المقدمة
الحَمدُ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، العَزِيزِ الغَفَّارِ، مُكَوِّرِ اللَّيلِ عَلَى النَّهَارِ، تَذكِرَةً لِأُولِي القُلُوبِ وَالأَبصَارِ، وَتَبصِرَةً لِذَوِي الأَلبَابِ واَلِاعتِبَارِ، الَّذِي أَيقَظَ مِن خَلقِهِ مَنِ اصطَفَاهُ فَزَهَّدَهُم فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَشَغَلَهُم بِمُرَاقبَتِهِ وَإِدَامَةِ الأَفكَارِ، وَمُلَازَمَةِ الِاتِّعَاظِ وَالِادِّكَارِ، وَوَفَّقَهُم لِلدَّأبِ فِي طَاعَتِهِ وَالتَّأَهُّبِ لِدَارِ القَرَارِ، وَالحَذَرِ مِمَّا يُسخِطُهُ وَيُوجِبُ دَارَ البَوَارِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ تَغَايُرِ الأَحوَالِ وَالأَطوَارِ.
أَحمَدُهُ أَبلَغَ حَمدٍ وَأَزكَاهُ، وَأَشمَلَهُ وأَنمَاهُ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ البَرُّ الكَرِيمُ، الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، الهَادِي إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ، وَالدَّاعِي إِلَى دِينٍ قَوِيمٍ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَآلِ كُلٍّ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ، أَمَّا بَعدُ:
مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
انتشار الفحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة
أَخرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظهَرَ الفُحشُ وَالبُخلُ، وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ وَيُؤتَمَنُ الخَائِنُ».اهـ وَرَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ وَالحَاكِمُ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظهَرَ الفُحشُ وَالتَّفَاحُشُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَسُوءُ المُجَاوَرَةِ».اهـ
وَقَد تَكَرَّرَ ذِكرُ الفُحشِ وَالفَاحِشَةِ وَالفَوَاحِشِ فِي الحَدِيثِ. وَهُوَ كُلُّ مَا يَشتَدُّ قُبحُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي. وَكَثِيرًا مَا تَرِدُ الفَاحِشَةُ بِمَعنَى الزِّنَا.
وَكُلُّ خَصلَةٍ قَبِيحَةٍ فَهِيَ فَاحِشَةٌ، مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ. فَقَد قَالَ ﷺ: «إِنَّ اللهَ يُبغِضُ الفَاحِشَ المُتَفَحِّشَ» الفَاحِشُ: ذُو الفُحشِ فِي كَلَامِهِ وَفِعَالِهِ. وَالمُتَفَحِّشُ: الَّذِي يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيَتَعَمَّدَهُ. اهـ
وَجَاءَ فِي وَصفِهِ ﷺ: أَنَّهُ لَم يَكُن فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، قَالَ ابنُ حَجَرٍ: أَي نَاطِقًا بِالفُحشِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الحَدِّ فِي الكَلَامِ السَّيِّئِ، وَالمُتَفَحِّشُ المُتَكَلِّفُ لِذَلِكَ، أَي لَم يَكُن لَهُ الفُحشُ خُلُقًا وَلَا مُكتَسَبًا، وَوَقَعَ عِندَ التِّرمِذِيِّ مِن طَرِيقِ أَبِي عَبدِ اللهِ الجَدَلِيِّ قَالَ: سَأَلتُ عَائِشَةَ عَن خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَت: لَم يَكُن فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الأَسوَاقِ، وَلَا يَجزِي بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِن يَعفُو وَيَصفَحُ.
وَقَد رَوَى البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ: لَم يَكُن رَسُولُ اللهِ ﷺ سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا.
وَلِأَحمَدَ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا فِي وَجهِهِ بِشَيءٍ يَكرَهُهُ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيءُ لَم يَقُل: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ؟ وَلَكِن يَقُولُ: مَا بَالُ أَقوَامٍ يَقُولُونَهُ.اهـ
قَالَ الحَسَنُ البِصرِيُّ: حَقِيقَةُ حُسنِ الخُلُقِ بَذلُ المَعرُوفِ وَكَفُّ الأَذَى وَطَلَاقَةُ الوَجهِ.اهـ
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ مُخَالَطَةُ النَّاسِ بِالجَمِيلِ وَالبِشرِ، وَالتَّوَدُّدُ لَهُم، وَالإِشفَاقُ عَلَيهِم، وَاحتِمَالُهُم، وَالحِلمُ عَنهُم، وَالصَّبرُ عَلَيهِم فِي المَكَارِهِ، وَتَركُ الكِبرِ وَالِاستِطَالَةِ عَلَيهِم، وَمُجَانَبَةُ الغِلَظِ وَالغَضَبِ وَالمُؤَاخَذَةِ.
قَالَ: وَحَكَى الطَّبَرِيُّ خِلَافًا لِلسَّلَفِ فِي حُسنِ الخُلُقِ هَل هُوَ غَرِيزَةٌ أَم مُكتَسَبٌ؟ قَالَ القَاضِي: وَالصَّحِيحُ أَنَّ مِنهُ مَا هُوَ غَرِيزَةٌ وَمِنهُ مَا يُكتَسَبُ بِالتَّخَلُّقِ وَالِاقتِدَاءِ بِغَيرِهِ، وَاللهُ أَعلَمُ.اهـ
وَقَد ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَيضًا أَنَّ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ كَثرَةَ قَطعِ الأَرحَامِ
وَصِلَةُ الأَرحَامِ وَاجِبَةٌ لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم﴾، ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ اللهِ مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سُوءُ الدَّارِ﴾. وَرَوَى الطَّبَرَانيُّ وَالبَزَّارُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَصِل رَحِمَهُ».
وَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ دَرَجَاتٌ، مِنهَا أَن تَكُونَ صِلَتُكَ لِرَحِمِكَ فِي أَوقَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ وَمِنهَا أَن تَكُونَ فِي أَوقَاتٍ مُتَبَاعِدَةٍ بِحَيثُ لَا يَشعُرُ رَحِمُكَ بِالجَفَاءِ لَو تَبَاعَدَتِ الأَوقَاتُ. إِن كَانَت صِلَتُكَ لرَحِمِكَ فِي أَوقَاتٍ مُتَبَاعِدَةٍ إِلَى حَدٍّ لَا يَشعُرُ رَحِمُكَ مَعَهُ بِالجَفَاءِ فَقَد حَصَلَتِ الصِّلَةُ، أَمَّا إِذَا قَطَعتَ مُدَّةً تُشعِرُ رَحِمَكَ بِأَنَّكَ جَفَوتَهُ فَقَد قَطَعتَهُ وَلَم تَصِلَهُ.
عَادَةُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ جَرَت بِالصِّلَةِ بِالزِّيَارَةِ فِي رَمَضَانَ وَفِي الأَعيَادِ وَفِي أَيَّامِ الحُزنِ، الرَّحِمِ يُرَاعِي هَذِهِ الأَوقَاتَ أَكثَرَ مِن غَيرِهَا لِأَنَّ مَن تَرَكَ الصِّلَةَ فِي هَذِهِ الأَوقَاتِ يَكُونُ أَشعَرَ رَحِمَهُ بِالجَفَاءِ.
وَمِمَّا يَنبَغِي لِلمُؤمِنِ أَن يُحسِنَ إِلَى رَحِمِهِ الَّتِي أَدبَرَت لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ لِلمُؤمِنِ أَن يَعمَلَ المَعرُوفَ مَعَ الَّذِي لَا يَعرِفُ لَهُ المَعرُوفَ، فَالمُؤمِنُ الَّذِي يُحسِنُ إِلَى رَحِمهِ الَّذِي يُحسِنُ إِلَيهِ لَهُ أَجرٌ أَقَلُّ مِن أَجرِ الَّذِي يُحسِنَ إِلَى رَحِمهِ الَّتِي أَدبَرَت، لِأَنَّ هَذَا فِيهِ كَسرُ النَّفسِ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَاللهُ يُحِبُّ كَسرَ النَّفسِ فِي طَاعَتِهِ.
وَصِلَةُ الرَّحِمِ مِن أَسبَابِ البَسطِ فِي الرِّزقِ وَإِطَالَةِ العُمُرِ لِحَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ فِي الصَّحِيحَينِ: «مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ وَأَن يُنسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَليَصِل رَحِمَهُ». وَالنَّسِيئَةُ فِي الأَثَرِ طُولُ العُمُرِ. وَقَد رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي العُمُرِ»، يَعنِي كَانَ فِي عِلمِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَولَا هَذِهِ الصِّلَةُ مَا كَانَ عُمُرُهُ كَذَا، وَلَكِن عَلِمَ اللهُ تَعَالَى بِعِلمِهِ الأَزَلِيِّ أَنَّهُ يَصِلُ رَحِمَهُ فَيَكُونُ عُمُرُهُ أَزيَدَ مِن ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللهِ فَيَكُونُ المَعلُومُ المَحتُومُ أَنَّهُ يَصِلُ رَحِمَهُ وَيَعِيشُ إِلَى هَذِهِ المُدَّةِ.
وَعَدَّ النَّبِيُّ ﷺ أن مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ انتِشَارَ سُوءِ المُجَاوَرَةِ
وَفِي صَحِيحِ ابنِ حِبَّانَ عَن سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَربَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: المَرأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالمَسكَنُ الوَاسِعُ، وَالجَارُ الصَّالِحُ، وَالمَركَبُ الهَنِيءُ، وَأَربَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الجَارُ السُّوءُ، وَالمَرأَةُ السُّوءُ، وَالمَسكَنُ الضِّيقُ، وَالمَركَبُ السُّوءُ».اهـ
وَحَثَّ الشَّرعُ عَلَى إِكرَامِ الجَارِ لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا وَبِذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُربَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ﴾. وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالكَلبِيِّ وَمُقَاتِلِ بنِ حَيَّانٍ: ﴿وَالجَارِ ذِي القُربَى﴾: الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ قَرَابَةٌ ﴿وَالجَارِ الجُنُبِ﴾: الأَجنَبِيِّ عَنكَ ﴿وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ﴾: الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ، وَقِيلَ: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ﴾ إِنَّهُ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ.
وَقَد وَرَدَ قَولُهُ ﷺ: «وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليُكرِم جَارَهُ»، يُظهِرُ هَذَا الحَدِيثُ أَنَّ لِلجَارِ حَقًّا عَلَى جَارِهِ. فَقَد قَالَ ﷺ: «مَا زَالَ جِبرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»، يَعنِى يَقُولُ لِلرَّسُولِ: أَحسِن إِلَى جَارِكَ، أَحسِن إِلَى جَارِكَ، استَوصِ بِهِ خَيرًا، استَوصِ بِهِ خَيرًا، قَالَ ﷺ: «حَتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه»، أَي سَيُنزِلُ اللهُ تَعَالَى حُكمًا يَكُونُ لِلجَارِ نَصِيبٌ مِنَ التَّرِكَةِ، كَمَا أَنَّ الوَلَدَ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ تَرِكَةِ أَبِيهِ، وَالزَّوجَةَ لَها حِصَّةٌ وَنَصِيبٌ مِنَ تَرِكَةِ زَوجِهَا. وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِعَظِيمِ حَقِّ الجَارِ عَلَى جَارِهِ.
وَالجَارُ يَنقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقسَامٍ بِاعتِبَارٍ:
جَارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ.
وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ.
وَجَارٌ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ.
أَمَّا الجَارُ الَّذِي لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، فَهُوَ الجَارُ المُسلِمُ القَرِيبُ، يَعنِى الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ قَرَابَةٌ، فَلَهُ حَقُّ الجَارِ وَلَهُ حَقُّ الإِسلَامِ لِأَنَّهُ مُسلِمٌ وَلَهُ حَقُّ الرَّحِمِ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ لَكَ، مُنتَسِبٌ إِلَيكَ. فَهَٰذَا جَارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ.
أَمَّا الجَارُ الَّذِي لَهُ حَقَّانِ، فَهُوَ الجَارُ المُسلِمُ، فَلَهُ حَقُّ الجَارِ وَلَهُ حَقُّ الإِسلَامِ وَلَكِنَّهُ لا يَنتَسِبُ إِلَيكَ، لَيسَ ذَا قَرَابَةٍ مِنكَ، فَثَبَتَ لَهُ حَقَّانِ.
وَأَمَّا الجَارُ الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، فَهُوَ الجَارُ الكَافِرُ، إِن كَانَ ذِمِّيًّا. فَهَذَا لَهُ حَقُّ الجَارِ وَإِن كَانَ كَافِرًا. وَهَذَا مِن سَمَاحَةِ دِينِنَا وَمَحَاسِنِ دِينِنَا.
وَقَد وَرَدَ فِي بَعضِ الأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الجَارَ هُوَ إِلَى أَربَعِينَ دَارًا يُعَدُّ جَارًا. كَانَ الزُّهرِيُّ يَقُولُ: “أَربَعُونَ عَنِ اليَمِينِ، أَربَعُونَ عَنِ اليَسارِ، أَربَعُونَ مِنَ الخَلفِ، أَربَعُونَ مِمَّا بَينَ يَدَيَّ”، يَعنِى إِلَى الأَمَامِ.
فَإِن لَم يَستَطِع أَن يَزُورَ هَؤُلَاءِ وَأَن يُلَاطِفَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُم، وَأَن يُحسِنَ إِلَى هَؤُلَاءِ كُلِّهِم، فَليَبدَأ بِالأَقرَبِ دَارًا.
وَكَانَ عَبدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكرَةَ يُنفِقُ عَلَى أَربَعِينَ دَارًا مِنْ جِيرَانِهِ مِنْ سَائِرِ جِهَاتِ دَارِهِ الأَربَعِ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَربَعِينَ أَلفَ دِينَارٍ وَكَانَ يَبعَثُ إِلَيهِمُ الأَضَاحِي وَالكِسوَةَ فِي الأَعيَادِ وَالمَوَاسِمِ..
وَأَعطَى أَبُو الجَهمِ العَدَوِيُّ فِي دَارِهِ بِالبَصرَةِ مِائَةَ أَلف دِرهَمٍ فَقَالَ لَهُمْ: وَبِكَمْ تَشتَرُونَ مِنِّي جِوَارَ سَعِيدِ بنِ العَاصِ، قَالُوا: وَهَلْ رَأَيتَ جِوَارًا يُشتَرَى قَطُّ، قَالَ وَاللهِ لَا أَبِيعُ دَارًا تُجَاوِرُ رَجُلًا إِنْ غِبتُ عَنهُ سَأَلَ عَنِّي وَحَفِظَنِي فِي أَهلِي وَإِنْ رَآنِي رَحَّبَ بِي وَقَرَّبَنِي وَإِنْ سَأَلْتُهُ قَضَى حَاجَتِي وَحَيَّانِي وَإِنْ لَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ عَطَفَ عَلَيَّ وَبَدَانِي وَاللهِ لَوْ أَعطَيتُ فِيهَا مَلأَهَا ذَهَبًا مَا اختَرتُهُ عَلَيهِ وَلَا نَظَرتُ إِلَيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعِيدًا فَبَعَثَ إِلَيهِ بِمِائَةِ أَلفِ دِرهَمٍ وَقَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَلَيكَ دَارَكَ.
يَلُومُونَنِي أَنْ بِعتُ بِالرُّخصِ مَنزِلِي
وَمَا عَلِمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغِّصُ
فَقُلتُ لَهُمْ كُفُّوا المَلَامَ فَإِنَّهَا
بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ
الشَّيخُ عَبدُ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ أَحيَانًا يُسَافِرُ إِلَى بِلَادٍ أَغلَبُ سُكَّانِهَا غَيرُ مُسلِمِينَ يَستَأجِرُ بَيتًا أَو يَنزِلُ عِندَ شَخصٍ ضَيفًا. الشَّيخُ يَسأَلُ عَنِ الجِيرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ خُذ هَذَا وَاذهَب بِهِ إِلَى هَذَا الجَارِ. تَمرٌ، فَاكِهَةٌ، شَىءٌ مِن نَحوِ ذَلِكَ وَأَحيَانًا يَذهَبُ يَزُورُهُم وَهُم لَيسُوا مُسلِمِينَ، يَتَكَلَّمُ مَعَهُم مَا شَاءَ اللهُ لَهُ يَمكُثُ مُدَّةً ثُمَّ يَرجِعُ. بِهَذَا الأَدَبِ وَالنُّورِ لِمَاذَا يَفعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ يَمكُثُ فِي هَذَا البَيتِ مُدَّةً قَصِيرَةً؟؟ إِنَّمَا يَفعَلُ ذَلِكَ لِأَجلِ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ، طَلَبًا لِلثَّوَابِ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
ضياع الأمانة
رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ بَينَمَا النَّبِيُّ ﷺ فِي مَجلِسٍ يُحَدِّثُ القَومَ جَاءَهُ أَعرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بعَضُ القَومِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعضُهُم بَل لَم يَسمَع، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَينَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَن السَّاعَةِ» قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَت الأَمَانَةُ فَانتَظِر السَّاعَةَ» قَالَ كَيفَ إِضَاعَتُهَا؟ قال: «إِذَا وُسِّدَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ».اهـ
هِيَ ضِدُّ الخِيَانَةِ، وَالمُرَادُ بِرَفعِهَا إِذهَابُهَا بِحَيثُ يَكُونُ الأَمِينُ مَعدُومًا أَو شِبهَ المَعدُومِ.اهـ قَولُهُ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ» هَذَا جَوَابُ الأَعرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ عَن قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهُوَ القَائِلُ: كَيفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ»: قَالَ ابنُ حَجَرٍ: أَي: أُسنِدَ، وَأَصلُهُ مِنَ الوِسَادَةِ، وَكَانَ مِن شَأنِ الأَمِيرِ عِندَهُم إِذَا جَلَسَ أَن تُثنَى تَحتَهُ وِسَادَةٌ، فَقَولُهُ: وُسِّدَ أَي: جُعِلَ لَهُ غَيرُ أَهلِهِ وِسَادًا.
وَالمُرَادُ مِنَ الأَمرِ جِنسُ الأُمُورِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، كَالخِلَافَةِ وَالإِمَارَةِ وَالقَضَاءِ وَالإِفتَاءِ وَغَيرِ ذَلِكَ. «إلَى غَيرِ أَهلِهِ»: أَي إِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ فَانتَظِر، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ (توفي سنة 449هـ): مَعنَى أُسنِدَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ أَنَّ الأَئِمَّةَ قَدِ ائتَمَنَهُمُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ وَفَرَضَ عَلَيهِمُ النَّصِيحَةَ لَهُم، فَيَنبَغِي لَهُم تَولِيَةُ أَهلِ الدِّينِ، فَإِذَا قَلَّدُوا غَيرَ أَهلِ الدِّينِ فَقَد ضَيَّعُوا الأَمَانَةَ الَّتِي قَلَّدَهُمُ اللهُ تَعَالَى إِيَّاهَا، إِذَا وُكِلَ الأَمرُ، جُعِلَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ، تَوَلَّى أَمرَ الإِمَامَةِ مَن لَيسَ بِأَهلٍ، تَوَلَّى أَمرَ القَضَاءِ مَن لَيسَ بِأَهلٍ، تَوَلَّى أَمرَ الإِفتَاءِ مَن لَيسَ بِأَهلٍ، تَوَلَّى أَمرَ الحُكمِ مَن لَيسَ بِأَهلٍ، يَعنِي أَشخَاصٌ لَيسُوا مُؤَهَّلِينَ هُمُ استَلَمُوا أُمُورَ المُسلِمِينَ، هَذَا يُؤَذِّنُ، وَهَذَا يَأخُذُ أَموَالَ الزَّكَاةِ، وَهَذَا يَؤُمُّ النَّاسَ، وَهَذَا يَحكُمُ النَّاسَ، وَهَذَا يُفتِي النَّاسَ، وَهَذَا قَاضٍ بَينَ النَّاسِ، وَهُم لَيسُوا بِأَهلٍ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَانتَظِرِ السَّاعَةَ»، يَعنِي هَذَا مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ أَن تَجِدَ أَشخَاصًا غَيرَ مُؤَهَّلِينَ لِيَستَلِمُوا شُؤُونَ المُسلِمِينَ، وَنَحنُ نَرَى فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ الكَثِيرَ مِن هَذِهِ الأَشيَاءِ، قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: بَكَى رَبِيعَةُ يَومًا بُكَاءً شَدِيدًا، فَقِيلَ لَهُ: أَمُصِيبَةٌ نَزَلَت بِكَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِ اِستُفتِيَ مَن لَا عِلمَ عِندَهُ، وَظَهَرَ فِي الإِسلَامِ أَمرٌ عَظِيمٌ.
قَالَ الكُورَانِيُّ الحَنَفِيُّ فِي شَرحِهِ عَلَى البُخَارِيِّ: وَفِي الحَدِيثِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ العَالِمَ قَاضِيًا كَانَ أَو مُفتِيًا يُقَدِّمُ الأَهَمَّ فَالأَهَمَّ، وَإِذَا كَانَ مُشتَغِلًا بِحَدِيثٍ لَا يَقطَعُهُ عَلَى السَّامِعِينَ إِلَى أَن يُتِمَّهُ، وَعَلَيهِ أَن يَرفُقَ بِالمُتَعَلِّمِ وَإِن بَدَا مِنهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَعَلَى المُتَعَلِّمِ أَن يُرَاجِعَ إِن لَم يَفهَمِ المَقصُودَ.
وَكَانَ شَيخُنَا رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ: إِنَّ الأَمَانَةَ في العِلمِ أَهَمُّ مِنَ الأَمَانَةِ في المَالِ، لأنَّ الخِيانَةَ في عِلمِ الدّينِ ضَرَرُها أعظَمُ مِنَ الخِيانَةِ فِي المَالِ، فَإِنَّ ضَرَرَ هذِهِ لَا يَتَعَدَّى مَا يَملِكُهُ مَن وَقَعَ عليهِ الضَّررُ، وَأَمَّا ضَرَرُ تِلكَ فَيَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، وَلِِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ: إِنَّ هَذَا العِلمَ دِينٌ فَانظُرُوا عَمَّن تَأخُذُونَ دِينَكُم.اهـ رَوَاهُ مُسلِمٌ في مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ، مَعنَاهُ هَذَا العِلمُ عِلمُ الشَّرعِ يُبيِّنُ لَكُم أَحكَامَ الدِّينِ الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ لِنَبِيِّهِ، فَانظُرُوا عَمَّن تَأخُذُونَ دِينَكُم، لَا عَن أَيٍّ كَانَ، لِأَنَّ الإِسنَادَ مِنَ الدِّينِ، وَلَولَا الإِسنَادُ لَقَالَ مَن شَاءَ مَا شَاء.اهـ كَمَا قَالَ عَبدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
فَإِنَّ الخَطَأَ فِي أُمُورِ الدُّنيَا لَيسَ كَالخَطَأِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَلِذَا قَالَ شَيخُنَا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِن أَخطَأتَ فِي أَمرٍ دُنيَوِيٍّ أَخطَأتَ فِي أَمرٍ دُنيَوِيٍّ، أَمَّا إِذَا أَخطَأتَ فِي أَمرٍ دِينِيٍّ خَسِرتَ ءَاخِرَتَكَ.اهـ
وَقَد كَانَ فِي المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ أَيَّامَ الإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أُنَاسٌ مِن أَهلِ العِبَادَةِ لَو ائتُمِنَ أَحَدُهُم عَلَى مَبلَغٍ مِنَ مَالٍ لَأتُمِنُوا عَلَيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا كَانَ الإِمَامُ مَالِكُ يَروِي حَرفًا وَاحِدًا عَنهُم، لِأَنَّهُ كَانَ يَبحَثُ فِي كُلِّ الصِّفَاتِ، هَل يَضبِطُ أَو لَا، هَل جَرَّبَهُ أَو لَا، هَل يَنسَى وَيَروِي مِن حِفظِهِ أَو لَا، وَغَيرِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الجَرحِ وَالتَّعدِيلِ، كُلُّ ذَلِكَ لِأَجلِ الأَمَانَةِ فِي العِلمِ وَصِيَانَةِ الدِّينِ.اهـ
قبض العلم وظهور الجهل
رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُم حَدِيثًا سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ لَا يُحَدِّثُكُم بِهِ أَحَدٌ غَيرِي، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ: أَن يُرفَعَ العِلمُ، وَيَكثُرَ الجَهلُ، وَيَكثُرَ الزِّنَا، وَيَكثُرَ شُربُ الخَمرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ وَيَكثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمسِينَ امرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ».اهـ
وَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ: أَن يُرفَعَ العِلمُ وَيَثبُتَ الجَهلُ».اهـ
وَفِي البُخَارِيِّ عَن شَقِيقٍ قَالَ: كُنتُ مَعَ عَبدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَا: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنزِلُ فِيهَا الجَهلُ وُيُرفَعُ فِيهَا العِلمُ».
وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقبَضُ العِلمُ، وَتَظهَرُ الفِتَنُ، وَيُلقَى الشُّحُّ، وَيَكثُرُ الهَرجُ» قَالُوا: وَمَا الهَرجُ؟ قَالَ: «القَتلُ».اهـ
قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وَجَمِيعُ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الحَدِيثُ مِنَ الأَشرَاطِ قَد رَأَينَاهَا عِيَانًا، فَقَد نَقَصَ العِلمُ وَظَهَرَ الجَهلُ، وَأُلقِيَ الشُّحُّ فِي القُلُوبِ، وَعَمَّتِ الفِتَنُ، وَكَثُرَ القَتلُ.اهـ
وَقَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَلَا يَمنَعُ مِن ذَلِكَ وُجُودُ طَائِفَةٍ مِن أَهلِ العِلمِ لِأَنَّهُم يَكُونُونَ حِينَئِذٍ مَغمُورِينَ فِي أُولَئِكَ.اهـ
فَعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقبِضُ العِلمَ انتِزَاعًا يَنتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِن يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَم يَترُك عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفتَوا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».اهـ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرحِهِ لِمُسلِمٍ: هَذَا الحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ المُرَادَ بِقَبضِ العِلمِ فِي الأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ المُطلَقَةِ لَيسَ هُوَ مَحوُهُ مِن صُدُورِ حُفَّاظِهِ، وَلَكِن مَعنَاهُ أَنَّهُ يَمُوتُ حَمَلَتُهُ وَيَتَّخِذُ النَّاسُ جُهَّالًا يَحكُمُونَ بِجَهَالَاتِهِم فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ.اهـ
قَالَ بَعضُ الحُفَّاظِ فِي القَرنِ السَّابِعِ: وَأَمَّا اليَومَ فَمَا بَقِيَ مِنَ العُلُومِ القَلِيلَةِ إِلَّا القَلِيلُ فِي أُنَاسٍ قَلِيلٍ، مَا أَقَلَّ مَن يَعمَلُ مِنهُم بِذَلِكَ القَلِيلِ، فَحَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ.اهـ
ولَم يَجعَل رَسُولُ اللهِ ﷺ في هَذَا الحَدِيثِ عُذرًا لِلمُفتِي وَلَا لِلمُستَفتِي، فَأَمَّا الأَوَّلُ فَلأَنَّهُ أَفتَى بِجَهلٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ استَفتَى مَن لَا يَجُوزُ أَن يُستَفتَى، وَيَشهَدُ لِذلِكَ قَولُ اللهِ تَعَالَى: ﴿لِيَحمِلُوا أَوزَارَهُم كَامِلَةً يَومَ القِيَامَةِ وَمِن أَوزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾، قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفسِيرِهِ: أَي قَالُوا ذَلِكَ إِضلَالًا لِلنَّاسِ، فَحَمَلُوا أَوزَارَ ضَلَالِهِم كَامِلَةً وَبَعضَ أَوزَارِ مَن ضَلَّ بِضَلَالِهِم، وَهُوَ وِزرُ الإِضلَالِ لِأَنَّ المُضِلَّ وَالضَّالَّ شَرِيكَانِ، وَاللَّامُ لِلتَّعلِيلِ، ﴿بِغَيرِ عِلمٍ﴾ حَالٌ مِنَ المَفعُولِ أَي يُضِلُّونَ مَن لَا يَعلَمُ أَنَّهُم ضُلَّالٌ.اهـ
وَقَد قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ المَجمُوعِ: لَا يَجُوزُ استِفتَاءُ غَيرِ العَالِمِ الثِّقَةِ.اﻫ وَقَد قَالَ شَيخُنَا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قُولُوا لِلمُدَرِّسِينَ التَزِمُوا بِالمَنقُولِ المُحَرَّرِ، وَإِلَّا فَإِنَّكُم مُقبِلُونَ عَلَى هَلَاكٍ.اهـ
وَإِنَّ قَبضَ العِلمِ يَكُونُ بِقَبضِ العُلَمَاءِ، فَفِي رِوَايَةٍ عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَظهَرُ الفِتَنُ وَيَكثُرُ الهَرجُ» قِيلَ: وَمَا الهَرجُ؟ قَالَ: «القَتلُ القَتلُ، وَيُقبَضُ العِلمُ» فَسَمِعَهُ عُمَرُ يَأثُرُهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «إِنَّ قَبضَ العِلمِ لَيسَ شَيئًا يُنتَزَعُ مِن صُدُورِ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُ فَنَاءُ العُلَمَاءِ».
وَفِي رِوَايَةٍ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنزِعُ العِلمَ مِنَ النَّاسِ بَعدَ أَن يُعطِيَهُم إِيَّاهُ، وَلَكِن يَذهَبُ بِالعُلَمَاءِ، كُلَّمَا ذَهَبَ عَالِمٌ ذَهَبَ بِمَا مَعَهُ مِنَ العِلمِ، حَتَّى يَبقَى مَن لَا يَعلَمُ فَيَضِلُّوا وَيُضِلُّوا».
وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ أَن يُرفَعَ العِلمُ وَيُبَثَّ الجَهلُ وَيُشرَبَ الخَمرُ وَيَظهَرَ الزِّنَا».
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ، «قُرَّاؤُكُم وَعُلَمَاؤُكُم يَذهَبُونَ وَيَتَّخِذُ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا».
وَعَنِ ابنِ مَسعُودٍ قَالَ: «عَلَيكُم بِالعِلمِ قَبلَ أَن يُقبَضَ وَقَبضُهُ ذَهَابُ أَهلِهِ».
وَرُوِيَ عَن عَوفِ بنِ مَالِكٍ الأَشجَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: بَينَا نَحنُ جُلُوسٌ عِندَ النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ يَومٍ إِذ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «هَذَا أَوَانُ يُرفَعُ العِلمُ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بنُ لَبِيدٍ: أَيُرفَعُ العِلمُ يَا رَسُولَ اللهِ وَفِينَا كِتَابُ اللهِ وَقَد عَلَّمنَاهُ أَبنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِن كُنتُ لَأَحسَبُكَ مِن أَفقَهِ أَهلِ المَدِينَةِ» وَذَكَرَ لَهُ ضَلَالَةَ أَهلِ الكِتَابِ وَعِندَهُم مَا عِندَهُم مِن كِتَابِ اللهِ، فَلَقِيَ جُبَيرُ بنُ نُفَيرٍ شَدَّادَ بنَ أَوسٍ بِالمُصَلَّى فَحَدَّثَهُ هَذَا الحَدِيثَ عَن عَوفِ بنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: صَدَقَ عَوفُ بنُ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ شَدَّادٌ: هَل تَدرِي مَا رَفعُ العِلمِ؟ قَالَ: قُلتُ: لَا أَدرِي، قَالَ: ذَهَابُ أَوعِيَتِهِ، هَل تَدرِي أَيُّ العِلمِ أَوَّلُ يُرفَعُ؟ قَالَ: قُلتُ: لَا أَدرِي، قَالَ: «الخُشُوعُ حَتَّى لَا يُرَى خَاشِعٌ». وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ قَالَ: «مَوتُ العَالِمِ ثُلمَةٌ فِي الإِسلَامِ لَا يَسُدُّهَا شَيءٌ مَا طُرِدَ اللَّيلُ وَالنَّهَارُ». وَرُوِيَ عَنِ ابنِ سِيرِينَ قَالَ: «ذَهَبَ العِلمُ فَلَم يَبقَ إِلَّا غُبَّرَاتٌ فِي أَوعِيَةِ سُوءٍ».
وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ إِقبَالًا وَإِدبَارًا، وَإِنَّ لِهَذَا الدِّينِ إِقبَالًا وَإِدبَارًا، وَإِنَّ مِن إِقبَالِ هَذَا الدِّينِ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ حَتَّى إِنَّ القَبِيلَةَ لَتَتَفَقَّهُ مِن عِندِ آخِرِهَا حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهَا إِلَّا الفَاسِقُ أَوِ الفَاسِقَانِ، فَهُمَا مَقمُوعَانِ ذَلِيلَانِ إِن تَكَلَّمَا أَو نَطَقَا قُمِعَا وَقُهِرَا وَاضطُهِدَا»، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مِن إِدبَارِ هَذَا الدِّينِ أَن تَجفُوَ القَبِيلَةُ كُلُّهَا العِلمَ مِن عِندِ أَسرِهَا «حَتَّى لَا يَبقَى إِلَّا الفَقِيهُ أَوِ الفَقِيهَانِ فَهُمَا مَقمُوعَانِ ذَلِيلَانِ إِن تَكَلَّمَا أَو نَطَقَا قُمِعَا وَقُهِرَا وَاضطُهِدَا وَقِيلَ: أَتُطِيعَانِ عَلَينَا، وَحَتَّى يُشرَبَ الخَمرُ فِي نَادِيهِم وَمَجَالِسِهِم وَأَسوَاقِهِم، وَيُنحَلُ الخَمرُ اسمًا غَيرَ اسمِهَا، وَحَتَّى يَلعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا أَلَا فَعَلَيهِم حَلَّتِ اللَّعنَةُ».
وَرُوِيَ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَعَلَّمُوا العِلمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ، فَإِنَّي امرُؤٌ مَقبُوضٌ، وَإِنَّ العِلمَ سَيُقبَضُ، وَتَظهَرُ الفِتَنُ حَتَّى يَختَلِفَ الِاثنَانِ فِي الفَرِيضَةِ لَا يَجِدَانِ أَحَدًا يَفصِلُ بَينَهُمَا».
وَرُوِيَ عَن عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَولِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿أَوَلَم يَرَوا أَنَّا نَأتِي الأَرضَ نَنقُصُهَا مِن أَطرَافِهَا﴾ [الرعد: 41] قَالَ: «ذَهَابُ فُقَهَائِهَا وَخِيَارِ أَهلِهَا».
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لَمَّا مَاتَ زَيدُ بنُ ثَابِتٍ: «مَن سَرَّهُ أَن يَنظُرَ كَيفَ ذَهَابُ العِلمِ فَهَكَذَا ذَهَابُهُ».
وَرُوِيَ عَن أَبِي الدَّردَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا العِلمَ قَبلَ أَن يُقبَضَ العِلمُ وَقَبضُهُ أَن يُذهَبَ بِأَصحَابِهِ، العَالِمُ وَالمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الخَيرِ، وَسَائِرُ النَّاسِ لَا خَيرَ فِيهِم، إِنَّ أَغنَى النَّاسِ رَجُلٌ عَالِمٌ افتُقِرَ إِلَى عِلمِهِ فَنَفَعَ مَنِ افتَقَرَ إِلَيهِ، وَإِنِ استُغنِيَ عَن عِلمِهِ نَفَعَ نَفسَهُ بِالعِلمِ الَّذِي وَضَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِندَهُ، فَمَالِي أَرَى عُلَمَاءَكُم يَمُوتُونَ وَجُهَّالَكُم لَا يَتَعَلَّمُونَ، وَلَقَد خَشِيتُ أَن يَذهَبَ الأَوَّلُ وَلَا يَتَعَلَّمُ الآخِرُ، وَلَو أَنَّ العَالِمَ طَلَبَ العِلمَ لَازدَادَ عِلمًا وَمَا نَقَصَ العِلمُ شَيئًا، وَلَو أَنَّ الجَاهِلَ طَلَبَ العِلمَ لَوَجَدَ العِلمَ قَائِمًا، فَمَالِي أَرَاكُم شِبَاعًا مِنَ الطَّعَامِ جِيَاعًا مِنَ العِلمِ».
وَقَالَ بَعضُ السَّلَفِ: «يَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسَمِّنُ الرَّجُلُ رَاحِلَتَهُ حَتَّى تَقعُدَ شَحمًا، ثُمَّ يَسِيرُ عَلَيهَا فِي الأَمصَارِ حَتَّى تَصِيرَ نَقضًا، يَلتَمِسُ مَن يُفتِيهِ بِسُنَّةٍ قَد عَمِلَ بِهَا فَلَا يَجِدُ إِلَّا مَن يُفتِيهِ بِالظَّنِّ».
ورُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ عَالِمٌ يَمُوتُ وَأَثَرٌ لِلحَقِّ يَدرُسُ حَتَّى يَكثُرَ أَهلُ الجَهلِ وَيَذهَبُ أَهلُ العِلمِ فَيَعمَلُونِ بِالجَهلِ وَيَدِينُونَ بِغَيرِ الحَقِّ وَيَضِلُّونَ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ».
وَرُوِيَ عَن كَثِيرِ بنِ زِيَادٍ فِي تَفسِيرِ الحَدِيثِ: «لَا يَزدَادُ الأَمرُ إِلَّا شِدَّةً» قَالَ: «ذَهَابُ العُلَمَاءِ».
وَرُوِيَ عَن تَمَّامِ بنِ نَجِيحٍ قَالَ: كُنتُ جَالِسًا عِندَ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ إِذ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيتُ اللَّيلَةَ أَنَّ طَائِرًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى يَاسَمِينَةٍ فَنَتَفَ مِنهَا ثُمَّ طَارَ حَتَّى دَخَلَ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ ابنُ سِيرِينَ: «هَذَا قَبضُ العُلَمَاءِ»، قَالَ تَمَّامٌ: فَلَم تَمضِ تِلكَ السَّنَةُ حَتَّى مَاتَ الحَسَنُ، وَابنُ سِيرِينَ، وَمَكحُولٌ، وَسِتَّةٌ مِنَ العُلَمَاءِ بِالآفَاقِ مَاتُوا تِلكَ السَّنَةَ.
وَأَولَى العُلُومِ عِنَايَةً عِلمُ التَّوحِيدِ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاعلَم أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ وَاستَغفِر لِذَنبِكَ﴾. وَمَعنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ كَمَا قَالَ أَهلُ العِلمِ: لَا مَعبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ، لَا أَحَدَ يَستَحِقُّ العِبَادَةَ إِلَّا اللهُ، لَا أَحَدَ يَستَحِقُّ أَن نَتَذَلَّلَ لَهُ غَايَةَ التَّذَلُّلِ إِلَّا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقَالَ بَعضُ العُلَمَاءِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ: لَا خَالِقَ إِلَّا اللهُ، اللهُ تَعَالَى خَلَقَنَا وَخَلَقَ أَعمَالَنَا الِاختِيَارِيَّةَ وَأَعمَالَنَا غَيرَ الِاختِيَارِيَّةَ، اللهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. وَهَذِهِ الآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَولَوِيَّةِ عِلمِ التَّوحِيدِ وَوُجُوبِ تَعَلُّمِهِ وَتَعلِيمِهِ.
السؤال الفقهي
ما الحكم إن كان الرجل يستطيع الصيام دون أن يذهب إلى عمله ولا يستطيع الصيام إن ذهب إلى العمل لصعوبة العمل أو لمرض مثلا؟
هَذِهِ مَسئَلَةٌ مُهِمَّةٌ، مَن كَانَ عَمَلُهُ شَاقًّا مُتعِبًا فِي رَمَضَانَ وَكَانَ مُضطَرًّا لِعَمَلِهِ وَلَا يَستَغنِي عَنهُ لِأَنَّهُ إِن تَرَكَهُ لَا يَجِدُ قُوتَهُ الضَّرُورِيَّ وَقُوتَ مَن يَجِبُ عَلَيهِ نَفَقَتُهُم وَلَا يَستَطِيعُ الصِّيَامَ مَعَ العَمَلِ: يَنوِي بِاللَّيلِ نِيَّةً جَازِمَةً، ثُمَّ فِي النَّهَارِ يَنظُرُ فِي حَالِهِ: فَإِن حَصَلَ لَهُ انهِيَارٌ يُفطِرُ، وَإِن وَجَدَ جِسمَهُ مُتَمَاسِكًا يُثَابِرُ عَلَى الصِّيَامِ.
أَمَّا مَن يَملِكُ مَا يَكفِيهِ هُوَ ومَن يَجِبُ عَلَيهِ نَفَقَتُهُم، وَلَا يَستَطِيعُ الصَّومَ مَعَ العَمَلِ، فَيَترُكُ عَمَلَهُ هَذَا وَيَصُومُ، وَلَا يَترُكُ الصِّيَامَ لِأَجلِ عَمَلِهِ.
مختارات من الأدعية والأذكار
دُعَاءٌ لِلحِفظِ، مَن قَرَأَهُ لَو دَخَلَ وِكرَ جِنٍّ لَا يُؤذُونَهُ بِإِذنِ اللهِ:
أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِن شَرِّ مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعرُجُ فِيهَا، وَمِن شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأَرضِ وَمَا يَخرُجُ مِنهَا، وَمِن شَرِّ فِتَنِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ، وَمِن شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطرُقُ بِخَيرٍ يَا رَحمَٰنُ.
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ:
اللهم فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ نَفسِي وَشَرِّ الشَّيطَانِ وَشِركِهِ.
اللهم بِجَاهِ هَذَا الشَّهرِ الفَضِيلِ اغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا اللهم ارحَمنَا إِذَا أَتَانَا اليَقِينُ، وَعَرِقَ مِنَّا الجَبِينُ، وَكَثُرَ مِنَّا الأَنِينُ. اللهم ارحَمنَا إِذَا يَئِسَ مِنَّا الطَّبِيبُ، وَبَكَى عَلَينَا الحَبِيبُ، وَتَخَلَّى عَنَّا القَرِيبُّ. اللهم ارحَمنَا إِذَا اشتَدَّت عَلَينَا السَّكَرَاتُ، وَتَوَالَت عَلَينَا الحَسَرَاتُ وَفَاضَتِ العَبَرَاتُ، وَتَكَشَّفَتِ العَورَاتُ، وتَعَطَّلَتِ القُوَى وَالقُدُرَاتُ. اللهم ارحَمنَا إِذَا بَلَغَتِ التَرَاق وقِيلَ مَن رَاقَ وتَأَكَّدَت فاجِعَةُ الفِرَاقِ لِلأَهلِ وَالرِّفَاقِ.
اللهم ارحَمنَا إِذَا كَفَّنُونَا وَعَلى الأَعنَاقِ حَمَلُونَا وَإِلَى قُبُورِنَا سَاقُونَا وَفِي التُّرَابِ وَضَعُونَا. اللهم ارحَمنَا يَا رَبَّنَا إِذَا نُسِيَ اسمُنَا.
اللهم ارزُقنَا الإِخلَاصَ فِي القَولِ وَالنِّيَّةِ وَالعَمَلِ وَتَقَبَّل مِنَّا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَالدُّعَاءَ، اللهم استَجِب دُعَاءَنَا يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ.
يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ أَصلِح لِي شَأنِي كُلَّهُ وَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ…
يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ أَصلِح لِي شَأنِي كُلَّهُ وَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ…
يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ أَصلِح لِي شَأنِي كُلَّهُ وَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ…
اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ، اللهم ارزُقنَا رُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ…
اللهم بِحَقِّ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ وَهَذَا الشَّهرِ الفَضِيلِ احفَظ أَهلَ غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ، بِعِزِّكَ الَّذِي لَا يُضَامُ أَرِنَا عَجَائِبَ قُدرَتِكَ فِي نَصرِهِم، اللهم اربِط عَلَى قُلُوبِهِم وَثَبِّتِ الأَرضَ تَحتَ أَقدَامِهِم، اللهم ثَبِّت أَقدَامَهُم عِندَ لِقَاءِ عَدُوِّكَ، اللهم إِنَّ اليَهُودَ الغَاصِبِينَ قَد بَغَوا وَاستَكبَرُوا وَأَفسَدُوا فِي الأَرضِ فَزَلزِلهُم وَدَمِّرهُم وَأَرِنَا القُدسَ وَغَزَّةَ وَفِلَسطِينَ حُرَّةً أَبِيَّةً يَا رَبَّ العَالَمِينَ يَا مُجِيبَ الدُّعَاءِ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ وَمُجِيرَ المُستَضعَفِينَ…
اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ… اللهم بِقُوَّتِكَ نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا عَظِيمَ القَهرِ أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم…
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ…
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ…
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.