الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.
اعلم أخي المسلم أن الله تبارك وتعالى شرع لنا من الأحكام والأعمال ما إن التزمنا به حقّ الالتزام كان لنا بذلك نفعًا عظيمًا في دنيانا وذخرًا لآخرتنا، ومن ذلك الطهارة التي هي شرط من شروط صحة الصلاة فإنّه من لا طهارة له لا صلاة له فقد قال عليه الصلاة والسلام: “لا يقبلُ الله صلاةً بغير طهور”، وإنّ من أعمال الطهارة الوضوء، فقد قال عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾. والوضوء ليس هو من خصائص هذه الأمة بل كان قبل ذلك، لكنّه لم يكن في غير هذه الأمّة الغرّة والتحجيل فإنّهما من خصائص هذه الأمّة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ” والغرّة هي زيادة شىء ممّا حول الوجه في غسل الوجه في الوضوء، وأمّا التحجيل فهو زيادة شىء ممّا فوق المرفقين والكعبين في غسل اليدين والرجلين، ومواضع هذه الزيادة تنوَّر لهم يوم القيامة فيعرف رسول الله من كان من أمّته بهذه العلامة. وليعلم أنّ الله تعالى جعل في الوضوء بركات وفضائل وأسرارًا تحصل للعبد المؤمن الذي يحافظ على طهارته ما استطاع، فقد ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ”.
والمقصود بإسباغ الوضوء إتيانه على النحو الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ورد أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إسباغ الوضوء على المكاره لأن ذلك يكون أشد على النفس فيؤجر العبد على قدر المشقّة، وليعلم أن من فضائل الوضوء تكفير السيّئات التي ما وصلت إلى حدّ الكبيرة أو الكفر بالله والعياذ بالله تعالى، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ فِيهِ وَأَنْفِهِ فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ يَدَيْهِ فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ وَكَانَتْ صَلاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً” وقد يكفّر الله تعالى بعض الكبائر عن عبده المؤمن بعمل هو ما كان يظن أنه يبلغ ما بلغ من مضاعفة الأجر عند الله تعالى، فلا ينبغي أن يستهين العبد بمثقال ذرّة من خير فإنّه لا يدري أي العمل يكون سببًا لدخوله الجنّة والنجاة من الخوف والعذاب يوم القيامة.
وليعلم أنّ من أسرار الوضوء أنّه من نام على وضوء ثم قرأ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ والمعوِّذتين وسورةَ الإخلاص وذكر الله حتى نام، فإنّه إن فعل ذلك فإنّ ملكًا من ملائكة الله يبقى قريبًا منه كلّ الليل، وروحه مع تعلّقها بالجسد تبيت عند العرش وذلك من أكثر أسباب الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن، وكذلك من كان يشكو من أذى الجن فليفعل ذلك إذا أراد النّوم فإنّه من جملة ما يحارب به المؤمن الشيطان أن يبقى على وضوء.
وكذلك إذا استيقظ العبد من نومه فإنه إذا ذكر الله تعالى وتوضّأ وصلى، فإنه يكون نشيطًا في يومه هذا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ”.
عباد الله، إن عافيتنا بحسن الالتزام والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّ في أداء العبادات مع العلم والإخلاص فلاح لنا، فلا بدّ من تعلّم ما افترض الله تعالى وما حرّم على عباده، فقد قال عليه الصلاة والسّلام “مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ”.