المقدمة
الحَمدُ للَّهِ رَبِّ الأَربَابِ، وَمُسَبِّبِ الأَسبَابِ، وَمُنَزِّلِ الكِتَابِ، حَفِظَ الأَرضَ بِالجِبَالِ مِنَ الاضطِرَابِ، وَقَهَرَ الجَبَّارِينَ وَأَذَلَّ الصِّعَابَ، وَسَمِعَ خَفِيَّ النُّطقِ وَمَهمُوسَ الخِطَابِ، وَأَبصَرَ فَلَم يَستُر نَظَرَهُ حِجَابٌ، أَنزَلَ القُرآنَ يَحُثُّ فِيهِ عَلَى اكتِسَابِ الثَّوَابِ، وَزَجَرَ عَن أَسبَابِ العِقَابِ.
أَحمَدُهُ عَلَى رَفعِ الشَّكِّ وَالارتِيَابِ، وَأُقِرُّ لَهُ بِالتَّوحِيدِ إِقرَارًا نَافِعًا يَومَ الحِسَابِ، وَأَعتَرِفُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَيِّدُ الصَّالِحِينَ وَذَوِي الأَلبَابِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكرٍ خَيرِ الأَصحَابِ، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي إِذَا ذُكِرَ فِي مَجلِسٍ طَابَ، وَعَلَى عُثمَانَ المَقتُولِ ظُلمًا وَمَا تَعَدَّى الصَّوَابَ، وَعَلَى عَلِيٍّ البَدرِ يَومَ بَدرٍ وَالصَّدرِ يَومَ الأَحزَابِ، وَعَلَى عَمِّهِ العَبَّاسِ الَّذِي نَسَبُهُ أَشرَفُ الأَنسَابِ.
اللَّهُمَّ يَا مَن ذَلَّت لَهُ جَمِيعُ الرِّقَابِ، وَجَرَت بِأَمرِهِ السَّحَابُ، احفَظنَا فِي الحَالِ وَالمَآبِ، وَأَلهِمنَا التَّزَوُّدَ قَبلَ حُلُولِ التُّرَابِ، وَارزُقنَا الاعتِبَارَ بِسَالِفِ الأَترَابِ، وَأَرشِدنَا عِندَ السُّؤَالِ إِلَى صَحِيحِ الجَوَابِ، وَارزُقنِي وَالحَاضِرِينَ عِمَارَةَ القُلُوبِ الخَرَابِ، بِرَحمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَّابُ، أَمَّا بَعدُ:
تَكَلَّمنَا فِي سَردِ كَثِيرٍ مِنَ الفِتَنِ، وَتَكَلَّمنَا فِي نَشأَةِ الفِتَنِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَبَيَانِ أَنَّهَا مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، فَفِي حَدِيثِ عَوفِ بنِ مَالِكٍ الأَشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي ذِكرِ بَعضِ أَشرَاطِ السَّاعَةِ: «ثُمَّ فِتنَةٌ لَا يَبقَى بَيتٌ مِن العَرَبِ إِلَّا دَخَلَتهُ». قَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَالفِتنَةُ المُشَارُ إِلَيهَا افتُتِحَت بِقَتلِ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَاستَمَرَّتِ الفِتَنُ بَعدَهُ.اهـ
فتنة المعتزلة
وَظَهَرَت بَعدَ ذَلِكَ المُعتَزِلَةُ، وَهِيَ فِرقَةٌ تَبِعَت وَاصِلَ بنَ عَطَاءٍ الَّذِي اعتَزَلَ مَجلِسَ الحَسَنِ البِصرِيِّ، وَقَالُوا: بِأَنَّ العَبدَ يَخلُقُ أَفعَالَهُ الِاختِيَارِيَّةَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ مِن هَذَا الكُفرِ، فَقَد جَعَلُوا العِبَادَ خَالِقِينَ مَعَ اللهِ، وَقَالُوا بِأَنَّ اللهَ لَا يُرَى فِي الآخِرَةِ، فَخَالَفُوا القُرآنَ الكَرِيمَ حَيثُ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، فَالمُؤمِنُونَ فِي الجَنَّةِ يَرَونَ رَبَّهُم بِلَا تَشبِيهٍ وَلَا كَيفِيَّةٍ وَلَا مَسَافَةٍ وَلَا جِهَةٍ، وَقَالُوا بِالمَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ، يَقصِدُونَ بِزَعمِهِم أَنَّ أَهلَ الكَبَائِرِ فِي مَنزِلَةٍ بَينَ الكُفرِ وَالإِيمَانِ، وَالمُعتَزِلَةُ عِشرُونَ فِرقَةً، لَهُم أَقوَالٌ فَاسِدَةٌ كَثِيرَةٌ خَالَفُوا بِهَا أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، ذَكَرَ اعتِقَادَاتِهِم وَحَذَّرَ مِنهُمُ العَدِيدُ مِن أَهلِ العِلمِ.اهـ
وَزَادَت فِتنَةُ المُعتَزِلَةِ فِي أَوَاخِرِ القَرنِ الثَّانِي الهِجرِيِّ حَتَّى إِنَّهُ حَصَلَ لِبَعضِهِم تَأثِيرٌ عَلَى بَعضِ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّينَ، وَأَدَّى هَذَا إِلَى الفِتنَةِ الَّتِي حَصَلَت فِي زَمَنِ الإِمَامِ أَحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، وَأَدَّت إِلَى أَن أَمَرَ بَعضُ الخُلَفَاءِ كَالمَأمُونِ وَالمُعتَصِمِ وَالوَاثِقِ بِجَلدِ أَحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، فَجُلِدَ ثَلَاثِينَ شَهرًا رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَمَا يَقُولُ أَبُو نُعَيمٍ فِي الحِليَةِ.
تلخيض منشأ وأصل الفتن في الأمة الإسلامية
لَمَّا استُشهِدَ قُفلُ بَابِ الفِتنَةِعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَانكَسَرَ البَابُ، قَامَ رُؤُوسُ الشَّرِّ عَلَى الشَّهِيدِ عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَتَّى ذُبِحَ صَبرًا، وَتَفَرَّقَتِ الكَلِمَةُ، وَتَمَّت وَقعَةُ الجَمَلِ، ثُمَّ وَقعَةُ صِفِّينَ، فَظَهَرَتِ الخَوَارِجُ وَكَفَّرَتِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ظَهَرَتِ الرَّوَافِضُ وَالنَّوَاصِبُ، وَفِي آخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ ظَهَرَتِ القَدَرِيَّةُ، ثُمَّ ظَهَرَتِ المُعتَزِلَةُ بِالبَصرَةِ، وَالجَهمِيَّةُ وَالمُجَسِّمَةُ بِخُرَاسَانَ فِي أَثنَاءِ عَصرِ التَّابِعِينَ مَعَ ظُهُورِ السُّنَّةِ وَأَهلِهَا إِلَى مَا بَعدَ المِائَتَينِ، فَظَهَرَ المَأمُونُ الخَلِيفَةُ وَرَفَعَتِ الجَهمِيَّةُ وَالمُعتَزِلَةُ رُؤُوسَهَا، وَآلَ بِهِ الحَالُ أَن حَمَلَ الأُمَّةَ عَلَى القَولِ بِخَلقِ القُرآنِ، وَامتَحَنَ العُلَمَاءَ، فَلَم يُمهَل وَهَلَكَ لِعَامِهِ، وَخَلَّى بَعدَهُ شَرًّا وَبَلَاءً فِي الدِّينِ، فَإِنَّ الأُمَّةَ مَا زَالَت عَلَى أَنَّ القُرآنَ العَظِيمَ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى وَوَحيُهُ وَتَنزِيلُه، لَا يَعرِفُونَ غَيرَ ذَلِكَ، حَتَّى نَبَغَ لَهُمُ القَولُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللهِ مَخلُوقٌ مَجعُولٌ. فَأَنكَرَ ذَلِكَ العُلَمَاءُ. وَلَم تَكُنِ الجَهمِيَّةُ يَظهَرُونَ فِي دَولَةِ المَهدِيِّ وَالرَّشِيدِ وَالأَمِينِ، فَلَمَّا وَلِيَ المَأمُونُ أَظهَرُوا المَقَالَةَ، فَهَلَكَ مَن هَلَكَ وَثَبَتَ عَلَى الحَقِّ مَن ثَبَتَ، وَكَانَ الإِمَامُ أَحمَدُ بنُ حَنبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِن رُؤُوسِ مَن ثَبَتَ عَلَى المُعتَقَدِ السَّلِيمِ، وَثَبَّتَ اللهُ بِهِ دَعَائِمَ هَذَا الدِّينِ وَنَصَرَهُ بِهِ، وَلَقِيَ رَحِمَهُ اللهُ جَزَاءَ ذَلِكَ عَذَابًا طَوِيلًا شَدِيدًا، فَجَزَاهُ اللهُ عَنِ الإِسلَامِ وَالمُسلِمِينَ خَيرَ الجَزَاءِ، وَكَانَ أَمرُ اللهِ قَدَرًا مَقدُورًا. وَهَذَا يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّهُ حَصَلَت فِي الأُمَّةِ الإِسلَامِيَّةِ فِتَنٌ عَظِيمَةٌ عَبرَ الزَّمَنِ، فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا عُلَمَاءَ حُلَمَاءَ كِرَامًا بَرَرَةً، مِنهُمُ الإِمَامُ أَحمَدُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ.
فَأَقُولُ أَوَّلًا: أَعَوذُ بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، وَقَد رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَا قَالَ ابنُ عُيَينَةَ عن خَلَفِ بنِ حَوشَبٍ: كَانُوا يَستَحِبُّونَ أَن يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَبيَاتِ عِندَ الفِتَنِ: [البحر الكامل]
الحَربُ أَوَّلُ مَــا تَــكُـونُ فَـتِيَّةً *** تَسعَى بِزِيـنَتِهَا لِــكُلِّ جَـهُولِ
حَتَّى إِذَا اِشتَعَلَت وَشَبَّ ضِرَامُهَا *** وَلَّت عَجُوزًا غَيرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمطَاءَ يُنكَـرُ لَونُـهَـا، وَتَغَيَّرَت *** مَـكـرُوهَـةً لِلـشَّمِّ وَالتَّـقبِيلِ
وَظَهَرَ أَيضًا فِي أَيَّامِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم فِرَقُ الرَّوَافِضِ، وَأَوَّلُ مَن تَكَلَّمَ فِي هَذَا عَبدُ اللهِ بنُ سَبَأٍ لَعَنَهُ اللهُ، وَأَظهَرَ الوَلَاءَ لِآلِ البَيتِ، وَنَقَلَ بَعضَ اعتِقَادَاتِ اليَهُودِ إِلَى بَعضِ الجُهَّالِ أَتبَاعِ الهَوَى فِي ذَلِكَ العَصرِ مِمَّن كَانُوا يُظهِرُونَ الإِسلَامَ وَيُبطِنُونَ كَرَاهِيَتَهُ بَعدَ أَن زَالَت دُوَلُهُم الفَاسِدَةُ مِن رُومٍ وَفُرسٍ عَلَى يَدِ المُسلِمِينَ، وَظَهَرَت فِرَقُ البَاطِنِيَّةِ وَالإِمَامِيَّةِ وَالإِسمَاعِيلِيَّةِ وَالفَاطِمِيَّةِ وَغَيرِهِم مِنَ الفِرَقِ الَّتِي كَانَت مِن أَكثَرِ الفِرَقِ دَمَوِيَّةً وَتَقتِيلًا بِالمُسلِمِينَ وَبِأَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، حَتَّى استَفحَلَ شَرُّهُم فِي القَرنِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، وَقَتَلُوا الحَجِيجَ، وَسَرَقُوا الحَجَرَ الأَسوَدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا، وَانتَشَرَ هَذَا الفَسَادُ وَالفِتَنُ حَتَّى كَانُوا فِي بَعضِ الأَزمَانِ يَقتُلُونَ الشَّخصَ بِمُجَرَّدِ أَنَّهُ سُنِّيٌّ، لَم يَفعَل شَيئًا يُبِيحُ القَتلَ، وَكَانُوا يَقتُلُونَ رِجَالَ وَنِسَاءَ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ.
فتنة التتار
وَأَدخَلَ بَعضُ هَؤُلَاءِ كَابنِ العَلقَمِيِّ التَّتَارَ إِلَى بِلَادِ المُسلِمِينَ لِيَذبَحُوا وَيُفنُوا أَهلَ السُّنَّةِ فِي القَرنِ السَّادِسِ الهِجرِيِّ، وَأَدَّى هَذَا الأَمرُ إِلَى احتِلَالِ أَغلَبِ البِلَادِ الإِسلَامِيَّةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، إِلَى أَن جَاءَ بَعضُ المَمَالِيكِ كَالقَائِدِ قُطُز وَالظَّاهِر بِيبَرس فَغَلَبُوهُم فِي عَينِ جَالُوتَ.
قَالَ التَّاجُ السُّبكِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ: لَم يَكُن مُنذُ خَلَقَ اللهُ الدُّنيَا فِتنَةٌ أَكبَرُ مِن فِتنَةِ التَّتَارِ، فَإِنَّهُم خَرَّبُوا المَسَاجِدَ، وَحَرَّقُوا المَصَاحِفَ وَالكُتُبَ، وَقَتَلُوا الرِّجَالَ، وَسَبَوُا النِّسَاءَ، وَبَقَرُوا بُطُونَهُنَّ، فَأَخرَجُوا أَولَادَهُنَّ وَقَتَلُوهُم.اهـ
وَتَوَالَتِ الفِتَنُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَى يَومِنَا هَذَا، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى حَفِظَ أَهلَ السُّنَّةِ مِنَ الفَنَاءِ لِأَنَّ اللهَ مُتِمُّ نُورِ الحَقِّ، فَلَا تَفنَى هَذِهِ الأُمَّةُ مُطلَقًا بِالكُلِّيَّةِ مَهمَا حَاوَلَ أَعدَاءُ الدِّينِ إِبَادَتَهَا، وَهَذَا مَا يُثبِتُهُ التَّارِيخُ وَالشَّرعُ.
وَقَالَ الإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فِي العَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ: وَنَسأَلُ اللهَ تَعَالَى أَن يُثَبِّتَنَا عَلَى الإِيمَانِ وَيَختِمَ لَنَا بِهِ، وَيَعصِمَنَا مِنَ الأَهوَاءِ المُختَلِفَةِ، وَالآرَاءِ المُتَفَرِّقَةِ، وَالمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ، مِثلُ المُشَبِّهَةِ، وَالمُعتَزِلَةِ، وَالجَهمِيَّةِ، وَالجَبرِيَّةِ، وَالقَدَرِيَّةِ، وَغَيرِهِم مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا السُّنَّةَ وَالجَمَاعَةَ وَحَالَفُوا الضَّلَالَةَ.اهـ
كثرة الفتن وعمومها على الناس وكيفية التعامل معها
وَقَد أَخبَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِنُزُولِ الفِتَنِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَكَثرَتِهَا حَتَّى إِنَّهَا لَا تَترُكُ بَيتًا إِلَّا وَدَخَلَتهُ، فَفِي البُخَارِيِّ عَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أَشرَفَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أُطُمٍ مِن آطَامِ المَدِينَةِ، فَقَالَ: «هَل تَرَونَ مَا أَرَى؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَإِنِّي لَأَرَى الفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُم كَوَقعِ القَطرِ».اهـ
وَفِي البُخَارِيِّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنقُصُ العَمَلُ، وَيُلقَى الشُّحُّ، وَتَظهَرُ الفِتَنُ، وَيَكثُرُ الهَرجُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ: «القَتلُ القَتلُ».اهـ
وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تَكُونُ فِتنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ اليَقظَانِ، وَاليَقظَانُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي، فَمَن وَجَدَ مَلجَأً أَوْ مَعَاذًا فَليَستَعِذ».اهـ
وَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتنَةٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المَاشِي فِيهَا، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيهَا، أَلَا فَإِذَا نَزَلَت أَو وَقَعَت فَمَن كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَليَلحَق بِإِبِلِهِ، وَمَن كَانَت لَهُ غَنَمٌ فَليَلحَق بِغَنَمِهِ، وَمَن كَانَت لَهُ أَرضٌ فَليَلحَق بِأَرضِهِ».
وَفِي البُخَارِيِّ عَنِ الزُّبَيرِ بنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَينَا أَنَسَ بنَ مَالِكٍ فَشَكَونَا إِلَيهِ مَا نَلقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: اصبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأتِي عَلَيكُم زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعدَهُ شَرٌّ مِنهُ حَتَّى تَلقَوا رَبَّكُم، سَمِعتُهُ مِن نَبِيِّكُم ﷺ.اهـ
وَفِي البُخَارِيِّ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُوشِكُ أَن يَكُونَ خَيرُ مَالِ المُسلِمِ غَنَمٌ يَتبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ».اهـ
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالتَّشبِيهُ بِمَوَاقِعِ القَطرِ فِي الكَثرَةِ وَالعُمُومِ، أَي إِنَّهَا كَثِيرَةٌ وَتَعُمُّ النَّاسَ لَا تَختَصُّ بِهَا طَائِفَةٌ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الحُرُوبِ الجَارِيَةِ بَينَهُم، وَفِيهِ مُعجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ ﷺ.اهـ
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لَهَا تَستَشرِفهُ، فَمَن وَجَدَ فِيهَا مَلجَأً أَو مَعَاذًا فَليَعُذ بِهِ».اهـ
قَالَ ابنُ حَجَرٍ: قَولُهُ: «مَن تَشَرَّفَ لَهَا» بِفَتحِ المُثَنَّاةِ وَالمُعجَمَةِ وَتَشدِيدِ الرَّاءِ؛ أَي تَطَلَّعَ لَهَا بِأَن يَتَصَدَّى وَيَتَعَرَّضَ لَهَا وَلَا يُعرِضُ عَنهَا.
قَولُهُ: «تَستَشرِفُهُ»: أَي تُهلِكُهُ بِأَن يُشرِفَ مِنهَا عَلَى الهَلَاكِ، يُقَالُ: استَشرَفتُ الشَّيءَ عَلَوتُهُ وَأَشرَفتُ عَلَيهِ، يُرِيدُ: مَنِ انتَصَبَ لَهَا انتَصَبَت لَهُ، وَمَن أَعرَضَ عَنهَا أَعرَضَت عَنهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَن طَلَعَ فِيهَا بِشَخصِهِ قَابَلَتهُ بِشَرِّهَا، وَيَحتَمِلُ أَن يَكُونَ المُرَادُ: مَن خَاطَرَ فِيهَا بِنَفسِهِ أَهلَكَتهُ.
وَقَولُهُ ﷺ: «وَمَن وَجَدَ مِنهَا مَلجَأً» أَي عَاصِمًا وَمَوضِعًا يَلتَجِئُ إِلَيهِ وَيَعتَزِلُ «فَليَعُذ بِهِ» أَي فَليَعتَزِل فِيهِ، وَأَمَّا قَولُهُ ﷺ: «القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ» إِلَى آخِرِهِ فَمَعنَاهُ بَيَانُ عَظِيمِ خَطَرِهَا وَالحَثُّ عَلَى تَجَنُّبِهَا وَالهَرَبِ مِنهَا، وَأَنَّ شَرَّهَا وَفِتنَتَهَا يَكُونُ عَلَى حَسَبِ التَّعَلُّقِ بِهَا.اهـ
فَهَذَا يُبَيِّنُ لَنَا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الدُّعَاءُ بِالعِصمَةِ مِنَ الفِتَنِ، وَوَرَدَ مَا يُستَحَبُّ فِيهَا مِنَ الكَفِّ وَالإِمسَاكِ عَنِ القِتَالِ، وَالعُزلَةِ فِيهَا، وَمَا يُكرَهُ مِنَ الِاستِشرَافِ لَهَا، فَفِي رِوَايَةٍ عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «تَكُونُ فِتنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المُضطَجِعِ، وَالمُضطَجِعُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَاعِدِ، وَالقَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي خَيرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ خَيرٌ مِنَ المُجرِي، قَتلَاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ» قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَيَّامَ الهَرجِ» قَالَ: قُلتُ: وَمَتَى أَيَّامُ الهَرجِ؟ قَالَ: «حِينَ لَا يَأمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ» قَالَ: قُلتُ: فَبِمَ تَأمُرُنِي إِن أَدرَكتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «اكفُف نَفسَكَ وَيَدَكَ، وَادخُل دَارَكَ»، قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِن دَخَلَ عَلَيَّ دَارِي؟ قَالَ: «فَادخُل بَيتَكَ» قَالَ: قُلتُ: إِن دَخَلَ عَلَيَّ بَيتِي؟ قَالَ: «فَادخُل مَسجِدَكَ، ثُمَّ اصنَع هَكَذَا» ثُمَّ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى الكُوعِ، «وَقُل: رَبِّيَ اللهُ، حَتَّى تُقتَلَ عَلَى ذَلِكَ».
وعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الفِتنَةَ إِذَا أَقبَلَت شَبَّهَت [أَي صَارَت شُبهَةً]، وَإِذَا أَدبَرَت أَسفَرَت [أَيِ انجَلَت وَوَضَحَت بَعدَ انقِضَائِهَا]، وَإِنَّ الفِتنَةَ تُلقَحُ بِالنَّجوَى [تَزِيدُ بِالمُسَارَّةِ وَالمُنَاجَاةِ]، وَتُنتَجُ بِالشَّكوَى [أَي تَزِيدُ بِالقِيلِ وَالقَالِ وَالتَّشَكِّي]، فَلَا تُثِيرُوا الفِتنَةَ إِذَا حَمِيَت، وَلَا تَعرِضُوا لَهَا إِذَا عَرَضَت، إِنَّ الفِتنَةَ رَاتِعَةٌ فِي بِلَادِ اللهِ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَ البَرِيَّةِ أَن يُوقِظَهَا حَتَّى يَأذَنَ اللهُ تَعَالَى لَهَا، الوَيلُ لِمَن أَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ الوَيلُ لَهُ».
وَالنَّبِيُّ ﷺ حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنَ الفِتَنِ، وَبَيَّنَ لَهُم كَيفَ الخَلَاصُ مِنهَا، لَكِنَّ الأَمرَ أَي أَمرَ النَّجَاةِ مُنَاطٌ بِتَوفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَن أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيرًا نَجَّاهُ وَأَنقَذَهُ وَجَنَّبَهُ هَذِهِ الفِتَنَ مَعَ كَثرَتِهَا، وَهَذَا هُوَ السَّعِيدُ بِحَقٍّ، فَقَد رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ حَدَّثَ عَن أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنَا المِقدَادُ بنُ الأَسوَدِ لِحَاجَةٍ لَهُ [وَهُوَ أَحَدُ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَفُرسَانِهِم البَدرِيِّينَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ] فَقُلنَا: اجلِس عَافَاكَ اللهُ حَتَّى تَطلُبَ حَاجَتَكَ، قَالَ: العَجَبُ مِن قَومٍ مَرَرتُ بِهِم آنِفًا يَتَمَنَّونَ الفِتنَةَ، وَايمُ اللهِ لَقَد سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ – يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – وَإِنِ ابتُلِيَ فَصَبَرَ».اهـ وَقَد قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً﴾، وكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحَذِّرُ مِنَ الفِتَنِ.
وَكَانَ بَعضُ الصَّحَابَةِ يَسأَلُونَ النَّبِيَّ ﷺ عَن هَذِهِ المَفَاسِدِ وَالفِتَنِ حَتَّى يَجتَنِبُوهَا وَيَتَّقُوا شَرَّهَا، فَفِي البُخَارِيِّ أَنَّ أَبَا إِدرِيسَ الخَولَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيفَةَ بنَ اليَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الخَيرِ، وَكُنتُ أَسأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَن يُدرِكَنِي، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الخَيرِ، فَهَل بَعدَ هَذَا الخَيرِ مِن شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَم». قُلتُ: وَهَل بَعدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِن خَيرٍ؟ قَالَ: «نَعَم، وَفِيهِ دَخَنٌ» قُلتُ وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَومٌ يَهدُونَ بِغَيرِ هَديٍ، تَعرِفُ مِنهُم وَتُنكِرُ». قُلتُ: فَهَل بَعدَ ذَلِكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَم، دُعَاةٌ عَلَى أَبوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُم إِلَيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفهُم لَنَا، قَالَ: «هُم مِن جِلدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا» قُلتُ: فَمَا تَأمُرُنِي إِن أَدرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَإِمَامَهُم» قُلتُ: فَإِن لَم يَكُن لَهُم جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعتَزِل تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا وَلَو أَن تَعَضَّ بِأَصلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدرِكَكَ المَوتُ وَأَنتَ عَلَى ذَلِكَ».اهـ
وَكَانَ حَالُ النَّاسِ فِي الفِتَنِ أَنَّهُم يَجتَنِبُونَهَا وَيَلتَزِمُونَ أَصلَ طَرِيقِ النَّجَاةِ، فَلَا يَتَقَحَّمُونَ هَذِهِ الفِتَنَ وَلَا يَدخُلُونَ فِيهَا، بَل يَلتَزِمُونَ أَصلَ طَرِيقِ النَّجَاةِ الثَّابِتِ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ وَلَا يَدخُلُونَ فِي الفِتَنِ، فَإِنَّ لَهَا أُنَاسًا يَقدِرُونَ بِتَوفِيقِ اللهِ عَلَى حَلِّهَا وَإِنهَائِهَا.
وَقَد حَذَّرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الفِتَنِ بِشَكلٍ عَامٍّ وَمِن بَعضِ الفِتَنِ عَلَى التَّخصِيصِ، وَحَتَّى إِنَّهُ سَمَّى بَعضَهَا وَنَبَّهَ عَلَيهَا، فَفِي البُخَارِيِّ عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا: وَفِي نَجدِنَا؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي شَامِنَا اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِي نَجدِنَا؟ فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطَانِ».اهـ
وَقَد أَخبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ مِن كَثرَةِ الفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَتَمَنَّى المُؤمِنُ أَن يَمُوتَ مِن هَولِ هَذِهِ الفِتَنِ وَكَثرَتِهَا، فَفِي البُخَارِيِّ: عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيتَنِي مَكَانَهُ».اهـ
السؤال الفقهي
هل الإبرة في العضل تفطر؟
الإِبرَةُ الدّوَائِيَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي العَضَلِ أَوِ الوَرِيدِ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ بِكَافَّةِ أَنوَاعِهَا، لِأَنَّهَا لَم تَصِل إِلَى الجَوفِ مِن مَنفَذٍ طَبِيعِيٍّ مَفتُوحٍ، فَلَم يَتَحَقَّق فِيهَا عِلَّةُ الإِفطَارِ فَهِيَ أَشبَهُ مَا تَكُونُ بِتَشَرُّبِ المَسَامِّ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الجَوفِ، فَإِنَّهُ لَا يُفطِرُ بِذَلِكَ بِغَيرِ خِلَافٍ. وَكَذَلِكَ إِبرَةُ البَنجِّ فِي اللِّثَةِ لا تُفَطِّرُ إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَ رِيقُهُ فَبَلَعَهُ. وَكَذَلِكَ المَصلُ فِي الشِّريَانِ المَعرُوفُ اليَومَ فِي المُستَشفَيَاتِ فَإِنَّهُ لا يُفَطِّرُ.
مختارات من الأدعية والأذكار
دعاء لأخيك بظهر الغيب
رَوَى مُسلِمٌ وبعضُ أصحابِ السُّنَنِ عَن أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِن عَبدٍ مُسلِمٍ يَدعُو لِأَخِيهِ بِظَهرِ الغَيبِ إِلَّا قَالَ المَلَكُ: وَلَكَ بِمِثلٍ». قَالَ شَيخُنَا رَضِيَ اللهُ عَنهُ: “إِذَا دَعَا لِمُسلِمٍ فِي حُضُورِهِ سِرًّا لَا يُسَمَّى دُعَاءً بِظَهرِ الغَيبِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي غَيرِ حَضرَتِهِ”، أَي لِيَحصُلَ لَهُ السِّرُّ، لَكِنَّهُ أَمرٌ حَسَنٌ وَلَو أَسمَعَهُ الدُّعَاءَ لِأَنَّهُ يُفَرِّحُ قَلبَهُ. وَاشتَهَرَ عَنِ الإِمَامِ أَحمَدَ أَنَّهُ قَالَ: “مَا صَلَّيتُ صَلَاةً مُنذُ أَربَعِينَ سَنَةً إِلَّا وَأَنَا أَدعُو لِلشَّافِعِيِّ”.
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ…
لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا اللهُ يَا رَحمَنُ يَا رَحِيمُ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ يَا إِلَٰهَنَا وَإِلَٰهَ كُلِّ شَىءٍ جَمِيعًا، إِلَٰهًا وَاحِدًا لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ يَا عَلِيمُ يَا حَلِيمُ يَا عَفُوُّ يَا غَفُورُ يَا سَمِيعُ يَا بَصِيرُ يَا عَلِيُّ يَا كَبِيرُ يَا رَؤُوفُ يَا رَحِيمُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ
اللهم اشرَح صُدُورَنَا، وَنُورَ قُلُوبَنَا وَصُدُورَنَا، وَافتَح عَلَينَا فُتُوحَ العَارِفِينَ يَا اللهُ، اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمنَا مِنهُ وَمَا لَم نَعلَم، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمنَا مِنهُ وَمَا لَم نَعلَم، اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ مِن خَيرِ مَا سَأَلَكَ عَبدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمّدٌ ﷺ، وَنعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا عَاذَ مِنهُ عَبدُكَ وَنَبِيُّك مُحَمّدٌ ﷺ، اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنَسأَلُكَ أَن تَجعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ تَقضِيهِ لَنَا خَيرًا، اللهم عَلِّمنَا مَا جَهِلنَا وذَكِّرنَا مَا نَسِينَا وَاجعَلِ القُرءَانَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورًا لِأَبصَارِنَا وَجَوَارِحِنَا وَتَوَفَّنَا عَلَى هَديِهِ وَأَكرِمنَا بِحِفظِهِ وَاحفَظنَا بِبَرَكَتِهِ.
اللهم اجعَلنَا مِنَ العُلَمَاءِ الحُلَمَاءِ البَرَرَةِ الأَتقِيَاءِ، اللهم فَقِّهنَا فِي الدِّينِ، وَاجعَلنَا مِنَ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ النَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ، اللهم أَكرِمنَا بِحِفظِ القُرآنِ العَظِيمِ، وَارزُقنَا تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَأَطرَافَ النَّهَارِ، وَاحفَظنَا بِبَرَكَتِهِ وَبَرَكَةِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَاجعَلنَا مِنَ العَامِلِينَ بِأَحكَامِهِ، وَمِنَ الوَقَّافِينَ عِندَ حُدُودِهِ، وَاجعَلهُ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَينَا، وَاجعَلهُ نُورًا لَنَا فِي الدُّنيَا وَالقَبرِ وَالآخِرَةِ، اللهم اجعَل فِي قُلُوبِنَا نُورًا، وَفِي أَسمَاعِنَا نُورًا، وَفِي أَبصَارِنَا نُورًا، وَمِن فَوقِنَا نُورًا، وَمِن تَحتِنَا نُورًا، وَأَمَامَنَا نُورًا، وَخَلفَنَا نُورًا، وَفِي قُبُورِنَا نُورًا، وَعِندَ الصِّرَاطِ نُورًا، اللهم اجعَلنَا مِنَ الطَّائِرِينَ فَوقَ الصِّرَاطِ، اللهم نَجِّنَا يَومَ الحَسرَةِ وَالنَّدَامَةِ، اللهم لَا تُخَيِّب رَجَاءَنَا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ،
اللهم انصُر أَهلَ غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ اللهم أَخرِجهُم مِن بَينِ اليَهُودِ سَالِمِينَ اللهم فَرِّج كَربَهُم وَأَمِدَّهُم بِجُنُودِكَ اللهم اشفِ صُدُورَ قَومٍ مُؤمِنِينَ اللهم ارحَم أَموَاتَ المُسلِمِينَ.
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ