ لَا يَملِكُ العَائِلَةَ وَلَا يَملِكُ الأَشخَاصَ، أَمَّا العَبدُ المَملُوكُ فَإِذَا قِيلَ فِيهِ: فُلَانٌ رَبُّ هذا العبد بِمَعنَى أَنَّهُ سَيِّدُهُ فَهَذَا كَانَ فِي المَاضِي مَوجُودًا بِكَثرَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ. لَكِن أَن يُقَالَ: أَنَا رَبُّ النَّجَّارِينَ وَالفَرَّانِينَ فَهَذَا مَمنُوعٌ لِأَنَّهُ تَكذِيبٌ لِلدِّينِ، فَقَائِلُ هَذِهِ العِبَارَةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا خَالِقُ الإِنسَانِ.

وَعِندَمَا نَقُولُ: اللهُ رَبِّي: «رَبّ» هُنَا بِمَعنَى الخَالِقِ هُوَ اللهُ تَعَالَى، فَإِذًا مَعنَى ﴿رَبِّ العَالَمِينَ﴾ أَي مَالِكِ العَالَمِينَ.

قَالَ الفَيُّومِيُّ فِي «المِصبَاحِ المُنِيرِ»: «الرَّبُّ يُطلَقُ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُعَرَّفًا بِالأَلِفِ وَاللَّامِ قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ استِعمَالُهُ بِالأَلِفِ وَاللَّامِ لِلمَخلُوقِ بِمَعنَى المَالِكِ لِأَنَّ اللَّامَ لِلعُمُومِ وَالمَخلُوقُ لَا يَملِكُ جَمِيعَ المَخلُوقَاتِ.

وَهُنَا أُنَبِّهُ إِلَى مَا يَذكُرُهُ البَعضُ وَهُوَ: حَدِيثُ: «الخَلقُ كُلُّهُم عِيَالُ اللهِ وَأَحَبُّهُم إِلَى اللَّهِ أَنفَعُهُم لِعِيَالِهِ» فَلَيسَ صَحِيحًا، بَل هُوَ حَدِيثٌ شَدِيدُ الضَّعفِ ففِي أَسَانِيدِهِ رَاوِيَانِ مَترُوكَانِ فَلا يَنبَغِى أَن يُروَى.اﻫ قَالَ الحَافِظُ نُورُ الدِّينِ فِى مَجمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ أَبُو يَعلَى وَالبَزَّارُ وَفِيهِ يُوسُفُ بنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ وَهُوَ مَترُوكٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ فِى الكَبِيرِ وَالأَوسَطِ وَفِيهِ مُوسَى بنُ عُمَيرٍ وَهُوَ أَبُو هَارُونَ القُرَشِىُّ مَترُوكٌ.

ثُمَّ العِيَالُ فِى اللُّغَةِ مَعنَاهُ النَّاسُ الَّذِينَ يُنفِقُ عَلَيهِمُ الشَّخصُ وَلَو كَانُوا أَعمَامَهُ أَو أَخوَالَهُ، وَلَيسَ مَعنَاهُ الأَولادَ فَلَو صَحَّ هَذَا الحَدِيثُ لَكَانَ مَعنَاهُ أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم فَقُرَاءُ اللهِ أَي فُقَرَاءُ إِلَى اللهِ كَمَا ذَكَرَ المُنَاوِىُّ فِى شَرحِ الجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَلَيسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَن أَرَادَ أَن يَنسُبَ الوَلَدَ لِلخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ.اهـ

قَالَ ابنُ رَجَبٍ: وَمَضمُونُ مَا ذُكِرَ مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ فِي هَذَا الحَدِيثِ يَرجِعُ إِلَى أَنَّ الأُمُورَ تُوَسَّدُ إِلَى غَيرِ أَهلِهَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِمَن سَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ» فَإِنَّهُ إِذَا صَارَ الحُفَاةُ العُرَاةُ رِعَاءَ الشَّاءِ وَهُم أَهلُ الجَهلِ وَالجَفَاءِ رُؤَسَاءَ النَّاسِ وَأَصحَابَ الثَّروَةِ وَالأَموَالِ حَتَّى يَتَطَاوَلُوا فِي البُنيَانِ فَإِنَّهُ يَفسُدُ بِذَلِكَ نِظَامُ الدِّينِ وَالدُّنيَا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ رُؤُوسُ النَّاسِ مَن كَانَ فَقِيرًا عَائِلًا فَصَارَ مَلِكًا عَلَى النَّاسِ سَوَاءً كَانَ مُلكُهُ عَامًّا أَو خَاصًّا فِي بَعضِ الأَشيَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُعطِي النَّاسَ حُقُوقَهُم، بَل يَستَأثِرُ عَلَيهِم بِمَا استَولَى عَلَيهِم مِنَ المَالِ، فَقَد قَالَ بَعضُ السَّلَفِ: لَأَن تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى فَمِ التِّنِّينِ فَيَقضِمَهَا أَهوَنُ عَلَيكَ مِن أَن تَمُدَّهَا إِلَى يَدِ غَنِيٍّ قَد عَالَجَ الفَقرَ، وَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا جَاهِلًا جَافِيًا فَسَدَ بِذَلِكَ الدِّينُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ هِمَّةٌ فِي إِصلَاحِ دِينِ النَّاسِ وَلَا تَعلِيمِهِم، بَل هِمَّتُهُ فِي جِبَايَةِ المَالِ وَإِكثَارِهِ وَلَا يُبَالِي بِمَا أَفسَدَ مِن دِينِ النَّاسِ وَلَا بِمَن أَضَاعَ مِن أَهلِ حَاجَاتِهِم.

وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَسُودَ كُلَّ قَبِيلَةٍ مُنَافِقُوهَا». وَإِذَا كَانَ مُلُوكُ النَّاسِ وَرُؤُوسُهُم عَلَى هَذِهِ الحَالِ انعَكَسَت سَائِرُ الأَحوَالِ، فَصُدِّقَ الكَاذِبُ وَكُذِّبَ الصَّادِقُ، وَائتُمِنَ الخَائِنُ وَخُوِّنَ الأَمِينُ، وَتَكَلَّمَ الجَاهِلُ وَسَكَتَ العَالِمُ أَو عُدِمَ بِالكُلِّيَّةِ.

وَقَالَ الشَّعبِيُّ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَصِيرَ العِلمُ جَهلًا وَالجَهلُ عِلمًا». وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ انقِلَابِ الحَقَائِقِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَانعِكَاسِ الأُمُورِ.

وَفِي قَولِهِ: «يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنيَانِ» دَلِيلٌ عَلَى ذَمِّ التَّبَاهِي وَالتَّفَاخُرِ خُصُوصًا بِالتَّطَاوُلِ فِي البُنيَانِ، وَلَم يَكُن إِطَالَةُ البِنَاءِ مَعرُوفًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، بَل كَانَ بُنيَانُهُم قَصِيرًا بِقَدرِ الحَاجَةِ.

وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ قَالَ: كُنتُ أَدخُلُ بُيُوتَ أَزوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ فِي خِلَافَةِ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَأَتَنَاوَلُ سَقفَهَا بِيَدِي.

وَرُوِيَ عَن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ كَتَبَ: لَا تُطِيلُوا بِنَاءَكُم [أَي بِغَيرِ حَاجَةٍ] فَإِنَّهُ شَرُّ أَيَّامِكُم.

وَرَوَى ابنُ أَبِي الدُّنيَا بِإِسنَادِهِ عَنِ الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللهِ ﷺ مَسجِدَهُ قَالَ: «ابنُوهُ عَرِيشًا كَعَرِيشِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ» قِيلَ لِلحَسَنِ: وَمَا عَرِيشُ مُوسَى؟ قَالَ: إِذَا رَفَعَ يَدَهُ بَلَغَ العَرِيشَ يَعنِي السَّقفَ.

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

تقارب الأسواق
رَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ فِي مُسنَدِهِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظهَرَ ‌الفِتَنُ، ‌وَيَكثُرَ ‌الكَذِبُ، وَتَتَقَارَبَ الأَسوَاقُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَيَكثُرَ الهَرجُ» قِيلَ: وَمَا الهَرجُ؟ قَالَ: «القَتلُ».اهـ

وَالأَسوَاقُ هِيَ شَرُّ البِقَاعِ عِندَ اللهِ تَعَالَى: فَقَد رَوَى البَيهَقِيُّ عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ البِقَاعِ خَيرٌ، قَالَ: «لَا أَدرِي» قَالَ: فَأَيُّ البِقَاعِ شَرٌّ، قَالَ: «لَا أَدرِي» قَالَ: فَأَتَاهُ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: «يَا جِبرِيلُ، أَيُّ البِقَاعِ خَيرٌ»، قَالَ: لَا أَدرِي، قَالَ: «أَيُّ البِقَاعِ شَرٌّ»، قَالَ: لَا أَدرِي، فَقَالَ اللهُ سُبحَانَهُ لِجِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلَامُ: «سَأَلَكَ مُحَمَّدٌ أَيُّ البِقَاعِ خَيرٌ فَقُلتَ: لَا أَدرِي، وَسَأَلَكَ أَيُّ البِقَاعِ شَرٌّ، فَقُلتَ: لَا أَدرِي، فَأَخبِرهُ أَنَّ خَيرَ البِقَاعِ المَسَاجِدُ، وَأَنَّ شَرَّ البِقَاعِ الأَسوَاقُ».اهـ

قَالَ مُلَّا عَلِيٌّ القَارِي: فِي رِوَايَةٍ: «شَرُّ البِقَاعِ أَسوَاقُهَا» لِأَنَّهَا مَحَلُّ الغَفلَةِ وَالمَعصِيَةِ «وَخَيرُ البِقَاعِ مَسَاجِدُهَا» لِأَنَّهَا مَحَلُّ الحُضُورِ وَالطَّاعَةِ.اهـ

وَفِي هَذَا الحَدِيثِ المَذكُورِ فِيهِ خَيرُ البِقَاعِ وَشَرُّهَا عِندَ اللهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا أَدرِي» عَن أَمرٍ حَتَّى جَاءَهُ الجَوَابُ مِن جِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلَامُ، فَلَا يَستَحِي الشَّخصُ قَولَ لَا أَدرِي فِي مَحَلِّهَا، فَقَولُهَا فِي مَحَلِّهَا لَيسَ عَيبًا..

وَقَد رَوَى ابنُ أَبِي شَيبَةَ أَنَّ أَبَا بَكرٍ سُئِلَ عَن: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلتُ فِي كِتَابِ اللهِ مَا لَا أَعلَمُ.

فَلَا يَجُوزُ لِلشَّخصِ أَن يَتَجَرَّأَ عَلَى الفَتوَى بِغَيرِ عِلمٍ فَيُهلِكَ النَّاسَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، فَقَد عَدَّ الفُقَهَاءُ مِنَ المَعَاصِي الفَتوَى بِغَيرِ عِلمٍ فَإِنَّهَا مُهلِكَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَن أَفتَى بِغَيرِ عِلمٍ لَعَنَتهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَالأَرضِ» فَيَنبَغِي عَلَى المُؤمِنِ أَن يَبتَعِدَ عَن ذَلِكَ.

فِي المَاضِي كَانَ يَكُونُ فِي المَجلِسِ العَدِيدُ مِنَ العُلَمَاءِ الكِبَارُ يَأتِي الوَاحِدُ لِيَستَفتِيَ وَاحِدًا مِنهُم فَيُحِيلُهُ إِلَى الثَّانِي، لَمَاذَا؟ لِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ فُلَانًا يُفِيدُهُ أَكثَرَ مِنهُ، هَذَا مِنَ الخَوفِ مِنَ اللهِ وَمِنَ التَّوَاضُعِ، أَمَّا فِي أَيَّامِنَا يَكُونُ الشَّخصُ جَاهِلًا جَهلًا مُرَكَّبًا وَإِذَا جَاءَهُ إِنسَانٌ يَسأَلُهُ عَن أَيِّ شَىءٍ لَا يَقُولُ لَا أَعرِفُ.. كَلِمَةُ لَا أَدرِي كَأَنَّهَا عَيبٌ عِندَهُ، فَقَد رَوَى الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَن مَالِكٍ عَن مُحَمَّدِ بنِ عَجلَانَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَغفَلَ العَالِمُ لَا أَدرِي أُصِيبَت مَقَاتِلُهُ» إِذَا تَرَكَ العَالِمُ كَلِمَةَ لَا أَدرِي هَذَا كَأَنَّهُ أُصِيبَ بِالمَقتَلِ مَعنَاهُ هَلَكَ. وَسَيِّدُنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ سُئِلَ ثَمَانِيَةً وَأَربَعِينَ مَسأَلَةً أَجَابَ عَن سِتَّةٍ.

فَلَا يَجُوزُ أَن يُفتِيَ الشَّخصُ بِفَتوَى بِغَيرِ عِلمٍ. قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿وَلَا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسئُولًا﴾ أَي لَا تَقُل قَولًا بِغَيرِ عِلمٍ، فَمَن أَفتَى فَإِن كَانَ مُجتَهِدًا أَفتَى عَلَى حَسَبِ اجتِهَادِهِ وَإِن لَم يَكُن مُجتَهِدًا فَلَيسَ لَهُ أَن يُفتِيَ إِلَّا اعتِمَادًا عَلَى فَتوَى إِمَامٍ مُجتَهِدٍ أَي عَلَى نَصٍّ لَهُ أَو وَجهٍ استَخرَجَهُ أَصحَابُ مَذهَبِهِ مِن نَصٍّ لَهُ، وَلَا يُغفِلُ كَلِمَةَ لَا أَدرِي.

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

فُشُوُّ التجارة وكثرتها
رَوَى الحَاكِمُ فِي المُستَدرَكِ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ بَينَ يَدَي السّاعَةِ تَسلِيمُ الخَاصَّةِ [أَي تَسلِيمُ المَعَارِفِ فَقَط، مَعنَاهُ تَسلِيمُ الرَّجُلِ عَلَى نَاسٍ مَخصُوصِينَ يَعرِفُهُم]، وَفَشُوُّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ المَرأَةُ زَوجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطعُ الأَرحَامِ، وَظُهُورِ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَكِتمَانُ شَهَادَةِ الحَقِّ».

وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَن عَمرِو بنِ تَغلِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ أَن يَفشُوَ المَالُ وَيَكثُرَ، وَتَفشُوَ التِّجَارَةُ».اهـ

وَهَذَهِ العَلَامَةُ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ بِمُجَرَّدِهَا لَيسَت حَرَامًا، يَعنِي لَوِ انتَشَرَتِ التِّجَارَةُ وَأَعَانَتِ المَرأَةُ زَوجَهَا فِي عَمَلٍ دُنيَوِيٍّ غَيرِ مُخَالِفٍ لِلشَّرعِ فَهَذَا لَيسَ حَرَامًا، لَكِن حُصُولُ هَذَا عَدَّهُ النَّبِيُّ ﷺ مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ.

وَهُنَا أَذكُرُ أَنَّهُ يَنبَغِي عَلَى المُؤمِنِ العَامِلِ فِي التِّجَارَةِ أَن يُرَاعِيَ أَحكَامَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيعِهِ وَشِرَائِهِ وَتِجَارَتِهِ، فَقَد قَالَ ﷺ: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحشَرُ يَومَ القِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ». وَكَانَ بَعضُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ تُجَّارًا فِي الأَسوَاقِ وَيُنفِقُونَ أَموَالَهُم لِنُصرَةِ الدِّينِ وَالدَّعوَةِ، كَعُثمَانَ بنِ عَفَّانَ وَعَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ وَأَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وَغَيرِهِمُ الكَثِيرِ، فَفِي المُستَدرَكِ عَن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَت: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ لِأَزوَاجِهِ: «إِنَّ الَّذِي يَحنُو عَلَيكُم بَعدِي هُوَ الصَّادِقُ البَارُّ، اللَّهُمَّ ‌اسقِ ‌عَبدَ ‌الرَّحمَنِ ‌بنَ عَوفٍ مِن سَلسَبِيلِ الجَنَّةِ». قَالَ الحَاكِمُ: قَد صَحَّ الحَدِيثُ عَن عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

وَعِندَمَا حَثَّ النَّبِيُّ ﷺ أَصحَابَهُ أَن يَتَصَدَّقُوا عَلَى رَجُلٍ مِن بَنِي سُلَيمٍ أَسلَمَ حَدِيثًا فَقَالَ: «أَعطُوهُ»، فَأَعطَوهُ حَتَّى أَبطَرُوهُ، فَقَامَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لَهُ عِندِي نَاقَةً عُشَرَاءَ دُونَ البُختِيَّةِ وَفَوقَ الأَعرَابِيِّ، تَلحَقُ وَلَا تُلحَقُ، أُهدِيَت إِلَيَّ يَومَ تَبُوكَ، أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَدفَعُهَا إِلَى الأَعرَابِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَد وَصَفتَ نَاقَتَكَ، فَأَصِفُ مَا لَكَ عِندَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ؟» قَالَ: نَعَم، قَالَ: «لَكَ كَنَاقَةٍ مِن دُرَّةٍ جَوفَاءَ، قَوَائِمُهَا مِن زَبَرجَدٍ أَخضَرَ، وَعُنُقُهَا مِن زَبَرجَدٍ أَصفَرَ، عَلَيهَا هَودَجٌ، وَعَلَى الهَودَجِ السُّندُسُ وَالإِستَبرَقُ، وَتَمُرُّ بِكَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالبَرقِ الخَاطِفِ، يَغبِطُكَ بِهَا كُلُّ مَن رَآكَ يَومَ القِيَامَةِ» (وَهَذَا فِيهِ بَيَانُ ثَوَابِ الصَّدَقَةِ وَعُظمِ أَمرِهَا فِي الدِّينِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا جَزَاءَ مَن تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ فَكَيفَ بِالَّذِي يَتَصَدَّقُ لِنُصرَةِ الدِّينِ وَلِإِعلَاءِ كَلِمَتِهِ وَلِنَشرِ العِلمِ بَينَ النَّاسِ كَمَا تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ جَمعِيَّتُنَا وَللهِ الحَمدُ)، فَقَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ: قَد رَضِيتُ (وَهَذَا الكَلَامُ فِيهِ رَدُّ مَا يَنشُرُهُ البَعضُ عَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ أَنَّهُ يَدخُلُ الجَنَّةَ حَبوًا فَهَذَا كَذِبٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، فَعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ مِنَ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ لَا يَلِيقُ هَذَا الكَلَامُ بِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ، بَل هُوَ مِنَ السَّابِقِينَ وَالسَّبَّاقِينَ دُخُولًا الجَنَّةَ).

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

انتفاخ الأهلة وأن تتخذ المساجد طرقا وكثرة موت الفجأة
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مِنِ اقتِرَابِ السَّاعَةِ انتِفَاخُ الأَهِلَّةِ». وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنِ اقتِرَابِ السَّاعَةِ انتِفَاخُ الأَهِلَّةِ، وَأَن يُرَى الهِلَالُ اللَّيلَةَ فَيُقَالُ لِلَيلَتَينِ».اهـ

وَهَذَا عَدَّهُ الرَّسُولُ ﷺ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ، وَقَد ظَهَرَ سَابِقًا وَفِي أَيَّامِنَا، فَالَّذِي يُرَاقِبُ الأَهِلَّةَ يَعرِفُ هَذَا، أَحيَانًا عِندَ مُرَاقَبَةِ الهِلَالِ يَظهَرُ أَكبَرَ مِن حَجمِهِ المَعرُوفِ عَلَيهِ وَيَظهَرُ بِشَكلٍ أَوضَحَ، وَهَذَا مِن آيَاتِ اللهِ وَمِن دَلَائِلِ قُدرَةِ اللهِ، وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ القَمَرَ أَوِ الشَّمسَ أَو غَيرَهُمَا مِن آيَاتِ اللهِ يَتَصَرَّفُ بِهَا سُبحَانَهُ كَيفَمَا يَشَاءُ.

اتخاذ المساجد طرقًا
وَمَعنَى قَولِهِ فِي الحَدِيثِ السَّابِقِ: «وَأَن تُتَّخَذَ المَسَاجِدُ طُرُقًا» أَي تَصِيرَ طَرِيقًا لِلمَارَّةِ يَدخُلُ الرَّجُلُ مِن بَابٍ وَيَخرُجُ مِن بَابٍ فَلَا يُصَلِّي فِيهِ تَحِيَّةً وَلَا يَعتَكِفُ فِيهِ لَحظَةً. وَلَيسَ مَعنَاهُ أَنَّ عَلَيهِ مَعصِيَةً، لَكِن هَذَا مِن آدَابِ المَسَاجِدِ وَهُوَ مِنَ السُّنَّةِ. قَالَ ابنُ حَجَرٍ فِي تَلخِيصِ الحَبِيرِ: قَولُهُ «وَرَدَ النَّهيُ عَن طُرُوقِ المَسَاجِدِ إِلَّا لِحَاجَةٍ»: رَوَى ابنُ عَدِيٍّ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ أَنَّهُ ﷺ: «نَهَى أَن تُتَّخَذَ المَسَاجِدُ طُرُقًا أَو يُقَامَ فِيهَا الحَدُّ أَو يُنشَدَ فِيهَا الأَشعَارُ أَو تُرفَعَ فِيهَا الأَصوَاتُ» وَرَوَاهُ الحَاكِمُ وَالبَيهَقِيُّ مِن طَرِيقٍ أُخرَى بِلَفظِ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُتَّخَذَ المَسَاجِدُ طُرُقًا».

وَلَيسَ مَعنَاهُ تَحرِيمَ كُلِّ هَذَا، بَل بَعضُ هَذَا جَائِزٌ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِحَاجَةٍ، فَقَد كَانَ بَعضُ الصَّحَابَةِ يُنشِدُ الأَشعَارَ الَّتِي فِيهَا نُصرَةُ الإِسلَامِ وَالمُسلِمِينَ فِي المَسجِدِ بِحُضُورِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَبِأَمرٍ مِنهُ وَلَا يُنكِرُ ذَلِكَ بَل يَحُثُّ عَلَيهِ، لَكِن بِالأَصلِ المَسَاجِدُ خَيرُ البِقَاعِ عِندَ اللهِ تَعَالَى وَفِيهَا عَادَةً المُصَلِّي وَالرَّاكِعُ وَالسَّاجِدُ، فَيَنبَغِي مُرَاعَاةُ حُرمَتِهَا وَمُرَاعَاةُ عَدَمِ التَّشوِيشِ عَلَى المُصَلِّي. فَقَد ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اعتَكَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي المَسجِدِ، فَسَمِعَهُم يَجهَرُونَ بِالقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّترَ وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُم مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤذِيَنَّ بَعضُكُم بَعضًا، ‌وَلَا ‌يَرفَع ‌بَعضُكُم ‌عَلَى ‌بَعضٍ ‌فِي القِرَاءَةِ»، أَو قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ».

فَالقَاعِدَةُ عِندَ العُلَمَاءِ: «لَا ‌يُشَوِّشُ قَارِئُكُم ‌عَلَى ‌مُصَلِّيكُم».

وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ عَن عَلِيٍّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهَى أَن يَرفَعَ الرَّجُلُ صَوتَهُ بِالقِرَاءَةِ قَبلَ العِشَاءِ وَبَعدَهَا، ‌يُغَلِّطُ ‌أَصحَابَهُ وَهُم يُصَلُّونَ.اهـ فَلِكُلِّ هَذَا يَنبَغِي أَن يُرَاعِيَ المُصَلِّي أَحكَامَ المَسَاجِدِ وَحُرمَتَهَا وَلَا يُشَوِّشَ عَلَى المُصَلِّينَ.

كثرة الموت الفجأة
قَالَ المُنَاوِيُّ: «وَأَن يَظهَرَ مَوتُ الفَجأَةِ» فَيَسقُطَ الإِنسَانُ مَيِّتًا وَهُوَ قَائِمٌ يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ أَو يَتَعَاطَى مَصَالِحَهُ.

وَهَذَا مَا نُعَايِنُهُ وَنَسمَعُ بِهِ كَثِيرًا فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ، فَيَنبَغِي بَعدَ هَذَا عَلَى العَاقِلِ أَن يُكثِرَ مِن ذِكرِ المَوتِ وَهَذَا يَدفَعُهُ لِلِاستِعدَادِ لَهُ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿أَينَمَا تَكُونُوا يُدرِككُّمُ المَوتُ وَلَو كُنتُم فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾.

جَدِيرٌ بِمَن كَانَ المَوتُ مَصرَعَهُ، وَالتُّرَابُ مَضجَعَهُ، وَالقَبرُ مَقَرَّهُ، وَبَطنُ الأَرضِ مُستَقَرَّهُ، وَالقِيَامَةُ مَوعِدَهُ، وَالجَنَّةُ أَوِ النَّارُ مَورِدَهُ، أَن يَذكُرَ المَوتَ وَيَبذُلَ الجُهدَ لِلنَّجَاةِ بَعدَهُ، وَحَقِيقٌ بِأَن يَعُدَّ نَفسَهُ مِنَ المَوتَى وَيَرَاهَا فِي أَصحَابِ القُبُورِ، فَالمَوتُ حَقٌّ وَالمَوتُ يَأتِي فَجأَةً بَغتَةً، وَالقَبرُ صُندُوقُ العَمَلِ.

وَقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَكثِرُوا مِن ذِكرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ»، أَي أَكثِرُوا ذِكرَ المَوتِ لِأَنَّهُ يُذَكِّرُكَمُ العَمَلَ لِلآخِرَةِ. «أَكثِرُوا مِن ذِكرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ». وَمَا أَحسَنَ قَولَ القَائِلِ:

اذكُرِ المَوتَ وَلَازِم ذِكرَهُ *** إِنَّ فِي المَوتِ لِذِي اللُّبِ عِبَر

وَكَفَى بِالمَوتِ فَاعلَم وَاعِظًا *** لِمَنِ المَوتُ عَلَيهِ قَد قُدِر

عِندَمَا نَذكُرُ المَوتَ امتِثَالًا لِأَمرِ النَّبِيِّ ﷺ يُحَرِّكُنَا هَذَا الذِّكرُ لِلمَوتِ لِلعَمَلِ لِلآخِرَةِ، فَنُوقِنُ أَنَّ الدُّنيَا إِنَّمَا هِيَ مَرحَلَةٌ نَمُرُّ بِهَا وَنَمضِي بِهَا، وَلَا بُدَّ أَن نَقطَعَهَا إِلَى الجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، نَسأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ مِنهَا.

وَقَد قِيلَ: المَوتُ يَعُمُّنَا، وَالقَبرُ يَضُمُّنَا، وَالكَفَنُ يَلُفُّنَا، وَإلى اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ مَرجِعُنَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَاتِّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَّا كَسَبَت وَهُم لَا يُظلَمُونَ﴾.

وَقَد رَوَى ابنُ حِبَّانَ مِن بَدِيعِ الأَمثَالِ وَالحِكَمِ التَّي نَقَلَهَا النَّبِيُّ ﷺ عَمَّا وَرَدَ فِي بَعضِ الكُتُبِ السَّابِقَةِ: عَجِبتُ لِمَن أَيقَنَ بِالمَوتِ كَيفَ يَفرَحُ؟ عَجِبتُ لِمَن أَيقَنَ بِالنَّارِ كَيفَ يَضحَكُ؟ عَجِبتُ لِمَن أَيقَنَ بِالقَدَرِ كَيفَ يَنصَبُ؟ أَي يَتعَبُ، عَجِبتُ لِمَن رَأَى الدُّنيَا وَسُرعَةَ تَقَلُّبِهَا بِأَهلِهَا كَيفَ يَطمَئِنُ إِلَيهَا؟

موعظة
كَانَ الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ فِي مَوعِظَتِهِ: «فَإِنَّمَا هِيَ الأَنفَاسُ لَو حُبِسَتِ انقَطَعَت بِهَا أَعمَالُكُم الَّتي تَتَقَرَّبُونَ بِهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَحِمَ اللهُ امرَءًا نَظَرَ إِلى نَفسِهِ وَبَكَى عَلى عَدَدِ ذُنُوبِهِ» ثُمَّ تَلَا الآيَةَ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُم عَدًّا﴾ [سورة مريم، 84] ” اهـ. يَعنِي الأَنفَاسَ، وَءاخِرُ العَدَدِ خُرُوجُ نَفسِكَ، وَفِرَاقُ أَهلِكَ، وَدُخُولُكَ قَبرَكَ.

فَلَا تُسَوِّف وَلَا تُؤُخِّرِ العَمَلَ الصَّالِحَ، فَإِنَّهُ لَو لَم يَكُن بَينَ يَدَيِ العَبدِ كَربٌ سِوَى سَكَرَاتِ المَوتِ لَكَانَ كَافِيًا لِأَن يَتَنَغَّصَ عَلَيهِ عَيشُهُ، وَيَتَكَدَّرَ عَلَيهِ سُرُورُهُ، وَيُفَارِقَهُ سَهوُهُ وَغَفلَتُهُ.اهـ

وَهَذَا هُوَ حَالُ بَنِي آدَمَ، إِنَّمَا هِيَ أَنفَاسٌ خَلَقَهَا اللهُ وَجَعَلَهَا بِعَدَدٍ مُقَدَّرٍ، وَلَا رَيبَ أَنَّهَا تَنقُصُ كُلَّ لَحظَةٍ، وَقَد قَالَ أَحَدُهُم:

استَعِدِّي يَا نَفسُ لِلمَوتِ وَاسعَي *** لِنَجَاةٍ، فَالحَـازِمُ المستَعِدُّ

قَد تَيَقَّنتُ أَنَّهُ لَيسَ للحَيِّ *** خُلُـودٌ وَلَا مِـنَ المَـوتِ بُــدُّ

إِنَّمَـا أَنـتِ مُستَعِيـرَةٌ مَـا *** سَوفَ تَرُدِّينَ، وَالعَوَارِي تُرَدُّ

وَاعلَم يَا أَخِي المُسلِمَ أَنَّ المَوتَ كَأسٌ وَكُلُّ النَّاسِ شَارِبُهُ، وَالقَبرَ بَيتٌ وَكُلُّ النَّاسِ دَاخِلُهُ، وَالكَيِّسُ العَاقِلُ الفَطِنُ هُوَ مَنِ استَعَدَّ لِمَا بَعدَ المَوتِ بِالتَّقوَى وَالعَمَلِ الصَّالِحِ.

فوائد ذكر الموت
وَفِي الإِكثَارِ مِن ذِكرِ المَوتِ فَوَائِدُ عَظِيمَةٌ مِنهَا: أَنَّهُ يَحُثُّ الإِنسَانَ عَلَى الِاستِعدَادِ لَهُ قَبلَ نُزُولِهِ، وَيُقَصِّرُ الأَمَلَ، وَيُرضِي بِالقَلِيلِ مِنَ الرِّزقِ، وَيُزَهِّدُ فِي الدُّنيَا، وَيُرَغِّبُ فِي الآخِرَةِ، وَيُهَوِّنُ مَصَائِبَ الدُّنيَا، وَيَمنَعُ مِنَ البَطَرِ وَالتَّكَبُّرِ وَالتَّوَسُّعِ فِي لَذَّاتِ الدُّنيَا الفَانِيَةِ.

يَقُولُ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ أَبُو الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «كَفَى بِالمَوتِ وَاعِظًا، وَكَفَى بِالدَهرِ مُفَرِّقًا، اليَومَ فِي الدُّورِ، وَغَدًا فِي القُبُورِ»، وَقَد كَانَ نَقشُ خَاتَمِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «كَفَى بِالمَوتِ وَاعِظًا يَا عُمَرُ.

عودة جزيرة العرب مروجا وأنهارا
رَوَى الإِمَامُ مُسلِمٌ عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكثُرَ المَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقبَلُهَا مِنهُ، وَحَتَّى ‌تَعُودَ ‌أَرضُ ‌العَرَبِ ‌مُرُوجًا وَأَنهَارًا».

قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعنَاهُ وَاللهُ أَعلَمُ أَنَّهُم يَترُكُونَهَا وَيُعرِضُونَ عَنهَا فَتَبقَى مُهمَلَةً لَا تُزرَعُ وَلَا تُسقَى مِن مِيَاهِهَا، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ الرِّجَالِ، وَكَثرَةِ الحُرُوبِ، وَتَرَاكُمِ الفِتَنِ، وَقُربِ السَّاعَةِ، وَقِلَّةِ الآمَالِ، وَعَدَمِ الفَرَاغِ لِذَلِكَ والِاهتِمَامِ بِهِ.اهـ

وَحَصَلَ فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ أَنَّنَا صِرنَا نَرَى هَذَا الأَمرَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ صَارَت مُرُوجٌ وَأَنهَارٌ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَهَذَا أَمرٌ مَا عَهِدَتهُ تِلكَ البِلَادُ وَلَا أَهلُهَا، رَأَينَاهُ حَقِيقَةً مِن كَثرَةِ نُزُولِ الأَمطَارِ فِي السِّنِينَ الأَخِيرَةِ، وَاللهُ تَعَالَى يَفعَلُ مَا يَشَاءُ.

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

انتشار الأمن في السفر بحيث يسير الراكب مسافة بعيدة لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرضُ العَرَبِ مُرُوجًا وَأَنهَارًا، وحَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَينَ العِرَاقِ وَمَكَّةَ لَا يَخَافُ إِلَّا ضُلَّالَ الطَّرِيقِ».

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَونَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعبَةِ، قُلنَا لَهُ: أَلَا تَستَنصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ ﷺ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَن قَبلَكُم يُحفَرُ لَهُ فِي الأَرضِ فَيُجعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالمِنشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُشَقُّ بِاثنَتَينِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، وَيُمشَطُ بِأَمشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحمِهِ مِن عَظمٍ أَو عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنعَاءَ إِلَى حَضرَمَوتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُم تَستَعجِلُونَ».

وَفِي البُخَارِيِّ عَن عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَينَا أَنَا عِندَ النَّبيِّ ﷺ إِذ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إلَيهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إلَيهِ قَطعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: «يا عَدِيُّ، هل رَأَيتَ الحِيرَةَ؟» قُلتُ: لَم أَرَهَا، وَقَد أُنبِئتُ عَنهَا، قَالَ: «فَإِن طَالَت بكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بِالكَعبَةِ، لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللهَ» قُلتُ فِيما بَينِي وبينَ نَفسِي: فأينَ دُعَّارُ طَيِّئٍ -أَي قُطَّاعُ الطُّرُقِ- الَّذِينَ قَد سَعَّرُوا البِلَادَ؟! «وَلَئِن طَالَت بِكَ حَيَاةٌ لَتُفتَحَنَّ كُنُوزُ كِسرَى»، قُلتُ: كِسرَى بنِ هُرمُزَ؟ قَالَ: «كِسرَى بنِ هُرمُزَ، ولَئِن طَالَت بكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخرِجُ مِلءَ كَفِّهِ مِن ذَهَبٍ أَو فِضَّةٍ يَطلُبُ مَن يَقبَلُهُ مِنهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقبَلُهُ مِنهُ». قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيتُ الظَّعِينَةَ تَرتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعبَةِ لا تَخَافُ إلَّا اللهَ، وكُنتُ فِيمَنِ افتَتَحَ كُنُوزَ كِسرَى بنِ هُرمُزَ، ولَئِن طَالَت بكُم حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبيُّ أَبُو القَاسِمِ ﷺ: «يُخرِجُ مِلءَ كَفِّهِ».اهـ

السؤال الفقهي
بماذا أدعو إذا كانت ليلة القدر؟
عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: قُلتُ: يَا رَسُولُ اللَّهِ، إِن عَلِمتُ لَيلَةَ القَدرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللهم إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عَنِّا».

مختارات من الأدعية والأذكار
ما يقال لقضاء الدين
عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا: «قُولِي: اللهم رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ وَرَبَّ العَرشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا رَبَّ كُلِّ شَىءٍ مُنزِلَ التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرءَانِ العَظِيمِ، أَنتَ الأَوَّلُ فَلَيسَ قَبلَكَ شَىءٌ وَأَنتَ الآخِرُ فَلَيسَ بَعدَكَ شَىءٌ، وَأَنتَ الظَّاهِرُ فَلَيسَ فَوقَكَ شَىءٌ، وَأَنتَ البَاطِنُ فَلَيسَ دُونَكَ شَىءٌ، اقضِ عَنَّا الدَّينَ وَأَغنِنَا مِنَ الفَقرِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِِيُّ.

الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ:

اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمنَا مِنهُ وَمَا لَم نَعلَم وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمنَا مِنهُ وَمَا لَم نَعلَم وَنَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ وَعَمَلٍ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ وَعَمَلٍ وَنَسأَلُكَ مِنَ خَيرِ مَا سَأَلَكَ مِنهُ عَبدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ ﷺ وَنَستَعِيذُكَ مِمَّا استَعَاذَكَ مِنهُ عَبدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ ﷺ وَنَسأَلُكَ مَا قَضَيتَ لَنَا مِن أَمرٍ أَن تَجعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهم صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ بِعَدَدِ مَن صَلَّى عَلَيهِ مِن خَلقِكَ، وَصَلِّ عَلَيهِ بِعَدَدِ مَن لَم يُصَلِّ عَلَيهِ مِن خَلقِكَ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا تَنبَغِي الصَّلَاةُ عَلَيهِ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيهِ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا أَمَرتَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيهِ، وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا. اللهم اجعَل صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحمَتَكَ عَلَى سَيِّدِ المُرسَلِينَ وَإِمَامِ المُتَّقِينَ مُحَمَّدٍ عَبدِكَ وَرَسُولِكَ إِمَامِ الخَيرِ وَقَائِدِ الخَيرِ وَرَسُولِ الرَّحمَةِ. اللهم ابعَثهُ مَقَامًا مَحمُودًا. اللهم ءَاتِهِ فِي أُمَّتِهِ وَذُرِّيَتِهِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَينُهُ وَاجزِهِ عَنَّا خَيرَ مَا جَزَيتَ نَبِيًّا عَن أُمَّتِهِ، وَاجزِ الأَنبِيَاءَ كُلَّهُم خَيرًا.

اللهم ارزُقنَا رِزقًا حَلَالًا لَا تُعَاقِبُنَا فِيهِ وَقَنِّعنَا بِمَا رَزَقتَنَا وَاستَعمِلنَا بِهِ صَالِحًا وَتَقَبَّلهُ مِنَّا اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ العَفوَ وَالعَافِيَة وَالمُعَافَاةَ وَحُسنَ اليَقِينِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخلِ وَنعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبنِ وَنَعُوذُ بِكَ أَن نُرَدَّ إِلَى أَرذَلِ العُمُرِ وَنَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ الدُّنيَا وَنَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ القَبرِ

رَبِّ اغفِر لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَارحَمهُم كَمَا رَبَّونَا صَغَارًا وَاغفِر لِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ اللهم إِنَّا نسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِك، وَالغَنِيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلامَةَ مِن كُلِّ إِثمٍ، اللهم لا تَدَع لنا ذَنبًا إِلَّا غَفَرتَهُ، وَلا هَمًّا إِلَّا فَرَّجتَهُ، وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيتَهَا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللهم صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى عَبدِكَ وَرَسُولِكَ؛ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ كُلَّمَا ذَكَرَكَ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَن ذِكرِكَ الغَافِلُونَ.

اللهم انصُرِ الإِسلَامَ وُالمُسلِمِينَ فِي فِلَسطِينَ وَأَعِزَّهُم، اللهم اجعَلِ النَّصرَ قَرِيبًا وَاجعَلِ الفَرَجَ يَأتِيهِم، اللهم اجعَلهُم يَشهَدُونَ عِزَّةَ الدِّينِ وَرِفعَةَ الرَّايَةِ، اللهم اجعَل أَرضَهُم آمِنَةً وَمُستَقِرَّةً، وَاربِط عَلَى قُلُوبِهِم وَأَلِّف بَينَهُم.

اللهم عَلَيكَ بِأَعدَائِكَ أَعدَاءِ الدِّينِ، اللهم رُدَّ عَنَّا كَيدَهُم وَأَزِل دَولَتَهُم وَأَذهِب عَن أَرضِكَ سُلطَانَهُم وَلَا تَدَع لَهُم سَبِيلًا عَلَى أَحَدٍ مِن عِبَادِكَ المُؤمِنِينَ يَا اللهُ يَا كَرِيمُ يَا مُجِيبَ الدُّعَاءِ.

اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ

 

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …