المقدمة
الحَمدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ، وَعَلِمَ مَورِدَ كُلِّ مَخلُوقٍ وَمَصدَرَهُ، وَأَثبَتَ فِي أُمِّ الكِتَابِ مَا أَرَادَهُ وَسَطَّرَهُ، فَلَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَهُ، وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَهُ، وَلَا نَاصِرَ لِمَن خَذَلَهُ وَلَا خَاذِلَ لِمَن نَصَرَهُ، تَفَرَّدَ بِالمُلكِ وَالبَقَاءِ، وَالعِزَّةِ وَالكِبرِيَاءِ، فَمَن نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ أَحقَرَهُ، هُوَ الوَاحِدُ الأَحَدُ فَلَا شَرِيكَ لَهُ فِيمَا أَبدَعَهُ وَفَطَرَهُ، الحَيُّ القَيُّومُ فَمَا أَعلَمَهَ بِشُؤُونِ خَلقِهِ وَأَبصَرَهُ، العَلِيمُ الخَبِيرُ فَلَا يَخفَى عَلَيهِ مَا أَسَرَّهُ العَبدُ وَأَضمَرَهُ، أَحمَدُهُ عَلَى مَا أَولَى مِن فَضلِهِ وَيَسَّرَهُ.
وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَبِلَ تَوبَةَ العَاصِي فَعَفَا عَن ذَنبِهِ وَغَفَرَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَوضَحَ بِهِ رَبُّهُ سَبِيلَ الهِدَايَةِ وَنَوَّرَهُ، وَأَزَالَ بِهِ ظُلُمَاتِ الشِّركِ وَقَتَرَهُ، وَفَتَحَ عَلَيهِ مَكَّةَ وَالحَرَمَ فَأَزَالَ الأَصنَامَ مِنَ البَيتِ وَطَهَّرَهُ، وَأَعَادَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ زَمَنَ الخَلِيلِ إِبرَاهِيمَ وَمَا غَيَّرَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُم بِإِحسَانٍ إِلَى يَومِ الفَصلِ وَمَا أَبهَرَهُ، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا مَا أَعظَمَهُ وَأَكثَرَهُ، أَمَّا بَعدُ:
كُنَّا نَتَكَلَّمُ عَن ظُهُورِ الفِتَنِ وَانتِشَارِهَا فِي الأُمَّةِ وَهُوَ مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ كَمَا أَخبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ
معنى الفتنة
وَالفِتنَةُ بِالأَصلِ مَعنَاهَا: الِاختِبَارُ وَالِامتِحَانُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُسنَدِهِ: الفِتنَةُ الِاختِبَارُ وَالِامتِحَانُ.اهـ
قَالَ أَبُو زَيدٍ: فُتِنَ الرَّجُلُ يُفتَنُ فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الفِتنَةِ وَتَحَوَّلَ مِن حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ. وَفِتنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ضُرُوبٌ مِن فَرطِ مَحَبَّتِهِ لَهُم وَشُحِّهِ عَلَيهِم وَشُغلِهِ بِهِم عَن كَثِيرٍ مِنَ الخَيرِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولَادُكُم فِتنَةٌ﴾. أَو لِتَفرِيطِهِ بِمَا يَلزَمُ مِنَ القِيَامِ بِحُقُوقِهِم وَتَأدِيبِهِم وَتَعلِيمِهِم، فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُم وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ. وَكَذَلِكَ فِتنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ مِن هَذَا. فَهَذِهِ كُلُّهَا فِتَنٌ تَقتَضِي المُحَاسَبَةَ.اهـ
يُقَالُ فِي لُغَةِ العَرَبِ: فَتَنتُ الذَّهَبَ فِي النَّارِ إِذَا أَدخَلتَهُ إِلَيهَا لِتَعلَمَ جُودَتَهُ مِن رَدَاءَتِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم﴾ [العنكبوت: 3]. أَيِ اختَبَرنَاهُم. وَاللهُ تَعَالَى يَختَبِرُ النَّاسَ أَي يَبتَلِيهِم لِيُظهِرَ لِلنَّاسِ مَنِ الصَّابِرُ وَمَن غَيرُ الصَّابِرِ، أَمَّا اللهُ تَعَالَى فَيَعلَمُ كُلَّ شَيءٍ وَلَا تَخفَى عَلَيهِ خَافِيَةٌ.
معنى قوله تعالى: ﴿وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ﴾
وَهُنَاكَ آيَةٌ لَا بُدَّ مِن فَهمِ مَعنَاهَا فَهمًا صَحِيحًا وَهِيَ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ﴾:
قَالَ الأَزهَرِيُّ وَهُوَ مِن أَكَابِرِ اللُّغَوِيِّينَ: «جِمَاعُ مَعنَى الفِتنَةِ فِي كَلَامِ العَرَبِ: الِابتِلَاءُ وَالِامتِحَانُ، وَأَصلُهَا مَأخُوذٌ مِن قَولِكَ: فَتَنتُ الفِضَّةَ وَالذَّهَبَ أَذَبتُهُمَا بِالنَّارِ لِيَتَمَيَّزَ الرَّدِيءُ مِنَ الجَيِّدِ، وَقَد لَخَّصَ ابنُ الأَعرَابِيِّ مَعَانِيَ الفِتنَةِ بِقَولِهِ: «الفِتنَةُ الِاختِبَارُ، وَالفِتنَةُ المِحنَةُ، وَالفِتنَةُ المَالُ، وَالفِتنَةُ الأَولَادُ، وَالفِتنَةُ الكُفرُ وَالشِّركُ، وَالفِتنَةُ اختِلَافُ النَّاسِ بِالآرَاءِ، وَالفِتنَةُ الإِحرَاقُ بِالنَّارِ»، وَمِن هَذَا قَولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَومَ هُم عَلَى النَّارِ يُفتَنُونَ﴾ أَي يُحرَقُونَ بِالنَّارِ».
وَجَاءَ ذِكرُ الفِتنَةِ فِي القُرءَانِ الكَرِيمِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ أَشهَرُهَا الآيَةُ المُتَدَاوَلَةُ بَينَ النَّاسِ وَهِيَ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَالفِتنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتلِ﴾ فَهُنَا الفِتنَةُ عَلَى مَعنَى أَنَّ الكُفرَ وَالشِّركَ أَشَدُّ مِن قَتلِ النَّفسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ، لِأَنَّ القَتلَ هُوَ أَكبَرُ ذَنبٍ بَعدَ الكُفرِ بِاللهِ تَعَالَى.
إِذًا فَمَعنَى الفِتنَةِ بِالأَصلِ الِاختِبَارُ وَالِامتِحَانُ، والفِتنَةُ عِندَمَا تَنزِلُ بِالنَّاسِ يُعلَمُ مَنِ الثَّابِتُ عَلَى الصَّوَابِ وَالحَقِّ وَمَن غَيرُ الثَّابِتِ، عِندَ الرَّخَاءِ تَجِدُونَ النَّاسَ يُظهِرُونَ الثَّبَاتَ وَالشِّدَّةَ، وَهُنَا لَا يَتَمَيَّزُ الأَمرُ لَهُم، لَا يَظهَرُ الثَّابِتُ وَغَيرُ الثَّابِتِ إِلَّا عِندَ نُزُولِ البَلَاءِ، عِندَ نُزُولِ الفِتَنِ يَظهَرُ بِحَقٍّ مَنِ الثَّابِتُ مِمَّن هُوَ رِخوٌ يَتَزَعزَعُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ، وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ﴾. فَالبَلَاءُ وَالفِتَنُ تَنزِلُ بِالنَّاسِ، مِنهُم مَن يَثبُتُ وَيَنجُو مِن هَذِهِ الفِتَنِ لِرُسُوخِ إِيمَانِهِ وَقُوَّةِ يَقِينِهِ وَاعتِقَادِهِ، وَمِنهُم مَن يَهلِكُ.
اغترار من يغتر بفتنته فتهلكه
وَهَذِهِ الفِتَنُ عِندَمَا تَنزِلُ تَختَلِطُ الأُمُورُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَد يُصَابُ بِفِتنَةٍ رَجُلٌ صَاحِبُ عِلمٍ وَمَنزِلَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيرًا يَنجُو بَعدَ ذَلِكَ، وَقَد تَشتَبِهُ وَتَختَلِطُ الأُمُورُ عَلَى بَعضِ النَّاسِ فَيُفتَنُ، لَا تَظهَرُ لَهُ الأُمُورُ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَهُوَ بِقَرَارَةِ نَفسِهِ يَظُنُّ نَفسَهُ مُوَافِقًا لِلصَّوَابِ وَلِلحَقِّ، هُوَ لَا يَشُكُّ فِي حَقِّيَّةِ أَمرِهِ غَالِبًا، بَل يَظُنُّ الأَمرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ، تَشتَبِهُ عَلَيهِ الأُمُورُ، لِذَلِكَ لَا يَنجُو إِلَّا مَن وَفَّقَهُ اللهُ وَأَرَادَ بِهِ خَيرًا، يَحصُلُ لَهُ شُبهَةٌ يُفتَنُ بِهَا وَالعِيَاذُ بِاللهِ.
إِبلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ اشتَبَهَ عَلَيهِ الأَمرُ بِسَبَبِ كِبرِهِ وَغُرُورِهِ، كَفَرَ بِاللهِ وَقَالَ: أَنَا خَيرٌ مِن آدَمَ، خَلَقتَهُ مِن طِينٍ وَأَنَا خَلَقتَنِي مِن نَارٍ، وَالنَّارُ أَفضَلُ مِنَ الطِّينِ بِزَعمِهِ، وَهَكَذَا اشتَبَهَ عَلَيهِ الأَمرُ، عِندَهُ شُبهَةٌ يُبَرِّرُ بِهَا مَوقِفَهُ بِزَعمِهِ، فَهَلَكَ وَكَفَرَ بِاللهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ.
((قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)).
قَالَ النَّسَفِيُّ: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ} أَيْ أَيُّ شَيءٍ مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ {إِذْ أَمَرْتُكَ} فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَمرَ لِلوُجُوبِ وَالسُّؤَالُ عَنِ المَانِعِ مِنَ السُّجُودِ مَعَ عِلمِهِ بِهِ لِلتَّوبِيخِ وَلِإِظهَارِ مُعَانَدَتِهِ وَكُفرِهِ وَكِبرِهِ وَافتِخَارِهِ بِأَصلِهِ وَتَحقِيرِهِ أَصلَ آدَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ} وَهِيَ جَوهَرٌ نُورَانِيٌّ {وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} وَهُوَ ظُلمَانِيٌّ وَقَد أَخطَأَ الخَبِيثُ بِظَنِّهِ بَلِ الطِّينُ أَفضَلُ لِرَزَانَتِهِ وَوَقَارِهِ وَمِنهُ الحِلمُ وَالحَيَاءُ وَالصَّبرُ وَذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى التَّوبَةِ وَالاستِغفَارِ وَفِي النَّارِ الطَّيشُ وَالحِدَّةُ وَالتَّرَفُّعُ وَذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى الاِستِكبَارِ وَالتُّرَابُ عِدَّةُ المَمَالِكِ وَالنَّارُ عِدَّةُ المَهَالِكِ وَالطِّينُ يُطفِئُ النَّارَ وَيُتلِفُهَا وَالنَّارُ لَا تُتلِفُهُ وَهَذِهِ فَضَائِلُ غَفَلَ عَنهَا إِبلِيسُ حَتَّى زَلَّ بِفَاسِدٍ مِنَ المَقَايِيسِ.
قَالَ حُذَيفَةُ: «فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّكَ الفِتنَةُ مَا عَرَفتَ دِينَكَ، إِنَّمَا الفِتنَةُ إِذَا اشتَبَهَ عَلَيكَ الحَقُّ وَالبَاطِلُ فَلَم تَدرِ أَيَّهُمَا تَتَّبِعُ، فَتِلكَ الفِتنَةُ».
وَفِي الفِتَنِ غَالِبًا مَا تَنقَلِبُ الأُمُورُ وَالمَفَاهِيمُ فِي نَظَرِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَلَا يَعُودُ يُمَيِّزُ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ فَتَلتَبِسُ عَلَيهِ الأُمُورُ، فَعَن حُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ، رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَكُونُ فِتنَةٌ تَعوجُ فِيهَا عُقُولُ الرِّجَالِ حَتَّى مَا تَكَادُ تَرَى رَجُلًا عَاقِلًا».
وَرَحِمَ اللهُ الحَسَنَ البِصرِيَّ القَائِلَ: «إِنَّ الفِتنَةَ إِذَا أَقبَلَتْ عَرَفَهَا العَالِمُ، وَإِذَا أَدبَرَتْ عَرَفَهَا كُلُّ جَاهِلٍ».
وَعَن أَبِي هَارُونَ المَدِينِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَيفَ بِكُم إِذَا رَأَيتُمُ المَعرُوفَ مُنكَرًا، وَالمُنكَرَ مَعرُوفًا؟» قَالُوا: وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَم».
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَأتِيكُم مِن بَعدِي أَربَعُ فِتَنٍ، فَالرَّابِعَةُ مِنهَا الصَّمَّاءُ العَميَاءُ المُطبِقَةُ، تُعرَكُ الأُمَّةُ فِيهَا بِالبَلَاءِ عَركَ الأَدِيمِ، حَتَّى يُنكَرَ فِيهَا المَعرُوفُ، وَيُعرَفَ فِيهَا المُنكَرُ، تَمُوتُ فِيهَا قُلُوبُهُم كَمَا تَمُوتُ أَبدَانُهُم».
وَعَن حُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ قَالَ: «الفِتنَةُ حَقٌّ وَبَاطِلٌ يَشتَبِهَانَ، فَمَن عَرَفَ الحَقَّ لَم تَضُرَّهُ الفِتنَةُ».
وَعَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِتنَةً بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ، قَالَ: قُلتُ: وَفِينَا كِتَابُ اللهِ؟ قَالَ: «وَفِيكُم كِتَابُ اللهِ» قَالَ: قُلتُ: وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: «وَمَعَكُم عُقُولُكُم».
تمني الموت عند الفتنة
وَقَد رَخَّصَ الشَّرعُ فِي تَمَنِّي المَوتِ لِمَا يَفشُوا فِي النَّاسِ مِنَ البَلَاءِ وَالفِتَنِ وَعِندَ خَوفِ الِافتِتَانِ:
فَعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى القَبرِ فَيَقُولُ: لَوَدِدتُ أَنِّي مَكَانَ صَاحِبِهِ، لِمَا يَلقَى النَّاسُ مِنَ الفِتَنِ».
وَعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: «لَيَأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَتَمَنَّى المَرءُ أَنَّهُ فِي فُلكٍ مَشحُونٍ هُوَ وَأَهلُهُ يَمُوجُ بِهِم فِي البَحرِ مِن شِدَّةِ مَا فِي الأَرضِ مِنَ البَلَاءِ».
وَعَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: «إِذَا رَأَيتُمُ الدَّمَ يُسفَكُ بِغَيرِ حَقِّهِ، وَالمَالَ يُعطَى عَلَى الكَذِبِ، وَظَهَرَ الشَّكُّ وَالتَّلَاعُنُ، وَكَانَتِ الرِّدَّةُ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَمُوتَ فَليَمُت» (لَيسَ مَعنَاهُ بِقَتلِ نَفسِهِ، لَكِنَّ المَعنَى يَومَئِذٍ تَتَمَنَّونَ المَوتَ).
ندامة بعض الصحابة وإشفاقهم من الفتن
وَلِشِدَّةِ الفِتَنِ فَقَد رُوِيَ مِن نَدَامَةِ قَومٍ مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَغَيرِهِم فِي الفِتنَةِ وَبَعدَ انقِضَائِهَا وَمَا تَقَدَّمَ إِلَيهِم فِيهَا، فَقَد رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ حِينَ أَخَذَتِ السُّيُوفُ مَأخَذَهَا مِنَ الرِّجَالِ: «لَوَدِدتُ أَنِّي مُتُّ قَبلَ هَذَا بِعِشرِينَ سَنَةً». لِشِدَّةِ مَا رَأَى مِنَ الفِتَنِ الَّتِي نَزَلَت فِي النَّاسِ.
وَقَالَ عَبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو: كُنتُ أَقرَأُ هَذِهِ الآيَةَ ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُم تَختَصِمُونَ﴾ [الزمر: 31] وَكُنتُ أُرَى أَنَّهَا فِي أَهلِ الكِتَابِ، حَتَّى كَبَحَ بَعضُنَا وُجُوهَ بَعضٍ بِالسُّيُوفِ فَعَرَفنَا أَنَّهَا فِينَا.
وَعَنِ الزُّهرِيِّ قَالَ: «هَاجَتِ الفِتنَةُ وَأَصحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ مُتَوَافِرُونَ».
وَهُنَا يَرِدُ سُؤَالٌ، وَهُوَ: كَيفَ يَعرِفُ الوَاحِدُ أَنَّ هَذِهِ فِتنَةٌ وَكَيفَ يَنجُو مِنهَا؟
تَعرِفُ الفِتَنَ عِندَمَا تَتَشَبَّثُ وَتَتَمَسَّكُ بِالأَصلِ، وَهَكَذَا أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصحَابِهِ كَمَا رَوَى البُخَارِيُّ مِن حَدِيثِ حُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ قَالَ: قُلتُ: فَمَا تَأمُرُنِي إِن أَدرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَإِمَامَهُم»، قُلتُ: فَإِن لَم يَكُن لَهُم جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعتَزِل تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا وَلَو أَن تَعَضَّ بِأَصلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدرِكَكَ المَوتُ وَأَنتَ عَلَى ذَلِكَ». اهـ نَسأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ.
بَعضُ النَّاسِ كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ لَكِنَّهُ أَصَابَتهُ فِتنَةٌ، فَمِنهُم مَنِ انقَلَبَ حَالُهُ وَوَقَعَ فِي الكُفرِ بَعدَ الإِيمَانِ، وَبَعضُهُم سَاءَ حَالُهُ، وَبَعضُهُم اللهُ تَعَالَى هَدَاهُ لِلصَّوَابِ وَرَجَعَ عَنِ الفِتنَةِ، لَكِنَّهُ وَقَعَ مَعَ مَا يَحمِلُ مِنَ العِلمِ.
من أبرز الفتن
فتنة النساء
وَأَحيَانًا يَمِيلُ البَعضُ لِلفِتَنِ بِسَبَبِ ضَعفٍ فِي النَّفسِ، بِسَبَبِ شِدَّةِ المَيلِ لِمَا يُفتَنُ بِهِ، مَثَلًا: مِن أَعظَمِ الفِتَنِ: النِّسَاءُ وَالمَالُ وَالرِّئَاسَةُ، وَيُوجَدُ فِتَنٌ فِي الدِّينِ، وَقَد قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ﴾.
بَعضُ النَّاسِ بِسَبَبِ تَعَلُّقِ قَلبِهِ بِالنِّسَاءِ يَمِيلُ لَهُنَّ فَيَفتِنُونَهُ وَيَقَعُ فِي الحَرَامِ، كَم مِنَ النَّاسِ غَيَّرَ دِينَهُ وَكَفَرَ بِاللهِ بِسَبَبِ امرَأَةٍ، وَهَذَا حَصَلَ كَثِيرًا فِي التَّارِيخِ، وَمِن أَمثِلَةِ ذَلِكَ مَا يَقُولُ بَعضُ أَهلُ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ وَالتَّفسِيرِ: إِنَّ مَلِكَ بَنِي إِسرَائِيلَ كَانَ يُكرِمُ يَحيَى بنَ زَكَرِيَّا وَيُدنِي مَجلِسَهُ، وَإِنَّهُ هَوِيَ ابنَةَ امرَأَتِهِ، فَسَأَلَ يَحيَى بنَ زَكَرِيَّا عَن تَزوِيجِهَا فَنَهَاهُ عَن نِكَاحِهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهَا فَحَقَدَت عَلَى يَحيَى بنِ زَكَرِيَّا، وَعَمَدَت حِينَ جَلَسَ المَلِكُ عَلَى شَرَابِهِ فَأَلبَسَتهَا ثِيَابًا رِقَاقًا حُمرًا وَطَيَّبَتهَا وَأَلبَسَتهَا الحُلِيَّ وَأَرسَلَتهَا إِلَى المَلِكِ وَأَمَرَتهَا أَن تَسقِيَهُ، فَإِن أَرَادَهَا عَن نَفسِهَا أَبَت عَلَيهِ حَتَّى يُعطِيَهَا مَا سَأَلَتهُ، فَإِذَا أَعطَاهَا سَأَلَت رَأسَ يَحيَى بنِ زَكَرِيَّا أَن يُؤتَى بِهِ فِي طَستٍ، فَفَعَلَت، فَلَمَّا أَرَادَهَا قَالَت لَا أَفعَلُ حَتَّى تُعطِيَنِي مَا أَسأَلُكَ، قَالَ: مَا تَسأَلِينِي؟ قَالَت: رَأَسَ يَحيَى بنِ زَكَرِيَّا فِي هَذَا الطَّستِ، فَقَالَ: وَيحَكِ سَلِينِي غَيرَ هَذَا، فَقَالَت: مَا أُرِيدُ إِلَّا هَذَا، فَلَمَّا أَبَت عَلَيهِ بَعَثَ فَقَتَلَهُ، فَأُتِيَ بِرَأسِهِ حَتَّى وُضِعَ بَينَ يَدَيهِ وَالرَّأسُ يَتَكَلَّمُ وَيَقُولُ: لَا تَحِلُّ لَكَ، لَا تَحِلُّ لَكَ، فَلَمَّا أَصبَحَ إِذَا دَمُهُ يَغلِي، فَأَمَرَ بِتُرَابٍ فَأُلقِيَ عَلَيهِ، فَرَقَى الدَّمُ يَعنِي صَعِدَ الدَّمُ يَغلِي، وَيُلقِي عَلَيهِ مِنَ التُّرَابِ حَتَّى بَلَغَ سُورَ المَدِينَةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَغلِي، ثُمَّ قُدِّمَ رَأسُهُ إِلَى المَلِكِ فِي الطَّبَقِ وَالدَّمُ يَنزِفُ مِنهُ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرأَةُ الرَّأسَ قَالَت: اليَومَ قَرَّت عَينِي، وَانتَقَمَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ يَحيَى عَلَيهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا صَعِدَت هَذِهِ المَرأَةُ إِلَى سَطحِ قَصرِهَا سَقَطَت مِنهُ إِلَى الأَرضِ، وَكَانَ هُنَاكَ كِلَابٌ ضَارِيَةٌ فَوَثَبَتِ الكِلَابُ عَلَيهَا فَأَكَلَتهَا وَهِيَ تَنظُرُ إِلَيهِم، وَكَانَ ءَاخِرُ مَا أُكِلَ مِنهَا عَينَاهَا.
دُوَلٌ زَالَت وَانتَهَت وَصَارَت خَبَرًا بَعدَ عَينٍ بِسَبَبِ امرَأَةٍ أَحيَانًا، لِذَلِكَ يَقُولُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا فِي البُخَارِيِّ: «مَا رَأَيتُ مِن نَاقِصَاتِ عَقلٍ وَدِينٍ أَذهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِن إِحدَاكُنَّ».
وَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: «إِنَّ الدُّنيا حُلوَةٌ خضِرَةٌ، وإنَّ اللهَ مُستَخلِفُكُم فِيهَا فَيَنظُرُ كَيفَ تَعمَلُونَ، فَاتَّقوا الدُّنيَا واتَّقُوا النِّسَاءِ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتنةِ بَنِي إسرَائيلَ كَانَت فِي النِّسَاءِ».
وَفِي البُخَارِيِّ عَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا تَرَكتُ بَعدِي فِتنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ».اهـ
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا أَضَرُّ مَا فِي الدُّنيَا مِنَ البَلَايَا، وَقَد جَاءَ فِي رِوَايَةِ الدَّيلَمِيِّ عَن مُعَاذٍ: «اتَّقُوا الدُّنيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ إِبلِيسَ طَلَّاعٌ رَصَّادٌ، وَمَا هُوَ بِشَيءٍ مِن فُخُوخِهِ بِأَوثَقَ لِصَيدِهِ فِي الِانقِيَادِ مِنَ النِّسَاءِ».اهـ
وَكَانَ هَلَاكُ بَنِي إِسرَائِيلَ كَمَا يُذكَرُ فِي قِصَّةِ بَلعَامَ، فَقَد نَقَلَ البَغَوِيُّ فِي تَفسِيرِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف: 175] الآيَاتِ. أَنَّ قِصَّتَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَابنُ إِسحَاقَ، وَالسُّدِّيُّ وَغَيرُهُم، أَنَّ مُوسَى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا قَصَدَ حَربَ الجَبَّارِينَ وَنَزَلَ أَرضَ بَنِي كَنعَانَ مِن أَرضِ الشَّامِ، أَتَى قَومُ بَلعَامَ إِلَى بَلعَامَ، وَكَانَ عِندَهُ اسمُ اللهِ الأَعظَمِ، هُوَ كَانَ مُؤمِنًا وَلَكِنْ لَم يَكُنْ وَلِيًّا ، إِنَّمَا تَعَلَّمَ اسمَ اللهِ الأَعظَمَ وَكَانَت تَحصُلُ لَهُ أُمُورٌ إِذَا اشتَغَلَ بِاسمِ اللهِ الأَعظَمِ وَكَانَت تَظهَرُ لَهُ الإِجَابَاتُ بِسَبَبِ هَذَا لَكِنَّهُ عَادَ كَافِرًا مَلعُونًا وَشَيطَانًا مَرِيدًا.
فَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى رَجُلٌ حَدِيدٌ وَمَعَهُ جُنُودٌ كَثِيرَةٌ، وَأَنَّهُ قَد جَاءَ يُخرِجُنَا وَيَقتُلُنَا وَيَحِلُّهَا لِبَنِي إِسرَائِيلَ، وَأَنتَ رَجُلٌ مُجَابُ الدَّعوَةِ، فَاخرُج فَادعُ اللَّهَ أَن يَرُدَّهُم عَنَّا. فَقَالَ لَهُم: وَيلَكُم مِنَ اللَّهِ، مَعَهُ المَلَائِكَةُ وَالمُؤمِنُونَ، كَيفَ أَدعُو عَلَيهِم وَأَنَا أَعلَمُ مِنَ اللهِ مَا أَعلَمُ؟، وَإِنِّي إِن فَعَلتُ ذَلِكَ ذَهَبَت دُنيَايَ وَآخِرَتِي، فَرَاجَعُوهُ وَأَلَحُّوا عَلَيهِ وأَهدَوا لَهُ هَدِيَّةً فَقَبِلَهَا، فَلَم يَزَالُوا يَتَضَرَّعُونَ إِلَيهِ حَتَّى فَتَنُوهُ فَافتَتَنَ، فَرَكِبَ أَتَانًا لَهُ مُتَوَجِّهًا إِلَى جَبَلٍ يُطلِعُهُ عَلَى عَسكَرِ إِسرَائِيلَ، يُقَالَ لَهُ (حُسبَانُ)، فَلَمَّا سَارَ عَلَيهَا غَيرَ كَثِيرٍ رَبَضَت بِهِ أَي: جَلَسَت، فَضَرَبَهَا، حَتَّى إِذَا أَذلَقَهَا أَي: أَقلَقَهَا قَامَت، فَرَكِبَهَا، فَلَم تَسِر بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَت، فَفَعَلَ بِهَا مِثلَ ذَلِكَ، فَقَامَت فَرَكِبَهَا، فَلَم تَسرِ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَت، فَفَعَلَ بِهَا مِثلَ ذَلِكَ، فَقَامَت فَرَكِبَهَا، فَلَم تَسرِ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَت، فَضَرَبَهَا حَتَّى إِذَا أَذلَقَهَا أَذِنَ اللَّهُ لَهَا بِالكَلَامِ، فَكَلَّمَتهُ حُجَّةً عَلَيهِ فَقَالَت: وَيحَكَ يَا بَلعَامُ، أَينَ تَذهَبُ، أَلَا تَرَى المَلَائِكَةَ أَمَامِي تَرُدُّنِي عَن وَجهِي هَذَا، أَتَذهَبُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ وَالمُؤمِنِينَ لِتَدعُوَ عَلَيهِم، فَلَم يَنزِع، فَخَلَى اللَّهُ سَبِيلَهَا، فَانطَلَقَت حَتَّى إِذَا أَشرَفَت بِهِ عَلَى جَبَلِ حُسبَانَ جَعَلَ يَدعُو عَلَيهِم، وَلَا يَدعُو عَلَيهِم بِشَيءٍ إِلَّا صَرَفَ بِهِ لِسَانَهُ إِلَى قَومِهِ، وَلَا يَدعُو لِقَومِهِ بِخَيرٍ إِلَّا صَرَفَ بِهِ لِسَانَهُ إِلَى بَنِي إِسرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ قَومُهُ: أَتَدرِي مَا تَصنَعُ، إِنَّمَا تَدعُو لَهُم وَعَلَينَا. قَالَ: فَهَذَا مَا لَا أَملِكُ، هَذَا شَيءٌ قَد غَلَبَ اللَّهُ عَلَيهِ، وَاندَلَعَ لِسَانُهُ أَي: خَرَجَ فَوَقَعَ عَلَى صَدرِهِ، وفي هذا يقول الله ((وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا، وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).
فَقَالَ لَهُم: قَد ذَهَبَتِ الآنَ مِنِّي الدُّنيَا وَالآخِرَةُ، فَلَم يَبقَ إِلَّا المَكرُ وَالحِيلَةُ، فَسَأَمكُرُ لَكُم وَأَحتَالُ، جَمِّلُوا النِّسَاءَ وَزَيَّنُوهُنَّ وَأَعطُوهُنَّ السِّلَعَ، ثُمَّ أَرسَلُوهُنَّ إِلَى العَسكَرِ يَبِعنَهَا فِيهِ، وَمُرُوهُنَّ لَا تَمنَعُ امرَأَةٌ نَفسَهَا مِن رَجُلٍ أَرَادَهَا، فَإِنَّهُم إِن زَنَى رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنهُم كُفِيتُمُوهُم، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا دَخَلَ النِّسَاءُ العَسكَرَ مَرَّتِ امرَأَةٌ مِنَ الكَنعَانِيِّينَ بِرَجُلٍ مِن عُظَمَاءِ بَنِي إِسرَائِيلَ، فَقَامَ إِلَيهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا حَتَّى أَعجَبَتهُ، ثُمَّ أَقبَلَ بِهَا حَتَّى وَقَفَ بِهَا عَلَى مُوسَى فَقَالَ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ سَتَقُولُ هَذِهِ حَرَامٌ عَلَيكَ. قَالَ: أَجَل هِيَ حَرَامٌ عَلَيكَ لَا تَقرَبهَا. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَا نُطِيعُكَ فِي هَذَا، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا قُبَّتَهُ فَوَقَعَ عَلَيهَا، فَأَرسَلَ اللهُ الطَّاعُونَ عَلَى بَنِي إِسرَائِيلَ فِي الوَقتِ.اهـ
وَمِنَ النَّاسِ مَن ثَبَّتَ اللهُ قَلبَهُ وَجَنَّبَهُ فِتنَةَ النِّسَاءِ وَحَفِظَهُ مِنهُنَّ، فَقَد رُوِيَ عَن شَابٍّ كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ، رَوَى الإِمَامُ السُّيُوطِيُّ وَابنُ عَسَاكِرَ أَنَّهُ كَانَ زَمَنَ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَابٌّ مُتَعَبدٌ قَدْ لَزِمَ المسْجِدَ، وَكَانَ عُمَرُ بِهِ مُعْجَبًا، وَكَانَ لَهُ أَبٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ انْصَرَفَ إِلٰى أَبِيهِ، وَكَانَ طَرِيقُهُ عَلٰى بَابِ امْرَأَة فَافْتُتِنَتْ بِهِ، فَكَانَتْ تَنْصِبُ نَفْسَهَا لَهُ عَلٰى طَرِيقِهِ، فَمَرَّ بها ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَمَا زَالَتْ تُغْوِيهِ حَتَّىٰ تَبِعَهَا، فَلَمَّا أَتَىٰ الْبَابَ دَخَلَتْ وَذَهَبَ يَدْخُلُ، فَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالٰى، وتذكر قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾، فَخَرَّ الْفَتىٰ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَدَعَتِ المرْأَةُ جَارِيَةً لَهَا فَتَعَاوَنَتَا عَلَيْهِ فَحَمَلَتَاهُ إِلٰى بَابِهِ، فَخَرَجَ أَبُوهُ يَطْلُبُهُ، فَإِذَا بِهِ عَلٰى الْبَابِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَدَعَا بَعْضَ أَهْلِهِ فَحَمَلُوهُ فَأَدْخَلُوهُ، فَمَا أَفَاقَ حَتَّىٰ ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ مَا لَكَ ؟ قَالَ: خَيْرٌ، قَالَ: فَإِني أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ، فَأَخْبَرَهُ بِالأَمْرِ، قَالَ: أَي بُنَيَّ وَأَيَّ ءايَةٍ قَرَأْتَ، فَقَرَأَ الآيَةَ الَّتِي كَانَ قَرَأَ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ فَخَرَّ مَغْشِيًا عَلَيْهِ، فَحَرَّكُوهُ فَإِذَا هُوَ مَيتٌ. فَغَسَّلُوهُ فَأَخْرَجُوهُ وَدَفَنُوهُ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا رُفِعَ ذٰلِكَ إِلٰى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلٰى أَبِيهِ فَعَزَّاهُ بِهِ، وَقَالَ: هَلّا ءاذَنْتَني؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ كَانَ لَيْلًا، قَالَ عُمَرُ: فَاذْهَبُوا بِنَا إِلٰى قَبْرِهِ، فَأَتَىٰ عُمَرُ وَمَنْ مَعَهُ الْقَبْرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا فُلاَنُ ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبهِ جَنَّتَانِ﴾ سورة الرحمن. فَأَجَابَهُ الْفَتَىٰ مِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ: يَا عُمَرُ قَدْ أَعْطَانِيهِمَا رَبي في الْجَنَّةِ مَرَّتَيْنِ
فتنة المال والدنيا
وَمِنَ النَّاسِ مَن فُتِنَ بِسَبَبِ الأَموَالِ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيخُنَا رَحِمَهُ اللهُ: حُبُّ المَالِ يُجَنِّنُ، فَقَد تَجِدُ بَعضَ النَّاسِ يَهلِكُ وَيُغَيِّرُ دِينَهُ وَيَقطَعُ رَحِمَهُ عِندَمَا يَرَى الدَّنَانِيرَ وَالدُّولَارَاتِ وَالذَّهَبَ وَالفِضَّةَ، وَقَد رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ وَعَبدُ الدِّرهَمِ وَعَبدُ الخَمِيصَةِ، إِن أُعطِيَ رَضِيَ وَإِن لَم يُعطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانتَكَسَ».اهـ
بَعضُ النَّاسِ بِسَبَبِ المَالِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ غَيَّرَ دِينَهُ وَهَلَكَ وَعَصَى رَبَّهُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَمِن أَشهَرِ الأَمثِلَةِ فِيمَن فُتِنَ بِالأَموَالِ وَكَفَرَ بِاللهِ حَتَّى ذُكِرَ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ، قَارُونُ، فَقَارُونُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي القُرءَانِ هُوَ ابنُ عَمِّ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ، وَكَانَ فِي الأَوَّلِ مُؤمِنًا وَكَانَ يُسَمَّى المُنَوَّرَ لِحُسنِ صُورَتِهِ وَكَانَ مِن أَقرَأ بَنِي إِسرَائِيلَ لِلتَّورَاةِ ثُمَّ كَفَرَ وَكَانَ رَجُلًا طَاغِيًا فَاسِدًا غَرَّتهُ الحَيَاةُ الدُّنيَا، وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ وَالكُنُوزِ، وَقَد ذَكَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَثرَةَ كُنُوزِهِ وَبَيَّنَ أَنَّ كُنُوزَهُ كَانَ يَثقُلُ حَملُ مَفَاتِيحِهَا عَلَى الرِّجَالِ الأَقوِيَاءِ الأَشِدَّاءِ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ كُنُوزِهِ كَانَت تُحمَلُ عَلَى أَربَعِينَ بَغلًا.
وَلَكِنَّ قَارُونَ غَرَّتهُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَغَرَّهُ مَا عِندَهُ مِن أَموَالٍ وَكُنُوزٍ، وَطَغَى وَبَغَى عَلَى قَومِهِ بِكَثرَةِ أَموَالِهِ، وَافتَخَرَ عَلَيهِم وَاستَكبَرَ بِمَا ءَاتَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الأَموَالِ وَالكُنُوزِ، فَنَصَحَهُ النُّصَحَاءُ مِن قَومِهِ وَوَعَظُوهُ وَنَهَوهُ عَن فَسَادِهِ وَبَغيِهِ، وَقَالُوا لَهُ مَا أَخبَرَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَفرَح إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الفَرِحِينَ﴾ أَي لَا تَبطَر بِمَا أُعطِيتَ وَتَفخَر عَلَى غَيرِكَ وَتَستَكبِر إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الَّذِينَ يَفتَخِرُونَ بِأَموَالِهِم عَلَى النَّاسِ، وَقَالُوا لَهُ: ﴿وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ﴾ أَي لِتَكُن هِمَّتُكَ مَصرُوفَةً لِتَحصِيلِ ثَوَابِ اللهِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، ونَصَحُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: ﴿وَأَحسِن كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ وَلاَ تَبغِ الفَسَادَ فِي الأَرضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُفسِدِينَ﴾ أَي أَحسِن إِلَى خَلقِ اللهِ كَمَا أَحسَنَ اللهُ تَعَالَى خَالِقُهُم إِلَيكَ، وَلَا تُفسِد فِيهِم وَتَبغِ فَتُعَامِلُهُم بِخِلَافِ مَا أُمِرتَ بِهِ.
وَلَكِنَّ قَارُونَ أَجَابَهُم جَوَابَ مُغتَرٍّ مَفتُونٍ مُستَكبِرٍ فَقَالَ لَهُم: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي﴾ يَعنِي أَنَا لَا أَحتَاجُ إِلَى نَصِيحَتِكُم، أَي أُوتِيتُهُ عَلَى مَعرِفَةٍ مِنِّي وَخُبرَةٍ، ثُمَّ أَخَذَ يَزدَادُ فِي بَغيِهِ وَفَسَادِهِ مُعتَقِدًا أَنَّ اللهَ سُبحَانَهُ يُحِبُّهُ وَلِذَلِكَ أَعطَاهُ هَذَا المَالَ الكَثِيرَ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَيهِ فِيمَا ذَهَبَ وَاعتَقَدَ: ﴿أَوَلَم يَعلَم أَنَّ اللهَ قَد أَهلَكَ مِن قَبلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هُوَ أَشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وَأَكثَرُ جَمعًا﴾ أَي قَد أَهلَكنَا مِنَ الأُمَمِ المَاضِينَ بِذُنُوبِهِم وَخَطَايَاهُم مَن هُوَ أَشَدُّ مِن قَارُونَ قُوَّةً وَأَكثَرُ مَالًا، فَلَو كَانَت إِفَاضَةُ المَالِ الكَثِيرِ عَلَى عَبدٍ مِن عِبَادِ اللهِ دَلِيلًا عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى لِهَذَا العَبدِ لَمَا عَاقَبَ اللهُ تَعَالَى أَحَدًا مِمَّن كَانَ أَكثَرَ مَالًا مِنهُ، كَمَا قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا أَموَالُكُم وَلَا أَولَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُم عِندَنَا زُلفَى إِلَّا مَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾.
وَيُروَى أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ قَارُونَ بِالزَّكَاةِ، فجَمَعَ نَفَرًا يَثِقُ بِهِم مِن بَنِي إِسرَائِيلَ فَقَالَ: إِنَّ مُوسَى أَمَرَكُم بِكُلِّ شَيءٍ فَأَطَعتُمُوهُ، وَهُوَ الآنَ يُرِيدُ أَخذَ أَموَالِكُم، فَقَالُوا لَهُ: مُرنَا بِمَا شِئتَ قَالَ: آمُرُكُم أَن تُحضِرُوا فُلَانَةَ البَغِيِّ فَتَجعَلُوا لَهَا جَعلًا أَي أُجرَةً فَتَقذِفَهُ بِنَفسِهَا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَأَجَابَتهُم إِلَيهِ.
ثُمَّ أَتَى قَارُونُ إِلَى مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إِنَّ قَومَكَ قَدِ اجتَمَعُوا لَكَ لِتَأمُرَهُم وَتَنهَاهُم، فَخَرَجَ إِلَيهِم نَبِيُّ اللهِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُم: مَن سَرَقَ قَطَعنَاهُ وَمَن زَنَى وَلَيسَ لَهُ امرَأَةٌ جَلَدنَاهُ مِائَةَ جَلدَةٍ، وَإِن كَانَت لَهُ امرَأَةٌ رَجَمنَاهُ حَتَّى يَمُوتَ. فَقَالَ لَهُ قَارُونُ: إِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ يَزعُمُونَ أَنَّكَ فَجَرتَ بِفُلَانَةٍ، فَقَالَ عَلَيهِ السَّلَامُ: ادعُوهَا، فَلَمَّا جَاءَت قَالَ لَهَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: أَقسَمتُ عَلَيكِ بِالَّذِي أَنزَلَ التَّورَاةَ إِلَّا صَدَقتِ، أَنَا فَعَلتُ بِكِ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَت: لَا، كَذَبُوا، وَلَكِن جَعَلُوا لِي جَعلًا عَلَى أَن أَقذِفَكَ، فَسَجَدَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ وَدَعَا اللهَ عَلَيهِم، فَأَوحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيهِ: مُرِ الأَرضَ بِمَا شِئتَ تُطِعكَ، فَقَالَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: يَا أَرضُ خُذِيهِم، فَاضطَرَبَت دَارُهُ وَسَاخَت بِقَارُونَ وَأَصحَابِهِ إِلَى الكَعبَينِ وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مُوسَى ارحَمنِي، قَالَ: يَا أَرضُ خُذِيهِم، فَلَم يَزَل يَستَعطِفُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَرضُ خُذِيهِم حَتَّى خُسِفَت بِهِم.اهـ
وَفِي ذَلِكَ قَالَ رَبُّنَا: ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)).
وَبِالمُقَابِلِ نَجِدُ أَنَّ بَعضَ النَّاسِ أَعطَاهُ اللهُ تَعَالَى الأَموَالَ الكَثِيرَةَ العَظِيمَةَ فَلَم يَعصِ اللهَ بِسَبَبِهَا بَل أَنفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ وَكَانَ مِن خِيَارِ النَّاسِ، فَهَذَا عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَانَ كَثِيرَ المَالِ بَعدَ دَعوَةِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ بِالرِّزقِ الكَثِيرِ وَبِالبَرَكَةِ فِي المَالِ، قَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ: فَلَقَد رَأَيتُنِي وَلَو رَفَعتُ حَجَرًا لَرَجَوتُ أَن أُصِيبَ ذَهَبًا وَفِضَّةً.اهـ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى إِجَابَةِ الدَّعوَةِ النَّبَوِيَّةِ بِأَن يُبَارِكَ اللهُ لَهُ.
وَأَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنفَقَ أَموَالَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاشتَرَى الضُّعَفَاءَ مِنَ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَأَعتَقَهُم فِي سَبِيلِ اللهِ.
وَهَذَا عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ رَزَقَهُ اللهُ المَالَ الكَثِيرَ، فَجَهَّزَ جَيشَ العُسرَةِ وَأَنفَقَ أُلُوفَ الدَّنَانِيرِ الذَّهَبِيَّةِ عَلَيهِ، وَاشتَرَى بِئرَ رُومَةَ وَجَعَلَهُ لِلمُسلِمِينَ، وَأَنفَقَ غَيرَ ذَلِكَ الكَثِيرَ.
فتنة حب الرئاسة
وَمِن أَشَدِّ الفِتَنِ الَّتِي يَهلِكُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِتنَةُ المَنَاصِبِ وَحُبِّ الرِّئَاسَةِ، فَتَسَابُقُ النَّاسِ لِلرِّئَاسَةِ يُنسِي كَثِيرًا مِنهُم طَاعَةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَهلِكُ وَيُفضِي بِهِ الأَمرُ لِمُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ، فَبَعضُهُم يَقتُلُ وَبَعضُهُم يَظلِمُ وَبَعضُهُم يَكفُرُ بِاللهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، فَكَم مِن قِصَصٍ فِي التَّارِيخِ الإِسلَامِيِّ وَغَيرِهِ فِي هَذَا الأَمرِ وَهَلَكَ فِيهِ النَّاسُ بِسَبَبِ حُبِّ الرِّئَاسَةِ؟
فَعِندَمَا مَلَكَ بَنُو العَبَّاسِ كَم قَتَلُوا مِنَ النَّاسِ، يُروَى أَنَّهُم قَتَلُوا مِئَاتِ الأُلُوفِ، قَتَلَهُم أُمَرَاؤُهُم كَشَخصٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو مُسلِمٍ الخُرَسَانِيُّ، أَهلَكَ النَّاسَ وَأَكثَرَ فِيهِمُ القَتلَ لِإِقَامَةِ دَولَةِ العَبَّاسِيِّينَ. وَعِندَمَا تَأَمَّرَ الحَجَّاجُ كَم قَتَلَ مِنَ النَّاسِ ظُلمًا، يُروَى أَنَّهُ قَتَلَ مِائَتَي أَلفِ شَخصٍ، وَيُروَى عَن بَعضِ أَبنَاءِ الخُلَفَاءِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ لِيَصِيرَ هُوَ بَعدَهُ خَلِيفَةً، وَهَذِهِ شَهوَةٌ وَفِتنَةٌ لَا يَنجُو مِنهَا كثير مِنَ النَّاسِ، نَسأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ.
وَلِذَلِكَ قَالَ العَرَبُ قَدِيًما: المُلكُ عَقِيمٌ. وَمَعنَاهُ فِي الغَالِبِ هَكَذَا يَكُونُ، قَالَ أَبُو عُبَيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَامٍ فِي الأَمثَالِ: يُرِيدُونَ أَنَّ المَلِكَ لَو نَازَعَهُ وَلَدُهُ المُلكَ لَقَطَعَ رَحِمَهُ حَتَّى يُهلِكَهُ، فَكَأَنَّهُ عَقِيمٌ لَم يُولَد لَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الِانفِرَادِ بِالمُلكِ فَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ عَقِيمٌ.اهـ وَقَالَ ثَعلَبٌ: مَعنَاهُ أَنَّهُ يَقتُلُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ وَعَمَّهُ فِي ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا يَهرُبُونَ مِنَ الإِمَارَةِ وَالرِّئَاسَةِ وَالعِرَافَةِ وَيَتَوَرَّعُونَ عَنهَا، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَن طَلَبَ الرِّيَاسَةَ فِي غَيرِ حِينِهِ لَم يَزَل فِي ذُلٍّ مَا بَقِيَ، وَكَانَ ابنُ المُبَارَكِ يَنقُلُ قَولَ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا وَيُنشِدُ:
حُبُّ الرِّيَاسَةِ دَاءٌ لَا دَوَاءَ لَهُ *** وَقَلَّمَا تَجِدُ الرَّاضِينَ بِالقَسمِ
وَفِي هَذَا حَصَلَت قِصَّةٌ بَينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتِلمِيذِهِ أَبِي يُوسُفَ القَاضِي رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، فَعَلَّمَهُ أَن لَا يَطلُبَ الرِّئَاسَةَ وَلَا يَلتَفِتَ إِلَيهَا وَلَا يَتَّبِعَ شَهوَةَ الرِّئَاسَةِ فَإِنَّهَا غَالِبًا تَكُونُ مُهلِكَةً، وَعَلَّمَهُ أَن يَطلُبَ رِضَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ الفَضلُ بنُ غَانِمٍ: كَانَ أَبُو يُوسُفَ مَرِيضًا شَدِيدَ المَرَضِ، فَعَادَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِرَارًا، فَصَارَ إِلَيهِ آخِرَ مَرَّةٍ فَرَآهُ ثَقِيلًا فَاستَرجَعَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَد كُنتُ أُؤَمِّلُكَ بَعدِي لِلمُسلِمِينَ، وَلَئِن أُصِيبَ النَّاسُ بِكَ لَيَمُوتَنَّ مَعَكَ عِلمٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ رُزِقَ العَافِيَةَ وَخَرَجَ مِنَ العِلَّةِ، فَأُخبِرَ أَبُو يُوسُفَ بِقَولِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ، فَارتَفَعَت نَفسُهُ وَانصَرَفَت وُجُوهُ النَّاسِ إِلَيهُ، فَعَقَدَ لِنَفسِهِ مَجلِسًا فِي الفِقهِ، وَقَصَّرَ عَن لُزُومِ مَجلِسِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَسَأَلَ عَنهُ فَأُخبِرَ أَنَّهُ قَد عَقَدَ لِنَفسِهِ مَجلِسًا، وَأَنَّهُ قَد بَلَغَهُ كَلَامُكَ فِيهِ، فَدَعَا رَجُلًا كَانَ لَهُ عِندَهُ قَدرٌ فَقَالَ: سِر إِلَى مَجلِسِ يَعقُوبَ فَقُل لَهُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى قَصَّارٍ (قَالَ الفَيُّومِيُّ: قَصَرتُ الثَّوبَ قَصرًا بَيَّضتُهُ وَالقِصَارَةُ بِالكَسرِ الصِّنَاعَةُ وَالفَاعِلُ قَصَّارٌ) ثَوبًا لِيَقصُرَهُ بِدِرهَمٍ، فَسَارَ إِلَيهِ بَعدَ أَيَّامٍ فِي طَلَبِ الثَّوبِ فَقَالَ لَهُ القَصَّارُ: مَا لَكَ عِندِي شَيءٌ وَأَنكَرَهُ، ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الثَّوبِ رَجَعَ إِلَيهِ فَدَفَعَ إِلَيهِ الثَّوبَ مَقصُورًا، أَلَهُ أُجرَةٌ؟ فَإِن قَالَ: لَهُ أُجرَةٌ، فَقُل: أَخطَأتَ، وَإِن قَالَ: لَا أُجرَةَ لَهُ، فَقُل: أَخطَأتَ، فَصَارَ إِلَيهِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ الأُجرَةُ، فَقَالَ: أَخطَأتَ، فَنَظَرَ ساعَةً، ثُمَّ قَالَ: لَا أُجرَةَ لَهُ، فَقَالَ: أَخطَأتَ، فَقَامَ أَبُو يُوسُفَ مِن سَاعَتِهِ فَأَتَى أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَّا مَسأَلَةُ القَصَّارِ؟ قَالَ: أَجَل، قَالَ: سُبحَانَ اللهِ، مَن قَعَدَ يُفتِي النَّاسَ وَعَقَدَ مَجلِسًا يَتَكَلَّمُ فِي دِينِ اللهِ وَلَا يُحسِنُ أَن يُجِيبَ فِي مَسأَلَةٍ مِنَ الإِجَارَاتِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ، عَلِّمنِي، فَقَالَ: إِن كَانَ قَصَرَهُ بَعدَمَا غَصَبَهُ فَلَا أُجرَةَ لَهُ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفسِهِ، وَإِن كَانَ قَصَرَهُ قَبلَ أَن يَغصِبَهُ فَلَهُ الأُجرَةُ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لِصَاحِبِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَن ظَنَّ أَنَّهُ يَستَغنِي عَنِ التَّعَلُّمِ فَليَبكِ عَلَى نَفسِهِ.اهـ
وَقَالَ الفُضَيلُ بنُ عِيَاضٍ: «مَا مِن أَحَدٍ أَحَبَّ الرِّئَاسَةَ إِلَّا حَسَدَ وَبَغَى وَتَتَبَّعَ عُيُوبَ النَّاسِ وَكَرِهَ أَن يُذكَرَ أَحَدٌ بِخَيرٍ».
وَقَالَ أَبُو نُعَيمٍ: «وَاللهِ مَا هَلَكَ مَن هَلَكَ إِلَّا بِحُبِّ الرِّئَاسَةِ».
وَقَالَ ابنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعتُ إِسحَاقَ بنَ خَلَفٍ يَقُولُ: «وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَإِزَالَةُ الجِبَالِ الرُّوَاسِيِّ أَيسَرُ مِن إِزَالَةِ حُبِّ الرِّيَاسَةِ».
وَقَالَ الثَّورِيُّ: «مَن أَحَبَّ الرِّيَاسَةَ فَليُعِدَّ رَأسَهُ لِلنِّطَاحِ».
وَقَالَ المَأمُونُ: «مَن طَلَبَ الرِّيَاسَةَ بِالعِلمِ صَغِيرًا فَاتَهُ عِلمٌ كَثِيرٌ».
وَقَالَ ﷺ: «سَتَحرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، ثُمَّ تَكُونُ حَسرَةً وَنَدَامَةً يَومَ القِيَامَةِ، فَنِعمَتِ المُرضِعَةُ وَبِئسَتِ الفَاطِمَةُ».اهـ رواه النسائي.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: شَبَّهَ الوِلَايَةَ بِالمُرضِعَةِ، وَانقِطَاعَهَا بِالمَوتِ، أَي نِعمَتِ المُرضِعَةُ الوِلَايَةُ فَإِنَّهَا تَدِرُّ عَلَيكَ المَنَافِعَ وَاللَّذَّاتِ العَاجِلَةَ، وَبِئسَتِ الفَاطِمَةُ المُسِيئَةُ فَإِنَّهَا تَقطَعُ عَنكَ اللَّذَائِذَ وَالمَنَافِعَ وَتُبقِي عَلَيكَ الحَسرَةَ وَالنَّدَامَةَ، فَلَا يَنبَغِي لِلعَاقِلِ أَن يُلِمَّ بِلَذَّاتٍ يَتبَعُهَا حَسَرَاتٌ.اهـ
وَقِيلَ جَعَلَ الإِمَارَةَ فِي حَلَاوَةِ أَوَائِلِهَا وَمَرَارَةِ أَوَاخِرِهَا كَمُرضِعَةٍ تُحسِنُ بِالإِرضَاعِ وَتُسِيءُ بِالفِطَامِ.اهـ
وَقِيلَ لِبَعضِهِم: مَا يَمنَعُكَ مِنَ الإِمَارَةِ؟ قَالَ: حَلَاوَةُ رَضَاعِهَا وَمَرَارَةُ فِطَامِهَا.
وَكَانَ السَّلَفُ يَذكُرُونَ أَنَّ مَن طَلَبَ الرِّئَاسَةَ يَقسُو قَلبُهُ، فَقَد كَانَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروَانَ يُسَمَّى حَمَامَةَ المَسجِدِ لِلُزُومِهِ المَسجِدَ الحَرَامَ، فَلَمَّا أَتَاهُ الخَبَرُ بِخِلَافَتِهِ قَالَ: إِنِّي كُنتُ أَتَحَرَّجُ أَن أَطَأَ نَملَةً، وَإِنَّ الحَجَّاجَ يَكتُبُ إِلَيَّ فِي قَتلِ فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ (أَي عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ النَّاسِ) فَمَا أَتَحَرَّكُ لِذَلِكَ.
وَرَأَى عَبدُ المَلِكِ غَسَّالًا فَقَالَ: وَدِدتُ أَنِّي كُنتُ غَسَّالًا لَا أَعِيشُ إِلَّا بِمَا كَسَبتُ يَومًا فَيَومًا، فَذُكِرَ لِأَبِي حَازِمٍ، وَهُوَ سَلَمَةُ بنُ دِينَارٍ الإِمَامُ القُدوَةُ الوَاعِظُ شَيخُ المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ أَبُو حَازِمٍ المَدِينِيُّ، فَقَالَ: الحَمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَهُم يَتَمَنَّونَ عِندَ المَوتِ مَا نَحنُ فِيهِ وَلَا نَتَمَنَّى عِندَهُ مَا هُم فِيهِ.
وَقَد رَوَى البَيهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «العِرَافَةُ حَقٌّ، وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنَ العُرَفَاءِ، وَلَكِنَّ العُرَفَاءَ فِي النَّارِ» أَي أَكثَرَهُم فِي النَّارِ لِأَنَّهُم لَا يَتَّقُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.
وبِسَبَبِ خَوفِ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَفَضَ القَضَاءَ وَرَفَضَ التَّوَلِّي عَلَى بَيتِ المَالِ، وَكَانَ مِن أَبعَدِ النَّاسِ عَن طَلَبِ الرِّئَاسَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ.
وَقَالَ بِشرُ بنُ الوَلِيدِ: طَلَبَ المَنصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ فَأَرَادَه عَلَى القَضَاءِ، وَحَلَفَ لَيَلِيَنَّ، فَأَبَى وَحَلَفَ: إِنِّي لَا أَفعَلُ، فَقَالَ الرَّبِيعُ الحَاجِبُ: تَرَى أَمِيرَ المُؤمِنِينَ يَحلِفُ وَأَنتَ تَحلِفُ؟ قَالَ: أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَى كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَقدَرُ مِنِّي. فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجنِ فَمَاتَ فِيهِ بِبَغدَاد.اهـ
وَبِالمُقَابِلِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يُفتَنُونَ بِالمُلكِ وَلَا يَغُرُّهُم، بَل يَزدَادُونَ تَوَاضُعًا لِرَبِّهِم عَزَّ وَجَلَّ، فَهَذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ خادمُهُ أَسلَمُ: خَرَجتُ لَيلَةً مَعَ عُمَرَ إِلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ (وَاقِمٌ: أَطَمٌ مِن آطَامِ المَدِينَةِ، وَحَرَّةُ وَاقِمٍ مُضَافَةٌ إِلَيهِ، وَتُعرَفُ اليَومَ حَرَّتُهُ بِحَرَّةِ المَدِينَةِ الشَّرقِيَّةِ)، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِصِرَارٍ (صِرَارٌ: مَوضِعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَميَالٍ مِنَ المَدِنيَةِ عَلَى طَرِيقِ العِرَاقِ) إِذَا بِنَارٍ فَقَالَ: يَا أَسلَمُ هَاهُنَا رَكبٌ قَد قَصَّرَ بِهِمُ اللَّيلُ (أَيْ حَبسَهُم عَنِ السَّيْرِ)، انطَلِق بِنَا إِلَيهِم. فَأَتَينَاهُم فَإِذَا امرَأَةٌ مَعَهَا صِبيَانُ لَهَا، وَقِدرٌ مَنصُوبَةٌ عَلَى النَّارِ، وَصِبيَانُهَا يَتَضَاغَونَ (التَّضَاغِي: الصِّيَاحُ وَالبُكَاءُ) فَقَالَ عُمَرُ: السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَصحَابَ الضَّوءِ. قَالَت: وَعَلَيكَ السَّلَامُ. قَالَ: أَدنُو؟ قَالَت: ادنُ أَو دَع. فَدَنَا فَقَالَ: مَا بَالُكُم؟ قَالَت: قَصَّرَ بِنَا اللَّيلُ وَالبَردُ. قَالَ: فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الصِّبيَةِ يَتَضَاغَونَ؟ قَالَت: مِنَ الجُوعِ. فَقَالَ: وَأَيُّ شَيءٍ عَلَى النَّارِ؟ قَالَت: مَاءٌ أُعَلِّلُهُم بِهِ حَتَّى يَنَامُوا، اللهُ بَينَنَا وَبَينَ عُمَرَ! (وَهِيَ لَا تَعرِفُهُ، وَمَعنَى كَلَامِهَا أَنَّهَا تَشكُو عُمَرَ للهِ) فَبَكَى عُمَرُ وَرَجَعَ يُهَروِلُ إِلَى دَارِ الدَّقِيقِ، فَأَخرَجَ عِدلًا (نِصفَ الحِملِ) مِن دَقِيقٍ وَجِرَابَ شَحمٍ (قِطعَةً مِنَ الشَّحمِ)، وَقَالَ: يَا أَسلَمُ احمِلهُ عَلَى ظَهرِي. فَقُلتُ: أَنَا أَحمِلُهُ عَنكَ. فَرَفَضَ وَحَمَلَهُ عَلَى ظَهرِهِ، وَانطَلَقنَا إِلَى المَرأَةِ، فَأَلقَى عَن ظَهرِهِ وَأَخرَجَ مِنَ الدَّقِيقِ فِي القِدرِ، وَأَلقَى عَلَيهِ مِنَ الشَّحمِ، وَجَعَلَ يَنفُخُ تَحتَ القِدرِ وَالدُّخَّانُ يَتَخَلَّلُ لِحيَتَهُ سَاعَةً، ثُمَّ أَنزَلَهَا عَنِ النَّارِ وَقَالَ: آتِنِي بِصَحفَةٍ. فَأُتِيَ بِهَا، فَغَرَفَ فِيهَا، ثُمَّ جَعَلَهَا بَينَ يَدَيِ الصِّبيَانِ، وَقَالَ: كُلُوا. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَالمَرأَةُ تَدعُو لَهُ وَهِيَ لَا تَعرِفُهُ، فَلَم يَزَل عِندَهُم حَتَّى نَامَ الصِّغَارُ، ثُمَّ أَوصَى لَهُم بِنَفَقَةٍ وَانصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَسلَمُ، الجُوعُ الَّذِي أَسهَرَهُم وَأَبكَاهُم. فلَم يَزُل حَتَّى شَبِعُوا وَتَرَكَ عندَها فَضلَ ذلكَ، وقَامَ وقُمتُ معهُ، فَجَعَلَت تَقُولُ: “جزاكَ اللهُ خيرًا، كنتَ بهذَا الأمرِ أولَى مِن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ”، فَيَقُولُ: “قُولِي خَيرًا، وَإِذَا جِئتِ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَجَدتِينِي هُنَاكَ إِن شَاءَ اللهُ.
فَهَذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لَم يَغُرَّهُ المُلكُ وَالأَموَالُ وَالمَنَاصِبُ، بَلِ ازدَادَ تَوَاضُعًا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
نصيحة وتنبيه
كَم نَجِدُ مِنَ النَّاسِ فِي أَيَّامِنَا يُغَيِّرُ أَحكَامَ الشَّرِيعَةِ فَيُفتِي بِحِلِّ أَمرٍ هُوَ حَرَامٌ أَو بِحُرمَةِ أَمرٍ هُوَ حَلَالٌ، أَو يَسكُتُ عَن إِنكَارِ المُنكَرَاتِ مَعَ كَثرَتِهَا بِسَبَبِ حُبِّ الأَموَالِ وَالدُّنيَا، وَقَد قِيلَ: حُبُّ الدُّنيَا رَأسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَهَذِهِ مِن أَعظَمِ الفِتَنِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى.
نَجِدُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَن يَعرِفُ أَمرَ العَقِيدَةِ وَالتَّوحِيدِ فَيَعتَقِدُ أَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَن مُشَابَهَةِ المَخلُوقَاتِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَسكُتُ عَنِ المُجَسِّمَةِ الَّذِينَ يَنشُرُونَ عَقَائِدَ اليَهُودِ بَينَ المُسلِمِينَ، وَيَسكُتُ عَنِ التَّكفِيرِيِّينَ الَّذِينَ يَرمُونَ المُسلِمِينَ بِالكُفرِ، بَل وَيُكَفِّرُونَهُ هُوَ كَذَلِكَ، وَيَسكُتُ عَنِ المُعتَزِلَةِ، هَذَا بِسَبَبِ الأَموَالِ وَالمَنَاصِبِ أَن لَا تَزُولَ عَنهُ يَسكُتُ عَن كُلِّ هَؤُلَاءِ وَيُهَادِنُهُم وَيَقُولُ عَنهُم مَقَالَاتِ مَدحٍ وَتَروِيجٍ لِمُعتَقَدِهِمُ الفَاسِدِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى.
السؤال الفقهي
ما حكم صيام مَنِ استعمل التحميلة الشرجية؟
التَّحمِيلَةُ الشَّرجِيَّةُ تُفطِّرُ الصَائِمَ، لِأَنَّهَا عَينٌ تَدخُلِ إِلَى الجَوفِ مِن مَنفَذٍ مَفتُوحٍ، وَقَد أَخرَجَ البَيهَقِيُّ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا الوُضُوءُ مِمَّا يَخرُجُ وَلَيسَ مِمَّا يَدخُلُ، وَإِنَّمَا الفِطرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيسَ مِمَّا خَرَجَ.اهـ
مختارات من الأدعية والأذكار
صيغة لرؤية النبي محمد ﷺ في المنام
صِيغَةُ المِكيَالِ الأَوفَى: “اللهم صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهلِ بَيتِهِ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى ءَالِ إِبرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ” وَهِيَ مُجَرَّبَةٌ لِرُؤيَتِهِ ﷺ، تُقَالُ فِي اليَومِ مِائَةَ مَرَّةٍ أَو أَكثَرَ عَلَى حَسَبِ الهِمَّةِ وَالنَّشَاطِ.
نُنَبِّهُ لِإِخرَاجِ الصَّادِ صَافِيَةً وَالغُنَّةِ فِي المِيمِ مِن (اللهم) وَفِي (مُحَمَّدٍ) وَالنُّونِ المُشَدَّدَةِ فِي النَّبِيِّ.
لمن عسر عليه رزقه
لِمَن عَسُرَ عَلَيهِ رِزقُهُ وَقَلَّ خَيرُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الرِّزقُ مَادِّيًّا أَو مَعنَوِيًّا: أَموَالًا، تَوفِيقًا، فَهمًا، عِلمًا، تَكتُبُ الآيَةَ [54] مِن سُورَةِ ﴿ص﴾، وَصِفَتُهَا تُكتَبُ فِي لَيَالِيَ خَاصَّةٍ وَهِيَ: لَيلَةُ عَرَفَةَ، وَلَيلَةُ النِّصفِ مِن شَعبَانَ: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾، [سورة ص:54] تُكتَبُ [55] مَرَّةً، اكتُبُوهَا وَاحمِلُوهَا مَعَكُم فِي مَحفَظَةِ أَموَالِكُم فَهِيَ مُجَرَّبَةٌ بِإِذنِ اللهِ تَعَالَى.
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ
اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ وَحدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ الحَنَّانُ المَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ وَحدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ الحَنَّانُ المَنَّانُ يَا اللهُ يَا رَحمَنُ يَا رَحِيمُ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ يَا إِلَهَنَا وَإِلَهَ كُلِّ شَيءٍ جَمِيعًا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ يَا عَلِيمُ يَا حَلِيمُ يَا عَفُوُّ يَا غَفُورُ يَا سَمِيعُ يَا بَصِيرُ يَا عَلِيُّ يَا كَبِيرُ يَا رَؤُوفُ يَا رَحِيمُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ يَا اللهُ يَا رَحمَنُ يَا رَحِيمُ يَا عَلِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحمَتِكَ نَستَغِيثُ فَأَغِثنَا يَا مُغِيثُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبحَانَكَ إِنَّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِينَ.
اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ المَحيَا وَالمَمَاتِ وَمِن فِتنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ. اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ القَبرِ وَعَذَابِ النَّارِ. اللهم أَصلِح لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنَا وَأَصلِح لَنَا دُنيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصلِح لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا مِن كُلِّ خَيرٍ وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
اللهم إِنَّا سَأَلنَاكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ أَعطِنَا سُؤلَنَا مِنَ الخَيرِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ اللهم فَرِّج عَنَّا كُرُبَاتِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ اللهم اجمَع لَنَا بَينَ خَيرَيِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ اللهم اغفِر لِمَن سَبَقَنَا مِن إِخوَانِنَا بِالإِيمَانِ اللهم اجمَعنَا بِهِم فِي الفِردَوسِ الأَعلَى اللهم اجعَلنَا لِدَعوَةِ نَبِيِّكَ سَامِعِينَ وَلِأَمرِهِ مُطِيعِينَ، وَمِن رُفَقَائِهِ المُصَاحِبِينَ وَاجعَلنَا مِن أَولِيَائِكَ المُخلَصِينَ.
اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللهم انصُر عِبَادَكَ فِي فِلَسطِينَ وَسَخِّر لَهُمُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا وَالسَّمَاءَ وَمَن فِيهَا. اللهم بِقُوَّتِكَ نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا عَظِيمَ القَهرِ أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم.
اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ الغَاصِبِينَ اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ الظَّالِمِينَ اللهم زَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم. اللهم اجعَل لِلمُرَابِطِينَ فِي غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ وَجَمِيعِ بِقَاعِ الأَرضِ النُّصرَةَ وَالعِزَّةَ وَالغَلَبَةَ وَالقُوَّةَ وَالهَيبَةَ فِي قُلُوبِ أَعدَائِهِم يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ. اللهم ارزُق أَهلَ فِلَسطِينَ الثَّبَاتَ وَالنَّصرَ وَالتَّمكِينَ، وَبَارِك فِي إِيمَانِهِم وَصَبرِهِم. اللهم انصُر أَهلَ فِلَسطِينَ عَلَى مَن عَادَاهُم اللهم صَوِّب رَميَهُم اللهم ثَبِّتِ الأَرضَ تَحتَ أَقدَامِهِم اللهم اجعَل نَارَ أَعدَائِهِم بَردًا وَسَلَامًا عَلَى المُسلِمِينَ. اللهم احفَظ أَروَاحَهُم وَأَبنَاءَهُم وَرُدَّهُم إِلَى دِيَارِهِم مَرَدًّا كَرِيمًا آمِنًا. اللهم انصُرِ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي فِلَسطِينَ وَحَولَ الأَقصَى وَفِي غَزَّةَ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُذكَرُ فِيهِ اسمُكَ.
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ
اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ