هذا الفصل معقود لأحكام القذف واللعان. القذف فى الشرع هو الرمىُ بالزنى أو باللواط، صريحاً أو كناية. الصريح مثلُ قول الشخص للآخر يا زانى أو يا زانية والكناية كقوله يا فاسق أو يا فاسقة. أما اللعان شرعاً فهو كلمات مخصوصة جعلها الله حجةً فى الشرع تقومُ مقامَ شهودٍ أربعة فى الزنى ونحوه، ليس لأي شخص إنما بالنسبة لمن ابتُلِيَ بقذْفِ امرأَتِه حتى يدفعَ العار الذي أَلحَقَتْهُ به بزناها مع كونِهَا زوجةً له ولدفع النسب الفاسد إن كان هناك ولدٌ يَنفيه، وذلك أن الزوج قد يتعذَّرُ عليه إقامةُ البينة بالإتيان بشهود أربعة يشهدون على زنى زوجته، فجُعِلَ اللعان بيّنة لها. وهذا إنما يجوز له إن عَلِمَ زناها بأن رأى ذلك مثلاً أو ظنَّه ظناً قوياً لوجود قرائن تدل عليه، أما إن لم يعلم زناها ولم يظنَّه ظناً مؤكداً فليس له ذلك. فإذا رمى الزوج المكلّف زوجتَه بالزنى، عَيَّرَها بالزنى، رماها بالزنى، قَذَفَها بالزنى لتعييرها وكانت مُحْصَنةً فعليه حدُّ القذف، فإن رماها بإنسان بعينه فعليه حدَّان لأنه يكون قَذَفَ اثنين فى هذه الحال إلا إذا أقام البينة أو لاعن. وإنما يكون اللعان بذكر كلمات مخصوصة يُلقِنُه إياها القاضي أو من يقومُ مقامه ليس هو وهي وحدَهما يتلاعنان لا، إنما يُلقِنُه القاضي هذه الكلمات لأن هناك شروطًا أربعة لصحة اللعان أولها أن يسبِقَه اتهامٌ بالزنى أي قذف، الثاني: تلقين القاضي. الثالث: ولاءُ كلماتِ اللعان- الولاء يعنى الواحدة بعد الأخرى من غير شىءٍ أجنبى يَفْصِلُ بينها-. والرابع: أن لا يُبَدِّلَ اللفظ، اللعان له لفظ معين لا يَخرُجُ عنه بل يلتزم باللفظ. وعُلم مما ذكرنا أن قذفَ الصبى والمجنون والمكره ليس فيه عقوبة ولا يقتضي اللعان. وكيفيةُ اللعان أنّ الزوج يأتي إلى الحاكم أو من ينوب عنه كالقاضي مثلاً، فيذكرُ حالَه ثم يذكران ما يُذكَرُ شرعاً فى مثل هذا الموضع ثم يلقنُه القاضي ماذا يقول، فيلاعن الزوج فى الجامع ندباً، أي يُندب أن يكون هذا فى الجامع لأن هذا المكان معظم فى أعين المسلمين فيكون هذا أبعد له عن أن يكذب إذا حصلت الملاعنة فى ذلك المكان، قد يحمله ذلك على أن يرجع إن كان كاذباً، وبعد العصر أيضاً لأجل شأن هذا الوقت بحضور جماعة من الناس، من أعيان الناس وصلحائهم ليكون فى ذلك أيضاً ردعاً له عن الكذب، فيقول أشهد بالله يعنى أشهد وأنا أحلف بالله، يقول أشهد بالله أننى لمن الصادقين فيما رميتُ به زوجتِى فلانة من الزنى، -زوجتى فلانة إن لم تكن حاضرة يعني، أما إن كانت حاضرة يقول زوجتى هذه- فإن كان هناك ولد يريد أن ينفيَه يَزيدُ على ذلك فيقول وأنّ هذا الولد من الزنى وليس منى. ثم هذه العبارات الأربعة كل واحدة منها قامت مقام شاهد. ثم قبل المرة الخامسة يعظُه الحاكم، يقول له مثلا اتقِ الله لا تكذب، عذابُ الآخرة أشدُّ من عذاب الدنيا وما أشبه ذلك من الوعظ، ويأمُرُ الحاكم رجلاً أن يضع يده على فم الشخص كأنه يقول له انتبه، كلُّ هذا لتذكيره لعله يرجع فإن لم يفعل يزيد فى الخامسة فيقول ما قال ويزيد: وعليّ لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنى أو زوجتي هذه أي إن كانت حاضرة. فإذا حصل هذا، يترتب على لعانه عدة أحكام منها خمسة. أول الأحكام سقَطَ الحد عنه فلا يعاقَب على قذفِه إياها وللآخر كذلك إن ذَكَرَ الذكَرَ الآخر.
وثانى الخمسة: وجوبُ الحدِّ عليها.
والثالث: زوالُ الفراش يعنى زوال الزوجية أي انقطع الزواج بينهما، انتهى.
والرابع: الولد الملاعَن عليه لا ينسب إليه.
والخامس: التحريم للزوجةِ التي لاعَنَها عليه إلى الأبد، فلا يستطيع أن يرُدَّها ولو بنكاح جديد ولو بعد أن نكحت زوجاً ءاخر أو أكثر، ولو كذّب نفسه بعد ذلك فليس له أن يردَها.
ويسقط الحد عنها بأن تَلْتَعِنَ هى، فتقول إن كان الزوج حاضرًا أشهدُ بالله أنّ فلاناً هذا لمن الكاذبين عليَّ فيما رماني به من الزنى، وأما إن كان غائباً فتقول أشهدُ بالله أنَّ فلانَ ابنَ فلان لمن الكاذبين عليَّ فيما رماني به من الزنى، وتقول هذا أربعَ مرات وتقولُ فى المرة الخامسة بعد أن يَعِظَها الحاكم كما ذكرنا بالنسبة للرجل، ويأمر امرأة أن تَضَعَ يدَها على فمها لعلَّها تنـزَجِر، تقول وعليَّ غضبُ الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى.